الانتهازية والتحزب الشيوعي


قاسم محمد حنون
الحوار المتمدن - العدد: 5879 - 2018 / 5 / 21 - 01:18
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

للانتهازية تصورات كثيرة لكنها تشترك بحد فاصل. اي انها تحقيق مكاسب ومصالح شخصية داخل السياسة والمجتمع والتنظيم من دون ان تؤمن بالتنظيم وتلك السياسة والمباديء. بمعنى اخر انك تضع نفسك كممثل لدور لايتلائم مع طبيعة شخصيتك، وهي نقل افكار وتصورات داخل العمال والشغيلة لاتتطابق مع مصالحهم، بل مع مصالح فئات اخرى او مجموعات تدعي او تتوهم بانها تمثل العمال والمجتمع. والفرد الانتهازي يحمل تلك الافكار وكانها مباديء وقيم خالده وحقيقة مطلقة بين العمال ويروج لها ليحقق موقعه ومصلحته. وللانتهازية ادوار خطيرة ومكشوفه ايضا، ففي مرحلة العولمه والانفتاح والتواصل الاجتماعي جربت الشعوب كل ماجرب وسخرت منه وانتقدته وهزئت به. كل شيء مكشوف والمعيار بات من اين لك هذا واين موقعك بالانتاج. وبات المال والاسماء والعناوين الوظيفية هي التي تتحدث وليس المقالات او النظرية والخطابات. فالجماهير تدرك بعفوية الوجع من الحياة ما ان تدخل الى مكاتب الانتهازيين او مقراتهم وصحفهم.
ان هنالك فجوة ما وفوارق طبقية ومراتب وهيمنة داخل اي مشروع للتحرر، لذلك تكون الجمل والشعارات مكثفه لتبرير الواقع الطبقي ورميها على برجوازيات اخرى عالمية. عراق للبيع وعمال ونساء للبيع هذا هو الشعار السائد اليوم.
ان السبوت الشيوعي مثلا والاخلاق الشيوعية والعمل الجماعي لكل المجاميع البشرية هي التي قدمت للبشرية تطورها وصيروتها، بحيث كشف بأن قسم قليل نتيجة تراكم السلع والوفرة يسيطر على الفائض وتلك هي قصة الاقتصاد السياسي، قسم يعتاش ويفرح على حساب قسم اخر منتج ويتطلب عمليا وبهذه الغريزة الطبقية التي انتجها الواقع الطبقي موقفا للمواجهة. ومن هنا تتشكل النقابات والاحزاب وتحدث الثورات والانتفاضات بحافة ما من تحول المجتمع سياسيا واقتصاديا. في خضم هذا الصراع تتصدى المجاميع المحرومة وتتعلم اساليب الاحتجاج والقوانين وتاخذ اشكالا متغيرة، منها فوضوية وتمرد وهبات وانتفاضات ومنها منظمة روتينية ومنها ارهابية فاشية. كرد فعل تجاه مايجري من انعكاسات الراسمالية وهيمنتها على قيم وموارد الناس داخل شعوبها وخارجها, وتزج بالاوهام الوطنية والدينية لتبعد الشعوب عن صراعها المادي اليومي.
ان الانتهازية تعني التضحية بالأهداف الاستراتيجية من اجل تحقيق أهداف مرحلية مؤقتة. في هذه المرحلة من التناقضات الراسمالية واشكالها المعولمة المافوق دولية سترافق عملية الإنتاج التي يقوم بها قسم من المجتمع والمنتجين تتبلور ثروة اجتماعية هائلة، يصرفها في مجالات مختلفة و هو ما سيثير لعاب فئة من الأشخاص رجحت مصالحها الشخصية على جميع المبادئ والتضحية.
ان الفكرة العظيمة والاخلاق والمباديء التي باتت توصم بالمثالية هي ليست مثالية.. بل مادية جدا وثورية من اجل التماسك وبث روح النظال واستلهام تاريخ المناضليين ليس كحركة فدائية. بل تربية سياسية نحن لها جميعا بسبب الحالة المتردية داخل الطليعة انفسهم، حيث بات الانعكاس للواقع الاجتماعي المسيطر عليه من قبل الراسمال والعلاقات الملكية والركض وراء الربح حتى اصبحت تتحكم بالعائلة بدلا من العلاقات الوجدانية علاقات مالية كما يقول ماركس. وبات المال والدينار صنما وآله داخل الحركات الثورية والشيوعية. باللحضة التي نناضل في سبيل الخلاص من النظام الراسمالي والعمل الماجورِ لخلق علاقات اجتماعية انسانية متحضرة ذوو وجه انساني ومساواتي، حيث يكون الفرد من اجل الكل والكل من اجل الفرد. وتلك هي التعاونية التشاركية التي يجب ان نتمرن من اجل الاستعداد لخلق عالم افضل وعلاقات انتاج جديدة واشتراكية.
ان الفساد الذي ساد في وسط الموظفين الحزبيين بالفترة الستالينية هو جزء من الثورة المضادة التي اعاد تاريخ التملك والسيطرة، حتى ساد في الحزب مجموعة من الموظفيين وليس من المناضليين الذين سيحولون علاقات الانتاج والتسيير الذاتي وتكون الشركات والمعامل بيد المنتجين بدلا من الموظفين بعد ان كانت ملك البرجوازية. ومن هنا تحطم حلم الشغيلة والفلاحيين اذ كان الهدف هو العيش وعدم الاستغلال من قبل المالكين عبر الدولة الاشتراكية، التي ستتلاشى وهي تحقق سلطة المجالس الشعبية العمالية والاجتماعية ليدير العمال الانتاج انفسهم بانفسهم كما قال ماركس. ان البيبسي كولا الذي تساقط على الاتحاد السوفيتي ومن كان مايزال يسمي نفسه شيوعيا هرول وراءها لتحقيق الملكية الفردية على حساب الملكية العامة، وهو جوهر وغاية الشيوعية الذي هو قانون سياسي نابع من تاريخ اقتصادي راسمالي وارتبطت الحرية الواسعة بهذا النمط الاقتصادي. دعه يعمل دعه يمر.. في ظل هذا الصراع والمعسكرات والتحولات السياسية والحروب الدائرة من اجل التراكم والربح الذي يخلقه المنتجين، حيث يزدادون جوعا وبؤسا ويتراكم المال بالجانب الاخر في جيب وابناك الراسماليين. وفي مجرى النظال المرير لاعادة التنظيم اللينيني الممركز لمواجهة الماكنة الاعلامية والاخلاق البرجوازية، كيف يكون الفرد الشيوعي وماهي مواصفاته التي ستفرزها تربية التنظيم العملي والممارسة وليس النظرية فقط، والتي تستقي هي الاخرى اي النظرية من الممارسة تجديدها كي لاتكو ن تردادة ومتحجرة ومقولات تشتث من مقولات لتكون تكتيكات وهمية من الجمل وليس من الواقع.
ان الروتين التنظيمي هو مهم بالظروف اللاثورية ولكنه ان لم يثور بالتغيير السريع وباللحظات السريعة، سيكون عائقا ومثاليا امام تقدم الحزب واي ثورة لاحقة سيكون للحزب دورا للتماهي مع الجماهير وممارساتها النضالية.
ان التبعية للافراد بحجة الثقة الشيوعية والنظرية هي تصور مثالي لهذا السلوك. اذ ان الواقع الطبقي وحياة العمال المعيشية لاتتطلب بروز افراد او فرد، بل كتلة متراصه عبر برامج ونظام داخلي يجب ان يفعل اشد الضوابط. خاصة ونحن نمر بازمة تعمقها الايدلوجية الراسمالية من خلال القصف الفكري والفني والمجتمع المدني والليبرالي، الذي يتطابق مع اقتصادها الحر وحريتها المجردة من الواقع الطبقي. ان انجرار الثوريين والتفافهم حول المنظمات الضيقة التي تعتاش على البرجوازية من جلد الشغيلة العالمية. لايبررها اي صواعق وجمل ثورية وجماهيرية او اي نظرية اخرى تعتاش على مقولات وقوالب ماركسية ارثوذكسية.. اذ تبدوا امام الشغيلة انتهازية ومصلحة فردية. والمشكلة ليست هنا! بل باستخدام الماركسية كذريعة وتبرير لتواجدها. وهي تعرقل من حيث محتواها وشروطها طبيعة النضال من الاسفل وتخلق انانية تنظيمية مسيطر عليها من قبل افراد يتعملقون بسبب ماليتها، التي تعطيها السيطرة الرئاسية وتوحي للعمال بانها ماركسية وتطالب الشباب تأييدهم لهؤلاء الناس الذين بلغوا هذه الدرجة من الفجاجة وقلة الوعي وعدم الخبرة.
ان اي انشقاق هو انتهازي مادام لايرتبط بالتنظيم ولا الاستراتيجية او تحالفات ومساومات مع البرجوازية دون تحقيق مصالح للطبقة العاملة في ميدان السياسة لاهداف ثورية. ففي التاريخ نشهد انشقاقات بسبب تلك المهام التنظيمية والتنفيذية لتحقيق استراتيجية واضحة. ولكن انشقاقات ذاتية داخلية من اجل سلوكيات وهيمنة سلطوية، وعناوين لعبودية الافراد والتبعية ومن اجل عواطف شخصية تعتبر محفلية بائسة وترفض الاعتراف، بل تبرر ذلك بالنظرية التي هي التاريخ العام الثوري المتغير بتغيير العامل الموضوعي والجراة الذاتية لمجموعة من الثوريين, التي تراقب وتحرض وتتواجد مع الجماهير باحلك الظروف السرية والعلنية لتثويرها, واستقطابها وفضح تلافيف البرجوازية وايدلوجياتها. وتظهر شخصياتها وناشطيها وتخرج من عليائها ومكاتبها، ولاتختبيء داخل مؤسسات المجتمع الديمقراطي البرجوزاي المدني.
ان تربية الجماهير يتطلب العمل السياسي الفكري بوسط الطلبة والنساء والعمال، وليس باقامة حلقات محصورة بثلاث جدران للتظاهر المعرفي والتدريسي وخلق مثقفيين متعاليين على الاخريين من العمال الذين ينشغلون بالعمل والقهر. ان تحرير البؤس لاياتي من فلسفة مكتوبة فقط او لافتات حمراء واضحة، بل من تدخل العمال عبر الاقتصادي الى السياسي. اي من المشاعر الطبقية والواقع الطبقي والحقد الطبقي الى السياسة الثورية والحزب الثوري. ومن هنا سيكون مستقبل اي حزب ثوري هو جدي بتغيير مسار حياة المحروميين نحو الرفاه من خلال تدخله المباشر، ودخوله بتوازن القوى عبر ناشطيه ومحرضيه وصحفه واستغلال التطور الحاصل. ان الاسوار التي تحاط بالحركات والاحزاب الشيوعية ومشاريعها التنموية البرجوازية تسلب الثورية من العمال وتسرق وقتهم النظالي وتؤجل تقدم الثورة والدفع بها الى الامام. اذ تميعه وتبرر له وتبقيه بدرجة او نصف درجة بين ان يكون ثوري او مدني ديمقراطي ويساري معرفي وليس اجتماعي. ان التغيير المباشر لحياة الشغيلة ينبع من التنظيم والتدخل عبر ناشطيين وشباب ماركسيين حزبيين خارج مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك عبر المقولات البرامجية الواضحة والتكتيكات المعلنة ومحاولة تنفيذها عبر اشواط نضالية مفخخة، نتيجة تواجد التيارات البرجوازية التي تقصف اذهان العمال وتخلق الاغتراب والتاجيل. وتاتي ببدائل قدرية وبرلمانية واتكالية.
ان دور الحزب الثوري هو مواجهة البرجوازية وتاريخها والمضي قدما لوضع البدائل وتوضيح الاستراتجية. لقد اقتنع لينين من خلال مشاهدته لسلوك المناشفة بالصلة بين الانتهازية في التنظيم والانتهازية في السياسة. هكذا فعلى الرغم من أن العمل المشترك للعمال البلاشفة والمناشفة في الصراعات الثورية، انتج ضغوطا قوية للوحدة استجاب لها لينين من الناحية الصورية. ولس هذا فحسب بل مثلما تخلص العمال من القدرية الاقتصادية يجب ان تخلصهم من النخبوية العمالية. التي تبعد العمال عن التدخل بمراحل التهميش البرجوازي والراي العام الديمقراطي الذي يجذب الشباب نحو مؤسسات المجتمع المدني.