القاموس القرآنى: مصطلح ( شكر) ( 4 من 4 )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 5891 - 2018 / 6 / 2 - 23:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

رابعا : وصف الأنبياء بالشكر
الأنبياء هم أئمة البشر فى حمد الله جل وعلا وشكره. ويأتى مصطلح الحمد بالنسبة لهم بمعنى الشكر ، ونعطى أمثلة :
1 ـ عن نوح عليه السلام قال جل وعلا :( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً (3) الاسراء ). كان نوح عليه السلام عبدا لربه جل وعلا وكان شكورا . الشكور صيغة مبالغة من شاكر . وهنا مدح الاهى لنوح عليه السلام .
2 ـ وعن ابراهيم عليه السلام قال جل وعلا : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (122) النحل ) هنا مدائح إلاهية لإبراهيم عليه السلام ، فقد كان (أُمّة ) أى مجموعة من الأخلاق الطيبة ، ( قانتا ) خاشعا مخلصا لربه فى عبادته ، و( حنيفا ) متمسكا ب ( لا إله إلا الله ) ولم يقع فى الشرك مطلقا ، وتعرض لإختبارات وإبتلاءات عديدة فنجح فيها ، وصبر ، وكان شاكرا حامدا لربه جل وعلا ، لذا إجتباه ربه جل وعلا وهداه من البداية الى صراط مستقيم ، وآتاه حسنة فى الدنيا ، أنعم عليه بالثروة وبالذرية ، ثم هو فى الآخرة سيكون من الصالحين لدخول الجنة .
3 ـ وعن لوط عليه السلام قال جل وعلا : ( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) القمر ) بعث الله جل وعلا لوطا الى قوم موبوئين بالشذوذ الجنسى ، وأنعم الله جل وعلا عليه إذ أنجاه من العذاب الذى أهلكهم لأنه كان شاكرا حامدا لربه . قال عنه جل وعلا : ( نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) القمر ).
4 ـ وفى حياته جاء الأمر الالهى لموسى عليه السلام أن يكون من الشاكرين أى الحامدين :( قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ (144 ) الاعراف ). كان هذا حين تلقى الألواح من ربه جل وعلا وهو على جبل الطور فى سيناء .
5 ـ قال جل وعلا : ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً )(13) سبأ )، أى أمر إلاهى لآل داود بحمد الرحمن جل وعلا ، وقد كانوا مؤمنين .
6 ـ وأنعم الله جل وعلا على النبى سليمان بنعم هائلة ، وكان لها من الشاكرين الحامدين :
6 / 1 : منها أنه كان يعلم لسان الطير والحشرات وسمع ما تقوله النمل . قال جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) النمل ). دعا ربه جل وعلا أن يهديه الى شكر وحمد نعمته عليه وعلى والديه ، وان يهديه الى عمل الصالحات المرضية من ربه جل وعلا ، وأن يدخله ربه يوم القيامة فى الصالحين . هذا دعاء نبى من أنبياء الله أن يكون من الصالحين ، مثله دعوة ابراهيم ( الشعراء 83 ) ودعوة يوسف ( يوسف 101 ) ومن مهازل المحمديين أنهم يصدرون قرارا بأن فلانا ( رجل صالح ) ويجعلونه وليا من أولياء الله ( الصالحين ) .!
6 / 2 : أحضروا لسليمان عرش ملكة سبا فى أسرع من سرعة الضوء : ( قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) النمل ) . إعترف بفضل ربه وأنه إبتلاء النعمة ، وأن من يشكر النعمة ويحمد ربه عليها فإن الله جل وعلا يزيده . أى يكون جزاء شكره غنيمة لنفسه .
خامسا : بين الشكر والتقوى
1 ـ المؤمنون مع النبى فى بداية عهدهم فى المديمة بعد الهجرة تعرضوا لغارات عدوانية من قريش ، ولم يكن مصرحا لهم برد العدوان ، بل كانوا مأمورين بكفّ اليد ، ونزل لهم الأمر بالإعداد الحربى بكل ما يستطيعون من قوة ورباط الخيل . فى هذه الفترة كانوا تحت الضغط الحربى من قريش ـ يخافون فى رُعب من الغارات القرشية ( يخافون أن يتخطفهم الناس ) ، ثم نزل لهم الإذن بالقتال الدفاعى ردا على إعتداءات قريش التى إستولت على ديار المهاجرين وسلبت أموالهم وتاجرت بها فى قوافلها ، وكانت تلك القوافل تمر قريبا من المدينة . لذا كان أول هدف حربى للمؤمنين هو الهجوم على إحدى تلك القوافل تحديا لقريش وتحطيما لهيبتها ، وبداية لعصر جديد فى رد العدوان . وبإنتصارهم فى بدر بدأ ذلك العهد الجديد . قال جل وعلا للمؤمنين بعد إنتصار بدر : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) الأنفال ). أذكروا بمعنى إشكروا وإحمدوا ربكم ، وبهذا الذكر والحمد تتقون ، 2 ـ وبالتقوى أيضا تشكرون ، قال جل وعلا عن نفس الانتصار فى موقعة بدر : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123 ) آل عمران )
سادسا : بين الشكر والصبر : ( الصبّار الشكور )
( الصبار ) صيغة مبالغة على وزن ( فعّال ) من اسم الفاعل ( صابر ) . (الشكور) صيغة مبالغة من اسم الفاعل ( شاكر ) على وزن ( فعول ) . وتعنى إلتصاق صفة الصبر والشكر ( بمعنى الحمد بالمؤمن فيكون صبرارا شكورا ، أى يداوم على الصبر والشكر فيكون عند ربه صبارا شكورا . على أن الآيات التى جاءت فيها هاتان الصفتان ( صبار شكور ) تتضمن صفة التفكر أيضا فى :
1 ـ آلاء الله جل وعلا . فالصبار الشكور يتفكر فيها ليزداد شكرا وحمدا وإيمانا . يقول جل وعلا :( وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنْ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) الشورى ) ( أَلَمْ تَرَى أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) لقمان ).
2 ـ التفكر فى عقاب الكافرين السابقين . عن عقاب قوم سبأ وكفرهم بنعم الله جل وعلا : ( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) سبأ )
3 ـ وفى سياق ما حدث للسابقين الكافرين قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) ابراهيم )
سابعا : وصف الله جل وعلا ب ( شاكر ) و ( شكور ) بأسلوب المشاكلة
1 ـ قال جل وعلا عن المؤمنين الكرماء (أهل الكرم والجود ) : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8)الانسان ) أى يقدمون أحب الطعام وليس البواقى والنفايات ،ثم يقولون لمن يطعمونهم إنهم لا يريدون منهم كلمة شكر لأنهم يفعلون هذا إبتغاء مرضاة الرحمن جل وعلا وخوفا من جهنم : ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) الانسان ) . جاءت الآيات بعدها تتحدث عن نجاتهم من العذاب وتمتعهم بالنعيم الذى ينتظرهم فى الجنة ، ثم سيقال لهم: ( إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22) الانسان ). لم يسألوا شكرا ممّن أطعموهم فسيأتيهم الشكر من رب العزة جل وعلا القائل : (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ (60) الرحمن ). وعلى نفس الصياغة يقول جل وعلا : ( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) الاسراء ). أرادوا الآخرة وعملوا لها عملها الصالح وهم مؤمنون حامدون شاكرا فسيكون سعيهم مشكورا فى اليوم الآخر الذى عملوا له .
2 ـ إن الله جل وعلا سيجزى الشاكرين الحامدين المؤمنين فى الدنيا والآخرة . قال جل وعلا :( وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) آل عمران ) ،( وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) آل عمران )
3 ـ والتعبير الالهى يأتى بالمشاكلة،فالله جل وعلا يقول بهذا الاسلوب :( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (152) البقرة )، نحن نذكره جل وعلا تقديسا وتعظيما وتسبيحا وعبادة ، وهو جل وعلا يذكرنا برحمته وفضله وجنته . ولكن الألفاظ بنفس الشكل :( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ).
4 ـ من هنا يأتى التعبير بالمشاكلة فى موضوع الشكر ، ومنه يأتى وصف الله جل وعلا ذاته القدسية بأنه :
4 / 1 : ( شاكر )، قال جل وعلا : ( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147) النساء )( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) البقرة )
4 / 2 : ( شكور ) .
4 / 2 / 1 : ويأتى إسم ( الشكور ) مبالغة فى الشكر ومصحوبة بإسم ( الغفور ) وهو أيضا صيغة مبالغة من (غافر ) أى انه جل وعلا غفور لهم وشكور لهم أيضا : قال جل وعلا ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) فاطر) ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) فاطر)( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) الشورى )
4 / 2 / 2 : ويأنى إسمه ( الشكور ) جل وعلا مع إسمه ( الحليم ) ، قال جل وعلا : ( إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) التغابن ).