إضاءات- الحكم بالقوانين الاستثنائية في سورية


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 5870 - 2018 / 5 / 12 - 10:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

(إضاءات)
الحكم بالقوانين الاستثنائية في سورية.
منذر خدام
رغم الموقع الحاسم للرئيس في النظام السياسي السوري ودوره المقرر في كل ما يخص شؤون النظام والدولة والبلد، مع ذلك كان بحاجة لتأمين غطاء قانوني لعمل أجهزته. لهذا الغرض أصدر في مراحل مختلفة من عمر النظام عددا من القوانين، اطلق عليها في الدوائر القضائية ( في خطاب المحامين على وجه الخصوص)، وفي اوساط المعارضة السورية، بعد اقرار الدستور الدائم لسورية في عام 1973 باسم "القوانين الاستثنائية" ( وهي القوانين المخالفة للدستور) . لكن عندما يستمر سريان مفعول هذه القوانين الاستثنائية حتى اليوم، على الرغم من صدور دستور دائم لنظام الحكم في سورية، وتعارض هذه القوانين الصارخ معه، يصير الحديث عن طابعها الاستثنائي، والمؤقت، مجازيا إلى حد كبير( المادة 153 في دستور 1973 والمادة154 في دستور 2012 نصت على أن : " تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل اقرار الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يتوافق مع احكامه"، وبطبيعة الحال لم تعدل حتى تاريخه ). من بين القوانين الاستثنائية الكثيرة، سوف نركز الضوء في هذه الإضاءة على مرسومين تشريعيين هما: المرسوم التشريعي رقم 4 تاريخ 2/1/1965، والمرسوم التشريعي رقم 6 تاريخ 7/1/1965. لقد استخدم هذان المرسومان منذ تاريخ صدورهما، ودخولهما حيز التنفيذ، لقمع كل رأي مخالف، إنهما من أخطر وسائل السلطة القانونية إرهابا للمواطنين. ومما يزيد الوضع خطورة، أن أغلب أعضاء السلطة التشريعية في سورية على امتداد دوراتها العديدة، وأكثر المسؤولين التنفيذيين، والإداريين في الدولة، عداك عن جمهور المواطنين، لا يعلمون بوجود مثل هذه القوانين. ولذلك فهي بمثابة الفخ المصلي من قبل مستويات معينة من قيادات الأجهزة الأمنية، يمكن في أية لحظة، متى ارتأت السلطات المعنية ذلك، إيقاع أحدهم فيه. وبالفعل؛ فقد تعرض آلاف المواطنين إلى المحاكمة، بغطاء قانوني من هذين المرسومين، لا لأنهم ضد النظام الاشتراكي، وتشريعاته، إذ أن عددا كبيرا منهم شيوعيون، وبعثيون، واشتراكيون، بل لأنهم دافعوا عن الخيار الاشتراكي، وانتقدوا عمليات النهب، والفساد المنظم، الذي تعرض له الوطن، ومواطنوه.
لقد صدر المرسوم رقم 4 بتاريخ 2/1/1965، على أثر صدور ما سمي في حينه بقوانين التأميم في أواخر عام 1964، وهو يتكون من ثلاث مواد. تنص المادة الأولى منه على أن >. أما المادة الثانية منه فتحدد المحكمة العسكرية كجهة الاختصاص للنظر بالجرائم المنصوص عليها في المادة الأولى منه، وإجراءات تصديق الأحكام الصادرة عنها، في حين تحدد المادة الثالثة بدء سريانه، وهو تاريخ صدوره.
إن من يقرأ نص هذا المرسوم لا بد ان ينتابه شعور بالدهشة والغرابة، لكيفية صياغته. فالعبارة الواردة فيه >، يمكن تأويلها لتشمل أي أفعال يقوم بها المواطنون، ولا ترضى عنها السلطات، وبالتالي يمكن أن يحكم على المخالف بالإعدام. بالطبع لم يحاكم مرتش، أو فاسد، أو مفسد، أو لص، أو مخرب للاقتصاد الوطني، وما أكثرهم خلال حكم البعث، خصوصا بعد عام 1970، إذ باتت الدولة كلها تدار بالفساد والياته. غير أن الآلاف من المواطنين تمت محاكمتهم، وصدرت بحقهم عقوبات شديدة، استنادا إلى نص المرسوم التشريعي رقم 6 تاريخ 7/1/1965، الذي أريد منه أن يكون توضيحا، وتفصيلا، لما جاء في المرسوم رقم 4. و لا يزال يحاكم حتى الآن العديد من الناشطين في مجال الحقل العام، وحقوق الإنسان، تحت الغطاء القانوني، لهذا المرسوم سيئ الصيت.
تضمن المرسوم رقم 6 ، في نصه الأصلي، تسعة مواد، غير أن إلغاء المحاكم العسكرية الاستثنائية، المحدثة بموجبه، وذلك بموجب المرسوم التشريعي رقم 47 تاريخ28/3/1968، ونقل صلاحياتها إلى محكمة أمن الدولة العليا، والقضاء العسكري، ألغيت منه أغلب مواده، في حين أبقت السلطات على المادتين: الثالثة، والرابعة منه قيد النفاذ، وهي أخطر ما فيه. لقد حددت المادة الثالثة منه الأفعال التي يجرمها هذا المرسوم، في حين حددت المادة الرابعة منه العقوبات.
لقد جاء في الفقرة أ، من المادة الثالثة، من هذا المرسوم: << الأفعال التي تعد مخالفة لتطبيق النظام الاشتراكي في الدولة، سواء أوقعت بالفعل، أم بالقول، أم بالكتابة، أم بأية وسيلة من وسائل التعبير، أو النشر>>. كما جاء في الفقرة ب منها: << الجرائم الواقعة خلافا لأحكام المراسيم التشريعية رقم 1 و2 تاريخ 2/1/1965، ورقم5 تاريخ4/1/1965، وجميع المراسيم التشريعية التي صدرت، أو ستصدر، ولها علاقة بالتحويل الاشتراكي>>. هذه الأفعال تعد جرمية، يعاقب مرتكبوها وفق الفقرة أ من المادة الرابعة، من المرسوم المذكور، بالأشغال الشاقة المؤبدة، أو بالإعدام تشديدا. فحسب نص الفقرة أ من المادة 4 من المرسوم رقم6 << يعاقب مرتكبو الأفعال المنصوص عليها في الفقرتين ( أ ، ب ) من المادة السابقة، بالأشغال الشاقة المؤبدة، ويجوز الحكم بعقوبة الإعدام تشديداً>>.
من الواضح أن الفقرتين ( أ و ب )من المادة الثالثة، والفقرة أ من المادة الرابعة، من المرسوم التشريعي رقم 6، هي نسخ لما جاء في المرسوم التشريعي رقم 4 المشار إليه. وحتى عندما فصلت الفقرة أ من المادة الثالثة من المرسوم رقم 6 بالأفعال الجرمية، التي جاءت في المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم 4، بصيغة << بأي وجه من الوجوه>>، لم تغير من الأمر شيئا، فهي لم تستثني أي فعل يمكن أن يقوم به أي إنسان، ربما غير أحلامه، هذا إذا اعتبرت الأحلام أفعالاً.
من جهة أخرى، فإن المادة الثالثة، من المرسوم التشريعي رقم 6، أشارت إلى أفعال جرمية أخرى، مثل الأفعال الجرمية التي تمس أمن الدولة الداخلي، أو الخارجي(الفقرة ج)، ومخالفة أوامر الحاكم العرفي( الفقرة د)، والتي يعاقب مرتكبوها، حسب نص الفقرة ب من المادة الرابعة، بالعقوبات المنصوص عنها في القوانين النافذة، خصوصا قانون العقوبات العام.
أما الفقرة هـ من المرسوم المذكور، فهي من أكثر فقرات المرسوم استخداما ضد القوى الوطنية الديمقراطية، وضد المدافعين عن حقوق الإنسان، فقد شملت << مناهضة تحقيق الوحدة بين الأقطار العربية، أو مناهضة أي هدف من أهداف الثورة، أو عرقلتها، سواء أكان ذلك عن طريق القيام بالتظاهرات، أم بالتجمعات، أم بأعمال الشغب، أم بالتحريض عليها، أم بنشر الأخبار الكاذبة بقصد البلبلة، وزعزعة ثقة الجماهير بأهداف الثورة>>. وقد حدد المرسوم المذكور، في الفقرة ج من المادة 4 منه، عقوبة الأفعال الجرمية التي شملتها هذه الفقرة بالأشغال الشاقة المؤقتة، والتي تتراوح عادة بيم 8 و15 سنة.
من جهتها الفقرة (و) من المادة الثالثة فقد عدت أي قبض لأموال من جهات خارجية، أو وعد بتلقيها، بل من سوريين مقيمين في الخارج أيضاً، جريمة يستحق مرتكبوها الإعدام. لقد جاء في النص << قبض المال، أو أي عطاء آخر، أو الحصول على أي وعد، أو أي منفعة أخرى، من دولة أجنبية، أو هيئة، أو أفراد سوريين ، أو غير سوريين، أو أي اتصال بجهة أجنبية بقصد القيام بأي تصرف قولي، أو فعلي، معاد لأهداف ثورة 8/3/1963>>، يعاقب المخالفون بالإعدام، بحسب نص الفقرة د من المادة الرابعة من المرسوم المذكور. ويعاقب بالإعدام أيضا حسب نص الفقرة (د)، الاعتداء على الأماكن المخصصة للعبادة، أو مؤسسات الدولة، أو الدوائر الحكومية وغيرها، أو << إثارة النعرات، أو الفتن الدينية، أو الطائفية، أو العنصرية، وكذلك استغلال هياج الجماهير، والمظاهرات للإحراق، والنهب والسلب>>( الفقرة ز من المادة الثالثة من المرسوم رقم 6). الفقرة الأخيرة استخدمت على نطاق واسع في محاكمة المعارضين من القوى الوطنية، والديمقراطية.
اللافت أن من يحتكر التجارة بالمواد الغذائية ، أو يرفع أسعارها بصورة فاحشة، أو يقوم بتهريب الأموال النقدية على اختلافها، بطرق غير مشروعة( الفقرة ح والفقرة ط من المادة الثالثة من المرسوم رقم6)، يعاقب بالاعتقال المؤقت حسب نص الفقرتين (ح) و(ط) من المادة الرابعة من المرسوم المذكور، لأن مرتكبي هذه الأفعال، لا يخالفون التشريعات الاشتراكية، ولا النظام الاشتراكي، من منظور السلطات الحاكمة!!!.
إنه لمن دواعي الدهشة، والاستغراب أن يصدر في سورية مثل هذه القوانين، وأن يحافظ عليها نافذة، على الرغم من أن موضوعها لم يعد قائما، وان التوجهات الرسمية للحكومة، هي نحو مزيد من الانفتاح على اقتصاد السوق، لأنه لا بديل عنه حسب مذكرة هيئة تخطيط الدولة التي رفعتها إلى القيادة القطرية، في بداية العهد الجديد في الحكم. ثم ما هي الرسالة التي توجهها هذه المراسيم للمستثمرين، الذين تحاول الحكومة خلق البيئة الاستثمارية المناسبة لجذبهم إلى الاستثمار في سورية؟!!. أين هي سياسة التحديث والتطوير من هذه المراسيم، و مثيلاتها، وما اكثرها، مثل قانون أمن الحزب، وقانون حماية الأجهزة الأمنية من المساءلة عن أفعالها، وقانون الارهاب وغيرها.