تحالف -سائرون-! (12 )


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 5837 - 2018 / 4 / 6 - 02:34
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها     

كما تسائلت في حقة سابقة, اليس مصادقة الحزب الشيوعي العراقي ومصالحته "الوطنية!" (اللاوطنية) هما خروجا فظا على مبادئ الماركسية وبمثابة استسلام شامل وعلى كل الاصعدة من قبله للبرجوازية الكومبرادورية العراقية (وليس حتى البرجوازية الوطنية!) وفلسفتها النيوليبرالية التي جسدتها مدرسة شيكاغو في الاقتصاد الحر التي اشرت اليها في حلقة سابقة؟ والتي يشرح هذا الفيديو البعض من تاريخها وجرائمها وسياساتها الوحشية في ارجاء المعمورة مثل تشيلي, الارجنتين, والعراق.
عقيدة الصدمة للكاتبة ناعومى كلاين - مترجم للعربية - كامل
https://www.youtube.com/watch?v=YRDDQ9H_iVU&feature=youtu.be%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AF%D9%85%D8%A9+%D9%84%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8%D8%A9+%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%88%D9%85%D9%89+%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%86+-%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85+%D9%85%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85+%D9%84%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9+-+%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84

ان نهج الحزب الشيوعي العراقي وتحالف سائرون هو امتداد لقرارات بريمر وليس الغائها او الانتفاض عليها. لذا يقول الحزب "ان الاصلاح الحقيقي والشامل هو المدخل لاجراء التغيير في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولدفع عملية الاصلاح والتغيير قدما حتى الخلاص من المحاصصة والفساد وتحقيق المصالحة الوطنية المجتمعية، ولبناء وتوطيد ركائز الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية ". ونحن بالطبع لا نفهم كيف يكون الاصلاح المزعوم اصلاحا جذريا اذا كان اصلاحا من نوع التواقق الطبقي ويشكل امتدادا لسياسات بريمر؟ كيف يكون هنالك اصلاحا حقيقيا بدون الغاء قوانين بريمرالسارية المفعول حاليا؟ وهذا امر لم يدعو له لا الحزب الشيوعي ولا تحالف سائرون ولا حزب الاستقامة التابع للتيار الصدري! والحزب يعني بالاصلاح الحقيقي الاصلاح حسب مواصفات الاقتصاد الكينزي الليبرالي وليس اقتصاد فريدمان-بريمر النيوليبرالي, وقد شرحت الفرق بين الاثنين في حلقة سابقة, وكلاهما اقتصادان رأسماليان. ان اصلاح الحزب الجذري هو, وكما يقول المثل بمثابة "تمخض الجبل فولد فأرة!" فاصلاحه المزعوم يعني انه على الكادحين والمعدومين التصالح مع اعدائهم من الطفيليين وسراق اموال الشعب وكادحيه او مع الكومبرادورية العراقية ومع زعامات كعبتها المقدسة (المنطقة الخضراء التي تستنزف اموال الدولة بدون اي سند قانوني, وسكوت الحزب او التحالف عن عدم شرعيتها يعني ايضا بالحرف الواحد انتصارهما للكومبرادورية العراقية كنتاج حتمي لقرارات بريمر التي صادق عليها الحزب). والكومبرادورية العراقية, حالها حال كل مثيلاتها في دول العالم, هي طبقة وثيقة الارتباط بالرأسمال العالمي والمعادية بالكامل لمصالح الشعب والوطن-انها طبقة لا وطنية, والحزب او التحالف يدعو الى بناء دولة وطنية مكتملة السيادة من خلال انتصاره للكومبرادورية العراقية! انها شيزوفرينيا سياسية منقطعة النظير ولا يصدقها من له ذرة من العقل السليم. والمشكلة تصبح حتى اعقد بكثير عندما يساوي الحزب بين الاصلاح الجذري والاصلاح على النمط الليبرالي-الكينزي, لانه يعني ان الحزب لا يفهم او يرفض ان يفهم ان عصرالعولمة المتوحشة وانهيار الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية سجل انتصار النيوليبرالية على الصعيد العالمي وتوجيهها ضربة ماحقة الى السياسات الاقتصادية الكينزية للدول والمجتمعات.

ونحن لا علينا سوى ان نردد اصداء ما يقوله ديفيد هارفي في كتابه المهم جدا "التاريخ الموجز للنيوليبرالية"
"ان الحرية مجرد كلمة اخرى!"
A Brief History of Neoliberalism
by David Harvey
https://www.amazon.com/Brief-History-Neoliberalism-David-Harvey/dp/0199283273
(ديفيد هارفي ماركسي معروف وكبير وبروفسور متميز ويمكن الاطلاع على المزيد حوله في
David Harvey
https://www.gc.cuny.edu/Faculty/Core-Bios/David-Harvey)

فلكي يسود اتجاه فكري, لا بد من تقديم جهاز من المفاهيم يكون مقبولا ومتوافقا مع احاسيسنا وفطرتنا ومنسجما مع قيمنا ورغبتنا, واضافة الى هذا, عليه ايضا ان يكون منسجما مع الامكانات الكاننة في الواقع الاجتماعي الذي نعيش فيه. فاذا كان هذا الجهاز ناجحا يصبح متأصلا في فطرتنا السليمة ويقبل به جدلاً ولا يكون عرضة للشك (افكارغرامشي مهمة جدا بهذا الصدد). ولهذا اتخذ مؤسسو الفكر النيوليبرالي, كما يقول هارفي في كتابه, المثل السياسية لكرامة الانسان وحريته على انها المثل الاساسية و "القيم المحورية للحضارة". ومن خلال ذلك كان خيارهم حكيما وذلك لان هذه المثل هي فعلا مقنعة وتغري الجميع بتقبلها (ولذلك صادق كل اعضاء مجلس حكم الاحتلال على قرارات بريمر النيوليبرالية التي لا تزال بلحمها ودمها هي السائدة والمهيمنة وذلك لحين الغاءها من قبل البرلمان والمصادقة على الالغاء من قبل رئاسة الجمهورية ونشر الالغاء في جريدة الوقائع الرسمية العراقية. وكل هذا لم يتحقق, لذا ان زعم البعص اننا نخوض في امور قديمة هو محض هراء لأن القوانين البريمرية لا زالت سارية المفعول الآن وفي وقتنا الحاضر ولأجل غير مسمى). وقالوا ان هذه القيم تتهددها اخطار كثيرة ليس فقط من "الفاشية والديكتاتورية والشيوعية" (اي انهم اعتبروا الفاشية والشيوعية صنوان لبعضهما البعض!) , بل انها ايضا مهددة باخطار مختلف اشكال تدخل الدولة التي تجعل الاحكام والقرارات الجمعية تحل محل قرارات افراد فيما هم يختارون. غير ان مفاهيم الكرامة وحرية الفرد قوية ومقبولة بحد ذاتها.

وهذه المثل هي التي مكنت الحركات الانفصالية في اوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي قبل انتهاء الحرب الباردة. وهذه المثل ايضا هي التي كانت وراء الحركات الطلابية التي اجتاحت العالم من قبل في عام 1968 من باريس وشيكاغو الى مدينة مكسيكو, حيث كانت في بعضها سعيا وراء حريات اكبر في التعبير والخيار الشخصي, وعموما فان هذه المثل يحبها ويتمناها كل من يثمن قدرة المرء على صنع قراره بنفسه.

لقد لعبت فكرة الحرية المتجذرة والمتأصلة في التقاليد الامريكية دورا بارزا في الولايات المتحدة في الآونة الاخيرة. ومن هذا المنطلق فسرت احداث الحادي عشر من ابلول/سبتمبر على انها اعتداء على هذه الحرية. ففي الذكرى الاولى لهذا اليوم البغيض, دعى الرئيس بوش الابن الى بناء:
"عالمٍ لحرية متنامية وينعم بالسلام ليخدم مصالح امريكا بعيدة المدى ويعكس المثل الامريكية الدائمة ويوحّد حلفاء امريكا."
واضاف:
"البشرية اليوم بيديها فرصة تقديم نصر الحرية على كل اعدائها من قديم الزمان." "والولايات المنحدة ترحب بمسؤولياتها لتكون القائدة في المهمة العظيمة" (ونحن لا نعرف دور السيد القائد في العراق بوجود الولايات للمتحدة كقائد فعلي سوى للتموبه والتضليل بخصوص دور زعماء العملية السياسية كبيادق شطرنج للولايات المتحدة وسفارتها في كعبة الكومبرادورية العراقية التي يسمونها المنطقة الخضراء, وباقي العراق باكمله هو المنطقة الحمراء حيث يموت البشر بالملايين وتفنى مدن عن بكرة ابيها ويقتل الناس بالعبوات الناسفة من قبل الميليشات المتصارعة وبدون و جود ادنى سلطة للقانون-هذا اذا افترضنا وجود قانون غير قانون الغاب والغلبة للاقوي حيث يسود منطق حق القوة وليس قوة الحق-وكما يتسجد هذا ايضا في بعض التعليقات الاخيرة على مقالاتي).

وبات قول بوش هذا جزءا متمما لوثيقة "استراتيجية الدفاع الوطني للولايات المتحدة التي "تتألف من حوالي 3000 كلمة نستطيع من جراء قراءتها أن نقف على التفكير الإستراتيجي الامريكي الذي يعكس رؤية عدد من الشخصيات في الإدارة الأمريكية الذين يدعون للإستفادة من الظروف الناجمة عن أحداث 11 سبتمبر لتكريس الهيمنة الأمريكية على العالم."
"التغير والاستمرار فى إستراتيجية الأمن القومى الأمريكية بعد احداث 11 سبتمبر"
http://democraticac.de/?p=26157

وفي مناسبة اخرى قال بوش "الحرية هي هبة الله لكل رجل وامرأة في هذا العالم". واضاف لاحقا "وحيث اننا القوة الاعظم على هذه الارض لدبنا التزام للعمل على نشر الحرية." وقد توطد التزامه هذا بمرسوم الهي حيث زعم بوش ان الله ظهر له في الحلم وامره بغزو العراق!

ولأن بوش لم يجد اسبابا اخرى تكفي لشن حرب استباقية على العراق, احتكم الى فكرة تقول ان منح الحرية للعراق هي بعينها مسوغ كاف للحرب. العراقيون احرار, هذا كل ما يهم الجميع. ولكن ما نوع الحرية التي يجري تصويرها هنا, حين نتذكر ما قاله الناقد الثقافي ماثيو ارنولد منذ زمن, الحرية "حصان ممتاز يركبه المرء, انما ليركبه الى مكان ما".
Matthew Arnold)
1822 – 1888 كان شاعرا وناقدا ادبيا انكليزيا)
اذن, الى اي مكان يركب العراقيون حصان الحرية الذي قدم اليهم بقوة؟

جاء جواب ادارة بوش على هذا السؤال بتاريخ التاسع عشر من ايلول/ سبتمبر عام 2003 عدما اصدر بول بريمر رئيس سلطة التحالف الموقتة اربعة اوامر تضمنت "خصخصة كاملة لجميع مشاريع القطاع العام, حقوق ملكية كاملة لشركات اجنبية للأعمال العراقية, اعادة كاملة لجميع الارباح الاجنبية, فتح المصارف العراقية امام السيطرة الاجنبية, معاملة وطنية لجميع الشركات الاجنبية وازالة حميع الحواجز تقريبا امام التجارة "وعلى ان يجري تطبيق هذه الاوامر في جميع مجالات الاقتصاد بما في ذلك الخدمات العامة والاعلام والتصنيع والخدمات والنقل والمال والبناء." اعفي النفط وحده من هذه الاجراءات ( ربما لسبب وضعيته الخاصة بانه منتج لعائدات تستخدم لتسديد نفقات الحرب وايضا بسبب اهميته الجيوسياسية - ولكن هذا الاعفاء قد تم كما يبدو الأن الغائه وان الاحتجاجات الحالية ضد قانون "شركة النفط الوطنية العراقية في أذار/مارس 2018 هي جيدة ولكنها للاسف لا تعالج المشكلة الجذرية المتعلقة ببقرارات بريمر التي صادق عليها كل اطراف مجلس الحكم وبضمنهم الحزب الشيوعي العراقي, حيث لا يتضمن برنامج الحزب او "برنامج؟" تحالف سائرون اية اشارة الى الغاء هذه القرارات وبالتالي فكلاهما يكرسان سياسية نهب ثروات العراق, ضمنا ان لم يكن علنا, حيث يعبر القانون عن "سياسة نيولبرالية غير عقلانية يراد فرضها على العراق من... (قبل) المؤسستين الماليتين الدوليتين، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي..." .
http://ehamalat.com/Ar/sign_petitions.aspx?pid=1002

كما نصت قرارات بريمر على فرض قيود صارمة على سوق العمالة وقيدت حق الانتساب لنفابات العمال وفرصت ايضا ضريبة ثابتة شديدة التنازلية بحيث تناقض نسبة الضريبة كلما تعاظم الدخل وهي خطة "اصلاحية!" طموحة طالما طالب بتطبيقها المحافظون في الولايات المتحدة.

حذر البعض انه هذه الاوامر تخالف اتفاقيات جنيف ولاهاي التي تنض على وجوب احترام القوة المحتلة لأصول واموال البلد المحتل وعدم بيعها والتفريط بها. وقد قاوم عراقيون اصلاء من خارج العملية السياسية نظام الكومبرادورية- مافيوية للمنطقة الخضراء, او, ما اسمته مجلة الايكونومست اللندنية, نظام الحلم الرأسمالي,
If it all works out, Iraq will be a capitalist s dream
https://www.economist.com/node/2092719https://www.economist.com/node/2092719
والذي يعتبر قانون شركة النفط الوطنية العراقية الاخير احد فقرات هذا الحلم الرأسمالي, وهو ليس بحلم بل انه كابوس النيوليبرالية الذي يتلبس لباس الحرية والاوامر الالاهية في (امريكا او العراق) والذي سيستمر الى ابد الدهر طالما كانت قرارات بريمر هي السارية!

يتبع