قراءة -المفتش العام- ل غوغول


نايف سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 5855 - 2018 / 4 / 24 - 13:55
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات     

يبدو ظاهر غوغول بسيطاً طريفاً ، ساخراً ومرحاً ، بينما باطنه معقد جداً، لهذا يجب أن يقرا غوغول في غاية الاهتمام.
يشير الفصل الأول للمسرحية إلى تنوع في الأفكار ساد في روسيا النصف الأول من القرن التاسع عشر، الفكر الجديد الذي أشعر روسيا بعزتها القومية بدأ بداية القرن التاسع عشر مع بوشكين، الشاعر الروسي العظيم الذي كان علامة على بداية حداثة روسيا الفكرية والاجتماعية.
حين بدأ بوشكين أولى خطواته الشعرية في الطريق الأدبي ناشراً بضع قصائد عام 1815م ، كان الأدب الروسي لما يزل رازحاً تحت أعباء الكلاسيكية الثقيلة.. كتب غوغول: (إن بوشكين ظاهرة خارقة ، ولربما كان هو الظاهرة الفريدة لهذه الروح الروسية ) .. في قصائد بوشكين تندفع أمامك الأرض الروسية تاريخاً وواقعاً وترقباً .. رغم ما يكتنف واقعه ذاك من ظلمة وعبودية وتسلط فادح .. إن الرجعية لتشتد وطأة .. والجماعات المناهضة تنشئ تنظيماتها السرية (عصبة إنقاذ الوطن) .. بدأ بوشكين عندئذٍ بكتابة مقطوعاته الساخرة ، المترنّمة بالفرح والحب .. المتلونة بالطابع الديونيسي (نسبة إلى ديونيسيوس/ باخوس رب الانفعال) ، ويطلقها سراً في وجه التزمّت الرسمي ، متهكماً من السفلة المحترمين والجهلة المبجلين والوجهاء الحمقى من الأوساط الرثة. " (بوشكين قصائد مختارة)
شمل التنوع المذكور الفكر الجديد والإيمان الأرثوذكسي المسيحي (الكنيسة الشرقية السلافية الروسية ) والفكر الملحد العدمي الذي غزا الفكر الجديد مثلما غزا المؤسسات الحكومية بما فيها القضاء والتعليم.
الموتيف (الحافز والمحرك أو قوة الدفع) الناظم والمحرك لمجمل المسرحية هو ترقب قدوم مفتش غامض، وهو ترقب ساخر ممزوج بأحاديث الرشاوي والفساد في المؤسسات الحكومية والإهمال الشديد مع وجود أجانب لا يعرفون الروسية في المؤسسات الطبية وهذه مسخرة لوحدها. يقول أرتيمي فيليبوفيتش راعي المؤسسات الخيرية: " إن من الصعب على خريستيان إيفانوفيتش (طبيب المؤسسة) التفاهم معهم (مع المرضى) فهو لا يعرف من الروسية أيّة كلمة" ص 10 فأي أفاق نصاب عابر سبيل يمكن أن يلعب هذا الدور ويخدع أمة بكاملها نتيجة بؤس الحياة القديمة وإفلاسها.
هذا الترقب الساخر لقدوم "مفتش عام" غامض هو تشكيك بالأفكار الجديدة ومدى صلاحيتها لإخراج روسيا من هذا الواقع البالي الدارس والمهترئ . ومن الملفت أن يتحول هذا الترقب الساخر المرح لدى غوغول إلى ترقب غامض مؤلم ومتشائم حد الجنون عند دستويفسكي متمم عمل غوغول ومتوّجه . ما يلبث هذا التشاؤم أن ينقلب إلى حنين نحو مسيحية "حقيقية" أو صافية . إن العالم الغوغولي ، عالم "المعطف" و"الأنف" ، و"نيفسكي بروسبيكت"، و"مذكرات مجنون" هذا العالم بقي بكل ما ينطوي عليه من غنى مضموني في أعمال دستويفسكي المبكرة في "الناس الفقراء" وفي "المزدوج" أو المِثْل ، وفي قلب ضعيف ، غير أن توزيع هذه المادة الغنية المحتوى على العناصر البنائية ، كان عند دستويفسكي مغايراً تماماً" (شعرية دستويفسكي 69 )
إن فكرة الإلحاد التي تولد سخرية مرحة لدى غوغول ترعب دستويفسكي الذي راح يرى في الإلحاد وفي واحد من أهم أعماله الأخوة كارامازوف ، بذرة الطغيان والاستبداد والشمولية وعبادة الشخصية . يقول : "إذا كان الله غير موجود فكل شيء مباح" وقد يعتقد مسافحي الأقرباء أن دستيوفسكي مشغول بذنبهم الصغير ، لكن العكس هو ما يشير إليه دستويفسكي . إن الإلحاد فيما يعنيه أن الإنسان يعمل بأهوائه ومتعه ولذاته ولا رادع يردعه ولا سلطان لشيء عليه لا رب ولا مشروع ولا دعوة ولا حقيقة تاريخية أو اجتماعية . الإلحاد ضرب من العدمية تقود إلى الطغيان وتجاوز كل الحدود ، وهو ما قد يقود إلى الانتحار وهو المصير الذي لاقته النازية الألمانية (هتلر) والفاشية الإيطالية (موسيليني) والفاشية الطرفية في العراق(صدام حسين) والاستبداد البيروقراطي السوفياتي (ستالين) . مصائر متشابهة لبنى اجتماعية اقتصادية تاريخية مختلفة .
ليس للعدالة ولا للحقيقة والحق سلطان على الملحد العدمي العامل بأمر نفسه لا بأمر ربه (أمر الحق) من تقوده أهواؤه وتضيعه ومن ثم تمزقه إرباً و تقوده شقاوته إلى الانتحار.
إن قدوم مفتش غامض نصاب لدى غوغول يتحول إلى محاكم تفتيش رهيبة عند دوستيوفسكي في الأخوة كارامازوف. يقول: لو جاء عيسى المسيح (يسوع المسيح) مرة أخرى لأعدمته هذه الطغمة بامتنان.
إن دستويفسكي هو تتمة غوغول بعد أن تبينت أكثر طبيعة الثقافة الجديدة والحركات الجديدة في روسيا النصف الثاني من القرن التاسع عشر . خاصة العنصر العدمي والفوضوي . ولم يظهر نفوذ الاشتراكية الديمقراطية الوافدة المتأثرة بالاشتراكية الديمقراطية الألمانية إلا في العشر الأخير من القرن التاسع عشر على يد جورج بليخانوف.
يهيمن في حوارات الأشخاص ضمير (الأنا) الشخص الذي يعمل بأمر نفسه.
أموس القاضي: وأنا الآن في ترف أصطاد الأرانب في أراضي هذا وذاك" ص 15 دوبتشينسكي (ملاك أرض): أنا الذي سيتحدّث" ص 16 بوبتشينسكي: في البداية قلت أنت، وبعد ذلك قلت انا" ص 17 أموس القاضي: أنا منذ خمسة عشر عاماً اقعد على كرسي القضاء.." ص 19 حاكم المدينة: أما أنت (للشرطي) فأحذرك ، نعم أنت أنت أنا أعرفك .. أنت تأخذ اكثر مما يناسب رتبتك" 21 حتى المفتش العام المتوقع والذي ليس سوى محتال نصاب يقول لخادم الفندق: "أيها الفاضل، كيف هذا ، أنا أحتاج إلى غداء، وإلا يمكن أن أنحف كلياً ، أنا جائع جداً " ص28 خليستاكوف: أنا أخدم في بطرسبورغ (يتشجع) أنا، أنا ، أنا " ص 33
حاكم المدينة ذو الاسم الأكثر طولاً بين الشخصيات تشير إلى امر أنه كلما ارتقى الموظف في الدرجات تمت إضافة لقب إلى اسمه فالأعلى مرتبة هو الأطول اسماً ، ويعرّض غوغول بهذه التسميات / الألقاب هنا على سبيل السخرية. لكون هذه البساتين غدت خاوية على عروشها، بساتين نهبها الفساد وخربها.
حاكم المدينة: أقرأ (أنا) لكم الرسالة التي تلقيتها من أندريه إيفانوفيتش تشيميخوف.. "رغم أنه (المفتش الغامض) يقدم نفسه على أنه لا يمثل أي جهة ، ولما كنت أعرف أنك لا تخلو من آثام ، كأي شخص آخر (أعرف البير وغطاه) ، ولأنك رجل نابه ، ولا تحب أن تفوت ما يسنح لك "ص 9 هذه البنية المهترئة المتعفنة الفاسدة ، والبراغماتية والنفعية والمتلونة إلى اقصى حد تشعر بالقلق وهو قلق مرح ساخر عند غوغول . الرسالة تدعو الحاكم إلى أخذ جانب الحيطة والحذر ومحاولة الاستفادة من القادم الجديد. هم يترقبون قدوم مفتش عام جديد غامض لا يمثل أي جهة رسمية معروفة .
القاضي اموس فيدروفيتش والذي اسمه أقصر من حبل أو اسم الحاكم: أظن (أنا) في الأمر سبباً دقيقاً، أميل إلى السياسة .. وهو أن روسيا تريد القيام بحرب ." القاضي وهو متأثر بالنزعة الإلحادية يميل إلى تفسير قدوم المفتش الغامض بدوافع سياسية.
حاكم المدينة : لا يوجد إنسان خال من الآثام . يحاول توضيح فكرة أن كل سلطة تحمل معها شيء من الفساد لكن بلغة "مؤمنة" وبطريقة جبرية "هكذا خلقنا الرب" وليس من حق أصحاب الأفكار الجديدة أن يعترضوا على ذلك (هذه الجبرية تنفي أية إمكانية لتغيير وضع البنية الفاسد والذي ينتفع من فساده الحاكم) . حاكم المدينة موجهاً كلامه للقاضي : ماذا يجدي أن تقتصر في رشاواك على جراوي كلاب الصيد بينما أنت لا تؤمن بالرب ولا تذهب إلى الكنيسة أبداً ، بينما (أنا ) على الأقل قوي الإيمان وأذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد . وأنت .. أوه ، أعرفك إذا بدأت بالكلام عن خلق العالم ، وقف شعر الرأس كله" ص 11-12 لكن ما سر هذا الشغف لدى القاضي الملحد بالصيد وكلاب الصيد. ومناقشة قضايا الوجود ومسألة خلق العالم ؟ أعتقد أن الأمر يجب أن يوضع في الباب الثامن من شعر ابي نواس وهو باب الطرد أو الصيد حيث يبدأ الباب بنعت الكلب. وهذه إشارة من غوغول إلى ميل القاضي أموس لنشر أفكاره الإلحادية ، هذا التبشير بالإلحاد الجديد الذي يبدو أنه كان تياراً قوياً في روسيا في القرن التاسع عشر يدخل في الباب الثامن أو باب الطرد والصيد. يقول أبو نواس في نعت الكلب:
أنعت كلباً أهله في كدّه قد سعدت جدودهم بجده
يقول: هم في عياله يأكلون من كسبه قد سعدوا به لكثرة صيده (الجزء الثاني ص 179 ) وهذا يذكرنا بالكسب الكثير الذي يجنيه معلم الدروس الخصوصية خاصة قبل امتحانات شهاداتي البكالوريا والكفاءة.
يقول كيركيجور الفيلسوف الوجودي المسيحي في مكان ما على سبيل السخرية: إن أساتذة الدروس الخصوصية أكثر براعة من تلاميذ المسيح لأنهم يتلقون أجراً لقاء تعليمهم!
ويظهر ضمير الأنا بقوة في الحوار ، وهو ما يشير إلى اهتراء كل ما هو موضوعي بالتالي فإن البنية القائمة مرشحة للهدم ، هنا نجد النفعية الضيقة والأنانية من جهة ، ونرى الأفراد يظهرون إشارات بعيدة كالنجم البعيد للقيام بتحويل تاريخي. لكن طغيان الأنا هنا تشير إلى الأنانية وتفشي النفعية والفساد والرشاوى في مؤسسات الدولة. الأنا هنا مؤشر على أن القديم يموت والجديد لم يولد بعد وهذا سر السخرية عند غوغول. كما أن حضور الضمير أنا بشكل طاغ مؤشر على تفشي الإلحاد : الشخص الذي يعمل بأمر نفسه لا بأمر ربه (وأمر ربه تعني العمل بمشروع العدل والحق) ؛ العمل بأمر الحق. وهو ما يشير إلى غرور العقلانية الفيزياوية الملحدة.
القاضي أموس: ولكن أنا الذي توصل إلى ذلك بعقلي (وليس إله)
حاكم المدينة : حسناً ، كثر العقل أحياناً أسوأ من عدمه ، فهذه الزيادة علامة نقص وفقر. قال بودلير وهو يصف رأس إدغار آلان بو: كان لبو جبين عريض مسيطر حيث بعض النتوءات تكشف القدرات الفياضة التي تمثلها؛ التركيب، المقارنة، السببية ، وحيث يتبوأ في كبرياء هادئة حس المثالية ، الحس الجمالي بامتياز. إلا أنه رغم تلك المواهب ، وحتى بسبب تلك الامتيازات غير المألوفة ، فإن هذا الراس منظوراً إليه جانبياً ، ربما لم يكن يبدو مشهداً لذيذاً كما في كل الأشياء المفرطة ، فإن نقصاً يمكن أن ينجم عن الفيض ، وفقراً عن الاغتصاب" ص 20 قال الحلاج في طاسين "الأزْل والالتباس": "لُعن إبليس لازدياد الزيادة في زبادته"
لكن الأفكار الجديدة لم تدخل مؤسسة القضاء فحسب بل دخلت سلك التعليم وأثّرت على أفكار معلمي المدارس.
لوكا لوكيتش: (ناظر المؤسسات التعليمية): لكنني (أنا) حصلت على توبيخ بدعوى أنه (المعلم ذو التكشيرة) يدخل الأفكار المتحررة في عقول النشء ص 12
حاكم المدينة: ثم يجب أن ألفت (أنا) نظرك إلى معلم التاريخ ".. وهنا ترد ملاحظة نافذة ومهمة من غوغول حول تمجيد الغرب لثقافته في مواجهة الشرق وثقافته، حيث يقدم المشهد بسخرية وطرافة. يقول الحاكم: ذات مرة استمعت إليه (معلم التاريخ)، طيب، حين كان يتكلم عن الآشوريين والبابليين ، لا بأس، ولكن عندما وصل إلى إسكندر المقدوني لا أقدر أن أصف لكم ما حصل له. ظننت أن حريقاً قد شب وحق الرب . نزل راكضاً عن المنصة وخبط الكرسي بالأرض بكل قوته ، إسكندر المقدوني بطل بالطبع، ولكن لماذا يكسّر معلمك الكراسي ؟ في ذلك خسارة للدولة.
في إشارة ثانية إلى الشرق وثقافته ، يذكر غوغول مصر بالقول: "وصل في عيد القديس فاسيلي المصري" وهي إشارة ايضاً إلى دور مصر القبطية في تأسيس المسيحية المبكرة.
الحاكم: هذه سنة القدر التي لا تخضع لتفسير. العالِم/ معلم المدرسة (تعريض وسخرية تجاه معلمي المدارس) إما أن يكون سكيراً أو يقلب سحنته كالشيطان " إن عدم التفسير يجعل الحاكم "المؤمن " في مأمن من النقد ، ومن محاسبة المفتش العام القادم . وإن اعتقاده بعدم القدرة على تغيير العالم يعني أن مصالحه وانتفاعه من فساد المؤسسات دائم و قائم لا يمس.
حاكم المدينة: ماذا ترى في هذا؟
مأمور البريد: وماذا أنا؟
حاكم المدينة: وماذا أنا ايضاً ؟ لا أشعر بخوف " ص 14
هذا الحوار الثنائي بين (أنا- أنت) يشير إلى غلبة النفعية الأنانية الضيقة وغياب ما يسمى بالشأن العام ، ويشير إلى أن المسؤلين متواطئون ومتورطون في الرشاوى والفساد. إن فساد المؤسسات تقتل كل شعور بالشأن العام ، وتكرس النفعية الفردية.
الحاكم: ولكن التجار والأهالي يقلقونني ، إن كنت أخذت برشاوى من أحدهم فبدون أية ضغينة "
وهي إشارة إلى ان الفساد بنيوي وليس المقصود فيه فرد بعينه ، أي يغدو علاقة فوق الأفراد. حيث يسود الشك والارتياب بأي تصرف.
يظهر الشأن العام من جهة المفتش المنتظر . يقول حاكم المدينة: أحد من الناس ربما وشى بي ، وإلا فلماذا يقصدنا مفتش عام؟ ص 14 في بنية فاسدة قائمة على الرشاوى ليس هناك محاسبة من الجهات العليا إلا بتحريض من وشاية ملحّة.
ولا تظهر العمومية من جهة حاكم المدينة ، مع أنه يفترض أنّه يمثّلها، إلا حين يشير إلى حفنة من الفاسدين المتنفذين بالقول لمأمور البريد : "هل من الممكن لمصلحتنا عموماً أن نفض ختم الرسائل القادمة إليك في دائرة البريد ؟" ص 14
يطلب الحاكم من مأمور البريد فضّ الرسائل والتلصص عليها في خرق للقوانين العامة لمصلحة حفنة فاسدة، بينما يرى مأمور البريد في هذا الانتهاك للقانون العام متعة شخصية يمارسها يومياً. وهي متعة أكبر بكثير من قراءة جريدة تصدرها الجامعة يشرف عليها أكاديميون رجعيون. وهي إشارة إلى جفاف الكتابات الآكاديمية وإحداثها للملل خاصة إذا تحالفت مع الرجعية .
لا تظهر كلمة عام إلا مع المفتش؛ "مفتش عام" ، وهنا يظهر الضمير الثالث (هو) الذي يشير إلى المجتمع والشأن العام . أما (أنت) الضمير الثاني فتشير إلى الآخر الحاضر معك وأمامك. إن الأب والأم هم آخر(أنت) بالنسبة للطفل. هذا الشأن العام هو الغائب الأكبر في المحادثة بين (أنا- أنت) فاسدين.
حاكم المدينة: (في فزع) الله يحفظنا، ليس هو .
دوبتشيفسكي: هو ، وحق الرب ، هو .
ويؤكد هذا الانحطاط للشأن العام والذي يرافق الفساد في المؤسسات والإدارات ، حديث حاكم المدينة عن "نصب تذكاري" حيث يقول: أية مدينة حقيرة هذه ، ما أن تقيم فيها نصباً تذكارياً ، أو مجرد سياج ، حتى تجد الناس يحملون إلى هناك وساخات لا احد يعرف من اين جاؤوا بها " ص22
قد تفيدنا الجناسات في العربية بالربط بين النُّصُب العام والمفتش العام النَصّاب.
ومن هذه الإشارات أيضاً قوله: لا تدع الجنود يخرجون إلى الشارع كالعراة ، فهؤلاء الأرذال من جنود الحامية يلبسون السترة الرسمية على القميص ولا شيء في الأسفل." 22
إن كلام زوجة حاكم المدينة حول المفتش العام القادم تشير إلى حياة اللهو واللامبالاة التي تعيشها هذه الأوساط "ارستقراطية الفساد" . تقول الزوجة آنا: يعني وصل المفتش العام ؟ ذو شارب ، ما شكل شاربه؟ " 23
أما الابنة ماريا فهي مأخوذة بفكرة الزواج من شاب وسيم ذو مكانة ورتبة . تقول الأم (آنا) إلى ابنتها ماريا: "رأسك معبأ بالتوافه ، لا تفكرين إلا بالزواج .. بصّي من ثقب الباب واعرفي كل شيء، ما لون عينيه أسرعي .." 23
محتال يحتال على محتالين فاسدين، هذا ما يفسر المشهد الثامن من الفصل الثاني ، الذي يظهر فيه سوء فهم كبير. (يدخل حاكم المدينة على المفتش المفترض خليستاكوف ويتوقف ، احدهما ينظر إلى الآخر في ذعر لبضع دقائق والعيون جاحظة .)
خليستاكوف: ماذا يعني السكن الآخر، يعني السجن" 32
حاكم المدينة: أوه، ياربي، كم هو شديد الغضب ، عرف كل شيء . التجار الملاعين حكوا له كل شيء" 33
إن سوء الفهم هذا بين حاكم المدينة وخليستاكوف يشمل المشهد الثامن من الفصل الثاني . وترد كلمة (جانباً ) مرات كثيرة في إشارة إلى حديث الشخصية مع نفسها ، في الوقت الذي تتحدث فيه بصوت مسموع مع الآخر. وهي إشارة إلى وجود وجهين للشخص الواحد يتوارى واحد خلف الآخر . وهي سمة واضحة لكل من حاكم المدينة وخليستاكوف المفتش العام المفترض . في إشارة إلى نفاق كل منهما ، وإلى الاحتيال والنصب.
حاكم المدينة: أجرؤ ان أقول : في المدن الأخرى أكثر ما يهتم به الحكام والموظفون هو منفعتهم بينما نحن لا نفكر إلا بالاعتناء بالنظام" ص 45 وضمن هذا النفاق يظهر ضمير جمع المتكلمين نحن ويقصد به مسؤولي المدينة لأن "النظام" لايتطابق تلقائياً مع الشأن العام فقد يكون نظام فساد أو فساد منظم. ويظهر هذا الضمير الذي يخفي قلة الضمير عند أرتيمي راعي المؤسسات الخيرية: هذا هو النظام عندنا(نحن) .. منذ ان تسلمت الرئاسة صار الجميع يمتلئون عافية." 45 (نايف: جانباً : كذاب)
خليستاكوف موجهاً كلامه للحاكم: شكرا جزيلاً ، وأنا أيضاً لا أحب ذوي الوجهين ، تعجبني كثيراً صراحتك. " 37 تتردد (جانباً) بكثرة لتشير إلى حديث مسموع وآخر مع النفس يقوم بها الحاكم . ففي المشهد الخامس الفصل الثالث يتكاثر حديث النفس لينطق به آخرون من المسؤولين سواء ناظر المؤسسات التعليمية ام راعي المؤسسات الخيرية، لكن هذه المرة ليظهروا نفاق حاكم المدينة. لنستمع: حاكم المدينة: أي حاكم آخر كان سيهتم بمنافعه الخاصة.. حتى حين ارقد لأنام أظل أفكر : يا إلهي كيف أفعل لأجعل الرئاسة ترى مثابرتي.." 46 أرتيمي: (جانباً): آه، الخامل، كيف يزوق موهبته.." حاكم المدينة.. حاكم المدينة (جانباً): أها، نعرف يا عزيزي إلى ما ترمي إليه من هذه الخدعة.. (بصوت مسموع): كيف يمكن تضييع الوقت الثمين بالورق؟ ناظر المؤسسات التعليمية (جانباً): الوغد ربح مني أول الأمس مئة روبل." ص46
في إشارة إلى عزلة الريف وقلة الثقافة والعلم هناك نتيجة خضوعه للعلاقات الاقطاعية(القنانة) ، وإلى المدينة وتوافر أدوات التحصيل والثقافة يقول خليستاكوف: "لماذا عليَّ أن أتلف حياتي مع الفلاحين ، ولي متطلبات أخرى . روحي متعطشة للعلم" 36
بداية الفصل الثالث( المشهد الأول) أنثوية ، حواء الضلع الثالث في مثلث آدم : آدم ، إبليس، حواء . يقابلهم في العدد: آدم (45 ) و حواء (15)، و إبليس( 103)، حيث نسبة حواء من آدم 3/1(ثلث). و إبليس هو الصفر أو العدم بين جانبي الكون ، الشك والسلب والعدم. فرمز كون العددي( 13) وأمره كُنْ هو عين (70) واسم عينه ميم (40 ). إن حواء(5+1=6) هي نفس آدم (45+15= 60 = 6)؛ نفسه الأمارة واللوامة والمطمئنة. (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها) الروم/ 21
(في الحجرة آنا الأم وماريا البنت )
آنا: يا خسارة لا يوجد أحد في الشارع ، كأنما نكاية، لا روح ولا نفس. وهذه العبارة إشارة من الكاتب إلى رمزية اسم آنا واسم ماريا . فـ an بالإنكليزية أداة تنكير للأسماء التي تبدأ بحرف علّة، وتعني : بلا . فهي نفس بلا محتوى ، نفس بلا روح ، نفس خاوية (حجرة فارغة بلا ضيوف). و ana : الأحاديث والطرائف ؛ حكاية طريفة عن شخص أو مواطن. (المورد 54-55 ) ، بينما ماريا هي تصحيف مار يم وتعني سيد الماء ؛ نفس الرب وأسمه هي مريم ونفس محمد .. واليم القصد والتعمّد. واليمام طائر يفرّخ في البيوت. قالت آنا لماريا: دائماً لا يعوزك الخيال.. قالت ماريا: الأحسن ان ألبس المبرقش(متعدد الألوان). ولا أدري لماذا خطر لي أن أتكلم عن المبرقع. قال الشاعر:
سفرتْ فقلتُ لها هجٍ ، فتبرقعتْ فذكرتُ حين تبرقعت ضبّارا.
البرقع الوصواص: وص : نظر من خرق ، أو خرق ينظر منه . وضبّار اسم كلب، وهجٍ: زجر للكلب أو عكله أو عقله وعقاله . لألّا يعتقد الكلب عند اتيانه الطريدة أنه هو الصياد، فيقال كلب صيّاد على الكناية، فالصياد هو من يرمي الطريدة والكلب يأتي بها. (وما رميتَ إذ رميت ولكنّ الله رمى) الأنفال: 17 وهذا على سبيل زجر النفس حتى لا يصيبها الغرور والتيه والزهو والكِبْر.
واسم آنا شائع في الأدب الروسي ، آنا كارنين عند تولوستوي على سبيل المثال،
كانت الثقافة ذات قيمة في الأوساط الارستقراطية ، فإذا أضفنا تكلم الفرنسية (المجتمع الراقي) والسلوك المهذب الارستقراطي كانت جميعاً حكراً على هذه الأوساط ، وكانت الجماهير الغفيرة من الفلاحين محرومة منهما وتغط في جهل وظلام وفقر.
دوبتشينسكي: في حديثه عن المفتش العام: لا ليس جنرالاً، ولكن لا يقل مقاماً عن الجنرال ثقافة وتصرفات وجيهة. 41 ويضيف: كلامه رائع ويقول(خليستاكوف): احب أن أكتب وأقرأ.
حاكم المدينة: تصوروا، ضيف مثقف مثلكم ويعاني ! 36
والجنرال هو رئيس المكتب. كان الموظفون المدنيون الذين ينتمون إلى الطبقات العليا يحق لهم أن يخاطبوا بلقب صاحب المعالي او صاحب السعادة، وكانوا يُشبّهون بالجنرالات ، وكانوا يسمون أحياناً بالجنرالات المدنيين.
يتحدث خليستاكوف عن نفسه ؛ يقول : أنا لاأحب الرسميات، أحب دائماً أن ازوغ دون أن ألحظ. ذات مرة قال لي ضابط من معارفي: أو يا أخ ظنناك القائد الأعلى.. وغالباً ما ألتقي بأدباء ولي علاقة ودية مع بوشكين ، غالباً ما أقول له: كيف يا أخ بوشكين ؟ فيجيب هكذا يا أخ . طبعاً واضح أن الكلفة مرفوعة بين مقامات متساوية سواء أكان ضابطاً أم شاعراً كبيراً كبوشكين . 48 أخ في العربية: للتأوه أو التكّره. زيغ يدل على ميل الشيء ، غير مستقيم. هذا النصاب المحتال متبجح أمام آنا ، يستعرض ثقافته وموهبته في الكتابة .. إدارة المسارح تقول لي: أرجوك يا أخ أكتب لنا شيئاً ، فأقول لنفسي ممكن تفضل يا أخ. هذا المحتال يقيم حفلات راقصة علامة على أنه مثقف من المجتمع الراقي. "خود خرط " على طول المشهد السادس/فصل ثالث..أنشر في المجلات ، بالمناسبة ، عندي مؤلفات كثيرة ، "زواج فيغارو" . وهي أوبرا ألفها موتزارت سنة 1786 م وهي مستوحاة من قصة الكاتب الشهير بيير أوجستن دي بومارشيه ، وهي تكملة لقصة أخرى لبومارشية هي "حلاق إشبيلية" تدور أحداثها في إشبيلية أسبانيا القرن الثامن عشر. كلما أحس خليستاكوف باستجابة موسومة بالخوف من قبل مستمعيه كلما اسرف في التبجح. هذا التبجح الذ ي انطلى على الجميع يدل على جهل هذه الطبقة وجبنها نتيجة انغماسها الكلي في الفساد والرشاوى وخوفها من فقدان هذه الامتيازات. يدخل أوسيب (خادم خليستاكوف) في اللعبة بعد ظهور كلمة (جانباً )التي تشير إلى الوجهين
تدور أحداث المسرحية جميعها في غرفة أو حجرة ، الفصل الأول (غرفة في بيت حاكم المدينة)، الفصل الثاني(غرفة صغيرة في فندق) ، الفصل الثالث (حجرة الفصل الأول) ، الفصل الرابع(نفس الحجرة في بيت حاكم المدينة) . الفصل الخامس (نفس الحجرة) : المكان مغلق وصغير ؛ حجرة أو غرفة وهو إشارة إلى حياة الشخصيات البيروقراطية الرتيبة المكرورة الضيقة، كما يشير إلى انتهاء نمو الشخصيات إلى الرسوخ والتبلور. لم تعد الشخصيات قادرة على اكتساب خبرات جديدة أوعلم جديد، بالتالي يسهل خداعها لتجلي جميع سماتها وخصائصها. الشخصية هنا تجسد سمات مميزة محددة على المستوى الفردي ونمطية صارمة على المستوى الاجتماعي بينما شخصيات دوستويفسكي هي وجهة نظر عن العالم وعن النفس وهي غير منجزة لهذا تخوض كل حواراتها عند العتبة ، لأنها يمكن أن تتحول في كل لحظة. قلتُ:
الحوار الكبير يجري تنظيمه بوصفه
انفتاحاً خاصاً بنفس الحياة الواقفة على الأبواب
تلعب العتبة دور المتردّدِ المنقسم
ولكن، لماذا على ديستويفسكي أن ينشغل كل هذا الانشغال
بالعتبة؛ بأسكفّة الباب؛ أو بالمرأة،
بينما يقبع أشخاص غوغول في غرف مغلقة!؟
قد يكون السبب في ذلك التحول والانقسام الذي أصاب روح روسيا في النصف الثاني من القرن التاسع وبداية التمرد على ركود الحياة الاقطاعية وعسفها وبلادتها.
أرتيمي راعي مؤسسات خيرية يقترح " دهن يده" يد المفتش كناية عن رشوته . يردّ القاضي أموس: الله يستر هو رجل دولة ، ربما تقوم بذلك على شكل تبرعات من جانب النبلاء لإقامة نُّصُب تذكاري؟ 58 سيعطي له كل واحد ما يلزم لوحده..فلا يتسرب شيء لأذن زائدة ، هذا ما يجري في المجتمع المعتبر.. الأحسن أن يبدأ لوكا لوكيتش ناظر المؤسسات التعليمية باعتباره مربّي الشباب ". تجري هنا مناقشة أساليب تقديم رشوة للمفتش العام حيث تسود الكنايات والتعريض الساخر ما يعطي السرد جمالية إضافية. يظهر اسم شيشيرون كناية عن فن الخطابة: سيسيرو أو شيشيرون هو ماركوس توليوس شيشيرون الكاتب الروماني وخطيب روما المميز ولد سنة 106 قبل الميلاد كتب عدة رسائل طويلة في فن الخطابة وقد لخص في بعضها تاريخ البلاغة الرومانية. ( جبريل ص 348)
بدأ خليستاكوف يستغل الغفلة التي وقع بها حاكم المدينة وفريقه الفاسد وراح يصدق الكذبة: يقول لـ لوقا ناظر التعليم: الرهبة ؟ في عيني ما يوحي بالرهبة.. حقاً ، أعرف على أقل تقدير أن أية امرأة لا تستطيع ان تصمد لهما.. " والرهبة مصدرها المنزلة أو الموقع العام "المفتش العام" وليس فرادته وأنويته (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى). وفي هذا الجو المشحون بالرهبة تتكشف كل أسرار البيئة الفاسدة على ألسنة الأشخاص ويتحول بعضهم إلى وشاة على بعضهم الآخر.
المشهد السادس- الفصل الرابع (وهو أطول الفصول وأكبرها)، يقال ربعت القوم إذا اخذت ربع أموالهم ، والمرباع من هذا وهو شيء كان يأخذه الرئيس ، وهو ربع المغنم ، وفي الحديث "لم أجعلك تربع" أي تأخذ المرباع ، بل الخمس.
في الحوار بين أرتيمي وخليستاكوف يظهر تبادل للأدوار كرنفالي ساخر وطريف ، أرتيمي الفاسد المرتشي يتحدث عن الوطن وخليستاكوف المفتش العام الافتراضي (المحتال) يتحدث عن حبه للطعام دون أن يعير عبارة أرتيمي أي اعتبار.
أرتيمي: مسرور في السعي لخدمة الوطن.. أنا بالطبع ملزم لأن أفعل لمصلحة الوطن (يقول هذا وهو يشي بأصدقائه الآخرين للمفتش المفترض، ولكن هذا لم يعفه من دفع رشوى للمفتش)..
خليستاكوف: هذا موطن ضعفي ، بصراحة أحب الطعام الجيد." 65
يظهر لخليستاكوف في المشهد الثامن – الفصل الرابع، أن الموظفين مغشوشون به . ولكنه لم يلاحظ أنهم يرشونه يقول: يبدو لي على كل حال أنهم يعتبرونني رجل دولة.. والصفة اللطيفة فيهم أنهم اقرضوني فلوساً" 69 ويقول له خادمه أوسيب: هم في الحقيقة تصوروكم شخصاً آخر، الأحسن أن نرحل بأقرب وقت" 70 لكن مع بداية المشهد العاشر- الفصل الرابع، يبدأ الأمر بالانجلاء وفضائح حاكم المدينة تنكشف لخليساكوف عن طريق عرائض التجار وشكاويهم.
ويرد خليستاكوف بالتأوه: آه، أي نصاب هو.. هذا حرامي تماماً.. هذا يستحق النفي إلى سييريا فوراً" 72
النصاب خليستاكوف: لا، أبعدوا ذلك عن أذهانكم ، انا لا أقبل أية رشوة ، ..أستطيع قبول القروض.. خليستاكوف: لا، لا رشوة على الاطلاق..ص73
باعتبار ماريا تحب أن تسرح بخيالها حسب كلام أمها آنا ، فقد خاطبها خليستاكوف وهو يغازلها مباشرة بالقول: (يقترب) هذا مجرد توهم منك ، إنه عن قرب ، ولكن تخيلي أنه عن بعد ، كم أكون سعيداً يا سيدتي لو أعصرك بين ذراعيّ! 77 وهذه إشارة إلى اختلاط الخيال بالواقع في الحب. حتى وأنت بقرب الحبيب تحتاج إلى خيال "بعيد"! وما أن تدخل الأم حتى يظهر خليستاكوف المغامر النصاب احتراقه بحبها ، وحين تقول أنها متزوجة، يردّ بقول كارامزين: "القوانين تنتهك"؛ أي شُرِّع الزواج لينتهك. ونيقولاي ميخائيلوفيتش كارامزين مؤرخ وروائي روسي (ت 1826م) كتب رسائل رحالة روسي سنة 1792 م ويبدو أن خليستاكوف معجب به.
بعد أن يخطب خليستاكوف يد ماريا ابنة الحاكم ، ويغادر، يتبجح الحاكم ويقول لزوجته: إلى أين حلقنا أنا وأنتِ.. سأري هؤلاء الوشاة المحتالين خونة المسيح الملاعين تشبيهاً بيهوذا الأسخريوطي الذي وشى بالمسيح .. أبلغ الجميع ليعرفوا ما أرسل الرب من فضل على حاكم المدينة ليزف ابنته لا إلى رجل بسيط ، بل إلى رجل لم تر الدنيا مثيلاً له من قبل ، قادر على أن يفعل كل شيء، كل شيء!. 85
الحاكم يعنف التجار بأقسى الكلمات. أحد التجار وهو يعتذر: وسوس لنا الشيطان (الشيطان يستطيع أن يفعل كل شيء).. الحاكم يبتز الوضع ويطالب التجار بهدايا أثمن للعروسين وله. ثم تبدأ التهاني والتبريكات مظهرة كل الرياء الاجتماعي والتملق بكل ابتذله وتفاهته .
في كلام ذو قصد مزدوج غاية في الطرافة على لسان آنا: ركع فجأة وبطريقة غاية في النبل : "يا آنا أندريفنا ، لاتجعليني تعيساً ! وافقي على الاستجابة لمشاعري ، وإلا فسأسوي على حياتي بالموت.. " وهذ يتكرر في حوار آخر: آنا: ولكن الرعاية لا تقدم لكل من هب ودب"
ماريا: حقاً يا ماما ، هذا الكلام قاله عني
آنا: نعم بالطبع .. وعنك أيضاً ، وأنا لا أنكر هذا قط. 91
زوجة كوروبكين: هل سمعتم كيف تنظر إلينا؟ 93 وهذا يمكن تفسيره على وجهين : بالاهتمام المميز أو بالإهمال. هذا الازدواج في القصد يرد على لسان شخصيات نسائية . فالحية لسانها مشقوق مزدوج (هواجس النساء). إحدى النساء: كانت دائماً بهذا الشكل(آنا) ، أنا أعرفها . إذا أجلستها إلى مائدة وضعت عليها رجليها(بصقت فيها).
أموس : حكاية عجيبة ، لوقا: حقاً هكذا أراد القدر، أرتيمي: ليس القدر فالقدر أعمى ، ولكنها المؤهلات (جانباً) الحظ دائماً يعطي اللحم لمن ليس له أضراس! فعلاً مؤهلات في فن النصب والاحتيال.
يعطس الحاكم فيشمّتونه : يرحمكم الله وضمن التشميت تظهر الوجوه المتعددة تجاه حاكم المدينة. في داهية، يخطفك الشيطان . ولقد خطفه وحصل." 92 أموس: (جانباً): أعجوبة لو يصير جنرالاً بالفعل.. لأن الجنرالية تليق به بقدر ما يلق السرج ببقرة! ولكن لا يأخ ..أرتيمي: (جانباً) أوه، عليه اللعنة يرنو إلى الجنرالية!93
في الفصل الخامس/ مشهد الثامن تأتي رسالة تفضح أمر المفتش العام المحتال
مأمور البريد: الموظف الذي حسبناه مفتشاً عاماً لم يكن مفتشاً عاماً.94
المفتش الشيطان كشفه شيطان: التلصص على الرسائل. مأمور البريد: هناك شيء يغريني ويغريني، في إحدى أذني اسمع هاتفاً يقول لي : (يا أنت لا تفكها سيقضى عليك، كما يقضى على دجاجة) وفي الأخرى اسمع شيطاناً يهمس لي (فكها ،فكها، فكها) وحالما ضغطت على شمع الختم حتى شعرت بالنار في عروقي، ولكني فضضته. 94 (وإن الشياطين ليوحون إلى اوليائهم) الانعام / 121مأمور البريد: الشيطان وسوس لي فأعطيت توجيهات مماثلة على طول الطريق" 98 ولسان الشيطان إبليس مشقوق .
كيف خدعهم هذا الأفّاق المحتال عابر السبيل ، والحاكم يقول عن نفسه: كنت أخدع النصابين وأساتذة النصابين.." 99 ولكن هذا الأفّاق حولنا إلى حكاية على جميع الألسن؛ نشر عرضنا وفضحنا. وحولنا إلى تمثيلية هزلية . ويبدو أن الكتّاب كانوا أميل لليبرالية البورجوازية في تلك الفترة . والليبرالية أيديولوجيا البورجوازية زمن صعودها في أوربا (1650- 1850 م ). وهذا الميل من الكتاب الروس نحو الليبرالية كان بتأثير صعود البورجوازية واستلامها السلطة بعد الثورة الفرنسية وقبلها الإنكليزية. القرنين السابع عشر والثامن عشر.
الحاكم: بودي لو أشدّ جميع محبّري الورق هؤلاء والكويتبين الرعناء والليبراليين الملاعين أعوان الشياطين " 99 صحيح إذا أراد الله أن يعاقب إنسان انتزع منه عقله ، أي شبه لذلك الأرعن بالمفتش.. أرتيمي: . حصل ذلك كغشاوة غطت على العيون .. أو وسوسة الشيطان (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وُري عنهما من سوءاتهما ) الأعراف/20
مع خبر وصول المفتش الحقيقي ينمسخ الجميع ويتجمد.
المشهد الختامي(التاسع – الفصل الخامس ): الموظف الذي وصل من بطرس بورغ بأمر من القيصر يطلب حضوركم في الحال"
تنزل هذه الكلمات نزول الصاعقة على الجميع ، صوت الدهشة يتدفق من افواه السيدات، المجموعة كلها تغير أوضاعها فجأة (تتحول) وتجمد متحجرة)100 (ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضياً ولا يرجعون) يس/ 67
المشهد العاشر صامت لكون الشخصيات تحجرت ، ففي الكابوس أو أحلام الهيلة يشعر الشخص بعالمه المحيط لكنه لا يستطيع النطق والتعبير بالكلام. والمشهد العاشر هو الصفر من العشرة، فلدينا تسعة أجرام من 1-9 ولدينا العاشر حُجْرة خالية. إنه الصفر بين 3- 1 في رمز إبليس العددي (103). أردتّه عوناً فطلع فرعون . هذه عاقبة الفاسدين.
قال أفيد في انمساخ آكتيون حفيد قدموس إلى وعل:
كاد أن يصرخ: ما اشقاني!
لكن لم تخرج من فمه أية كلمة
فلم يبق له من هيئته القديمة إلا عقله"
(التحولات ص 142 )