علاقة الرئيس هواري بومدين بالضباط الفارين من الجيش الفرنسي


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 5886 - 2018 / 5 / 28 - 23:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

علاقة الرئيس هواري بومدين
بالضباط الفارين من الجيش الفرنسي

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-




يختلف الجزائريون حول الرئيس هواري بومدين وسياساته، لكن يكاد يقع الإجماع بينهم على القول بأن من أخطائه الكبيرة إستعانته بالضباط الفارين من الجيش الفرنسي لأخذ السلطة وتوطيدها، فقد وظفهم بشكل كبير، مما سمح لهم بالترقيات والتحكم في دواليب الدولة الجزائرية، خاصة بعد وفاته أين برزوا بقوة في صناعة القرار، وعلى رأسهم لعربي بلخير مدير ديوانه المؤثر جدا لفترة طويلة، خاصة في عهد بن جديد، لكن ما لا يعلمه الكثير أن تعيينه في هذا المنصب يعود إلى علاقته ببن جديد التي توطدت عندما كان بلخير قائدا للأركان في الناحية العسكرية الثانية التي كان بن جديد على رأسها منذ 1964 حتى 1978، فبروز هؤلاء الضباط في عهد بن جديد بقوة جعل الكثير يعتقد أن الرئيس الشاذلي بن جديد من هؤلاء الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، بل ذهب مؤرخ شهير هو محمد حربي هذا المنحى، وما يؤسف له أن حربي لم يلب إصرار وإلحاح بن جديد على تصحيح ما أورده عنه في كتابه "الجزائر ومصيرها-مؤمنون أم مواطنون" بأنه أحد الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، ويقول بن جديد أن حربي دخل في مناورة لتشويهه، وكلف المحامي علي هارون بمتابعة القضية مع حربي، لكن دون جدوى إلى حد اليوم، ولم يصحح ذلك في كتبه، ويبدو أن البعض لايدركون أن صعود هؤلاء بدأ مع الرئيس بومدين.
ففي حقيقة الأمر وجد بومدين هؤلاء الضباط الفارين من الجيش الفرنسي قد التحقوا بالثورة عند توليه قيادة الأركان العامة لجيش التحرير الوطني في بداية1960، وواصل توظيفهم عند توليه هذا المنصب، وقد ساعد هؤلاء الضباط كثيرا تحالف بن بلة-بومدين في أخذ السلطة في 1962، ولعل بومدين آنذاك فكر في دعم دولي له من خلال الإختفاء وراء بن بلة للحصول على الدعم المصري والإعتماد على هؤلاء الضباط للحصول على دعم فرنسي، ولهذا نجد في عهد بومدين وبن جديد تيارين مؤثرين جدا في الدولة أحدهما موال للمشرق العربي وآخر موال لفرنسا من الناحية الأيديولوجية طبعا، ولا أقصد أنهم عملاء، لكن المشكل الأكبر ليس في هؤلاء الضباط الذين ألتحقوا بالثورة في 1958 و1959 بطلب من جبهة التحرير الوطني التي كلفت أوبراهم بتهريبهم من ألمانيا إلى تونس، بل المشكل يكمن في الضباط الذين أدمجهم بومدين في الجيش الوطني الشعبي في 1962 بالرتب التي كانوا عليها في الجيش الفرنسي، وبقوا فيه حتى1962، هذا ما لا يتكلم عنه الكثير، لكن أخرج بن جديد كل هؤلاء المدمجين من الجيش بعد توليه السلطة في الوقت الذي صعد وترقى فيه طبيعيا الضباط الفارون من الجيش الفرنسي الذين شاركوا في الثورة، ليبرزوا بقوة بعد 1988.
يعرف عن بومدين دفاعه الكبير عن هؤلاء الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، ولم يخف ذلك في المؤتمر الثالث لحزب جبهة التحرير الوطني في عام 1964 عندما وقف في وجه الإنتقادات اللاذعة التي وجهت لهؤلاء من المؤتمرين، والذين طالبوا بتطهير الجيش منهم الذي كان بومدين قائده بحكم أنه وزيرا للدفاع، وقاد الحملة آنذاك محمد شعباني، ويبدو أنها كانت بإيحاء من بن بلة بهدف التخلص من بومدين ومجموعة وجدة التي أتت به إلى السلطة، وأصبحت تحاصره، فقد قال بومدين في هذا المؤتمر مقولة شهيرة " من الطاهر الذي سيطهر من"، وأضاف مهددا "من سيتكلم عن هؤلاء الضباط بسوء سأضع حجرة في فمه".
وبرر بومدين إستناده على هؤلاء الضباط الفارين بضرورة الإعتماد على الكفاءات، وأنه يفضل جزائريين ذوي كفاءات في الجيش أو غيره من القطاعات حتى ولو عملوا مع فرنسا على الإتيان بما يسميهم بمتعاونين دوليين أجانب، لكنه وعد بعدم توليهم المسؤوليات، أي الإكتفاء فقط بتوظيفهم في الأمور التقنية، لكن تراجع بومدين عن ذلك فيما بعد، وولاهم مسؤوليات كبرى، خاصة داخل الجيش، فقد كانت أغلب مديريات الجيش تحت سلطتهم، لكن لايظهرون في الواجهة بإستثناء ممثلهم آنذاك العقيد عبدالقادر شابو الذي كان أمينا عاما لوزارة الدفاع الوطني، وكان ممثلهم داخل مجلس الثورة حتى وفاته بعد سقوط طائرته للهيليكوبتر في نواحي سطيف في 1974، لكنه عوض بضابط آخر فار من الجيش الفرنسي هو عبدالحميد الأطرش. تزايد نفوذ هؤلاء الضباط أكثر بعد فشل محاولة الطاهر الزبيري الإنقلابية في ديسمبر1967، ولعب هؤلاء دورا كبيرا في إفشال هذا الإنقلاب، ويمكن تفسير ذلك في رغبة بومدين في إبقائهم، لأنهم لن يفكروا في الإنقلاب عليه، لكن كان بومدين في الحقيقة يلعب على التوازنات ومبدأ فرق تسد من أجل ضمان وتوطيد سلطته داخل الجيش بين هؤلاء الضباط والضباط الذي تكونوا في المشرق، حيث كان الصراع حاد بين الطرفين، خاصة أن الضباط الفارون من الجيش الفرنسي كانوا يحتقرون ضباط الثورة والضباط المتخرجين من الأكاديميات العسكرية في المشرق بحكم ضعف تكوينهم -في نظر هؤلاء الضباط طبعا-، فلنعلم أن السلطة والتحكم فيها هي التي حددت سياسات بومدين، وتتمثل في اللعب على التناقضات اللغوية والأيديولوجية والجهوية داخل كل المؤسسات، خاصة داخل الجيش، فكان كل طرف يحيد الآخر لصالح تزايد نفوذ بومدين.


البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-