هل يمكن الحديث عن نقابات يسارية، وأخرى يمينية، وأخرى لا يمينية، ولا يسارية؟.....22


محمد الحنفي
الحوار المتمدن - العدد: 5834 - 2018 / 4 / 3 - 21:18
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

خلاصة عامة:

ومن خلال ما رأينا في الفقرات السابقة من موضوعنا:

{هل يمكن الحديث عن نقابات يسارية، وأخرى يمينية، وأخرى لا يمينية، ولا يسارية}.

نكون قد عملنا على التمييز الإيجابي، بين النقابة المبدئية المنتجة لعمل نقابي مبدئي، وصحيح، وبين النقابة اللا مبدئية المنتجة لعمل نقابي لا مبدئي، وتحريفي، ووقفنا من خلال معالجتنا على أن معظم النقابات القائمة في واقعنا، هي نقابات تحريفية، لا علاقة لها بإنتاج العمل النقابي المبدئي الصحيح، وحاولنا أن نجري مقارنة بين العمل النقابي المبدئي، والعمل النقابي اللا مبدئي، الذي لا ينتج إلا العمل النقابي التحريفي، الذي أفسد الحياة النقابية، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولتعميق الرؤيا حول الممارسة النقابية التحريفية، وحول العمل النقابي الصحيح، والمبدئي، نكون قد وقفنا على الوضعية المتردية، التي يعاني منها العمل النقابي في المغرب، والتي لا تزداد، مع مرور الأيام، إلا ترديا، بسبب تردي الشروط الذاتية، لمختلف النقابات اللا مبدئية، ونظرا لتردي الشروط الموضوعية، التي تسم واقع تحرك النقابات المختلفة، وحاولنا الإحالة على السؤال:

لماذا لم تعد المبادئ النقابية محترمة، في الإطارات النقابية المختلفة: محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا؟

سعيا منا إلى استنطاق الواقع النقابي في المغرب، من أجل الوقوف على النقابات التي تحترم فيها المبادئ، والنقابات التي لا تحترم فيها تلك المبادئ، وما يترتب عن ذلك من تحريف للنقابة، والعمل النقابي، والوقوف على الوسائل التي تمكن النقابة من الهيمنة في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إذا لم يكن احترام المبادئ، هو الوسيلة من أجل ذلك، والنقابة التحريفية، تبقى مجالا للممارسة الانتهازية، حتى تستوعب المزيد من الانتهازيين، الذين يستغلون النقابة، والعمل النقابي، لخذمة مصالحهم الخاصة، وصولا إلى أن النقابة التحريفية، لا يمكن أن تهيمن في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؛ لأن هيمنتها، في صفوفهم، لا تعني إلا تحولهم إلى مجرد انتهازيين، لا يتعاملون إلا مع النقابة التحريفية. وهو ما يعني امتداد الفساد النقابي إلى صفوف المستهدفين.

وإذا تحققت الهيمنة بالتحريف، فإن العمل على تحقيق الديمقراطية، أصبحت مسألة ضرورية؛ لأن الديمقراطية في النقابة، شرط تحقق الهيمنة، إلا أنها لا تتحقق في ظل انعدام المبادئ النقابية، التي لا يمكن تجزئتها، وتجزئة المبادئ في حد ذاته، يعتبر تحريفا للنقابة، خاصة وأن الأخذ بمبدإ الديمقراطية، دون باقي المبادئ التي ترتبط فيما بينها، ارتباطا جدليا، مما يجعل عملية اجتزاء الديمقراطية، يفرغها من محتواها التقدمي، والجماهيري، والاستقلالي، والوحدوي.

وعدم تفعيل الممارسة الديمقراطية، في الإطارات النقابية: في الفروع، والأقاليم، والجهات، وعلى المستوى الوطني، يعتبر مدخلا لاعتماد الممارسة البيروقراطية، في المستويات المختلفة، لتصير النقابة تحت رحمة الممارسة البيروقراطية، والجهاز البيروقراطي. وهو ما يمكن اعتباره إساءة إلى النقابة، وإلى العمل النقابي، وإلى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وهو ما يدخل في إطار الجناية على النقابة، والعمل النقابي، الذي يصير عاجزا، بسبب البيروقراطية، عن استيعاب العمال، وكل الكادحين.

والنقابة التي تحترم في إطاراتها النقابية، تصير مجالا لجعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يمتلكون وعيهم بأوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ويدركون عمق الاستغلال الممارس عليهم، ومن يمارسه عليهم، والوعي بالأوضاع الخاصة، والعامة، لابد أن يصير وسيلة للوعي بالذات المنتجة، ووعي العمال، وإدراكهم، بأنهم هم الأساس، الذي تقوم عليه العملية الإنتاجية، لا بد أن يؤهلهم للقيام بدور معين، لصالح المجتمع برمته، من خلال العمل على تغيير الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الممارسة البيروقراطية، أو التابعة لحزب معين، والحزبية، واعتبار النقابة مجرد إطار للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، يصير تابعا للنقابة، من أجل تضليل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

والتضليل في حد ذاته، مجرد منهجية للحيلولة دون امتلاك العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وعيهم بأوضاعهم، وبدورهم المستقبلي، وبقيام العملية الإنتاجية عليهم.

ولمواجهة كل أشكال التضليل، الممارسة في حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لا بد من تفعيل مبادئ النقد، والنقد الذاتي، والمحاسبة الفردية، والجماعية، وخضوع الأقلية للأغلبية في السير العادي للنقابة، خاصة وأن المبادئ المذكورة، جزء لا يتجزأ من الممارسة الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية؛ لأن الممارسة النقابية الصحيحة، هي التي تفعل كل ما يؤكد احترام المبادئ النقابية، خاصة وأن ارتباط النقابة بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، رهين بفرض مصداقية النقابة في صفوفهم، خاصة، وأن هذه المصداقية تصير وسيلة التطور، الذي يستهدف مجمل الممارسة النقابية، التي تنعكس إيجابا على تطور النقابة، والعمل النقابي، والممارسة النقابية اليومية. وأي تطور منشود في النقابة، وفي العمل النقابي، لا يمكن أن يتحقق بدون احترام مبادئ النقابة، والعمل النقابي، وبدون احترام ما له علاقة بتلك المبادئ.

وفي حالة التخلي عن المبادئ، وتسييد الممارسة البيروقراطية، وخاصة في الإطارات التي يعتبرونها أكثر تمثيلية، لا يمكن الحديث عن شيء اسمه المبادئ النقابية، وفي ظل تسييد الممارسة البيروقراطية، كما لا يمكن الحديث عن الأداء النقابي السليم، وعن تطور هذا الأداء، لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

والبيروقراطية، التي توصف بمعنى: مركزة كل شيء بيد القيادة النقابية، ليس لها وجه واحد. فقيادة النقابة التابعة بيروقراطية، يمكنها القيام بتصريف التوجه الحزبي، وتفعيله، بواسطة النقابة، والقيادة النقابية للنقابة الحزبية، قيادة بيروقراطية، حتى تتمكن من فرض القرارات الحزبية. والقيادة النقابية للنقابة المجال، للإعداد، والاستعداد لتأسس حزب معين، بيروقراطية كذلك، حتى تستطيع فرض ما تسعى إلى تحقيقه، بواسطة النقابة، بالإضافة إلى النقابة البيروقراطية، بقيادتها، بدون أن تكون تابعة، أو حزبية، أو مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين.

ومعلوم، أنه بتسييد الممارسة البيروقراطية في النقابة، وفي العمل النقابي، يمكن تحقيق أهداف محددة، مما يؤدي بالضرورة، إلى استحالة الجمع بين الممارسة البيروقراطية، والممارسة الديمقراطية في النقابة الواحدة.

والتحكم البيروقراطي، أو التبعي، أو الحزبي الذي تمارسه نقابة معينة، والبيروقراطي التبعي، الذي تمارسه نقابة أخرى، والبيروقراطي الحزبي الذي تمارسه النقابة الحزبية، والبيروقراطي الذي تمارسه القيادة التي تعتبر النقابة مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، تلجأ إلى تمكين عملائها من مختلف المسؤوليات، إذا كانوا بيروقراطيين بالطبع. والمعنيون بالنقابة، والعمل النقابي، المتجسدون في المنخرطين، يصيرون في خدمة المسؤولين الممارسين للبيروقراطية في النقابة، وقد يتم تسليم التنظيم له وفي إطار تنظيم العمل النقابي في الإطارات المختلفة. واعتماد أشخاص معينين كمخاطبين في الفروع، والأقاليم، والجهات، لا يمكن اعتباره إلا ريعا نقابيا، توزعه القيادة النقابية على عملائها، وقيام القيادة النقابية على توزيع الأموال، على أولئك العملاء، في انتخابات مناديب العمال، أو في انتخاب ممثلي النقابة في الغرفة الثانية، يعتبر بمثابة تقديم ريع نقابي؛ لأنه لو لم يكن كذلك، لتم تسليمه إلى التنظيم، وفي إطار تنظيمي، على أن يتم إعداد تقرير مادي، يسلم إلى القيادة النقابية، عن أو جه الصرف، مع العلم أنه لا يوجد من يحاسب القيادة النقابية؛ لأن ما تسلموه خارج التنظيم الذي يحاسبه.

وقيام النقابة بتعيين المسؤولين النقابيين، لا يمكن إدراجه إلا في إطار تسيير الفساد النقابي، الذي يصير متحكما في صفوف النقابيين، وفي العمل النقابي، لأن المعينين من قبل القيادة النقابية، هم أول من لا يحترم المبدئ النقابية، لتصير القيادة النقابية، بذلك، غير محترمة للمبادئ النقابية.

وهذه الممارسة غير المبدئية، والتي لا تحترم فيها المبادئ النقابية، تقتضي مراجعة شاملة، لمجمل الممارسة النقابية، لإعادة النقابة، والعمل النقابي إلى مسارهما، الصحيح، الذي يعتبر أفضل وسيلة لإعادة الاعتبار لاحترام المبادئ النقابية، الذي يعتبر كذلك، وسلة لإعادة الارتباط بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؛ لأن الأصل في النقابة، والعمل النقابي، هو احترام إرادة القواعد النقابية، باعتبار ذلك الاحترام تجسيدا للممارسة الديمقراطية.

وبذلك، نكون قد وقفنا على مجمل الاختلالات، التي تعرفها النقابة، والعمل النقابي، بصفة عامة، وسعيا منا إلى رهن مصير النقابة، باحترام المبادئ النقابية، واحترام القواعد النقابية، باعتبارهما مدخلا للارتباط بالمستهدفين من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يصيرون ممتلكين للوعي في مستوياته المختلفة، وعاملين على تحويل ذلك الوعي، إلى قوة مادية، لجعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يمتلكون الريادة في تفعيل النقابة، والعمل النقابي، وفي الرفع من مستوى ريادتهما في المجتمع المغربي، من أجل تحريك القطاعات العمالية، والخدماتية، في أفق حماية المكاسب، التي حققت من التراجعات الخطيرة، التي تتناسل، باستمرار، ومن أجل انتزاع المزيد من المكاسب، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، ومن أجل رفع مستوى الوعي بالأوضاع المادية، والمعنوية، وسعيا إلى تحقيق الوعي بالذات، في صفوف الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة.

فهل تتجاوز معظم النقابات وضعية التردي، التي تعاني منها؟

وهل نستطيع أن نقوم بعمل نقابي رائد، في صفوف النقابات القائمة في واقعنا المغربي؟

وهل يمكن أن تقوم النقابات بالحد من النزيف الذي تعرفه وضعية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بفعل الهجوم على القوت اليومي لسائر الكادحين؟

إن النقابة، والعمل النقابي، دعت لوجودهما شروط معينة، وهذه الشروط، هي حاجة العمال وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلى تنظيم نقابي، وإلى عمل نقابي، من أجل العمل على تحسين أوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية: المادية، والمعنوية، وإلى حماية المكاسب المتحققة لهم، وإلى رفع مستوى وعيهم بأوضاعهم المادية، والمعنوية، حتى يتصدوا، بإرادتهم، وعن قناعة، لما يمارس في حقهم من استغلال همجي، مضاعف، ولم تأت النقابة، والعمل النقابي، بناء على رغبة معينة، تدعو لها حاجة نخبوية معينة، تتملكها الرغبة في ادعاء الدفاع عن مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لتبرير الوجود الذي لا يهدف إلا إلى استغلال الإطار النقابي، لتحقيق تطلعات النخبة النقابية، التي تحكمها التطلعات المذكورة، مسخرة في سبيل ذلك، كل وسائل التضليل التي تمتلكها، من أجل أن يعتقد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أن النخبة النقابية تحمل همهم، وتستميت في النضال من أجلهم.