ملايين العرب بلا غذاء كاف


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 5848 - 2018 / 4 / 17 - 10:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يعاني اكثر من33 مليون عربي من نقص التغذية، وملايين أخرى لا تجد ما يسد رمقها كل يوم، في بلاد حباها الله بما لا تقدر ولا تحسب من خيرات وطاقات، فاذا كانت كلها لا تمنع هذه المعاناة لهذه الملايين فمن يستطيع أن يبدل الحال؟!. بالتاكيد تتصدر الأجوبة لهذا السؤال؛ الإدارة والقيادة والتخطيط، فلا يعقل أن تكون هذه الملايين بلا طعام أو تغذية كافية وهي تعيش في وطن مساحات الزراعة فيه تفيض عن حاجته وتغطي حاجات شعوب بلدان اخرى، وتكفي المياه والأنهار بلدانا بكاملها، وكلها متيسرة وموجودة في الوطن العربي، فلماذا هذه الملايين في إحصاءات وتقارير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، (فاو)؟!. بالتاكيد تأتي بعد تدهور الإدارة وفساد القيادة في الاسباب الصراعات والحروب وما تسببه من تخريب ودمار في أكثر من مجال، من قتل للبشر والشجر والزرع وتصحير الارض والعمل وتجفيف المياه والامل.
في تقريرها الاخير مطلع 2018، أفادت (فاو) بأن هناك 815 مليون شخص في العالم في80 بلدا يعانون من انعدام الأمن الغذائي وقصور التغذية المزمن، منهم (489 مليونا) يعيشون في البلدان التي تسودها النزاعات. وكشف التقرير أن "انتشار نقص التغذية في العديد من البلدان العربية يفوق المعدلات العالمية". وأورد التقرير أن 60% من سكان اليمن و45% من سكان جنوب السودان يواجهون انعداما حادا للأمن الغذائي، وأن 33 مليون عربي يعانون من نقص التغذية. وتزداد سنويا أعداد الذين يعانون من نقص الغذاء المزمن والحاد في عدد من البلدان العربية، أبرزها اليمن والعراق وفلسطين والسودان وسوريا وليبيا بفعل الحروب والصراعات التي تعد السبب الأبرز في تفاقم حالات انعدام الأمن الغذائي بعد العوامل الطبيعية والديموغرافية، كاسباب أخرى.
اقنعت منظمات اهلية ك«المنظمة العربية لحماية الطبيعة» و«الشبكة العربية للسيادة على الغذاء» ال«فاو» بأن الحرب أمر أساسي عند البحث في الأمن الغذائي، ليس فقط في المنطقة العربية وإنما في العالم كله، "وبالفعل أصدرت المنظمة، عام 2010، تقريرا أقرّت فيه للمرة الأولى بتأثير الحروب في انعدام الأمن الغذائي وعدم حصره بالكوارث الطبيعية". وأشارت إلى أن التقارير الدولية في ما يتعلق بالأمن الغذائي في المنطقة العربية "تغفل أمورا كتأثيرات الاحتلال الإسرائيلي والصراعات والحروب التي تؤججها وتتحكم في استدامتها الدول الكبرى". ولفتت الى أنه "بفضل المجتمع المدني العربي الذي يرفض أي تمويل أجنبي مشروط، استطعنا التطرق الى احتلال فلسطين رغم حساسيته على المنابر الدولية، وتمكنّا للمرة الأولى من تحديد الاحتلال مثلاً كسبب رئيسي للفقر، وتحدثنا عن ضرورة البحث في الأسباب الجذرية للحروب وضرورة منع استعمال الماء والغذاء كسلاح للضغط على الشعوب والدول، وضرورة أن يأتي الدعم الغذائي للشعوب المنكوبة من انتاج مزارعيها الصغار". حسب ما نقلته (الاخبار) عن رئيسة «الشبكة» رزان زعيتر أثناء مؤتمر لهذه المنظمات عقد في بيروت مؤخرا.
مشكلة نقص الغذاء ليست جديدة، ولا تنتهي عند زمن محدد، فوفقا لتقرير البنك الدولي لعام 2016، يحتاج العالم إلى إنتاج المزيد من الغذاء بنسبة 50٪ على الأقل لإطعام تسعة مليارات نسمة بحلول عام 2050. وتغير المناخ يمكنه أن يخفض غلة المحاصيل بنسبة تزيد على 25٪. مما يستمر استنزاف الأرض والتنوع البيولوجي والمحيطات والغابات، وغيرها من أشكال الموارد الطبيعية بمعدلات غير مسبوقة. وذكر التقرير إن فقراء العالم سيكونون في خطر إذا لم نغير طريقة إنتاج غذائنا وإدارة الموارد الطبيعية والأمن الغذائي. وعلى مدى العقدين اللذين سبقا الألفية الجديدة، ازداد الطلب العالمي على المواد الغذائية ازديادا مطردا مع النمو في عدد سكان العالم، وسجل المحاصيل، وتحسن المداخيل، وتنويع الأنظمة الغذائية. ونتيجة لذلك، واصلت أسعار المواد الغذائية الانخفاض خلال عام 2000. ولكن ابتداء من عام 2004، بدأت أسعار معظم الحبوب في الارتفاع. وعلى الرغم من وجود زيادة في الإنتاج، إلا أن زيادة في الطلب كانت أكبر. وقد اصبحت المشكلة تحديا بارزا امام مهمات المنظمات الدولية والمحلية المعنية بالامر. وكل مرة تحاول المنظمات التابعة للأمم المتحدة وامينها العام التصريح بمواجهة القضاء على الجوع ونقص الغذاء. حصل مثل ذلك عام 2012 خلال مؤتمر ريو + 20 العالمي حول التنمية المستدامة. حيث أطلق الامين العام للامم المتحدة تحدي القضاء على الجوع إلى الصفر ليكون مصدر إلهام لحركة عالمية من أجل عالم خال من الجوع خلال جيل واحد. ودعا إلى: القضاء على التقزم عند الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنتين إلى الصفر. والحصول على نسبة 100 ٪ بما يكفي من الغذاء على مدار السنة، وإستدامة جميع النظم الغذائية، وزيادة إنتاجية أصحاب الحيازات الصغيرة والدخل بنسبة 100٪ ، والقضاء على إهدار المواد الغذائية.
اعتبر هذا التحدي في صميم برنامج التنمية التابع للامم المتحدة في القرن ال21 المتمثل في أهداف التنمية المستدامة. والهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة ال17 للأمم المتحدة، الا وهو "إنهاء الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة". ويتطلب تحقيق هذا الهدف بحلول الموعد المستهدف وهو 2030 تغييرا عميقا في النظام الغذائي والزراعة العالمية. ويتضمن هذا الهدف، وفق البرنامج والأمم المتحدة: القضاء على الجوع وضمان وصول جميع الناس إلى الطعام المغذي الآمن، وإنهاء جميع أشكال سوء التغذية؛ ومضاعفة الإنتاجية الزراعية والدخل من صغار منتجي الأغذية؛ وضمان استدامة نظم الإنتاج الغذائي؛ وزيادة الاستثمار في الزراعة؛ وتصحيح ومنع القيود والتشوهات التجارية في الأسواق الزراعية العالمية.
رغم عمل كل وكالات الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة والمنظمات الأهلية والإقليمية والمحلية، فان نسب زيادة الحاجة إلى المساعدات الغذائية تتصاعد سنويا، وتضيف مهمات الى البرامج والأهداف والمخططات وتضع على الإدارة والتخطيط مسؤوليات كبيرة، لمنع الجوع في المستقبل، والعمل على نشر المعرفة وتعزيز مجتمعات أقوى وأكثر ديناميكية. وهذا يساعد المجتمعات في تحقيق الأمن الغذائي في الحدود المطلوبة. وهو ما يتطلب العمل عليه في الوطن العربي وتنظيم وإدارة خطط توفير ما متوفر اصلا من خيرات واستثمارها في برامج القضاء على الجوع والفقر والحرمان، والتخلص من المشكلة ومصاعبها وظروفها ومن يصب الزيت على الحرائق التي تضاعف محنتها.