الأزمة السياسية في تونس وخطاب رئيس الحكومة.
فريد العليبي
الحوار المتمدن
-
العدد: 5889 - 2018 / 5 / 31 - 23:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قال يوسف الشاهد في خطابه يوم29 ماي 2018 أن كثيرين انتظروا كلامه ولكنه أعرض عن ذلك لانشغاله بأوليات البلاد وقد قرر في الأخير مخاطبة الجميع ليعدد نجاحات حكومته في الأمن والسياحة والزيادة في نسبة النمو وتخفيض معدل البطالة ويرصد اخفاقاتها مثل التضخم وغلاء الأسعار ويذكربالاصلاحات الكبرى وكل ذلك في مسعى منه لاضفاء الموضوعية على كلامه والتحلى بالمسؤولية على شخصه.
غير أن خطابه جاء متأخرا عن وقته فالأزمة السياسية في تونس قديمة وكان من الصعب عليه الاعتراف بها والاقرار بأنها أكبر منه وأن حلها يتطلب تغييرا جوهريا في الاقتصاد والسياسة وهو ما يهم المجتمع بأسره.
ومعلوم أن تلك الأزمة عصفت بسابقه الحبيب الصيد ورؤساء حكومات آخرين أيضا غير أنه لم يعتبر بما وقع لغيره واعتقد أنه سينجح فيما فشلوا فيه لذلك يواجه المصير نفسه الآن.
كما أنه تجاهل أن تلك الأزمة موجودة داخل حكومته منذ تشكيلها لذلك أصابتها العطالة حال ولادتها بحكم وضع اقتصادي اجتماعي مضطرب مما أربكها وشل الى حد كبير حركتها وجعلها عاجزة عن تحقيق ما تعهدت به وقد كبرت تلك الأزمة مع مرور الوقت لتعصف بأغلب أجهزة الدولة فقد أضحت أزمة عامة بما يعنيه ذلك من استعصاء يجعل ايجاد حلول لها من داخل الحكومة ورئاسة الجمهورية والبرلمان أمرا بعيد المنال وهو ما يدركه اتحاد الشغل على سبيل الذكرالذى لفت الانتباه مرارا الى مخاتلات رئيس الحكومة.
وما ينبغي ملاحظته أن الشاهد في خطابه البارحة لم يعترف بالأزمة السياسية الحقيقية وانما بأخرى وهمية تخفيها فبرأيه يكمن سببها في تهافت الخطاب السياسي وتدمير حافظ قائد السبسي لحزب نداء تونس وسعيه الى اقالته مما سيمنعه من تنفيذ اصلاحاته الكبرى وتحقيق نسبة النمو المأمولة الخ .. بما يوحي أن الحل برأى الشاهد هو بقاء حكومته وبقاؤه هو شخصيا على رأسها واصلاح نداء تونس والتفاف البرلمان والنقابات حوله .
غير أن الأزمة السياسية في تونس طويلة الأمد وهى انعكاس لأزمة اقتصادية اجتماعية مستفحلة منذ سنوات وقد فتكت ببن على ولم يكن حظ الترويكا والتوافق من بعده أفضل حالا ولولا الاسناد الخارجي لكان مصيرهما نفس مصيره .
وعوضا عن البحث عن حل لها في هذا المجال بالذات يسود اعتقاد لدى السلطة الحالية وخاصة رئاسة الجمهورية أن المشكلة في نمط الحكم فمع خلع بن علي فقد النظام السياسي رأسه وظل يبحث عن رأس يعوضه دون جدوى حتى الآن فقد جاءت اصلاحات المجلس التأسيسي الدستورية لتضع شكل الحكم الحالي في ورطة لم يتمكن من الخروج منها فهو حكم هجين دستوريا لا هو بالبرلماني ولا هو بالرئاسي لذلك يحاول السبسي استثمار الأزمات التي ينتجها ذلك الشكل من الحكم في اتجاه تغييره حتى يصبح رئاسيا على صورة ما كان سائدا أيام بورقيبة وبن علي فوقتها تعود لرئاسة الجمهورية سطوتها وبامكانها ضبط السياسات وتطبيقها دون موانع كبرى من طرف البرلمان والهيئات الدستورية والنقابات وحركات الانتفاض الاجتماعي وتستكمل وقتها مهمة ترميم النظام وتعافيه من الندوب والجراح التى عانى منها طيلة السنوات السبع الماضية.
وفي حال التسليم بهذه الفرضية التي ينطبق عليه قول الشاعر : ألا داوني بالتي كانت هي الداء تكون الأزمات التى تواجه الحكومات المتعاقبة ومنها حكومة الشاهد ايجابية في حسابات رئاسة الجمهورية طالما تدفع باتجاه استعادة الرئاسة لمجدها الضائع خاصة والدولة على أبواب انتخابات مصيرية العام القادم فرئيس المستقبل الذي سيكون على الأرجح ندائيا بمباركة نهضوية وقريبا جدا من الرئيس الحالي ينبغي أن تكون له اليد الطولي ليس في قرطاج وحدها وانما أيضا في باردو والقصبة بما يوفر استقرارا للحكم وهو ما تطمح اليه النهضة والنداء مجتمعين وتسنده قوى دولية واقليمية تفزعها مآلات " الفوضى " التونسية. واذا كان هذا ما سيجنيه النداء غدا فإن النهضة تمني النفس بوراثته عنه بعد غد وكل الوقت فالنداء وفق استراتيجيتها الصارمة وتكتيكاتها المرنة و المخاتلة جسر عبور لابد من اجتيازه.