بانتظار رد طهران... أربعة مواقف 3


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5824 - 2018 / 3 / 23 - 14:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الموقف الثاني


ظنك قاعدته: هناك غالب ومغلوب دومًا.

التخويف، الهجوم، الهجوم المضاد، التهديد، التنكيد، لا بل الإهانة، التوبيخ... يذهب العدواني إلى النزاع كما لو يذهب إلى القتال، بعزم ورغبة في إبادة خصمه، بكل الوسائل الممكنة والمتعذر تصورها، كل شيء على أن يكون الضحية.

في البدء: الشعور الباطني المهيمن هو شعورك بالضحك عليك، بعجزك عن الدفاع عن نفسك من عنف الآخر. الآباء الطغاة، العدوانيون، المنكدون، العنيفون، الحانثون في وعودهم، يجعلون من أبنائهم ضحايا عاجزة لسوء معاملتهم. من سوء المعاملة نَعِدُ أنفسنا بألا نكون دومًا وأبدًا إلى جانب الخاسرين، إلى جانب الخاضعين.

الناحية الإيجابية: الشعور بقوة داخلية معزوة لشكل من أشكال مقاومة الضغط، القدرة على فرض الاحترام، الجرأة على القول، على المواجهة (حتى ولو كانت بعنف).

الناحية السلبية: التماثل بالمعتدي. يظن الشخص في عبوره من ضحية إلى معتدِ أنه يخرج من التصور العلائقي السام الذي يكابد، وهو، في الواقع، لم يزل سجين هذا التصور، ولم يقهر المعتدي، بما أن المعتدي لم يزل يعيش فيه. بالإضافة إلى ذلك، الوضع العدواني للشخص (وضع غير طبيعي) هو وضع المبيد العقلاني، يقوم بصنع الفراغ حوله صنع المبيد للأعشاب، ويحول دون كل شكل من أشكال معرفة الآخر، التضامن، حل المشاكل.

نحو التوازن: إدراك وقبول أن العلاقات الإنسانية ليست علاقات قوة فحسب، وأن اللجوء إلى العدوانية إشارة عطب، وضعف، لا بأس، وقدرة. إن بدا التاريخ الشخصي، إن بدا التاريخ التاريخي، من الصعب حمله، فالعلاج وحده، التحديث وحده، يستطيع أن يسمح بكسر التصور السام بما يحويه من اضطرابات وظيفية، ويستطيع أن يسمح بتجديد الثقة بالنفس، ورد الاعتبار إليها. بالمقابل، من الممكن التدرب على تبديل وضعنا: بالاستماع إلى محادثنا بالفعل (دون أن نقاطعه) محاولين فهمه، ثم إعطاء وجهة نظرنا دون أن نبحث عن إنقاص قيمة وجهة نظره. أخيرًا، القيام بجرد كل الحالات التي أفدنا فيها بعون يسمح بتلطيف نظرتنا إلى الآخرين، والحكم عليهم، وفي علم الشعوب والأمم حكمهم، فكما يقال: إنما الحُكْمُ بُعْدُ النظر!


يتبع: بانتظار رد طهران... أربعة مواقف 4