هل أصبح أردوغان شرطي المنطقة ومجرم حرب في آن؟


كاظم حبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5825 - 2018 / 3 / 24 - 13:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لم يطرح هذا السؤال على بساط البحث قبل 15 سنة، بسبب ادعاءات اردوغان بالديمقراطية وتقديمه نموذج الإسلام الديمقراطي التركي. رفضت القبول بهذا الرأي وبما أطلق عليه حينذاك بالظاهرة الإسلامية التركية الجديدة، النموذج الإسلامي الاردوغاني. وقد تجلى موقفي هذا في ندوة مشتركة عقدت في مدينة كولون بألمانيا، وشاركت فيها الفقيد الأستاذ الدكتور جلال صادق العظم في الحديث عن حرب العام 2003 بالعراق والتجربة التركية. وقد تبنى الدكتور العظم تجربة أردوغان الإسلامية وسعى إلى إبراز جوانب إيجابية وعناصر ديمقراطية في نهجه الإسلامي. وقد كتب ونشر بعض المقالات بذات الاتجاه. أبديت رأيي المخالف وأشرت إلى إنها فورة سياسية مؤقتة سرعان ما تتغير، وأن السياسة الأردوغانية الحقيقية قادمة لا ريب في ذلك، كما عارضت رأيه بشأن حرب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وخارج إطار قرارات مجلس الأمن الدولي ضد النظام الدكتاتوري البعثي بالعراق، لما توقعت أن يحصل بالعراق في أعقاب الحرب مع قناعتي التامة بأن النظام لن يصمد أمام تلك الحرب غير المتكافئة وما يمكن أن ينجم عنها، والتي ذكرها بندوات أو كتبتها ونشرتها في مقالات كثيرة في حينها. ومن المؤلم القول بأن المسألتين قد برهنتا على صواب موقفي. لقد بنيت موقفي بصدد تركيا استناداً إلى ثلاث مسائل جوهرية: 1) طبيعة النظام السياسي التركي وتغييبه للحريات العامة والحياة الديمقراطية عن الشعب بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه، 2) والأيديولوجية الإسلامية المتشددة التي تبناها أردوغان حين كان عضواً في حزب الرفاه الإسلامي ومحافظاً لمدينة إسطنبول حين اعتقل وأبعد عن منصبه وحكم عليه ثمانية شهور بالسجن بسبب تطرفه السياسي وتحريضه على الكراهية الدينية في تركيا في العام 1998، 3) ومواقفه المناهضة لحق تقرير المصير للشعب الكردي وتأييده الحرب التي كانت تخوضها النظم التركية العسكرية منذ الثمانينيات ضد الشعب الكردي المطالب بحقوقه الإدارية والثقافية، والتي واصلها هو أيضاً حين أصبح مسؤولاً عن قيادة الدولة التركية، ثم أجبر على إيقاف الحرب بسبب أوضاعه المالية المعقدة وكثرة القتلى واحتجاج العالم ومطالبة الاتحاد الأوروبي بممارسة تركيا للمعايير أوروبية بشأن حقوق الإنسان إن كان يريد حقاً الدخول إلى عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الشعب الكردي في كردستان تركيا يشكل أكثر من 20% من إجمالي سكان تركيا، وهناك ما يقرب من 10% من أقليات قومية أخرى، وبحدود 70% ترك وبهويات مذهبية وفرق إسلامية عديدة، ولاسيما المذهب الحنفي، إضافة إلى العلويين والبكتاشيين... ومن المعروف عن تركيا إن التثقيف الفكري والسياسي فيها ينحاز بقوة إلى جهة العنصرية والتمييز القومي والديني والمذهبي، إذ ما تزال في الذاكرة النشطة لشعوب العالم جرائم الإبادة الجماعية وضد الإنسانية التي ارتكبها النظام العثماني مع بداية الحرب العالمية الأولى، ولاسيما في العام 1915 وما بعده، ضد الآشوريين والسريان في "مجازر سيفو" أو "بشاتو دسيفو" أي "عام السيف"، و"مجازر الأرمن"، الذين كانوا يشكلون أكثرية المسيحيين في الدولة العثمانية. وأشير إلى إن عدد قتلى الآشوريين والسريان حينذاك بين 250-500 ألف شخص، وعدد قتلى مجازر الأرمن بأكثر من مليون قتيل، وهي مذابح يندى لها جبين البشرية كلها، والتي لم تعترف الدولة التركية حتى اليوم بهذه المذابح التي قامت بها الدولة العثمانية، وتحاول مقاطعة الدول التي تعترف بوقوع الإبادة الجماعية دبلوماسياً.
واليوم يمارس أردوغان سياسة عدوانية وتدخل عسكري فظ في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، ولاسيما بالعراق وسوريا، حيث أقام قاعدة له في بعشيقة بالعراق، ويسعى اليوم إلى إقامة قاعدة أخرى في سلسلة جبال قنديل العراقية بدعوى موافقة الحكومة العراقية على مطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، في حين أعلنت الحكومة العراقية ووزارة الخارجية العراقية رفضها وشجبها لأي تدخل عسكري في شؤون العراق الداخلية وطالبت بانسحاب القوات التركية من بعشيقة. وبالأمس ضربت طائرات حربية تركية منطقة كردستان العراق بصواريخ أودت بحياة أربعة شبان كرد. وإذ احتجت حكومة إقليم كردستان، فأن الحكومة العراقية ووزارة خارجيتها لم تحتج حتى الآن على هذه الجريمة النكراء. وكذلك تمارس الآن تركيا التدخل العدواني العسكري وتجتاح سوريا وتحتل عفرين وتشرد أكثر من 120 ألف مواطن كردي سوري من هذه المنطقة، إضافة إلى قتل المئات من السكان المدنيين، واستشهاد مقاتلين كرد ضد المحتل الجديد. وهم الآن يهددون بالولوج أكثر فأكثر بالعمق السوري وصولاً إلى منبج حيث توجد قوات حماية الشعب الكردي. فهل يا ترى تحول أردوغان إلى شرطي شرير في المنطقة وإلى مجرم حرب؟ إن الدلائل كلها تشير إلى هذا التحول الفعلي، إذ لم يكن مندوب الدنمرك في مجلس الأمن الدولي مخطئاً حين أعلن بـ: أن تركيا دولة مجرمة والرئيس أردوغان مجرم حرب في ظل المجازر التي يقوم بها الجيش التركي في عفرين". واحتج المندوب التركي وهدد بقطع العلاقات مع الدنمرك!!! ويوم أمس 22/03م2018 شجبت المستشارة الألمانية بشدة ونددت بأشد العبارات، في الحديث عن سياسة حكومتها في مجلس النواب الألماني، الاعتداء العسكري التركي على عفرين وقتل الأبرياء وتشريد الآلاف من الكرد.
إن الولايات المتحدة، حليف تركيا في حلف شمال الأطلسي، التي التزمت في الدفاع عن قوات حماية الشعب الكردي وسلحتها، أثناء المعارك ضد عصابات داعش في الرقة، عاصمة القتلة الداعشيين، وتطهير الأرض من رجسهم، وأبدت شجاعة فائقة في القتال في مناطق أخرى من سوريا أيضاً، تخلت بكل نذالة عن هؤلاء المقاتلين الشجعان وتركتهم وحدهم دون ان تمولهم حتى بالسلاح، وسمحت لتركيا وطيرانها الحربي ودباباتها وقواتها البريد باجتياح المنطقة وتحويل عفرين وضواحيها إلى أنقاض. إنها المساومة الدولية القذرة بين الحكومات الخمس المشاركة في العدوان على الشعب السوري بكل قومياته، إنها (الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا وسوريا)، والأخيرة شجبت التدخل التركي، ولكنها لم ترسل قوات مسلحة حكومية دفاعاً عن مدينة عفرين السورية وتركتها تسقط بأيدي المحتل التركي ومجرم الحرب اردوغان. إن السكوت عن هذه الجرائم التي ترتكب اليوم، ستدفع بهذا الدكتاتور المغامر إلى المزيد من التهور والعنجهية والعفترة العثمانية في سعيه العدواني والتوسعي. وهو يمارس منذ عدة سنوات سياسة داخلية استبدادية متشددة ضد كل القوميات بتركيا وضد الشعب التركي ذاته، حيث تحتض سجون تركيا ومعتقلاتها عشرات الألوف من المناضلين ضد نظامه والذين يتعرضون لأبشع صور التعذيب النفسي والجسدي، والمئات من الصحفيين الترك ايضاً، وهو يعمل بدأب للهيمنة على السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والسلطة القضائية والإعلام ويمركزها كلها في قبضته الحديدية. إذ سمح الدكتاتور أخيراً لحليفته دولة قطر، التي تشاركه في العدوان على دول المنطقة، ولتلك الجماعة القريبة من أردوغان وسياساته، على شراء مجموعة دوغان الإعلامية وشراء الكثير من الأسهم في شركات إعلامية أخرى بما يسمح لأردوغان عبر الشركة القطرية في الهيمنة التامة على كامل أجهزة الإعلام التركية تقريباً، لتوظيفها لصالح سياساته الاستبدادية والعدوانية والإخوانية (جماعة الأخوان المسلمين) بتركيا والمنطقة. علماً بأن الحليفين التركي والقطري يقفان في صف واحد مع التنظيم الدولي الإرهابي للإخوان المسلمين.
إن من واجب الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي لا أن يرفض سياسات تركيا العسكرية والتوسعية في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل وأن يقاومها ويفشَّل جهود أردوغان في التحول الفعلي إلى شرطي إرهابي في المنطقة، وأن يمارس بهوس المجنون الحروب ضد الدول المجاورة وضد من يختلف معه بذريعة تهديد تركيا وحدودها ونظامها السياسي.