رواية اصوات وذاكرة


قاسم محمد حنون
الحوار المتمدن - العدد: 5881 - 2018 / 5 / 23 - 17:30
المحور: الادب والفن     

اصوات وذاكرة
لاتفارقنا تلك الاصوات ياصديقي. فهي الذاكرة المتجدده, المستقبل اصوات ؟ اصوات مجهوله وخيالية. واصوات للموتى والمهاجرين ,اصوات خائفيين . اصوات للاطفال تبكي واخرى تضحك. اصوات بلهفة الحب والتأوه.اصوات الوداع اصوات الطبيعة والصحراء والليل والصناعة . عالم من الاصوات يخيم علي . صوت للوهم لكنه طاغي على بقية الاصوات, يصرخ براسي يؤنسني ويخيفني وافكر بمغادرته. لاتفارقني الاصوات. اي صوت جميل يسكن بداخلك. انه صوت : لاصوت له هو صوت عينيها عندما تريد ان تحتضنك. انه صوت اللهفة صوت قبل العاصفة والتقلبات والرعشات . ومن ثم صوت الخوف والشرق والتردد.مازال حسان يتسائل ؟ ماذا يعني صوت الاذان.. يخبلني ياصديقي يؤرقني, يحرك مشاعر الخوف لدي. يجعلني اتوه عن بقية الاصوات.. تتلاطم الاصوات صوت عينيها وصوت الاذان والنهاية. وانت ياصديقي الا تحدثني عن الاصوات التي مرت بك ؟ ,ابتسم ابتسامة تشبه صوت ما وكانها دغدغت الاصوات كلها. العالم صوت ولغة , اصوات بداخلنا وخارجنا تتلاطم كما صوت البحر والفرح والخوف. انا ياصديقي اسافر بالماضي لأصغي لصوتي وانا قادم لهذا العالم. كيف كنت ابكي. هل سمعت صوت بكائك بلحضة ولادتك. تمعنت تلك اللحضة لكنني لااستطيع ان اشق الاصوات التي حضرتني الان وانا احاوره.. استرسل صديقي وكانه يدرك العالم وامامه شاشة ما للحضة بكائه . كنت ابكي كثيرا ربما حبا وخوفا وربما بسبب وجودي الان. لقد كان بكائي ينذرني وصداه يصل لتلك اللحضة. انني هائم بالبكاء والخوف. لذلك انا ككلب جائع خائف يطرق الابواب من اجل الخبز والدفيء. فالمستقبل مظلم كما كان داخلي فارغ من الامل عندما كنت طفلا لذلك كان البكاء تعبيرا وتساؤلا وصرخة ثورية من شدة الخوف. عالمنا يتطلب الصرامة وحذف بعض الاصوات.. ؟ اردفت مثل صوت الجامع قهقهنا قليلا. ربما كان يقول لي بين الحين والاخر ربما .. والى متى سنطرح اساله. الاتعتقد انه يجب ان نجيب خارج تلك الاصوات التي اسرتنا.. مثل ماذا .. كان يسالني وهو متلهف.. نهق الحمار الذي كان يسير بالقرب منا. اي صوت هذا ماذا ؟
يعني لك مازال يتسائل. قلت له الم تكف عن الاسئلة . لما لاتجيب. قال وتامل ربما انه يطلب النجده.. ربما انه يتالم او ربما انه تذكر طفولته الجميلة. ترى هل عندما ولد كان يصرخ خوفا من تلك اللحضة العبودية.
لااعرف ياصديقي التساؤلات تضعنا امام عالم غريب يهز حقائقنا واوهامنا وكل مااعتدنا عليه.لكنه يملك شيء رائع ياليتني كنت حمارا...
هكذا كان يردد حسان وارتسمت ابتسامة صغيرة فرضت نفسها بين شفتيه.. قلت له لاعتقد ذلك فاذا رايت طويلا عاقلا فاحمد الله وكل طويل هو غبي كما قال لي ابي...
عدت اغط بالاصوات: ترى ماهو صوت عضوه هل له صوت خاص. قال لي له صوت غبي ,بليد ,وكل بليد يفعل ما يشاء . الغباء هو حرية بلا قيد؛ فالمجنون يغني ويفعل مايريد والحمار بدون تردد يعمل مايريد :الا انا وانت وكلنا مقيدون بالاصوات..
صوت القانون الدين العادات : صوت ابي وهو يصرخ او.. عيناه وهي ترفض كل الاصوات سوى صوته.. اطلقنا العنان للكلمات كما نشاء لاننا مع بعضنا نشعر بحرية تامه .
قال لي ماذا يعني لك صوت الشخير صوت المثقف صوت الحداد؟
ههه لااعرف اين الربط بذلك..
كعقلاء لايوجد ربط لكن ان تحررنا من العقلانية والمنطق سنجد جوابا , وبتوسل قال حسان. حاول ياصديقي ..وبلحضة هادئه ومخادعه كتلك , وقبل ان اجيب ....
لاننا اعتدنا الثرثرة بدل من العمل..
المثقف صوته هاديء وعاقل ومتلون وهو حبيس الصمت لايعبر عن الاصوات بداخله كما ينهق الحمار .اعتراضا او طلبا للحرية ,
او رغبة بالجنس انه مخاتل وضحية عقله.. لذلك يشخر كثيرا ليحدث صوتا محبوسا مدفونا ربما منذ ولادته لم يصرخ ولد هكذا عقلانيا جدا
... قهقه صديقي وخرجت كلمات قهقهته .. ان هذا تجني "وصوت الحداد ؟
هو صوت خارج اصوات الذات ؛هو صوت واقعي مفروض جميل يجد ذاته وتفوقه والطبيعة تصفق له.. لانها لم ترى طبيعة مثل طبيعة هذا العمل الذي ينتج ذات وصوت لم تؤلفها الطبيعة نفسها , حتى صار جزء منها ,. اصوات العمال ياصديقي لاتنبع من الذات والعمق النفسي : هي موضوعية وواقعية , وانتجها الانسان في مسار صراخاته المتتالية , هي صرخة ابداع تسيطر على كل الاصوات , صوت العامل صوت واعي ..
الا يشخر العامل او يشعر بالدونية امام عضو الحمار وكلمات المثقف الهادئه.؟ . مازال حسان يتسائل لااعرف سر تساؤله وسر اجوبتي ولما علي ان اجيب رغم انني اتسائل ايضا ,
ربما كلانا مازال يتسائل ..نعم يشعر بكل ذلك لذلك يطرق بمطرقته ويثور من اجل الحياة وتناقضاتها. هل ؟ التناقضات تهديء من معارفنا ام انها تقمع رغباتنا.. اريد ان اكون بلحضة ما حمار ياصديقي وليس للابد..
اسف ياصديقي تنهد لبرهة انك لاتملك اي شيء يمتلكه الحمار والمشكله هو لايبالي بنا , ليس لانه حمار بل لانه يعي اننا لاشيء , ومختلفين عنه بل يكره اصواتنا واصوات سياطنا وحمل ذاكرتنا ,
فلايوجد حمار يتحمل كل هذا الامتعاض والانهاك وكتل الاصوات المتزاحمه..
كان حرا واكثر الكائنات حره حتى الصخور لها ذاكرتها وهي تخبرنا عن سر الحيلة وطريق الحياة وزمن هذا العالم الذي توقفت عنده هنا.. الكل يئن من انسانيتنا..
انت متشائم جدا ياحسان ..
ربما هكذا انا ولكنك تعرف يااحمد . اننا استعبدنا الطبيعهة والهواء والحمار, والماء والحجر , واستعبدنا بعضنا بعضا.
كان راسي يهتز موافقا لما يقول؟ كانني درويش يتعلم لاول مرة كيف يدور حول نفسه.
هل تدرك ان الحجارة لاترغب عندما ترميها بجبين الاخر.. لذلك لااحد ينتقم من الحجارة بل ينتقم من الوعي الشرير الذي اوعز للحجارة بان تكون شريره..
اردف وامضى وهو يزفر كلمات حاره.كانه لايتوقف , نحن اشرار واشرار جدا ياصديقي. والعالم حقير
. نحن فائض على عالم ازلي مسالم.. عندما ندخل الطبيعة تهرب الاسود والحمير وتقع الاشجار وتصرخ الغابه.. : عن جد .. كيف ترى صوت الغابه.. بتلك اللحضة؟
اراها ضحيتنا ومقبرة من تراثنا..امممم لاالا رددت كانني مختلف عنه هذه المرة . فعلا جميلة بليلها وتعددها وتلونها تبهر نفسها بنفسها ولااحد يعيها كما تعي نفسها قاطعني "بصوت عالي وساخرا : شنو هل نحن حمير هههه ..
لا ...ياصديقي نحن نعكس اوهامنا عليها فنحن لانعي الا مانريد ان نعيه لذلك لانتعرف بها فلقد وضعنا اسماء وعناوين وذاكرة غير حقيقتها واصواتها.. وعلمناها مانريد ان نعلمها نحن دون ان تربد ذلك.. اننا انانيون جدا وهي تعي انانيتنا ..
ياالله من نحن توقف . ولااعرف هل يسأل ام يبحث عن جواب .. وكانه يطلب مني ان اسعفه ولااملك كلمة سوى لااعرف ياصديقي .
نحن لم نكون نحن ولانريد ذلك , متعالون جدا ونملك طبيعة التملك والتوحش والغرور ومدمرين لهذا العالم.. عندما نفنى سيكون العالم بخير وتمارس الحمير حريتها.. تذكرت كيف عندما كنا اطفالا نصرخ ونصفق . ونتحرش بالحميرعندما كانا يمارسان علاقتهما الحميمية مع بعضهام , وكانا يهربان خوفا من قوانينا ,, عندما يحزن الحمار بتلك اللحضة العاصفة دون ان يصرخ .. فهو يعبر عن الحقد الذي سبب له وعيا ورفسا ضد البشر.. ربما كانوا يتسللون ليلا كما يتسلل ابي ليضاجع امي خفية...
لما جميعنا حتى الاطفال يفهم تلك العلاقه جيدا ولكننا جميعا نسخر منها بالعلن ونرفضها وكانها خارج طبيعتنا.. انه وعينا ياصديقي مشكلتنا في وعينا حيث جردنا من حرياتنا الطبيعية ؟؟؟
هل الطفل الذي كان يصرخ عندما يرانا وينصدم ويستغرب سيصرخ عندما تتضاجع الحمير..
لا لا لااعتقد ربما كان يبتسم لان الحمير لاتتصرف بغرابه وبوعي واهتمام .. سيكون جزء من الطبيعه كما هي بدون وصاية او قوانين.
ساد الصمت وهو اكثر الاصوات مساحة بتلك اللحضة الحضارية من حياة البشر فلقد علا صوت الاموات والانفجارات والسيارات وصوت البائعين . وحقيف صوت ورق الاشجار: وهي ترتجف خوفا وفرحا ببقائها ونهايتها , لتلد اوراقا جديدة ستعزي اوراقها القديمة..
الموت ياصديقي حاضرا بقوة كما هي قوة الحياة.. بماذا تفكر انت ..
قال لي قبل ان يقول نحن نردد مايقوله الاخرين ربما تولستوي قال ماسمعه منا ونحن نردد ماسمعناه منه.. كما الاخرين بالتاكيد لهم اصوات وذاكرة .قمعها الراوي كما نحن نقول للاخرين الذين هاجروا او ماتو او شئنا نحن ذلك..
ترى كم من الناس مات دون ان لايقول عنه احد ؟ ماقالوه كما نحن" نتحدث عنهم دون ان نذكرهم.. هل نحن مجحفين وقتله للحرية الى هذا الحد..
انت مجنون ياصديقي هكذا قال لي.. لديك اصوات كثيرة فاخرجها من راسك ؟ انها ليست لي انها للاخرين الذين لم يتحدثوا او تحدثوا بسرية تامه.. هل تريد ان تقول لي انك كاتب جريء كي تقول ما لم يقله الاخرون .. ليس هذا فقط ياصديقي بل الحقارة والنذالة ان نقول بجرئة كافية دون ان نذكر الناس ونذكر الذين منعوهم من الكلام..
العالم بلا حرية مهما توهمنا لاننا نخاف منها وهي تفضحنا وتجوعنا وتحولنا موتى دون ان يذكرنا احد.. فكلما تكذب وتراوغ وتتماهى مع المسيطرين والتقاليد كلما يتذكرك التاريخ العار..
اتذكر شقيقي وهو يرضي عائلتي وخاصة ابي ويقبل يديه وكذا بكل عبودية وارضاء له وراحة له ايضا فهو كان متدين وطيب.. لذلك سيطر علينا بطيبة وعفوية , وبعد ان رحل ابي مازالت تقاليده وقوانينه تسيطر لكن الجميع غادره بسبب سلطته وحبه المتملك للجميع. لم يستطيع احد ان يدوم تحت سلطة الاخلاق والاوامر فما .
ان حانت اللحضة الاقتصادية للتحرر هرب الجميع وتنقل بمكانات بعيده عنه..
وهاهو الان يرثي الاصوات بداخله .
. عندما اتصل به اسمع ذلك الصوت الغاضب والصارم والكبرياء والزجرالذي بدأ بالخفوت
. حتى اطفاله مهما اعتدوا على اطفالنا فكنا نضرب اطفالنا وانتقلت عدوة الخوف والابوة بكل مكان.. كنا ننظر اليه بخنوع وركوع باعيننا. لم ندرك انه انسان عادي وكان عبدا لاخر لقانون ولاخلاق ولاله ما ..
اننا نمارس الامتعاض والازدراء ضد بعضنا بعضا وعندما نتمرد لايعترفون بحريتنا بل يوصمونا بالشاذيين عن القاعده والمارقين والكافرين والعاقيين ..
اتعرف ياحسان احب ان اتصل به بتلك اللحضه : ليس انتقاما بل لاتعرف عليه اكثر فهو طيب.. اريد ان اسمع صوته لاول مرة واساله كيف هي الاصوات براسه والذاكره هل سيتحدث عنها هل سيبكي عندما يسمع صوتي ام سيبقى صارما كما هو الاب ..
وانت ماذا عنك بعد كيف امضيت سنينك الاربعين وقدفجاني بسؤاله ونا عالق بذاكرة عائلتي التي لم التقي بها منذ مده رغم قربي الجغرافي منها .
صمت ساد كالعادة وهو يملأ حياتنا ؛ ولكنه صوت بنبرة عواء, قفز كالقرد وتناول جرعة من البيرة واطلق نقدا لعنان السماء وغنى غناءا غريبا لم اسمع سوى كلمة القنادر والتذمر..
قفزاته كانت معبره لرفضه لكل ايامه وعقائده وطفولته وماحوله.. لكنه عندما يبكي يصحو من السخرية للبكاء:
اصوات كاننا بعالم اخر مملوء باصوات لم نعهدها من قبل انا اتمتع بالاصوات المتنوعه بدلا من الصوت الواحد.. انها الحرية ياصديقي
. كان يعبث بملابسي وخدي ويضرب على كتفي ويشتمني.. كلكم عبيد اخوات القحبه ماتفهنا ونكابر. ويلفظ كل شيء ويذكر اسماء وفاعل ومفعول به دون ان نكون فاعلين حتى.لايحب احد ان يسمعه بالعلن لكنها الفاظ جميلة ومعبرة بالنسبة لي ..
كانه تامل كثيرا بعمر الاصوات المدفونه التي لم يستطع ان يعبر عنها بسبب عمر الكبت والنسيان كدليل على قمع حريته.. وتحدث عن كيف انه كان يوعظ اصدقائه بالايمان وبحثه حول الصبر والتحمل .. واطلق من فاهه اصوات وعففا...ط ؟ وقليل من البصاق , كان يبصق حولي وكانه يدور حول ذاكرته ويبحث عن ارض جرداء نظيفة.
ذاكرته مليئة بالهدر والصمت.. لذلك يصرخ اعظم الاصوات والالحان اطلقها اليوم بوجهي.
. صوت يختزل كل الاصوات التي حوله وبداخله واصوات لاخرين موتى واصوات لصامتين وصوت لصوته ..لعن السماء والتاريخ ولعنني لانني اذكره بتلك الكلمات , التاريخ. السماء , ولعن صداقاته وكل وجوده وبكى وتوقف عند طفله المصاب بشلل الطفوله..
وكلما يتذكر هذا يلعن السماء وكانه صدم بالحقيقه ولطالما طلب من السماء وترجاها بايمانه وثقته بربه ولكن؟ لم يجد شيء. كانه صدم بزعيم ما سياسي او ديني فرفض كل الحقائق والاصوات براسه بسبب هذا الخذلان.
لم يتبقى سوى صوت واحد وهو الصراخ.. والصراخ بوجهي.. كلما يشتمني اشعر بالحرية لانني سمحت له ذلك وحررته واحرر نفسي من خلاله..
مضى بعيدا وهو يهلوس مع الواقع وجبهة من جبهات الماضي النادمة التي لن تتكرر لكنه يخاف منها ويحوم حولها : ومن شدة الخوف فهو حبيس تلك الاصوات , كما الكثيرين حبيسي الاوهام بسبب المخاوف من مستقبل مجهول؛
ليس لهم طاقه على اكتشافه . .بقيت وحيدا اجول في نفس المكان هاربا من الواقع وضحية تلك الاصوات. اصوات الذاكرة التي لاتموت فانا عاطل عن العمل , ولدي عائلة لامفر من المسؤلية اتجاهها . رغم كل الافكار والخطط لانهاء تلك المعانات , ورغم ان الحياة بسيطه جدا ومن خلال قرار ذكوري تنهي كل شيء.
الا ان هنالك صوتا ما وضميرا لعين ابقاني حتى تلك اللحضة. رن الهاتف وبدون تحية وكالمعتاد وكما توقعت كان صوت طفلي عبر توجيه من زوجتي يردد كانه امر طبيعي ..جيب صمون ..
لعنت الزواج امام هؤلاء الغرباء .. لانني لااملك المبلغ الكافي للصمون ولااستطيع الاعتراض لانني لم اوفر لعائلتي وزوجتي الطيبه سكنا او موردا ولا احب العوده الى المكان الذي يذكرني بمسؤلياتي اتجاهها , لذلك انا هائم مع الاصوات بلا جدوى , واستانس بها هربا من الواقع والصمون, والحاجات والقنادر, والتانكيات وحاجات حاجات ... اصوات اصوات.
لقد باتت تلك الحاجات لعنة مهما تخلصنا من الديكتاوريات. فلا ديكتاتوريةخالدة سوى ديكتاتورية العوز.
وطفح صوت اخر يذكرني بالفاشية وصور من الشوارب والزيتوني والسياط والقبعات الحمر والسود والقلم والبندقية فوهة واحده. والتدريب ثم التدريب.....
اريد ان اتقيء ذاكرتي لكنها قوية الى درجة البكاء. جلست بمقهى للمثقفيين ولاناس يملكون اصوات اكثر مما املك.
حدقت بوجوهم ويسالونني عن الصمون والقنادر.. وكانهم لم يتعرفوا بها من قبل..
حاولت ان اقول لهم انهم وضعوا البندقية فوق راس ابي ليجبروه على الذهاب للحرب.
اي حمقى اؤلئك فاصواتهم عالقة من التاريخ حيث يطفح التاريخ والزعماء والحقائق ويغطون في عالمهم الذي كانو يسكنون فيه , دون ان يتحرروا وكانهم هناك. الى درجة انني رايت الملك وهو يبتسم لي. وقلت له انجد ابي فهو العامل الوحيد ببيتنا منذ كنت صغيرا.
لم اعرف انه الملك.لقد كانو بمرحلة ما من الذاكرة وانا باخرى. اي صدفة ضرورية لعينة تلك جمعت تلك الاجيال المقهورة.
فسالت احدهم من هذا . قال لي انه دكتور فلان : ولبرهة تحررنا من قيد الذاكرة وتاكدت انني هنا وسيكون حديثي حول اليوم والمستقبل.
صحوت فجاة من احلام التاريخ والقصص . وكنت اناني جدا لانني لااريد ان اسمع الاصوات برؤسهم فالاصوات التي تهددني تلهيني بما يكفي عن الواقع.
اهلا دكتور مرحبا وبكل برود وبدون احساس وفجأة عانقته لانني اريد ان اتاكد انني ليس كائن من الماضي والاصوات وانني تذكرت انه سيكون صوتا بالمستقبل.و لانهم سجنوني بذاكرتهم فجميعنا سجناء صوت ماوذاكرة ما.
ربما صوت المعلم وعصاه التي لاتغادرني لانها بكل زمان ومكان . بحياتي لاشيء تجدد . سوى الركض وراء الصمون وعلب الماء ومن ورائي السياط وهكذا ندور حول عذاباتنا . .الاصوات تطاردني حتى وانا اتحدث عن الحرية بوجود النساء والتحررين , واخشى من اي سؤال شخصي . فحريتي هي ملاحقة الكلمات بدلا عن الاشياء ؟ ولانني فقدت كل شيء . لذلك قررت وبحماقة كبيرة ان امتليء بالافكار حتى اتخمت وسخرت منها. وعدت من جديد ابيع كتبي..
قلت لصديقي في اليوم التالي عندما سالني كيف امضيت يومك وهو يعتذر, كما قال فيلسوف واقتصادي كبير بجوعه وفكره. انا انتقد المال والاشياء, وانا لاأملك مالا : فبعت كتاب له انا ايضا واشتريت بثمنه كيس للصمون. واعتقد لايصمد نبي او فيلسوف امام الاشياء والسلع . وسابيع كل كتبي مهما كانت مثالية او ماركسية . صديق اخر كان يجلس دائما معنا لكنه لايجيد ان يعبر عن ذاكرته , ولكن ملامحه التي تطغي على ملابسه الرثه ووجهه المصفر مابعد الحصار.
للحكومات وجوهها المصفرة سواء كانت فاشية او ديمقراطية . كما اخبرني صديق لم يحضرني يقيم بفرنسا وهو يتذكر فرحته بترشيح قائد اشتراكي ديمقراطي حتى فرغ جيبه وعاد الى العراق خالي الوفاظ الا من الغضب الذي يترجمه بمسرحياته وحواراته حيث اسس مسرحا للحفاة. وكان يغني معنا الكراسي الكراسي كلنا عباد الكراسي ونامي جياع الشعب نامي.. ناميييي ..
عن اي مسرحية تتحدث اذن انت فنان . كلا فقط كنا من خلال المسرح نصرخ بقوة الامر متهكمين حيث تدفعنا اصوات الظلم والهجره والخوف الى اعلى قمة الصراخ , يرافقها خوف جديد وصراخ مستقبلي. اذ لابد من الصراخ بسبب واقع الخوف الذي يرافق العوز.
ذوي الوجه المصفر بين لحضة واخرى يتذكر صوت لذاكرته الصغيره لكنها تطغي على ذاكرتنا الشائخه .يتحدث الان عن اضطهاده وجوعه ورغباته وياسه , نسمع له وكاننا لسنا معه اذ نحن مسافرين بين الاصوات القديمه. لااحد يسمع احد لكننا متشابهين وكاننا ولدنا في لحضة واحدة وصرخنا بلحضة واحده.
تجمع حولنا الكثير لشدة صراحتنا وكان الجميع راى مراة ذاكرته والاصوات التي هيمنت على حياته من خلالنا. لا احد يتجرا للحديث عن طفولته وشبابه فهي مليئة بالذل والاستبداد والتخوين وكانهم يهربون منها كلما شنو حملات على الحاضر بقوة وكلما اداروا ظهورهم لاصوات الشاب.
انهم يهربون من انفسهم ومن شبابهم. لكن الاصوات كانت تفضحهم عبر الصمت اللعين والكابة الشديده وان تظاهروا.
انها لعنة الاصوات وليست لعنة الموت والوجود والحتمية. جميعنا يقول اشياء لايفهمها ويكررها وكانها الحقيقه دون ان يشعر بها.
اللحضة التي يبتسمون بها وتتغير وجوههم وتصرفاتهم هي عندما تلقي شابة ما تحية تليق بالمقهى والحاضر والطابع الساءد . ومان اعيد لغة الاصوات والوجع كاني بهم يركلوني بعيدا من خلال هروبهم الى الكراسي القريبه من هنا وهناك داخل المقهى . فالجميع هارب من شيء ما كظله.
وكان لم يحدث شيء. مازلت مصرا هل هربوا من الاصوات بداخلهم ؟ هل يستطيعون ذلك؟ ولحضة وجود الفتاة بينهم هل ستمحي كل تلك الصور والسجون والحروب والكبت والخوف.
احدهم صرخ كنت بطلا افضل من وهو يشير لصديق يعرفه بعضنا. وانا مبداي وسرد قصة نضاله الفكرية والسياسية ولكن؟
هكذا توقف اين توقف ومع اي صوت هو الان واي جبهة من جبهات الماضي استولت عليه.. ربما بلحضة الانقلاب على قاسم او بلحضة انقلاب رفاقه عليه. او انقلاب وزجته .
لم تعد الفتاة موجوده رغم انها تتحدث مع حبيبها الشاب, فكل يذهب الى حيث يريد. ونحن وجدنا راحتنا مع تلك الاصوات. ايها الرفاق تعالوا لنتحدث عنها بكل صدق لندع الاحداث تتحدث كما هي ولا نؤجلها او نؤلها او نغيرها. لا احد يريد ذلك لان الواقع مرفوض ويجعل الاصوات تتعالى وياتي الماضي كله هنا ليستبدل مكان الفتاة ..
وهرب الجميع من ذاكرته ومضوا بالروتين والتقليد السائد وبقيت مع صديقي الشاب... ابتسم وقال لما نحن مكروهيين وبخجل عبر عنه بابتسامته الخفيفة الخجلة. كل شيء كان فيه صادقا الا ابتسامته فهي لاتتطابق مع معايير الفرح.
لاننا ربما ياصديقي لانسمع الاخرين , ولانؤمن سوى ببؤسنا , لانفرح لفرحهم ولانكون معهم. نريد منهم فقط ان يتماهو معنا ويقولوا مانقول بسبب وضعنا الشاحب والباءس. بؤسنا ياصديقي لايطاق ونحن نؤمثله ونريد من الاخرين ان يفكروا مثلنا. وهذا لن يحدث ابدا ولن يكونوا كما نكون ولو بذرة اصغر من الجزئية. فكيف ستهتم بهم . كيف ستكون مشاعرك اتجاههم .
ان غضبك الطبقي غطى على انسانيتك العظيمة التي تبلورت بسبب عوزك ووعيك للوجع. لكنهم لم يدركوا ذلك فسامح واستمع لانك كبير ايها البائس الطويل الصغير..
يقهقه بين الحين والاخر كانه يخرج اصوات لمصاب بالزكام فهولايضحك للاخر ولن يطلق فاهه للضحك. لااعرف اي اوامر تقمع ضحكاته بشكل سريع ؟
اي قمع يسكن بداخله واي شيطان يجول براسه.
بعد ان مللنا التكرار بحياتنا ومللنا علاقتنا كانت هنالك دعوات نطلقها فيما بيننا هكذا. قلت له ساثمل عند صلاح وساجد اخرين حتما هو دائما يكون بين الشباب ويستانس بهم ويجد ذاته ربما.
قال لايطيقني وهو الاخر يكرهني وانا ايضا , وظهرت تجاعيد عابسه رافضه دون ان يعبر عن رفضه. وكنت اعرف انه لن ياتي تركته وسرت بعيدا بخيالي باتجاه صلاح .
اقدامي تتجه بشكل مدروس لكن خيالي لايدرك هدفه . منذ ان تاكدت انني لدي خيال. بدا العالم يعبث بي. التفكيروالفكر والفكره هما جحيم ولعنة على من يؤمن به ويتعامل معه ويتعايش ويترك الفضاء والاصوات والطيران فوق السحاب والمثل. ان التفكير هو موت الانسان وابداعه. منذ ان فكرت وقرات اصبحت عاطلا عن العمل ولااعرف السعاده.
لااعرف سبب كراهيتي للكتب التي احيانا اتاملها واهتم بها. وكلما اهتم بها اشعر بالفشل . ابصق عليها كانني ابصق على تاريخي ومخيلتي التي كونتها الكتب. ترى هل هي التي تسيرني ام الواقع. ومن يدرك الواقع هي ام انا وكلانا كيف نشكل كل هذا الاشتراك والحزن.
وانا في دوامة ذلك التفكير احتك بي شيء ما كريح خفيفه كعادته لاطعم لوجوده سوى طعم الاغتراب وهو شارد بهذا العالم دون ان ينتمي له.كان صديقي مازال معي وكانه لايريد ان اذهب.
قلت له فانا بسفر دائم وطريق مجهول. التفكير طريق مجهول. دع قدماي تقلني الى حيث تريد لاثمل قليلا. ذهب مسرعا بعد ان تاكد من قراري. شعرت بالالم اتجاهه بسبب لحضة سيكون وحده ربما سيتالم كثيرا لوحده. لو كنت معه اه اه.
ماان وصلت ودارت الكؤؤس والحوارات والنظرات والتقييمات حول الافراد والسياسه جاء اسمه حسان , كنت قلقا من ان اسمع شيء ما سلبي . ماذا سافعل فهو صديقي البائس والجميل جدا . تذكروه بحب ومديح وشعرت انني لاول مرة اعرفه وانني خنته وتركته للحضات وحيدا ووحيدا جدا.
من الصعب ان تهتم بالاخرين عندما تطغي ذاتك عليك وتعيش لحضاتك وتنسى الاخرين .هي تشبه الممتلئه جيوبهم فالجيوب تلك لاتشعر بالجيوب الفارغه , ومن يجلس بالقصر لايفكر مثل الذي يجلس بالكوخ والكؤؤس مغرية كما النساء والمال ’وهذا الشعور بالذنب الخالد , جعلني لاانفك عن الحديث عنه كثيرا وكاني لم اتحدث عنه من قبل.
كم رائعين هؤلاء التي دفعتني قدماي نحوهم. لقد جلس خيالي ايضا. فانا هنا ولست بمكان اخر كلي وبكل جسدي الواعي قدماي ودماغي لاينفصلان. جرنا الحديث حول لحضة ما ومع اصدقاء ما . اللحضات جميله طفحت صور لاهتمامهم بي ولابتساماتهم . سالني احدهم عن عدة اشخاص لااطيقهم باللحضة الحالية . قلت له لاباس واسترسل بالحديث عنهم بتلك اللحضه علقت هناك بزمن قريب .
ولااعرف هل علقت بهم ام......
بالزمن نفسه : مالذي تغير فمازالوا موجودين . هل ادعوهم للرقص لشيء ما. كيف ساتصل بهم وهاتفي سريع الحذف وسريع القبول حتى بات لايملك اسماءاقديمه . فقط اسماء جديده. وكلما تكونت ذاكرة والم وتاريخ. كلما يغادرون كان هاتفي الصرصور شاهدا على التاريخ .
متى نتوقف عن تلك العلاقات المنهكه. كل انسان هو منهك وممتع.في ان هل هو قدر ان لايبقى احد من الماضي. سوى اشخاص فرضوا عليك كجينات مثل اخوتك. فقط هم موجودون . لكن بالجنسية كما يقول المثل العراقسي الشائع.
ارواحهم ذكرياتهم ايضا غادرت لكنهم يفرضون نفسهم وتفرض نفسك عليهم. لامهرب فالحياة اكبر دماغا مما ندرك باطار ادراكنا. دماغ سز ؟هههههه ,,,
كانني سمعت صديقي من بعد فهاتفي اللعين يحمل اسم صديقي . لكنه فارغ من الرصيد. كنت اتمنى ان ادعوه بعد ان غادرته . عدت وكنت ابحث عنه عسى ان التقيه بالرغم من اننا بعام 2018والانتخابات قد انتهت. وحصل المقاطعون على ضميرهم والمنتخبون على رغبتهم. وامام كل تلك التكنلوجيا وتوافد اخبار العالم. لااستطيع ان اعثر على صديقي.
هاتفي القديم خالي من الرصيد والاسماء ايضا. احاول ان اجد شيء ما يساعدني للاتصال به. وبينما انا كذلك .مرت اسماء كثيرة بالهاتف وذكريات ايضا. ترى اين هم وكنت عبر صوت الذاكرة اتذكر لهفتي عليهم كما لهفتي على صديقي .
هل سيغادر ونغادر تلك اللهفه ؟ هل سيكون من الماضي وهل ساتحدث عنه امام اخرين واقول لهم كلنا سنغادر.
وهذا منطق الحياة. نتباعد نختلف لانريد ان نعيد اللقاء. نريد ان ننسى. ترى اي هواتف مسحت اسمي. يزعجني هذا كثيرا. هم ايضا يفعلون مافعلته انا. اي كائنات نحن.
نسيته لوهله لكنني اريد ان اجده فقط ليشاركني صمتي ومتاهتي. توقفت السياره اين تريدون واني بخدمتكم. شاب لطيف بلهجته العراقية. بابتسامته وتسهيلاته. كان يتحدث مع صديقي عن حياته وعن تجربته وسكنه ومعاناته فهو خريج بلا تعيين وبلا سكن يسكن عند صديقه يحب الرسم. ترى هل هي اخلاق المهنه وحاجته. ام هي شخصيته.
اختلطت الاوهام بالذكريات وبالسكر. شعور انهزامي من اللحضة والذاكرة. الاصوات تتعالى ونداء السماء لايتوقف رغم اننا حفضناه جميعا ورغم هذا هو يكرر ويردد بلا تردد اي اخلاص هذا. هل سياسي ام هي اصوات لابد ان تطلق كما الاصوات براسي التي مازلت احدثكم عنها. عجزت عن وجود صديقي المفضل وعجزت عن تذكر ذكريات الاخريين . ربما هربت منها.
الذكريات الملعونه لامهرب منها فهي كالخيال تكون معك حتى عندما تضاجع حبيبتك. لقد رحل وساراه غدا وحتما سيتدنى وزنه فالتغيير بالانتخابات لايضف شيء للفقراء.
كيف ساتعرف به فعظام وجهه تقترب مع بعضها كثيرا, ربما ستؤجل تشوشه لفة الفلافل. فالعراق مليء بالمشاريع واشهرها اصحاب محلات الفلافل. والجنابر والمتسوليين ومحلات الخمر والمسطوريين.
يعرفها الفقراء اكثر من انشتاين. كل ما يسيطر علي الان سانساه غدا. وغدا هو جديد الا من الذاكرة الوقحه والسخيفه التي لاتموت. لما اجهد نفسي وانا متاكد ان احلامي ستموت غد وكل تخيلاتي وصفناتي اليوم سوف تتكرر غدا بغيرها وهكذا تكون الذاكرة فارغة الى من الغد.
الغد الذي يحمل جبهات ذكريات لاتطاق. الطريق ملكي فانا من سيدفع المال لسائق التاكسي وهو ملكي وحديثه وابتسامته. ومن سيتحكم بي بسبب المال ايضا . بعد قليل وغدا والى الابد. نحن كائنات من عبيد مهما اكتشفنا الحريات وقوانينها. نمسك بايدي اطفالنا عند لحضة ما من تناول الطعام. نخبيء تلك اللعنة المصابه بالانانية والتي ولدت منها. كلما يكون معك مال تكون انانيا جدا. حيث لايخرج من جيبك شيء امام وجوه متعبه تبحث عن المال.
ياللهول لااحد يبحث عني ... الجميع يبحث عن المال. اشتقت الى صديقي فهو يحبني لثرثرتي لبؤسي لصمتي ربما. او ربما لانني وحدي صديقه وحده... هههههههه .
ياللغرابة فكل شيء غريب ومفروض علينا لكننا نتعايش معه. حتى اصبحنا اسوء شيء , وابخس سلع في كون همجي احمق وتاريخ وجوه غطت بالسراب كما السماد . واسمائها غادرت هاتفي.
في اليوم التالي ذهبت للمتنبي بعد ان اتصل صديق لي يوصلني بسيارته. كنت مترددا دائما فانني لااحب الكتب عادة . وليس لي اصدقاء او حبيبه. ودائما تكون ملابسي او قنادري لاتليق بالثقافه والمثقفين. لكن الريوك وسيارته دائما يغرياني وصدقه وطيبته ايضا. لذلك كنت دائم التردد للشارع, الاحتلال يهاجمني باحلامي ببيتي. بالسياسة بالمعمل بالشارع.
كل شيء محتل من قبل المالكين وتقاليدهم. غريب انا لانني لااملك شيء اي شيء.انا محتل كليا. اصوات الباب مباشرة تلتقي بالماضي.. انه البوليس البعث ورغم انني لاملك اي شيء لكنني املك الخوف فقط من الوطن وحكومات الوطن الوطنية.
طرق الباب . فاذا بفتاة وليس عسكريا هذه المرة تذكرت اننا بزمن الديمقراطية. ولكن؟
هل انت الحارس مااسمك نحن الدائرة العقارية من يشغل البيت. قلت لها جزء مني والجزء الاخر يبحث عن وطن وتاه بداخله. لما تطاردوني . ان لغتي مع نفسي فقط الصمت كان يسود حتى عندما كان يضربني رجل الامن او الانضباط الوذ بالصمت وكانني مواطن صالح.
فالمواطن الصالح هو ان لايعترض ولايحتج.. كيف ساحتج عليها. قلت لها بيت كبير ومالكيه بالخارج ويملكون اكثر مما تتوقعين. صمتت الموضفة بحذر شديد لكن عينيها تشير الى التعاطف معي. ولكن لاشيء يحدث فالملكية هي هي مهما تغيرت الحكومات الزيتونية او الديمقراطية. هاجرت الى ارض الزيتون وعبرت بحر ايجه. ومازال الزيتوني في كل مكان.
هذه المرة نساء جميلات من البوليس اليوناني ولكن قيدوني ياصديقي وادخلوني التحقيق وشعرت بالخوف كما كنت امام ضابط الامن. كلاهما لايضربان لكنهم يحملون الاوراق والقانون وحياتي وحريتي ملككهم.
هنالك دائما طفيليين يريدون ان يضربوا كي يتاكدوا انهم بالوضيفة الصحيحة والمكان الصحيح فالرجل المناسب بالامن المناسب.
المجتمع كله بتقاليده رجل امن. فالرقابه بكل مكان بالبيت والشارع والجامع وبكل النصوص.
وفي داخل الاحزاب الثورية والدينية. وهنالك زعيم او قانون يسيرنا . تذكرت صديقي الاسلامي عندما كنا شباب ونكره الظلم رايته بعد سقوط النظام يزجر وينهر بالاخرين. كنت قريبا لتاريخ المظلوميين جدا حيث ايضا اصبت باطلاقه نارية ظنا مني انه زمن الديمقراطية بعد سقوط البعث ومن ثم سجنت وضربت واجبرونا على التواقيع كما كان يفعل البعث.
كنت معصب العينين ولكني كنت اتخيل ان اصدقائي الاسلاميين هم من قيدوني وهم من يضربوني وهم من اطلقوا النار من اجل نظامهم الاسلامي الامريكي التوافقي الجديد.
ههه قهقت بين نفسي ترى لو اصبحت جلادا وهذا متوقع مادمت بوسط الشيوعيين والبعثيين والاسلاميين وبوسط الشرق. لضربت جميع الشعب لانهم ضربوني ووافقوا ولم يعترضوا.
جميعنا نمد ايادينا لبعضنا ليس للعون بل للضرب بكل خنوع وخوف فنحن نخاف الحرية لذلك نطيع تلك الاشكال من الانظمة.
قالت هويتك قلت لها الا تلاحضين فانا لاهوية لدي انا امامك حارس بلا بيت بلا وضيفة. اصرت ان اعطيها هوية فالقانون ايضا هو عصا . بحثت بكل مكان ولاول مرة اشعر باني تعرفت على المكان الذي اقطنه بحثا عن الهوية كي تطيل عمري بهذا المكان المجهول بالنسبة لي فقط. فما زال اطفالي لايدركون شيء وكانهم بوطن جميل. تذكرت البوليس القديم والجديد بالعراق القديم والجديد وهو يطلب هوياتنا بكل تعالي.
لااعرف كيف يعرفون اننا لسنا من هذا الوطن. ويجب عليهم محاسبتنا هنالك سرا ما لايعرفه الى الراسخون بالرقابة والملكية.
نظرت الى قندرتي رايتها طبيعية وجميله وغير متردده فهي تشعر بالحرية معي ونسير الى حيث نريد . كانت ترافقني وتعرف كل اسراري ومخابئي ومتاهاتي. لطالما احتضنتها بالعراء بالبحر لم اتخلى عنها حتى عدنا معا الى ارض الوطن.
وهنا فقط بالوطن بدء الفراق بيني وبينها تهالكت تعبت من شدة الحرية والسير ببغداد والتنقل فقد فرضت علينا الملكية واللاقدرة الشرائية على انهاكها. وباتت في خبر الذاكرة السراب كما الاسماء في الهاتف.
هل تعطيني رقم هاتفك حيث مازالت الموظفة تامرني.
هاتفي متعطش لاسماء جديده بلا روح ويذكرني بطرقات الباب التي تكون ربما اخر الطرقات على بابي وساطرد من هناك بلا رحمه كما كل وجودي تعرض بلا شفقه الى مختلف الانتهاكات.
هويتي الوحيدة كانت رفضي لكل ماهو سائد مهما كان ولكل خيالاتي وسكائري لم تعد سكائر وطنية لاتفعل فعلها رغم انني اسيح معها عبر الذاكرة والجحيم .
يحوم الدخان حولي لايتحرر فهو انفاس مقيده ومقننة وخائفه ومتردده. فضح الدخان كل مظاهري وتبجحي. كان دخن سيكارتي يحدث صوت يشير الى انني شيء ما نكرة لم يعرف من هو واين هو والى اين. ورغم كل ذلك مازال موجودا ويدخن...... رحلت الموظفة دون ان تودعني لانني لست المالك ووضعي كمواطن حباب مثير للشفقه.
رن هاتف صديقي الصغير حسان الذي تشرب بعجزي وياسي وعشق بؤسي دون ان يخلصني كما الذين من قبله. فانا وهومادة وفرجه للوجع. من سيغادرني فانا كائن قدم من المجهول بلا تاريخ وتاريخ متقطع. وكانني ولدت اليوم. لااعرف شيء ولااحد يعرفني . لدي اسماء كثيرة لااعرف من سماها ولما .. ولدي عناوين فكرية لااعرف كيف لقبت بها. وانا ايضا لااعرف لما انا هكذا.
جاء صوت االمالك من لندن هل وقعت. نعم يااستاذ . محتاج شي . شكرا لك. ورن هاتفي رقم خاص ايضا بلا رقم. اهلا رفيق كيف هي التنظيمات وعليكم ان تقيموا احتفالا مزهوا بعيدكم.
هل للحفاة من عيد...
وبداخلي ذلك الجلاد الذي سيجلد الجميع. كنت اتمنى ان اسمع خبر وفات المالك. كي ابقى بالدار مزيدا من الوقت لاتعرف على وجودي قبل المغادرة.
ان مغادرتي للعالم ستتاخر, وساخوض مغادرات مؤلمه من مكان الى مكان. صدى صوت مظفر باذني ياسيدي حتى للكلاب ماوى. ..
غرقت عيني دون رغبة مني لانني سمعت ان القسوة تطفي شعلة الدموع.. لكنني مازلت ابكي فالظلم لايعرف غيري. هل ستكون روايتي تلك رساله للحرية للتحرر لوصف المعاناة التي يجملها الاعلام والساسه . والظالميين من كل مشارب التاريخ وتدعي المثالية والامه والانسانية والطبقة.
لم اعرف ان صديقي حسان موجود فهو دائما موجود.
كنت اعتقد انني اعيش مع الاصوات براسي . وعدت اليها فانا اختار اصوات لغير اصحابها. اكره مايفكرون ويتحدثون به. فانا اتحدث بالنيابة عنهم .
اعتقد انهم بدون ظلمي لامكان لهم , جميعهم يعتاش على ظلمي وكلما اشتد ظلمي يحققون ذاتهم الكتاب والناشطيين والسياسيين ومعلمي ومدربي وحتى المحل الصغير لابو صباح عندما اطلب منه السيكار بالمفرد في زمن الحصار . كان يشعر بشخصيته وكبريائه وهو ينظر الى الشباب المفلسيين ويفتخر امام اولاده بانه يملك شيء ما لايملكوه هؤلاء الشباب.
الظلم الاسطوري علينا مادة غنية لسعادة وشهرة الاخريين. وفتح شهيتهم. نحن مختبر كبير للمشاهير والمغامرين وقادة الحروب والابطال ولمجوم الكرة ايظا.....
في الطريق الى البيت لست وحدي كالعاده ترافقني اصوات الناس وصورهم واقف هنا وهناك بالماضي.وكانني ميت .. وعندما يسطع صوت سيارة لمراهق اصحو واخشى ان اعود فانا اخاف ان اتحدث باحلامي .. وكلما اخاف اكثر احلم اكثر وكانني كائن يعتاش على الحلم ولايستطيع الخروج منه. داءما افكر بما لايقولوه الناس , وامضي لمستقبلهم بعيدا حتى ضاع من عمري الكثير دون توبه. واغلب من كتبت عنهم لايعرفون انفسهم .
فانا وحيدا جدا وانا بطل حياتي وليس احدا ما بطلا لي. اشتقت الى ابي كانه يسكن بداخلي وليس بالمقبرة. احب ان اذهب مع صديقي الصغير واتحدث عن ابي هناك بمقبرته ولفعل ماكان يفعل. ولكنني وجدت نفسي لااعرفه ..
ترى من يكون ابي ؟ هكذا سالت صديقي ابتسم كعادته كانه ينعتني بالمجنون.. انا ثرثار ياصديقي فالثرثرة صدفة غبية لمعرفة التاريخ. طرقت بقبضتي على القبر وامسك بيدي. ؟
هل كان يضربك ابوك وهل تسامحه الان بعد وفاته... واردف بسخرية حزينة انت جبان وصمت كصمت المقبرة وبات السلام يخيم علينا بين الموتى..
لكن الاصوات لاترحم وفجأة تسللت دمعة من خديه لمعت . حاولت التقرب منها كي اتاكد ان صديقي يبكي لانني اول مرة اراه يبكي.. كم جميل عندما يبكي احد ما عندك. حاولت ان اتحدث مع قبر ابي وان لااضلله فالبكاء ليس له بتلك اللحضة رغم انه يستحقها ولايريد غيره..
وجاء اعصار من الحسرات وكان القبر بركان وثورة .. ربما ابي سيتحدث عن ماكان يخشاه بحياته وخوفه واماله وعن اشياء عنه فما زلت اجهله لانه كان دائم العمل والذهاب والاياب والروتين الابوي المثالي والحنين الصامت.
اه ياابي لو كنا نتحدث كما نتحدث الان مع بعضنا...
كان حسان يتمتم وترافقه حسرات وينتظر مني الاصغاء فالمقبرة والهدوء فرصة له ليتحدث عن مافي داخله وربما يعطي لابي درسا بالبوح..
استعد للحديث وكانه سيعطي امر ما للموتى ويلقي خطابا وتنفس نفسا منكسرا وذو صبغه متحدية .
ان ابي لم يموت لقد قتلوه: وعذبوه ..
صمت لبرهه . كان يعمل بكسره وعطش بمدينة الثورة وبايام الطائفية والحرب اللعينة التي خضناها ضد بعضنا بعض دون ان نعرف ان الحرب قائمة حتى: فاي حرب تدور بدون ارض معركة وعدو واضح . اي حرب يموت بها الناس وهم يمارسون اعمالهم وبثياب العمل واحلام العودة للبيت واحتضان اطفالهم.. لم يعد ابي ذلك المساء ..كنت صغيرا جدا , وبحثنا عنه طويلا وهو مات اكثر من مرة فالطعنات والثقوب بجسده تخبرنا عن مدى الغابة التي تحيط بنا واي افتراس واكتشاف جرمي نتج الان بعالمنا.. طعنات بكل جسد العراق . فخارطته توسعت ببقع من الدم واصوات للكراهية وهوسات مجانية .
لاصوت الا صوت زئير لانعرف مصدره كانه شبح وسر غامض يلتف حول المدينة كانه شبح لصاحب معطف كوكول قدر عاد للعراق حانقا بسبب الاهمال الذي عومل به من قبل المجتمع واصدقائه .
الخوف والتعجب بملامحه لغة جديدة ؟ لم يعد احد يستطيع فك طلاسمها . كانها لغة قديمة لم يكتشفها احد الا درجة. تخيلت ان ابي وانا وهو وثلاثة اجيال يصغون بشدة كانها قصة خرافية ورعب لانهاية له..
كان ابي يجلس بيننا حتى هو تناسى اننا لضيافته ببيته الهديء المستقر .
ان قصة حسان ابكت الموتى وحصلنا على تعاطفهم والتفينا حوله كانه قبر ميت والموتى احياء.
اقتربت كثيرا من وجه ابي وتعرفت عليه اكثر.. فحسان وقصته لم يشهدها جميع الموتى الذين خاضو االحروب ودروب الحياة ومشاكلها. لقد طغت قصته على جميع القصص وتسائل الموتى عن قبر ابيه وبدئوا بالصراخ ويطالبون بالانتقام من القتلة..
انها ثورة الموتى مادامت الناس المعذبه والمقهورة لاتثور بالحياة فهي ستثور هنا بالمقبرة. ولايوجد شيء غير الموتى وانا وحسان .
قال حسان ان القتلة ايضا هنا ربما بينكم ولو سمعتم قصصهم لتعاطفتم معهم .. الجميع تعرض للقهر والتدمير الذاتي ياابي ..فالحروب الاهلية تحيط بنا كما تلك المقبرة.. ولن ينجو احد القاتل والمقتول .. كان ابي يصغي وكانه يسمع هذا لاول مرة ولايعرف ان من يحيطون به رحلوا من الوجع والظلم وليس بقدرة من يشاء .
العرق ياابي كما قالت لي جدتي الموت فيه ليس كما البشر. فالموت مجانا . وان وجدت بيتا بلا سواد فهم اشباح و ليس عراقيين او منظمات انسانية تحصي موتانا وضحايانا بملل واضح بوجووهم المتورمه .
مازال حسان يتحدث عن ذكرى طفولته ... الم تجيد لعب الكرة في اي صف انت ياصديقي . كانت محاولات غير موفقه لجعله يكون هنا معي وليس بمكان اخر من الذاكرة والاصوات .ماذا تعمل الان ..
صمت ووجدته يسيح كشبح بين القبور واصفر وجهه بشحوب تلك اللحضة ..
لحضة الغدر والخوف والاستسلام.. لم يمر بالطفولة والشباب هكذا ولد ميتا... لايتحدث عن ذكرياته لانه بلا ذكريات وكل ذكرياته انه شهد حربا لاتنتهي حربا من الخوف والفقر واليتم والوحده .. ا
اي ديكتاتورية هي الذاكرة . وكان حياتنا لامعنى لها بدون الديكتاتورية..
سرحت بهذا التاريخ القريب الذي كنا بوسطه وكاننا نجهله لشدة الاحداث وتسارعها وصراخ من حولنا.. تخيلت للحضة ان هتلر وصدام وستالين كانو يتعاطفون معنا. ورايت دموعهم .. نعم انهم بشر نعم بشر . من هول قصص الموتى بعدهم.فالدموع توحي بذلك..
كان راسي يدور بغرابة كمجنون جديد لايعرف ملفه بعد اي طبيب.. حتى جذب فضول حسان.. ماذا بك؟ لاشيء وراسي يقفز كما الكرة بيد طفل يمسكها بخيط مطاطي ويلهو بها.. لاشي ياصديقي ولكن قلت له ذلك دون اشعر بها. فدائما الكلمات لاتعبر ولايمكن ان تتطابق مع المشاعر. فليس للمشاعر سوى الصمت والدموع والبقاء في ظلمة الحلم والذاكرة..
اتصل حسين وهو يسال عن موقع مكاننا وهو يحدد لانه يعرف اننا لانستطيع ان نسافر اكثر من ذلك.. وكانه سجان يتحكم بنا عن بعد . قدم مسرعا وسيكارته بيده كما سيكارتي واعتنق الدخان الدخان. وكاننا تعارفنا من خلال انفاسنا التي تقطر كلمات حاره وبارده يقمعهما الصمت دائما والسرد الذي يخفي حقيقتنا.
كنا نتحدث عن العالم والناس بلا حدود وعن الثورة والتغيير وعن اسئلة تتكرر واجوبة تدور بسبب الواقع الذي يدور ايضا. ردد صراخه المعتاد وهو يشكو حاله. ويطلق اسماء اطفاله لااعرف ماذا كان يريد.
اي رسالة يريد ان يوصلها احيانا يردد نصف اسمائهم كاشارة لنا لنتعاطف معه. ولانفعل سوى ان ننفث ضجرا وحيرة وهو بمثابة عزاء جميل.. كل مانفعله هو اننا ننتقل كجثث واشباح لايابه بها احد ولايسال او يتسائل عنها احد.
كان صديقنا الفيزيائي يقول ستنقرضون ويبتسم بصدق وثقه والم. كانه يحاول ان يطيل من عمره وينقرض بعدنا ونعطيه هذا الشعور بالبقاء اطول. ولقد وجدنا انفسنا نعطي شيء وميزة للاخرين للمقارنة بوضعنا.
كل من حولنا يكون سعيدا فدرجة المقارنة لاتوصف لانهم يعتقدون اننا نشبه صرصار كافكه..
وكالعاده سرحت بعيدا كانها حقيقه اعيشها وسابقى اعيشها. باننا اشباح وسنغيب يوما ما حيث لايجدنا صديقنا.
فابي نؤاس يجلس وحده ينتظرنا بشهر رمضان وقد مللنا ه ومللننا لاننا لانرتدي شيء جديد .
حفظ قنادرنا وضلنا وحوارتنا الي تتكرر.وعند مرورنا من التمثال لايابه لنا ونحن لانابه له ايضا. حتى يغط الظلام نشعر بفرحة وهمية ولايراها احد.
نحن نخشى الفرح والرقص والامل. فالامل لايعني لنا سوى كلمات نطلقها لنؤكد للاخرين اننا سنكون شيء ما وسنرتدي يوما ما احذية جديدة كما الاطفال بيوم العيد..
وعلى مضض تفرقنا دون قرار كالعاده بل كالحمير تاخذنا اقدامنا الى حيث تريد فهي تفكر بدلا عنا. لاننا ننطلق من الواقع وليس من العقل . لم نتوه يوما . فاقدامنا اعتادت ان تتجذر عنوة بالوطن قسرا.
كلما نريد الهجرة لاتسمح لنا. وكان الوطن وترابه سيكون مقبرتنا الابدية.
كنا نركض مسرعين الى حيث لانعرف ونلهث ونتحاور عن كل شيء كاننا ندرك العالم والتاريخ والمستقبل. ونذهب الى بيوتنا نبكي هناك بصمت وبخوف من الغد. هل سيكون الغد كما اليوم؟
مبادرة مني . كان حسان يتشرب من افكاري ويتفاعل معها. لذلك هو حزين جدا حيث جسده الهزيل يعبر عن هذا بشهادة الجميع حوله من الاسلاميين والاشتراكيين. وبما انني لامتلك سوى الخيال للاجابة عن الواقع الذي كنا مفلسين منه وكاننا جئنا من كوكب ما ومن زمن ما كنا شاردين لمعرفة من اين نحن .
لسنا من الارض ولا السماء. صرخ فراس دوقفليد دددددد فجاة ظههر دون ان نتوقعه هربا من دموعه . وحاول ان يمزح لتغطية احراجه . واتهمنا بالكابة وهو يملك وجه يبكي يحاول ان يعتصر ذاكرته وكانه سيمطر.
بات وجهه كانه من كوكبنا ويشبهنا. لذلك تعلقنا به.
قال حسان انا واخوتي لا نضمن يومنا ونتخيل خبزا وماء ورز. وحمد شيء ما لابد من حمده بانه لايابه لطعام البشر ومائهم وهو لم يشاركهم منذ فترة طويله لانه كائن ليس من دم وشحم. وكلما تاكد لي ذلك اطمئن للاجابة عن سؤال وفضول مفترس حول انه لايبكي ابدا.
كل هذا وهو لايبكي حيث تاكدت انه كائن من بخار وصوت مخفي اخرس. يصرخ دائما ليضلل البشر كي لايكتشفوه. فهو جاسوس على الوطن. حيث لاياكل اكلهم ولايرفع راياتهم ولايفرح لانتصاراتهم وكلما كان يتحدث مع ابناء الوطن . يزجروه لايابهوا لانهم على موعد ما بشخص غريب قادم من بعيد.
هو لايتحدث لغتهم ولايتخلق باخلاقهم لايجامل لايتملق. لايردد الحمد وعاش القائد.
صوت من بعيد انه فراس: وهو يصرخ دوقفليد ويتسلق الاشجار. دائما يتسلق الاشجار تاكدت انه كائن جميل وكنا كائنات اجمل . مادام يتسلق الاشجار.
شمرنا عن قنادرنا وكان حسين يطيل النظر الى حذائي وحذاء حسان. ؟ هل سيكتشف جنسنا انه ذكي جدا ويطيل النظر كلما نتحدث او نفعل شيءما . يعتقد اننا كائنات فوق البشر. كم هو غبي لايدرك بان بؤسنا حولنا الى حيث لانعرف من نكون وهذا سبب غربتنا وشك الوطنيين بنا.
ولكنه مجنون نهض بريبه وهو يحوم حول حذائي ويشمها ويمسدها. لانه يعتقد ان ماردا ما سيخرج منها لينجدنا جميعا .وبعد ان ياس هذه المرة وهي ليست الاخيرة عاد كما البدائيون يتاملون السماء .
كنت انا وحسان لاننظر الى الاعلى لاننا نعتقد اننا جئنا من هناك ونعرف انه لاشيء هناك سوى فراغ كما الفراغ الذي يسود بحياتنا.
في هذا الوقت الذي يمتزج فيه الليل والنهار عادة يتصل صديقنا الفيزيائي. كنا نتوقع اتصاله فهو سخي جدا ويشتري لنا فلافل حقيرة ويوصلنا الى حيث نقطن فهو يعرف طريقنا اكثر منا. وسيحدثنا كالعاده عن حافة الكون والفقاعه وصراعنا الاخير مع الدود . كنت لااهتم لسرده العلمي والمليء بالثقه العلمية. لان جوفي يسكنه الغضب وشيطان ما يختبيء بخوف طويل.
عندما وصلت الى حيث انزلني وكالحمار كما هي العاده دخلت دون اعرف لمن هذا المكان .
توهمت بسبب حماقتي ان البيت لي. دخلت الى الغرف وجدت طفلي
لم اتاكد بعد وانا في شك وخوف عثرت على مكتبتي اللعينة وفوقها حذائي . عندها فقط تاكدت انني مازلت اسكن هنا ولم يطردني المالك بعد . فاينما توجد قنادري اوجد انا .
وكالعادة كنت بلا سكائر حيث ساكون وحدي هناك. اسمع اصوات اعتدت عليها مسالمة لاكنها كثيرة الطلبات. لما يريدون مني كل ذلك بينما انا اريد من الاخريين. طلبات بسيطه لحالمين صغار اعتقد انهم من اطفالي
. ودودين يبتسمون لي احب ان اكون معهم. لكنني انسى مخاوفي واحلامي بينهم. حيث اكون كالحمار الذي مر بنا دون مبالاة ودون ان يلتفت لنا. مارست هذياني وقرائاتي وتحاورت مع الاصوات فانا لاتعامل مع الاجساد والالسن ولاثق بما يجري. الاصوات وحدها هي الحقيقة . ثم وبصعبة بالغه احيانا احاول الصراع معها والفراش وانام .
نهضت من فراشي وكانني لم انهض من قبل فحياتي كانها يوم طويل وكانني لم اغادره. لكن من اين تاتي تلك الذكريات والاصوات؟ تاكدت انني كنت ايضا من الماضي وكانت لي حياة ما غير تلك الحياة المحسورة باصدقاء معينين وجغرافية ادور بها باحلامي.
حياتي ليست قصيرة لكنني كنت سجين لحياة محددة. وكلما اشعر بانني لم اتحرر ولم اولد بعد اسافر واعود تحت الفراش اتامل الحرية والطيران ووجوه لاوجود لها بحياتي.
حسين وفراس وحسان يفرضون وجوههم بقوة وعندما احاول الهرب منها اقع بفخ وجوه كانت تفرض نفسها ايضا رغم انها جميلة بجمال بساطتها لكنني ابحث عن وجوه اخرى فقد سانت لغتي وبشرة وجوههم وعاداتهم وتقاليدهم والفقر المدقع الذي يحيطون انفسهم به بلا رحمة .
لذلك كنا جميعا لسنا معا كنا مع الريح والاشجار والسحب . مع الاحلام والاوهام مع كل شيء. مع الاحتلال واي تغيير جديد مهما كان سيئا واسوء.
لانفعل شيء ننتظر ماذا يحدث . نعترف بذلك لكن بقرارة انفسنا نحن جبناء لذلك نتابع الاخبار والتظاهرات والقاده والخطباء. ليس فضولا بل لاننا اتكاليين .
حتى الدعاء الذي مارسناه طويلا وبكل صدق لفترات طويلة هو بسبب الاتكال . نحن شعب اتكالي مهما ادعينا وناضلنا. والاتكال هو من يثير لعاب الاخرين لنجدتنا وليس نفطنا فقط...
من خلال حواري مع حسان وانا لاعرف اننا هنا دائما كنت في مكان اخر وصوت اخر لم استطع التحرر من الامس والماضي في وسط البحر وانا بقعر حوض بلاستيكي ومع المهاجرين الفقراء.
صرخ طفلا وتقيء اخر كانا سوريان جميلان جدا هادئان جدا وكانهما يدركوا حجم المعركة التي يخوضانها. انا فقط لم اكن هناك . واسمع ادعية وصراخ وهدير مخيف. كنت ابتسم للبحر واتامله وكانني اغرق واذهب لمكان اخر اكثر حرية.
صمت صديقي وتمتعه بقصصي يدفعني الى الذاكرة دفعا شبقيا وحميميا جدا. لفترة طويلة لم اسمع القران لقد قراه المهاجرون بصدق وثقه. كنت ابتسم واقول انه الخوف الذي يولد الالهه .وكان البحر سمع ذلك ولجمنا بقوة موجاته وكاد يغرقنا.
شعرت انه ربما ان الله حقيقه خاصة بتلك اللحضه وانا بوسط بحر ايجا وبقارب بلاستيكي مشكوك فيه يقطنه اكثر من 40 شخصا .
شاب صومالي يبدوا متدينا بتلك اللحضة كما الجميع كانه سمع الصوت ورمقني بنظرة كانما تمنى لي الموت والغرق .
وبعدين كمل هكذا ايقضني صديقي .يعني قلت له العالم يسير وفق العبث , والعقل والايمان هم فرعان للعبث والعبث بعالمنا سببا لمنطقيتنا . لانفهم ولن نستطيع ذلك حول ماحولنا وداخلنا والقادم المجهول.
كل شيء مجهول ولاتوجد اي قوة تفهم المجهول لكنها تلاحقه فضولا..
لذلك انا وانت ياصديقي نعيش بالماضي بالامس تتهامسنا الاصوات . الاغبياء فقط هم من يدركون حقيقة هذا العالم الماديوون والمثاليوون كلاهما حمقى..
وانا لست ادري بهذا . وماذا بعد ارجوك استمر... قفز فراس كعادته كالقرد بعد ان ارتشف قوطية صنع في الصين .. وهو يمسك غصنا ويترنح بارادته فهو لم يثمل يوما.. ويغني استمروا استمروا الى الامام الى الامام .. يرقص ويغني وكلما. يشتد الظلام وتطلق الريح ذاكرتها وجنون صوتها , كلما يتحرر هو....
كما العاهرات تتواجد في اماكن مغلقة ومظلمة كي لايراها احد. وكأن شيء ما يراقبه . بالمناسبه حسان ؟ معقولة لايوجد لديك حبيبة وانت شاب ..تحدث لي عن تجربتك.
لاول مرة اراه خجولا جدا وكشر عن اسنانه وكانه زير نساء . وضرب كفاه وهو يقول ابدا لاشيء. ابدا معقولة والسؤال ؟ من حسين وهو يعبث بهاتفه كالعاده وكانه مشغول بتغيير العالم.
واضاف له وكانه وجد فريسة ما لينقض عليها شنو انت هم شاب.. واراد ان يتحدث عن مغامراته مع النساء واطلق اسماء كانها فيسبوكية. وبين ان نصدقه او نكذبه تسائل حسان ؟
لااعرف انا عاشق للجمال ولكن؟ حاول ياصديقي فالحب هو مفتاح للسعاده واقرارا بالوجود. لاتهرب فلا جدوى منهن . النساء مخلوقات يتكاثرن بالحب فقط وليس بشيء اخر ربما مكمل.
استرسل حسان . صحيح نعم صحيح فجارتنا انتحرت بسبب الحب وكثيرات هربن لانهن يعشقن فقط.
وتعرف العادات والتقاليد التي تلف جسدها وتصبغ قلبها بالسواد. تدري احمد وحاول جذب انتباهي لانني كعادتي مشغول بسيكارتي وقداحتي فهما الشيئان الوحيدان اللذان لن يتخلان عني على طول تجربتي مع واقعي وخيالي.
وارتفع صوته فجاة لانني اعطيته شعورا للاهمال للوهلة الاولى ..ان الاطفال السعداء بالمدرسه يتعلمون اكثر واسرع . السعاده تنمي وتطور الناس والحب سعادة لاتضاهيها سعادة اخرى.
خرج من عدميته وغربته كما انا خرجت من البحر. واطلق سيل من الكلمات والاحاسيس وكان العالم بدا كانه يخلق امامنا وكاننا سنشهد عليه هذه المرة بدلا من الشيطان وابليس وادم . ونفثت فيه الروح.
مازال فراس يقفز وهو يمسك غصن ما قذف به : العالم المجنون بين يد مجنون.
وقلت ساحرر هذا الغصن من قبضته بعد ان يساعد فراس بتحرره. كل شيء مهم الغصن والحب ووجودنا معا.
مازل حسان يتحدث وانفتحت شهيته اكثر. فالنساء هي مفتاح الفرج
. وبينما نحن نسير كالعاده ونتحدث ولكننا نصمت اكثر من اي شيء اخر وكلانا كان يتحدث اكثر مما تحدثنا .. ياترى لو صمتنا وترجم ذلك الصمت , ماذا ؟ سيحدث هل ستتغير مفاهيم العالم...
كان حسان شعر بذلك وقال تحدث ... ياماركس فقلت له بلغتنا المعتاده .. انهجم بيتك ياتروتسكي..
كان يحب هذا النوع من المزاح .. سالني عن جد : احمد ؟..
ماذا تحب بماركس... ابتسمت ابتسامة كانها ستطلق قهقهات وسخرية .
لاشيء سوى جوعه وبؤسه. ولكنه مثالي جدا . استغرب ,, وقال كيف ذلك :
قلت له انني لااصدق ان يموت اطفاله من الجوع وهو يكتب كل هذا البؤس والحلم ويكون كما نعرفه نحن بعالمنا الثالث وبعد كل تاريخ المثالية والدين والتشوه والحروب. فان من سوء حظ اي شخص ان يلتقي بماركس ويتعرف عليه؟ لانه سيهز كل ماهو فيه , من قيم وهلاوس واوهام . فهو لم يبقي شيء لم يتناوله واسترسل بقهقهته .
بعد هذا وكانني سلمته الحديث .. وبحسرة لاتفسير لي حولها قال عبقري جدا وانا متعاطف معه جدا .. كنت كعادتي اخالف الرموز وقدسيتهم .. ولكنني ايضا قلت له ..
ان ماركس لم يتمركس بعد وحول السلع والحاجات الى روح شريرة يركض ورائها الجميع . لقد اثبت ان تلك السلع والاشياء بعدما كانت للاستعمال والترفيه باتت وسيلة للتحكم والتملك بفعل البيع والشراء والملكية الخاصة.. ومن هنا اخذ التاريخ الانساني منحى اخر وانقلب العالم .. وهانحن منقلبون .. ومن ينقلب على مثاليته فلن يظر الله شيء ..
اعتاد على عبثيتي بالحوار ولكنها صارمة وجدية جدا ولطالما قال لي ذلك.
انت عبثي بروليتاري وليس ذاتي .. يعني لست كامو بالغريب..هجم بيتك كما كان يكررها دائما ..سحبني فجاة بقوة وهو يتوسلني ان نمر على صديق قديم بالنسبه لي وجديد بالنسبة له. اسمه خالد ..
وكانني اسير رغم حبي وصداقتي لذلك الانسان الفنان الكبير بكبريائه واحترامه لذاته وفي موقع عمله للحراسه بشركة الاتصالات بالكراده والتي كنت اعمل معه حارسا ايضا وكان مسؤلي بالعمل وكنت مسؤله بقضايا اخرى ..
رحب بنا خالد باتسامته التي تنم عن حزن لايفارقه لكنها جدية بالنسبة لنا فهي لنا رغم مايحيطها من ضباب .. كان حسان يستانس ونحن نتحدث عن صولاتنا ونظالاتنا بالشركة مع المدراء والمتملقيين والجبناء والمنبهرين بفترة كانت الطائفية دخلت بعقول الناس وبيوتها وعزلتهم بشكل علني بالاسوار والصبات . وفرضت بشكل غريب , لم نتوقعه او ندركه : سوى الان ونحن نتذكر كل الذين غدروا , وهجروا واغلبهم من الفقراء دون ان يتوقف التاريخ لمعرفة وادانة الجناة.
لكن للاسف التاريخ يسري بمنحى ما ومخطط وليس كما يشاء التاريخ .
رفع خالد راسه وهو يغني بصوته العذب لامل خضير وياس وحسين البصري والريسم والبنفسج. شعرنا باننا بحاجة الى السلام والهدوء... ساد الصمت سوى صوت خالد وروحه الانسانية وبين اغنية واغنية يردد الاطفال الظلم ويتحسر ويريد ان يفعل شيء بصوته من اجلهم .
وكان يتمنى ان يكون صاحب الشركه ليوزع الثروة بالتساوي.. توقف خالد وصرخ اي عالم هذا شجاها الناس وعاد وغني شجاها الناس كلشي مالي وي الناس ..
كان رومانسيا جدا وحالما بالغرب والموسيقى والجمال والحب والصداقه . وكلما يعود للبيت يعود وهو خالي الوفاض فجيبه يقدمه قربان للاطفال والنساء المتسولات .. لانه بدون ذلك سيعذب نفسه ولن يستطيع النوم .. كان مهتما جدا بالقنادر والالوان والقمصان .
وهو حيوي الى درجة تظاهي حيويته حزنه . نعم احمد كان حسان يريدني احيانا ان اعلق على كل شيء بعد ان يسود الصمت وهو بارع بذلك. ويتركني اتكلم .
ولكن خالد سبقنا بذلك وقال هل تتذكر.. ؟ يالله انها سنبن جميلة ومؤلمة.. وتذكر ميتو طفلي الصغير ونحن نبحث عن حاجت كان يطلبها وكانها امر.. كان خالد مهتم باطفالي كما انجلز مهتم باطفال ماركس دون ان يعرف هذا .. اي شخص قريب هو .. يشتري كل شيء. ومازل دون ان يملك اي شيء : فهو لايقدس المال بل يصرفه بين الاصدقاء , دون ان يعرف هذا ويستغرب ويتعجب الى درجة البله بانه لما من اجل المال يفعل الناس كل هذا , ويخبئون انسانيتهم وهم فرادى . ماذا سيفعل المال لهم بدون الحب والرفقه . اي لعنة هذا المال كيف تكون وتضخم وبات قصة وجودنا , ومعيار لانسانيتنا وفقرنا وحروبنا وسببا لكل شيء.
لما لا ينتحر او نحرقه؟
قهقه وردد حسان . ياعمال العالم احرقوه .. لانه حرق العالم وفي سبيله .
. بات الاخ قهرا لايعرف اخيه. واجساد النساء تباع بالعلن ويموت الاطفال من اجل النفط والربح ويتخاصم ويجوع الرائعون.. بنبرة خفيفة قلت لخالد غني ارجوك وانا اشعل سيكارة اخرى تلوى الاخرى وكلما اتمتع بحزني افعل هذا .
غنى خالد بحزن شديد ومواويل معروفه عنه وبصدق اللحضات. لانها ليست حفلات وبيع وشراء. .وخاصة بعد هكذا حوارات وهو يتذكر ابو عمار الرجل صاحب المشتل .. وقبل ان يغني اراد ان يعرفه لحسان رغم انه توفى قبل عام .. حيث ردد كما كان يردد ابو عمار الذي ترك اثرا كبيرا باخلاقنا وحبنا للناس والمدينة والشارع ( قهر قهر تشريب القضية كبيرة ).. قهقهنا معا , لاننا تذكرنا ابو عمار الذي كان يرش الشارع بتيشرته وسرواله الصيفي وهو يمسك حقيبته .. ورغم انه قضى عمره هاربا من صدام بغابات هولندا الكثيرة... كان يشرب الخمر طويلا وكثيرا ويبتسم ويحب الناس ويسعى لمساعدتهم .
كان خالد وهو يتحدث مع حسان حول ابو عمار يذرني ويستشهد بي كذلك عبر حركات وامائات بالوجه . كان يقول لنا تعرفوا على الله من خلال الغابة والنبات,
ابحثوا عنه وهو يشير للورد وشجرة صغيرة حيث كان يقول لنا انها عندما تسمع صوت ما تخاف وتنحني وبالفجر ومع النقاء وصوت البلابل تعود للحياة. ان الله ينزل بالارض في هذا الوقت لذلك انا لااثمل بهذا الوقت ..
كان لايؤمن بنبي او زعيم ويضع بمشتله الذي هو بيته كتاب لمتمرد سعودي تمرد على مذهبه ومن ثم على دينه ودولته ومجتمعه. صاحب كتاب ياايها العلم لما اتيت . وبادلت خالد وحسان احدى حواراته هو يتذكر اعدام اشقائه احدهما من اسلامي والاخر شيوعي ..
وكيف انه لن يستلم مكافئات او رواتب للشهداء وانه لاياكل بلحم اشقائه ولايريد ثمنا للنضال. رحل ابو عمار والحديث لخالد وانين حسان يرافقه وهو بمشتله بشكل صامت دون ضجيج وغير متوقع .
وترك خالد يبكي لانه كان الاقرب فكلاهما يملكان حسا فنيا وقريبين جدا للالوان والورود . ونفس البكاء سمعته من خالد وانا مغادر العراق عبر البحر .
كان خالدا مخلصا لعائلته من الاصدقاء. وكلما اتذكر خالد كما هو الان احبه اكثر كانه ملاك او ملاك بالفعل . في هذه اللحضات اتصل صديق لنا جميعا وهو يسال عنا ولن ينسى رغم كل الظروف والاماكن والمسؤليات والمصالح...
مازال المجتمع بخير هذا ردد حسان...واكو امل ...
واضاف خالد .. ناس طيبه وشعب طيب ولكن؟ ثم غرد مرة اخرى فهو يعبر عن اي شيء من خلال غنائه وانا وحسان من خلال ثرثرتنا ..
عدت الى البيت وانا محمل بالاصوات والذاكرة. وفي الطريق وكانني امشي بامكنة اخرى من حياتي وبازمنة ليست ببعيده . حيث تذكرت اخوتي وامي. ورغم اننا بداخل العراق , لكننا بدون ان نعرف او ندري نفترق اكثر .
فلا ارث هز علاقاتنا ولا اي شيء اخر. انه شيء ما لايفسر .
كانت امي تلومني وتعتقد انني متكبر ولابالي ومازالت لاتعرف حجم ماساتي واغترابي وحبي الشديد لها. كل لحضه اشتاق لها وكانها ستغادرنا ولن اتصل بها او اطمان عليها .
كنت احب ان اسمع اخبارها دون ان اسال . ربما انني ميت ولااعرف اين انا.
مررت بالفندق القريب الى بيتي وسمعت اصوات ذكرى اصدقائي قبل سنوات ونحن نلعب الكرة ونتبادل قضاء الوقت . وهم الان هاجروا ومصطفى توفى بقبرص , وحارس المرمى الطيب الذي كنت دائما اتصل به فهو محب للاصدقاء والجيران فقد سحقته سيارة وهو يمتطي دراجته بعد زواجه من حبيبته. وايضا بالاشهر الاولى من تعيينه.
كان القدر يحوم حولنا وترك الاخرين بلا قدر حتى حقدنا على العالم .
لقد ترك طفلة جميلة واشقاء يعتنون بها. كم من الاطفال تركوا وحيدين وكيف سيواجهون العالم من دون اب من دون اخ او ام. حيث امتلات مقابرنا .
واصبحنا اكبر مقابر العالم. ورفعنا شعارباتت فخرنا مقابرنا .
كنت حانقا على كل وجودي والوطن والتقاليد والدين والزعماء وحقارة العالم تتجدد كلما كبرت وتاملت .
قبل ان ادخل بيتي صرخ صوت جميل من الجامع وهو يفرض رايه وضجيجه عللى الاهالي ونحن ببداية شهر رمضان. ولكنه صوت هاديء حزين يترجى شيء ما.
تذكرت حسان وهو يقول لي في الامس اننا نقلد اليهود بسبب سبيهم التاريخي فهم قرروا اعادة وتذكير ماساتهم. وها نحن نتذكر مضلوميتنا حتى بتنا نظلم بعضنا بعضا والعالم يغط بظلم ينفي الوجود نفسه الذي فرض علينا بلا نهاية او موت حراري كما يسموه الفيزيائيين.
كالعادة وانا اتصفح صفحتي الشخصية قفز منها اصدقاء كانو قريبين جدا بالامس. واصبحنا اعداء. بالرغم انهم شيوعيين وانسانيين وكنا نتفاخر بهويتنا الانسانية وخاصة بظل الطائفية والكراهية والعصبية. لكن يبدو ان هناك عصبيات واسوار اخرى وقيود.
كم صغير دماغ الانسان وضيق جدا. وحبيس اطاره ومعلوماته. ترى مالذي كان يجمعنا معهم ومالذي حدث فنحن جميعنا طيبون انسانيون نعشق الانسان ونقدس حياته ونناضل في سبيل تحرره.
لكننا لانؤمن بتحررنا من بعض وبعضنا يتبع بعض وهناك ايضا تاج راس. ولن ينفع ماتربينا عليه من نقد السماء والزعيم والنقد النقدي ونفي النفي.
زنجار قديم يصبغ مخيلتنا وعنجهية تتضخم كلما نكون بموقع ما تعليمي او مالي او منصبي او حتى سائق كيه. او عندما لسنا نحن فكل شيء يتحكم بحريتنا .ز كل شيء الكؤس الخبز القنادر الجنس وجود هذا اوذاك فترة حولنا ز
تذكرت ابو عمار صديقي صاحب المشتل وهو يقول
الانسان خلية معقدة ياصديقي. ومازلت ارددها عندما اعجز لاقناع احد ما قد صدم بعلاقاته ومازال يتحدث عنهم بقسوة وليش ولماذا ..
الانسان خلية معقدة وكما تقول جدتي لاتملأ عينه الى الدود .
معركتنا القادمه مع الدود ههههههه لاخلاص ابدي من الاصوات .
وبعد الدود ستكون اصواتهم ونظراتهن وطعامهن وكيف لايبالين بي وهن يتقاسماني بسعاده كبيرة جدا.
انا اتخيل اصوات الدود حولي.
بكل فرح يقطعوني ليطموا اطفالهم. لما اصارعهم .
هكذا قلت لصديقي المادي .
انت مثالي جدا يااحمد . رمقني بانفه وحاجبيه فهو عادة يطرق برأسه ويان انينا ماقبل العاصفة. ولوح لي وغادر.
قلت له لاتتركني وحدي مع الدود.. تعال معي .
قال بصوت عصبي الحضارة القادمة دودية جدا...