اليسارَويّة مجرد نفاق سياسي


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 5894 - 2018 / 6 / 5 - 22:54
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

بدا واضحا مع بداية القرن الحادي والعشرين أن اليساروية هي دعوى الشيوعيين المفلسين . فبالإنهيار البنيوي للمعسكر الإشتراكي والإتحاد السوفياتي بشكل خاص في العام 1991 تأكد إفلاس الشيوعيين الذين حافظوا على ولائهم للحزب الشيوعي السوفياتي بعد انحرافه عن النهج اللينيني ولو أن الإنهيار الفعلي كان قد بدأ في العام 1953 بقيادة خروشتشوف وعصابته من العسكر - وكنا قد أكدنا ذلك في مذكرتين موجهتين لقيادة الحزب الشيوعي الأردني في عامي 1963 و 65. لكن هؤلاء القوم الذين أفنوا العمر في النضال لتحقيق الشيوعية كان من غير المقبول علىهم الإعتراف بالفشل والإقرار بالخيبة التامة . إذاك كانت قشة الغريق هي ادعاء الشيوعيين المفلسين باليساروية . نقول اليساروية وليس اليسارية لأنه اليسارويين هي أنهم لم يقولوا قولاً فصيحاً واضحاً عن أي ديموقراطية وأية عدالة إجتماعية هم يتحدثون ؛ وعن الفرق بين الديموقراطية اليساروية والديموقراطية أو النظام السياسي القائم في بلدانهم وكذلك الفرق في العدالة الإجتماعية وإذا ما كانت عدالتهم الإجتماعية تختلف عن العدالة الإجتماعية التي يأخذ بها الحزب الشيوعي في الصين وتسمح بتواجد مئات المليارديرات وملايين الفقراء . وبعض اليسارويين الأخر وربما هم الأكثر ذكاءً لكنهم سرعان ما يقعون في حيص بيص فلا يفصحون عن أية أهداف يرومون تحقيقها لكنهم مع ذلك يدعون إلى تغيير جذري للنظام القائم يقوم به خليط من العمال والمهنيين والمثقفين وعموم البورجوازية الوضيعة دون تحديد الهدف المشترك لمثل هذا التجمع الخليط العجيب الغريب . السؤال الذي يسكت عليه هؤلاء وأولئك من المفلسين سياسياً من شيوعيين وغير شيوعيين هو .. هل يمكن خلع النظام القائم من جذوره دون معرفة هذه الجذور وامتداداتها !؟

ليس ثمة أدنى شك في أن أحداً من هؤلاء اليسارويين يعرف أو حتى يمكنه أن يعرف جذور النظام القائم في مجتمعه وامتداداتها ؛ فلو عرفها أحدهم أو حتى شرع في التعرف عليها لما تحدث عن مشروع تغيير خاص بوطنه بعيداً عن الأوطان الأخرى وعن العالم برمته . الحقيقة الأولى التي اكتشفها ماركس والتي دفعته لبناء كل عمارته في العلوم التي تحكم التطور الإجتاعي هي الوحدة العضوية للعالم التي تركّبت عبر النظام الرأسمالي ولن تتفكك في المستقبل تحت مختلف الظروف . هذه الحقيقة الثابتة تنفي وحدها نفياً قاطعاً كل التخرصات اليساروية .
استناداً إلى هذه الحقيقة الأولى في الماركسية لنا كماركسيين بلاشفة أن نبغت اليسارويين وبالأخص منهم الشيوعيون المفلسون الذين ملأوا الفضاء الشيوعي زعيقاً ينافقون بالدعاوى اليساروّية، نبغتهم بالقول .. لستم أنتم من يقرر النظام الإجتاعي في مجتمعاتكم الخاصة . العالم بقواه النافذة على الصعيد العالمي هو الذي يقرر النظام في مجتمعكم، العالم وليس أنتم أكنتم بسارويين أم غير يسارويين . استنادا إلى هذه الحقيقة الثابتة كان مشروع ماركس يقضي بتغيير العالم بثورة بروليتارية واحدة في مركز النظام الرأسمالي العالمي . وما كان لينين يقوم بثورة أكتوبر الاشتراكية لولا الحرب العالمية الأولى ولعبة الإمبريالية الجرمانية بتحييد روسيا القيصرية في الحرب واضطرار لينين لأن يوقع صلحاً جائراً مع الألمان في برست لوتوفسك في مارس 1918 . اليسارويون يدبجون مشروعهم الوطني دون أن يعرفوا أو يتعرفوا على جنس النظام الدولي القائم وطبيعته وهو الذي نظامهم الوطني جزؤ منه .
أحد الشيوعيين المفلسين سياسيا يدعو إلى بدء الثورة في الأطراف ومحاصرة المراكز طالما فشلت الثورة الاشتراكية فيها . لمثل هذا السقم يؤدي الإفلاس والفشل في قراءة التاريخ . ماركس قال بالثورة في المركز فقط وهي قمينة بتغيير العالم، كل العالم، وذلك لسبب واحد فقط وبسيط وهو أن المركز ينتج من البضاعة ما يفوق قدرته على استبدالها بنقود وفق مقتضيات دورة الإنتاج الرأسمالي . الحال في الأطراف هو العكس تماماً من هذا الأمر فأي داعٍ آخر سيدعوها ليس فقط القيام بثورة بل وبمحاصرة المركز أيضاً !!
يا للسقامة، كيف تجمعت في شيوعي مفلس يعرفه القراء دون أن أسميه !!

في ختام هذه المقالة المكرورة مرات ومرات يترتب علينا كبلاشفة أن نقوم بواجبنا وقد تعلمنا الماركسية اللينينية من تراث البلشفي الأعظم يوسف ستالين، وهو أن نهيب بالأحزاب الشيوعية في البلدان العربية على الأقل بان تتوقف نهائياً عن ممارسة سياسة النفاق والتعمية الموصوفة ب "اليسارية" وأن تنصرف عوضاً عن ذلك إلى قراءة التاريخ، تاريخ النصف الثاني من القرن العشرين وفق المنهج الماركسي وهي القراءة التي تؤكد أن ثورة أكتوبر الإشتراكية البلشفية كانت قد طوت نهائياً صفحة الرأسمالية الإمبريالية في سجل تاريخ البشرية وفتحت صفحة جديدة تقول لمن يجيد قراءة التاريخ قراءة علمية أن الثورة الإشتراكية، ثورة البلاشفة رفاق لينين ما زالت حية في الأرض وستتفجّر في مختلف أصقاعها قريباً وقريباً جداً، وإذاك سيعود البلاشفة اللينينيون يضعون الشيوعيين في العالم أمام مسؤولياتهم الجسام .