في الأداء السياسي


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 5835 - 2018 / 4 / 4 - 19:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ما الذي يحدث عندما تغيب القدرة على استنباط التصورات والبرامج السياسية والخطط الاستراتيجيـة

لمواجهـــة تحديات المرحلة الانتقالية العصيبة؟ ما الذي يحدث عندما تعاني الأحزاب من شح في الكفاءات القادرة على إيجاد الحلول وإقناع الرأي العام بخطاب سياسي متماسك؟ في مثل هذا الوضع تنقلب الأحزاب إلى معين خصب يزود الركح السياسي بمجموعة من المؤدين الذين يتنافسون من أجل التموقع الخاص ثمّ التسويق لأحزابهم أو لأنفسهم إن كانوا مستقلين.
في هذا الإطار ننزّل ما دار في رحاب مجلس الشعب من «مناوشات وصراعات» ومعارك وتنافس من أجل إثبات الذات ولفت الانتباه وكسب الأنصار حتى وإن أدّى الأمر إلى استعمال العنف اللفظي والمادي وإحداث الضجيج والتشويش على الآخر في محاولة لإسكاته. أمّا الغائب فهو الحوار البناء والهادئ والرصين... الغائب هو الأداء الجيّد المعتمد على قوّة الحجة وبلاغة الخطاب العقلاني ...المفقود : الفعل التواصلي الناجح الذي يؤدي الرسالة بوضوح وسلاسة واختصار.

لسائل أن يسأل: لم اختلط الأداء السياسي داخل المجلس بأشكال التعبير عن الاحتجاج. فصار عدد من النواب يحترفون الصياح والعويل والتراشق بالتهم وكأنّهم في ساحات الاحتجاج. فكان الأداء السياسي نتيجة هذا اللبس، قائما على حركات الجسد ولغته وخطابه القابل للتحليل أكثر من قوّة الخطاب المتلفظ به؟ ثمّ ما هي دواعي لجوء بعض النواب إلى تجاوز الحدود والمعايير والضوابط : الخاص/العام، ما يقال وما لا ينبغي أن يقال ، المقبول /المستهجن.. ؟ فهل انفلت العقال وصار الواحد غير قادر على ضبط النفس ومراقبة أدائه؟ وبدل أن يكون النائب معبّرا عن هموم الناس مدافعا عن مصالحهم ها هو ذا يغرق في الذاتية بل وجدناه يتصرّف بمعزل عن شروط الأداء السياسي وتمثيلية «الشعب» مهتما بالترويج لصورته والتسويق الحزبي .

ولسائل أن يسأل: لم التبس مفهوم الزعامة والقيادة واحتلال مواقع صنع القرار في أذهان البعض بـ«البلطجة» فصار النائب نائبة علينا. ولسائل أن يتساءل أيضا لم كان فهم عدد من النائبات لمسار إثبات الذات في عالم السياسة ، وهو ذكوري بامتياز، قائما على محاكاة أنموذج الأداء الذكوري ومعبّرا عن دخلنة المعايير الذكورية؟
إنّ أداء فئة من النواب داخل مجلس الشعب يعكس في الواقع، الثقافة السائدة في المجتمع. فتكون الكاميرا الناقلة لما يجري داخل المجلس المرآة هي التي تكشف عوراتنا : البذاءة والهمجية ورفض الآخر وكره العيش معه تحت نفس السقف... الخديعة والمكر والرياء الاجتماعي، والنفاق، والرغبة في الهيمنة على الآخرين وإخضاعهم، اقتناص الفرص للانقضاض على الأعداء ... أداء هذه الفئة من النواب يغلّب ثقافة الغاب على ثقافة قبول الآخر والتفاوض والتشاركية والعمل معا من أجل الصالح العام... أداء هؤلاء المتعجرفين والمتعجرفات ينمّ عن وعي مزيّف بأدبيات السياسة وجهل بأهمّ مرتكزات الممارسات الديمقراطية.

ما أبشع أن يرى «الشعب» نفسه من خلال نوّاب آلوا على أنفسهم التنافس من أجل الأداء الأكثر سوءا... يتنافسون من أجل «البوز» لا همّ لهم سوى أن يكونوا حديث الصحافة وأن يكونوا في «قلب الحدث» فهل أنّ قدرنا أن نحصد نتائج الشعبوية وأن ننحدر إلى الأسفل وأن نعيش السقوط.

إنّ الأداء السياسي داخل مجلس الشعب كشف النقاب عن سوء فهم لدور النائب /ة وجهل بأسس الثقافة السياسية، وبأبجديات صياغة الخطاب السياسي. وما دام التونسيون يكتفون بالملاحظة و«التنبير» بدل المراقبة والمحاسبة من موقع المواطنة فإنّ الأسوأ بانتظارنا... إن هي إلاّ سنوات عجاف وعلينا استخلاص العبر والعمل على إعادة تأهيل نواب الشعب في أكاديمية «السياسية» علّهم يكونون على قدر تحمّل المسؤولية التاريخية.