إضاءات- مواقف وسلوكيات للمعارضة خدمت النظام


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 5887 - 2018 / 5 / 29 - 22:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

رغم أن ما حدث في القاهرة من اعتداء بعض المعارضين السوريين الذين ينتمون إلى المجلس الوطني السوري، على بعض القياديين في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي، الذين كانوا على موعد مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، يمثل تطرفا في التعبير عن حدود الاختلاف في مواقف كلا التشكيلين الرئيسين للمعارضة السورية، شكل في المحصلة خدمة كبيرة للنظام السوري، لجهة تزويده بمادة واقعية استخدمها بصورة مكثفة في خطابه الإعلامي، والدعائي الموجه لجمهوره، ولجمهور الصامتين على وجه الخصوص. " أنظروا(أيها السوريون) إلى المعارضة كيف تعتدي على بعضها قبل أن تكون في السلطة، فكيف ستتعامل معكم إذا استلمت السلطة"، مقولةٌ جهد الإعلام السوري على توظيفها في خطابه الدعائي والتحريضي، وللأسف نجح في إيصالها كحقيقة إلى جمهور كثير. إذ كيف لقوى معارضة تدعي أنها تعمل على إسقاط النظام الاستبدادي، من أجل بناء نظام ديمقراطي، وترفع من مبدأ الاختلاف، والحق فيه، والحق في الدفاع عنه، إلى مرتبة القيمة العليا نظريا، لم تستطع تحمله واقعيا، مع طرف معارض يعمل مثلها على اسقاط النظام، ويطمح مثلها على ضرورة بناء نظام ديمقراطي تعددي، تنبثق فيه السلطة من صناديق الاقتراع.
لقد حصل الضرر للمعارضة وكسب النظام، رغم كل المحاولات اللاحقة للتخفيف منه بإحالة إلى أفراد "موتورين"، أو بالقول أنه تصرف "غير" مسؤول من أفراد غير مسؤولين، أو بإدانته بأشد العبارات قوة كما فعل بعض قادة المجلس الوطني، وآخرون. وما إن هدأ الحديث عن حادثة الاعتداء على أعضاء الوفد القيادي لهيئة التنسيق الوطنية بعض الشيء حتى جاء من يصب الزيت على ناره فأججها من جديد، وهذه المرة من خلال الاعتداء على أعضاء وفد من الفنانين السوريين، وهيئات مدنية أخرى في المكان ذاته. وإذا كان المبرر في حادثة الاعتداء الأولى، كما ذكر المعتدون أنفسهم، هو منع الوفد من تقديم طلب للأمين العام للجامعة يتضمن عدم تعليق عضوية سورية في الجامعة، وهو ما تبين أنه غير صحيح بالمطلق، فإن المبرر الذي ساقوه في الحادثة الثانية، هو أن مجموعة الفنانين وصحبهم هم من مؤيدي النظام. مرة أخرى يجري انتهاك مبدأ حرية التعبير، ومبدأ الحق في الاختلاف، وهذا ما ألحق ضررا جديدا بمصداقية المعارضة، وزود وسائل إعلام النظام بمادة دعائية جديدة ذات مصداقية.
في السياق ذاته تأتي التصريحات غير المسؤولة لبعض قادة المعارضة البارزين مثل تصريح المرشد العام للإخوان المسلمين في حينه الذي قال بأن الشعب السوري سوف يقبل التدخل العسكري التركي في سورية لحماية السوريين، و إنشاء مناطق عازلة، أو فرض حظر جوي لهذا الغرض. وتندرج في الإطار ذاته تصريحات رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق، والعضو في قيادة المجلس الوطني السوري بأن " الحرب الأهلية، أو التدخل العسكري الخارجي أهون من حكم آل الأسد، لأن الحرب الأهلية والتدخل العسكري الخارجي مؤقتتان في حين حكم آل الأسد دائم". وهو بذلك لا يعد الشعب السوري إلا بالطرق المؤدية إلى الجحيم، مما ألحق ضررا ليس قليلا بقضية تحرر الشعب السوري من نظامه الفاسد، وذلك من خلال الأثر السلبي الذي تركته تصريحاته على أوساط المترددين والصامتين. في الاطار ذاته جاءت تصريحات ميشيل كيلو عن النصرة، وتصريحات جورج صبرة المتكررة طلبا للتدخل الخارجي وغيرها كثير، والمؤتمرات الطائفية التي دعا إليها ونظمها معارضون معروفون في الخارج. وتبقى الخدمة الكبرى التي قدمتها معارضة الخارج للنظام، ووظفها بمهارة لصالحه، هي انكشاف ارتباطها بأجندات خارجية لا مصلحة للشعب السوري بها.
وإذا كانت المواقف السابقة قد صدرت عن بعض المعارضين المنتمين إلى المجلس الوطني السوري، ومن بعده الائتلاف، فليست قليلة أيضا المواقف والسلوكيات الضارة بقضية تحرر الشعب السوري من نظامه الاستبدادي التي صدرت عن معارضين منتمين إلى هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي، او لغيرها من معارضة الداخل. غير ان الضرر هنا نتج بالدرجة الأولى عن فشل معارضة الداخل في أن تتفق حول رؤية سياسية وطنية ديمقراطية يمكن ان تشكل بديلا لرؤية النظام ، وان تتكتل في تحالف جبهوي ديمقراطي يمكن ان يقدم نموذجا جاذبا لأوسع جمهور سوري خصوصا من المترددين والحياديين.
للأسف كثيرة هي المواقف والسلوكيات التي تصدر عن أطراف المعارضة المختلفة التي لا تخدم قضية الشعب السوري التي تدعي حمل لوائها سياسياً، ومن أخطرها بطبيعة الحال، انقسام المعارضة وتشرذمها، وتنافسها في قضية ادعاء تمثيل الشعب السورية، وانتفاضته. ثمة كثير في شعارات الشارع الثائر، وفي مطالبه، أو فيما يرفعه بعض المعارضين السياسيين، لا يستند إلى رؤية تحليلية سياسية للواقع السوري، وما يسمح به، كانت له للأسف آثاره الضارة على القضية بمجملها، وعقدت الوضع كثيراً، وتسببت بإراقة مزيد من الدماء.
لقد نسيت أو تناست المعارضة الوطنية الديمقراطية أنها غير قادرة على إسقاط النظام الاستبدادي بقوة الحركات الاحتجاجية لجمهور واسع من السوريين بدون طرح بدائل سياسية واقعية. وقد خسرت الرهان لاحقا عندما لجات إلى السلاج تحت رايات اسلامية متطرفة وإرهابية. وهي تكاد تخسر الرهان في مرحلة التسويات السياسية المطروحة بالنظر إلى تخلي قسم كبير من جمهورها عنها، واكتفائها بذاتها متمحورة حول نخبها-الماركة. لذلك لا بد من العمل المكثف على الجمهور الصامت والمتردد لجذبه، وعلى جمهور النظام لتنويره، وهذا لا يكون إلا من خلال تقديم مثال معارض متفوق على النظام سياسيا وأخلاقيا. في هذا المجال ينبغي على المعارضة الوطنية الديمقراطية، بمختلف أطيافها أن تتوحد على رؤية سياسية واحدة لمتطلبات المرحلة الانتقالية، ولسورية الديمقراطية المنشودة،( وثائق القاهرة مثلا) والتحلي بالصبر، وتمثل قيم الحرية والديمقراطية، وهذا يتطلب التخلي عن الحسابات الضيقة، وتأجيلها لامتحان صناديق الاقتراع، والتركيز على ما يجمع بينها وهو كثير. ينبغي العمل بجدية على قضية توحيد المعارضة اليوم قبل الغد، والاستفادة من مساعي العديد من الدول المعنية بالشأن السوري التي تضغط بهذا الاتجاه.