هل الأخلاق والأخلاقية ضرورة للمجتمع الإنساني


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 5846 - 2018 / 4 / 15 - 00:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

كثيرا ما تثار المسألة الأخلاقية وحدودها وقوتها الدافعة أجتماعيا حين ننظر لهذا العالم البائس الذي أستوطنته الفوارق وفرقته القيم وخذلته المبادئ دون أن نعترف جميعا بأننا متخلفون حتى عن فهم معنى الأخلاق، بعيدا عن التعريفات وسرد المعاني والمفاهيم نجد أن القضية الأخلاقية بشكلها العام تعاني من خلل في طرحها وفي فهمها، ومن ثم تشخيص حالة اللا توازن التي يغرق فيها المجتمع الإنساني، ولكن الصحيح أيضا إن وجود النظريات والفلسفات الأخلاقية ساهمت بتوجيه الوعي نحو قضايا محددة لكن تبقى عاجزة عن كبح جماح الإنسان المدفوع بفعل الأنا المتجبرة من الخضوع لها والتقيد بحدود عامة ومجردة للأخلاق كسمة عامة من سمات مجتمع واع ومتحضر ومنقاد للعقل.
ليس فقط على المستوى العملي والممارسة هناك خلل في النظر للقضية الأخلاقية ومديات شمول السلوك البشري فيها، أيضا في المستوى النظري والفلسفي هناك من يرى القضية من جانبها العنصري أو المصلحي وحتى يظن البعض أن البشر ليسوا في الواقع والحقيقة صنف واحد، البعض لديهم ميزة أخلاقية والبعض طبيعيا وتكوينيا لا يملكون هذا الحق أو هذه الميزة أصلا، وبالتالي فمن يملك الحق يستعمله ومن لا يملك عليه أن يرضخ للواقع ويرضى بحالتي الأستعباد والاستبعاد.
تراجعت النظرية الفلسفية الأخلاقية في القرن العشرين إلى أهمية حساب المباحث السياسية والإيديولوجية والاجتماعية، أي إخراج القضية من أصلها الطبيعي والديني والمعرفي الأول وصار في حسبان الباحثين النظريين أن حل المشكلات المشار إليها يؤدي بدوره إلى حل المشكلة الأخلاقية، ولذلك تركز عمل رجال الاصلاح على تسوية مشكلات السياسة والاجتماع والاقتصاد على أنها حلول مهمة في طريق إصلاح القضية الأخلاقية أو معالجة الخلل في إدراكها، معتقدين أن ذلك يكون وسيلة ناجحة لحل المشكلات الإنسانية بالتدريج ودون إقرار بحقيقة أهم وهي المسئولية الأولى عن غياب المعالجات وعلاتها في واقع الإنسان ككل.
العار الأخلاقي الذي يلبسنا كبشر لا يتمثل فقط بسوء العدالة ولا بواحدية السلطة ولا بالفارق الأقتصادي الرهيب بين الافراد والافراد ولا بين المجتمعات والمجتمعات، العار الأخلاقي هنا يتمثل بإصرارنا جميعا ألا نحتكم للضمير الإنساني وألا نتمثل للحقيقة الكبرى أننا كبشر متساوون بالحق والواجب، عارنا أننا لا نعترف بجريمتنا المشتركة ضد بعضنا حين جعلنا من القضية الأخلاقية فضية منافع متعددة الأوجه والاحتمالات، وأخرجنا مفهوم الوحدة البشرية من دائرة الأهتمام، حتى من يدع الإنسانية وحقوق الإنسان وهو يعيش رغدا الآن ومتفاخرا بما سرقه أجداده من الشعوب الفقيرة والمغلوبة.
فلم يعد سؤال الأخلاق سؤالا فلسفيا محضا ومتجددا بقدر ما تحول إلى منفعة تفرضها شروط السوق المسيطرة والمصالح التي تفرض نفسها في واقع مختل، واقع لا يفهم من الأخلاق ما يعلمنا الفهم الفلسفي لها الذي توصل إلى أصالة إلهية الأخلاق، أن الفعل الخلقي حتى يستحق إلزاميته وواقعيته وقدرته على الفعل يجب أن يصدر عمّا هو أسمى من الطبيعة ذاتها، أي أن يكون مصدره متسامٍ عن البشرية ومتمتع بقدر من القهرية الموجبة والإيجابية، لذا مثلا يعتبر الدين بشكل عام سندا للأخلاق وإطار مولد وحاضن طبيعي لها، والأخلاق هي ممارسة تخضع لتأثير قوانين وقيم وأحكام فوقية، حيث يقيم السلوك الإنساني على ضوء القواعد الأخلاقية التي تضع معايير للسلوك، يضعها الإنسان لنفسه أو يعتبرها التزامات وواجبات تتم بداخلها أعماله أو هي محاولة لإزالة البعد المعنوي لقضية الأخلاق، وجعلها عنصرا مكيفا لمحاولة التطبيق العلمي والواقعي للمعاني التي يديرها علم الأخلاق بصفة نظرية ومجردة".
عادة ما تكون الأخلاق نسقا مزدوجا ظاهرا ومضمرا وذاتيا وموضوعيا ومن المعتقدات والمثاليات الموجهة والتي تتخلل الفرد أو مجموعة من الناس في المجتمع لتكون قانونا معنويا أعتباريا، يحاول أن يعيد صياغة الواقع في شكله السلوكي والحسي، وعندما يعجز في ذلك يكون المعيار الأخلاقي والقضية الأخلاقية في تخلف من أداء وظيفتها الوجودية، هذا التخلف ليس نتاج قصور في أصل القضية ولكن لأن المعني بها ليس لديه الرغبة والحتمية في أن ينضبط بها أو حتى يؤمن بها، في المجتمعات الغربية عموما يكون الرابط الأخلاقي في تسطير القيم وبسطها كواقع كما يبدو هو الفاعل، ولكن حينما ننظر لدور هذا الرابط نراه منحاز للذاتية والأنا الغربية المتفضلة على الغير، فهو معيار مخاتل وخادع وليس حقيقيا حتى يرجع هذا المجتمع للإقرار بمسئوليته الأخلاقية التاريخية عن المأسي التي سببها للإنسان بجشعه وعبثيته وتدميره للطبيعة والإنسان معا.