الانتخابات في الدولة الفاسدة بسلطاتها ونخبها الحاكمة


كاظم حبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5890 - 2018 / 6 / 1 - 17:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

حين كان الشعب يعيش في ظل الحكم الملكي بالعراق، ولاسيما بالخمسينيات من القرن العشرين كان يمارس عملية الانتخابات البرلمانية بغضب وانزعاج شديدين، لأنه كان يدرك تماماً بأن الحكومات العراقية المتعاقبة تمارس التزوير والتزييف العلنين لصالح مرشحي حزب الاتحاد الدستوري (تأسس 1951، الذي كان يتزعمه نوري السعيد (1988 – 1958م) أولاً، وللحزب المماثل له من حيث الفكر والسياسة الاقتصادية والاجتماعية، حزب الأمة الاشتراكي (تأسس 1951)، الذي كان يتزعمه صالح جبر (1896 – 1957م). كان أحدهما يضم في عضويته أكثرية سنية، وقلة شيعية ومسيحية، والثاني كان يضم في عضويته أكثرية شيعة وأقلية سنة ومسيحية. وكان نوري السعيد يتحدى أتباعه وخصومه الذين يترشحون لعضوية مجلس النواب بأنهم لا يستطيعون الفوز بمقعد في المجلس النيابي لولا تأييد الحكومة لهم، وبتعبير آخر لولا تزوير الحكومة لنتائج الانتخابات لصالح من تريد فوزه. ولم يجرأ أي نائب في مجلس النواب الرد على هذا التحدي لأنهم كانوا يدركون هذه الحقيقة المرة. لقد كان نوري السعيد في ذلك صريحاً وشفافاً جداً، فهو يعرف ما يجري ويوجه العمل بما يريد وما يرضي نهجه الفكري والسياسي. كان السعيد صديقاً مخلصا لبريطانيا، وكان يعتقد بأنها الدولة الوحيدة القادرة على حماية العراق من أطماع تركيا وبريطانيا أساساً، ومن غزوات السعودية التي كان يتعرض لها العراقيون في الوسط والجنوب بين فترة وأخرى، ولاسيما في نهايات "الرجل المريض"، الدولة العثمانية. وكان مؤمناً بالرأسمالية على الطريقة التي تشتهيها بريطانيا للعراق!!
وحين فازت الجبهة الوطنية في العام 1954 بـ 11 نائباً لا غير من مجموع 135 نائباً، استفز هذا النجاح الجزئي النخبة الحاكمة ونوري السعيد والبلاط الملكي والاستعمار البريطاني، فتقرر أن يقدم أرشد العمر استقالة وزارته، التي أجرت الانتخابات، وأن يكلف نوري السعيد بتشكيل وزارته الثانية عشر (12) في العام 1954، وكان شرط نوري السعيد لتشكيل وزارته الجديدة حل المجلس النيابي وإجراء انتخابات جديدة ليتخلص من النواب الديمقراطيين. وكان له ما أرد. فبعد تشكيل الوزارة أصدر مجموعة من المراسيم الاستبدادية، بضمنها: حل مجلس النواب وحل جميع الأحزاب السياسية، بما في ذلك حزبه، ومنع وحبس من يمارس النشاط الطلابي والشبابي والنسائي والسلام وما شاكل ذلك، إضافة إلى إسقاط جنسية كوكبة من المناضلين الشيوعيين والديمقراطيين العراقيين حينذاك. ثم أجرى الانتخابات في ظل تلك المراسيم والاعتقالات والتوجه صوب عقد حلف بغداد الذي تم له ذلك في العام 1955. وحين أجرى الانتخابات الجديدة فاز 121 نائباً بالتزكية، وهم من مجموعات النخب الحاكمة الملكية، و14 نائباً فازوا بشكل صوري، كما يشير إلى ذلك المؤرخ عبد الرزاق الحسني في الجزء التاسع من كتابه تاريخ الوزارات العراقية، وأغلبهم كان من مؤيدي الحكم. وأصبح النواب الديمقراطيون ألـ 11 خارج قبة البرلمان. وفي العام 1956 هتف نوري السعيد في إذاعة وتلفزيون بغداد "دار السيد مأمونة"، وجاءه الجواب في ثورة تموز 19058.
لقد أسس الحكم الملكي الأرضية الفاسدة لكل ما حصل لاحقاً من مآسي ونكبات بالعراق، فهو النظام الذي بدأ الإخلال ببنود الدستور العراقي لعام 1925 تشريعاً ونهجاً وسياسة، مما أدى إلى بروز كراهية شديدة ورفض تام للحكم الملكي الإقطاعي الرجعي، الذي يحن له البعض حالياً، بسبب ما عانوه لاحقاً ومازالوا، من النظم السياسية الأكثر بشاعة وفاشية!
اما البرلمان العراقي في عهد البعث وأحمد حسن البكر وصدام حسين فكان ألعوبة بيد قوى النظام الشمولي، بيد مجلس قيادة الثورة وقيادة حزب البعث، ولاسيما بيد الدكتاتور صدام حسين. وكان الفوز لقائمة البعث مضموناً أكثر من 100%، ولا يمكن أن يترشح شخص ما، ما لم تصدر موافقة عليه من قيادة حزب البعث. وكانت عدد الأوراق الموضوعة في الصناديق أكثر من عدد من يحق لهم التصويت والمقترعين. وأخيراً تم انتخاب صدام حسين مدى الحياة لرئاسة الجمهورية، وأنهوا بذلك مسرحية انتخاب الدكتاتور السمجة! وكانت الكراهية والحقد والرغبة في الخلاص من النظام البعثي قد وصلت مداها الأقصى، ولكن ضعف المعارضة، التي كان الاستبداد قد قصم ظهرها، لم تستطع إسقاطه، فاستعان أغلبها بمن لا يجوز الاستعانة به لإسقاط الدكتاتورية، فكان لها ما أرادت، فشُنّت حرب خارجية عبر تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة وخارج إطار الأمم المتحدة وأسقط النظام، وأقيم على أنقاضه النظام السياسي الطائفي المحاصصي الذي مازال يُذيق الشعب العراقي الأمرين.
وبالدولة العراقية الزاخرة بالطائفية والفساد والإرهاب، جرت أربعة انتخابات عامة، ثلاثة منها في 2006 و2010 و2014 وكانت مزورة 99%، ومن فاز بشخصه وخلقه كان لا يتجاوز عدد أصابع اليدين. وحين اتهمت المعارضة الانتخابات بالتزوير احتج الحاكمون والفائزون فيها، عدا أولئك القلة الذين فازوا بسبب التزامهم برنامجاً للتغيير، إذ أكدوا على كون الانتخابات مزورة فعلاً. والمزورون السابقون يعرفون كيف تزور الانتخابات من حيث الأساليب والأدوات والتقنيات ...الخ.
لم تختلف انتخابات 2018 كثيراً أو قليلاً عن الانتخابات السابقة من حيث ممارسة التزوير وتزييف الإرادة وتقديم الرشاوى، ولكن أول من انبرى بالحديث عن التزوير والتزييف هم من شاركوا دوماً بذلك، هم من حكموا البلاد وما زالوا يحكمون، هم من خسر الكثير من قادتهم الانتخابات الأخيرة، وهم أدرى بما جرى ويجري في الانتخابات من تزوير وتزييف لإرادة الناخبين واستغلال فقر الناس وجهلهم ودينهم. هذه الانتخابات التي أطهرت النتائج تغيير 70% من أعضاء المجلس الحالي، هي التي جعلت المجلس المزور نفسه يعقد جلسة ليعلن عن قرارات تطالب بإلغاء أو إعادة النظر بصناديق الاقتراع وحساب ما تبقى منها باليد، إضافة إلى إعادة حسابها بالمكائن الحديثة أيضاً.
ما هي الخشية التي تراود المجلس الحالي الذي تنتهي ولايته في نهاية هذا الشهر، حزيران/يونيو 2018؟ إنهم يعتقدون، وهم في الغالب الأعم من أتباع أو من مؤيدي الوجود الإيراني الكثيف والحاسم بالعراق، وهم من خسر جزئياً في الانتخابات، لأنه قد تحالف مع إيران أيضاً، كما في حالة رئيس مجلس النواب وقائمته، بأن المجلس مقبل، إذا تشكلت أكثرية من "سائرون" ومن يتحالف معها، ستغير بعض أوجه المعادلة في غير صالح إيران والولايات المتحدة، وهم يستندون في ذلك إلى البرنامج الانتخابي لـ"سائرون". وهم يخشون على مصالحهم الشخصية وعلى ما مارسوه من نهب وسلب لثروة العراق وموارده النفطية والمالية وقوت الشعب. إنهم يعتقدون، بالرغم من خسارة الكثير منهم، إنهم ما زالوا في الحكم وهم يهيمنون على أجهزة الدولة وهم قادرون على الدفع بالاتجاه الذي يريدون، فهل سيغير التحالف الجديد هذا الاعتقاد، ولا يسمح بمجيء الزمر التي قادت البلاد إلى جحيم داعش والموت والخراب والفساد والجوع والحرمان والتشرد والنزوح والهجرة؟
لم تشر الانتخابات إلى تغيير كبير في النتائج، ولكنها أشارت إلى مسألة مهمة، هي أن النظام الطائفي مرفوض بالعراق، فهل سينجح الشعب في وأد حلم الجماعة التي تسببت في آلام الشعب طيلة 15 عاماً، ترأس مجلس الوزراء؟ لا يمكن التنبؤ بشيء واضح، فالأرقام مختلطة، والقوى الخارجية، ولاسيما إيران تلعب دوراً سيئاً مستمراً لتشكيل تحالف يحاول أن يغري الكرد وبعض القوى ليعود من سلَّمَ العراق إلى داعش، أو من يماثله في النهج والممارسة، إلى رئاسة الوزراء، وهو الأمر الذي سيشكل استمرار نكسة ونكبة العراق الجارية حتى الآن!!
إن ما ينبغي الانتباه له والاهتمام به في هذه الفوضى "الخلاقة!!!" هي أن وحدة وتعاون وتنسيق القوى المدنية والديمقراطية العراقية التي يمكن ويفترض ان تكون الضمانة الفعلية لإقامة الدولة الديمقراطية العلمانية التي تعتمد مبدأ المواطنة الحرة والمتساوية والعدالة الاجتماعية باعتبارها القواعد الثابتة لحكم العراق وبعيداً عن التمييز الديني والمذهبي والقومي أو أي شكل من أشكال التمييز الأخرى، التي عاش الشعب العراقي تحت وطأتها وظلمها طيلة ما يقرب من ستين عاماً عجافاً ويبابا.