دراسة في نقد الفكر الشيعي . ح3


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 5831 - 2018 / 3 / 30 - 21:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

النص الشرعي في التوريث
{يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً}النساء11.
تعريف الإرث
الإرث مال أو منافع أو مقيمات مادية يملكها المورث على وجه الأستقلال والتصرف أو له عليها سلطان لا ينازع فيه، تنتقل منه للوارثين بدون موانع بموجب قواعد مسبقة ملزمة لكليهما، ويترتب على هذا الأنتقال خروج ذمية التركة من السلف للخلف مع عدم أحتمالية أن يكون لشخص أخر حق فيها أو تنازع على أصلها، فالإرث هو حق خالص للشخص ينتقل بكل ما فيه وعليه لخلفه الشرعي حتى دون إرادته لأنه خاضع للقواعد الملزمة للمسلم، وبالتالي فهو ليس حقا مطلقا له يتصرف به إلا في حدود ما عرف بالوصية التي يتركها لشخص أو عدة أشخاص أو لجهة محددة على أن لا تتعدى الثلث بأي حال من الأحوال، ومن هذا يمكن لنا أن نسجل النقاط التالية المستخرجة من التعريف لبيان ماهية الإرث.
1. الإرث غالبا هي حقوق مالية أو مادية أو قيمية لها صفة أنها تنتقل بالتملك بمعنى (حق قابل للقسمة يثبت لمستحقه بعد موت مالكه لصلة بينهما من قرابة أو زوجية)، فلا النسب الجنسي ولا الخصائص الأخلاقية يمكن التعامل معها على أنها من الإرث، أما الأمتيازات المعنوية التي كان يتمتع به الشخص لذاتية الخاصة أو أكتسبها من خلال القوة أو التمكن الطبيعي الشخصي مثل الإمارة والملكية والمشيخة، فهي عادة تنتقل إلى فرد واحد من الورثة وليست محلا للتقسيم بناء على عوامل خارج موضوع الإرث وأستحقاقاته التي أوردها الحكم الشرعي، كما هي في الواقع الديني أيضا وتسمى وراثة فضل خاصة وليست قاعدة عامة {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} النمل 16.
2. الوراثة الفضلية أذن مبنية على خصائص مشتركة بين الوارث والمورث وليست حقا عاما لجميع الورثة، فالملك الذي يموت لا يمكن أن تنتقل سلطته السياسية ومكانته إلى جميع الورثة بموجب قواعد الإرث، ومنها مثلا قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين أو بموجب قواعد التقسيم المتعارف عليها والمنصوص حدودها مثلا في سورة النساء.
3. أشتراط الترتيب ورعاية المرتبة بالقرابة سببا او نسبا ركن أول وأساسي في عملية التوريث، فلا يمكن تقديم المتأخر على المتقدم مع عدم وجود المانع الشرعي مهما كانت الأسباب والحجج لأن أساس التوريث هو كونه فرض عيني لازم، وعليه فأي خرق لهذه القاعدة ينتهك شرعية وحجية التوريث وأساسه ويعد واحدا من أسباب مخالفة الوصية المفترضة من الله لما ذكره النص (أولادكم وأمهاتكم وأباؤكم وأزواجكم وأخوانكم على الترتيب التفاضلي)، والقاعدة في ذلك أن الأمر في الوراثة أمر رباني وحكم ملزم يراعي المصالح الشخصية للورثة بتجرد كامل وحيادية، فهو خضوع تام للحكم لا يمكن تأويله أو جره خارج حدوده وإلا عد تعديا على الحكم الشرعي {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ}التوبة 63.
4. أن لا يتعدى الموصى به كإرث بموجب النص حق لأخر أو يرتب إلتزام تجاه من لا يستفيد من الإرث، فلا وصية ولا إرث شرعي إلا بعد أداء حق متعلق (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)، هذه القاعدة الملزمة تكشف حكم أخر هو أن حدود الإرث حدود شخصية بين طرفين بينهما علاقة (حق وواجب متبادل ولا تسري على الأغيار عنهما)، بمعنى أن الإرث لا يمتد خارج حدود افئات التي ذكرت في النصوص ولا يسري أثرها عليهم حتى لو أراد المورث أو الوارث تثبيت هذا الحق، فلا يمكن التوارث بحقوق لا يملكها المورث ولا يمكن للوارث أن يدعي بها أيضا تجاه الغير من خارج العلاقة المذكورة بالنص.
من خلال هذه النقاط يمكننا أن نحدد حدود واقع الإرث وكيفية أنتقاله وحدود ما يمكن أن يتمتع بها الطرفان على وجه التحديد، فهل أن زعم الوراثة الذي أثير في حادثة السقيفة وما بعده وما بني عليه من أدعاء معارضة ومولاة يجري عليه حكم الإرث، فالخلافة ليست مالا قابلا للقسمة بموجب قواعد الإرث الشرعي، ولا هي قيم مادية ولا تمليكية يمكن التصرف بها من قبل الورثة كلل حسب أستحقاقه بالأنصبة والسهام، ولا هي وراثة تفضيلية خاصة مبنية على حكم أو ميزة مشتركة بين الوارث والمورث كما في منطوق النص (عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)، مع وجود قاعدة جعلية أخرى أشد حجية منها وأقوى في الأستدلال وهي قاعدة الإمامة المخصوصة {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}السجدة24.
وأخيرا وهو الأهم في الموضوع أن موضوع الخلافة بالإرث تعدى علاقة الوارث بالمورث بأعتبار أن ترتيبها بهذا الشكل تعدى على الأغيار الذين سيحكمون من قبل وارث الخلافة وهم من خارج دائرة الورثة، بمعنى أن حدود هذه العملية تعدت على حق الأغيار الذين لا تربطهم بالمورث لا سلسلة نسب ولا رابط سببي إلا إذا كان جميع المسلمين هم ورقة النبي ولهم الحق المتساوي في المطالبة بأستحقاقهم مع الأخذ بعين الأعتبار الرابطة الترتيبية التي تقدم المتقدم وتؤخر المتأخر وبذلك نعود لنفس قواعد الإرث، فيعزل الأقربون الأبعدون من الأستحقاق، وأنحصار إرثه في الأقرب ثم الأقرب وكلهم نساء سواء أكانوا من بناته فيتشاركن بالباقي منه بعد حصة أزواجه جميعا في الثمن.
أما الإدعاء بالوراثة الفضلية فيلزمها نص أو معيار حقيقي بين وجلي وغير قابل للتأويل يشترك فيه الرسول مع الخليفة الوارث، وهذا ما لم يزعمه أحد سوى الخليفة الرابع الذي ورد في حقه الكثير من هذه المشتركات وأبرزها حديث (أنت مني بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي من بعدي أو بعدي)، مع ملاحظة أن النص ذكر بالتفصيل الميزة وإن أخرجها من باب النبوة المشتركة إلى محل وصفي أخر ليس دالا على خلافة حكم وإن كانت من باب أولى أن تتخذ معيارا حقيقيا لمن يدع بالوراثة التفضيلية لوجود نص، هذا يفسر جزء من سكوت الإمام علي عن المطالبة بهذا الحق في حينها وهو يعلم تماما أن المنزلة أعتبارية إيمانية وليست خصيصة بالضرورة تقود للخلافة.