ثقافة قميئة- لماذا نحن بشعون متخلفون


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5823 - 2018 / 3 / 22 - 20:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

- لماذا نحن بشعون متخلفون (54) .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (95) .

توفى الأربعاء الفائت عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينج عن عمر يناهز 76 عاماً, وهو عالم فى فيزياء الكون والفلك والرياضيات , وقد قام بتأليف العديد من الكتب ومنها كتابه "A Brief History of Time" والذى بيعت منه أكثر من عشرة ملايين نسخة فى العالم .
أحدثت وفاة عالم الفيزياء النظرية الذى إشتهر بعمله الرائد فيما يتعلق بفيزياء الكون والثقوب السوداء والنسبية حالة كبيرة من ردود الأفعال الحزينة لفقد أحد أعظم العقول البشرية المعاصرة ولكن فى الوقت نفسه إنتهج الإسلاميين طريقاً آخر , إذ إنطلقت رسائل الكراهية والشماتة والإزدراء والتهديد بما ينتظره من عذاب تجاه هذا العبقرى كونه ملحداً كافراً بالله فى نظرهم لا يستحق سوى العذاب المقيم .
لا مراعاة على الإطلاق لعظمة وعبقرية وتقدير هذا الرجل بما أنتجه من علوم بالرغم من الظروف الصحية التى صاحبت هوكينج طوال حياته , فالحالة الإنسانية لهوكينج كانت تتطلب بعض التقدير الإنسانى بدلاً من الوعيد والتهديد الذى لم ينقطع من جانب الإسلاميين , فلم يترفقوا بما جرى له فى سن الواحدة والعشرين عندما أصيب هوكينج بمرض التصلب الضمورى وأعتقد الأطباء وقتذاك أن حياته لن تزيد على سنوات قليلة مقبلة, غير أنه عاش 55 سنة أخرى يُفكر ويبدع ويقدم علمه للبشرية .

تعتبر طريقة تعامل الإسلاميين بل المسلمين العاديين مع وفاة هوكينج الذى يعتبره العالم أعظم عالم فيزياء على الأرض بعد اينشتاين شديدة القبح والقماءة لتعبر عن نفوس وعقول قميئة تأبى أن تتأنسن وتتحضر , فقد اختزلوا القصة كلها فى أنه رجل ملحد , وكأن ما أنجزه وما قدمه من خدمات جليلة للإنسانية كلها لا يكفى لأن ينال التأسى عند وفاته , فهو للحقيقة يستحق أكثر من هذه العدائية والجلافة التى شمتت فى وفاته , فأنت لك صالح وعظمة علمه الذى قدمه للبشرية أما إيمانه بالإله أو عدم إيمانه فهى علاقة تخصه وحده كما أن الإله وفق فرضيته هو المطلع وصاحب القرار والحكم لا يشاركه أحد فى حكمه ولكن المسلمين حكماء ويقررون أيضاً .

قال الداعية سامح عبد الحميد حموده : إنه لا يجوز الترحم على "ستيفن هوكينج" العالم الفيزيائي الكبير, بحجة أنه ملحد . وقال حموده في تصريحات صحفية: "هوكينج في النار وبئس المصير , لأنه مات مُلحداً ولا ينفعه ما قدمه من علم فزيائي , ولذلك لا يجوز أن نقول (الله يرحمه) , لأنه لم يُؤمن بوجود إله أصلاً ولم يُؤمن بوجود جنة ولا نار, ورغم أنه قدم علوماً باهرة للبشرية إلا أنه لم يستطع معرفة ربه وخالقه مولاه ".

قال ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية بأن الترحم على عالم الفيزياء البريطاني الشهير ستيفن هوكينج حرام لأنه مشرك . ورداً على سؤال هل يجوز الترحم على العالم البريطاني الذي رحل عن عالمنا منذ أيام أجاب برهامى على موقع أنا السلفي بالنفي ووصف السؤال بأنه من الجدل المكروه . وأضاف نترحم على رجل ينكر وجود الله ويقول الجنة والنار خرافة أعوذ بالله ".

الامور لا تكتفى بعدم الترحم بل بالشماته والفرح فى مصاب الغير مسلم والذى ينتشر فى مواقع النت والتواصل الإجتماعى واليوتيوب فوفقا لرؤية وتفسير الشعراوي : الذي يشذ عن مراد الله لابُدَّ أن يفسد به المجتمع , كما نرى المجتمعات تشقى بكفر الكافر, وبعصيان العاصي .. ولو أن الناس عملوا بشرع الله ما حدث فساد في الكون ولا خَلَلٌ في حياتهم أبداً, لذلك نفرح حينما ينتقم الله من أهل الكفر ومن أهل المعصية ونقول: الحمد لله الذي أراح منهم البلاد والعباد .
كما سئل الشيخ ابن باز عن فرح المسلم إذا أصيب الكفار بمصيبة فقال : المصيبة التي تنفع المسلمين يفرح بها , إذا كان فيها نفع للمسلمين يفرح بها: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا .

في مواقع التواصل الاجتماعي وهذا ما يهمنى إبرازه فهو تعبير عن فكر الإسلام الشعبى وما أصاب المسلمين العاديين من قبح وبشاعة لنرى الكثير من التعليقات الساخرة الشامتة فى ستيفن هوكينج فهناك من يقول : انه مجرد حثالة كيميائية .. الى جهنم .. عالم الجهل .. بما سيفيدك علمك في الاخرة .. الفرن ينتظرك .!!

ماذا فعل ستيفن هوكنج لهؤلاء ؟!.. هل أساء اليهم في حياته كي يسيؤون اليه في موته ؟
فى الحقيقة هى ثقافة النبذ والكراهية والحقد التى تغلغت فى النفوس لتنتج سلوكيات بشعة قميئة ترفض التآخى الإنسانى وتفتقد لأى رحمة وإنسانية وترفق لتطلق مواقفها وأحكامها القاسية وعداءها الفج الذى لا يعتنى بالإنسانية وبما قدمه الإنسان من علم وخدمات جليلة للبشرية , فالحقد والكراهية والقسوة هى الحاكمة لتلك الثقافة البدوية .

فى الثقافة الإسلامية لا يجوز الترحم والترفق على أموات الكفار , سواء كانوا من اليهود والنصارى , أو كانوا من غيرهم لقوله فى التوبة 113: ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمْ أَنَّهُم أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) . ولقول محمد في الحديث : والذي نفسي بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم وغيره.
وقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى : وقد قال تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين في الدعاء , ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله، مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم , أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك.

هناك نهى صارم عن الإستغفار للكفار ففى صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استأذنت ربي أن أستغفر لأمي؛ فلم يأذن لي". فهذا رسول الإسلام الأكثر رحمة ورأفة بين البشر لم يستغفر لأمه التى لاذنب لها سوى أنها ماتت قبل بعثته !! فهل يجوز لأحاد المسلمين الترفق وطلب المغفرة لمن جاء بعد بعثته .

القرآن حافل لحد التخمة بسب ولعن الكافرين وتهديدهم بالعذاب الأليم ففى البقرة :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ).وفى البينة :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) . وفى التوبة :( وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) .وفى آل عمران :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ) . وفى المائدة ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .وفى البقرة(فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ . وفى الأنفال ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) .

الفكر والثقافة الإسلامية لا تكف عن لعن وسب وتهديد الكافرين بالرغم أن المنطق الإسلامى يعلن أنهم مُضللون بواسطة الإله نفسه ولا سبيل لهدايتهم فلا هادى لهم حتى بواسطة النبى ذاته , ولكننا نتوقف أمام أشياء كثيرة أولها ماهو وجه الضرر من الترفق والتآخى مع المختلف الغير مسلم طالما هو غير عدائى ولا مُضر بل يَفيد ويقدم للإنسانية خدمات جليلة وليكن عقابه فى الآخرة !
لنا أن نندهش من أشياء أخرى أولها عن سر إهتمام المسلم بمصير البشر والحكم عليهم بالجحيم , فبدلاً من الإهتمام بثمارهم وعلومهم تجده يعتنى بالحكم على مصيرهم وفق خرافته .. هناك شئ آخر يتمثل فى تحريم طلب الرحمة والمغفرة لغير المسلم , فهل طلب المغفرة للكافر أو حتى لغير الكافر سيغير ويُبدل المصائر أى ستجعل الله يعفيه من العقاب , وهناك شئ آخر عن من يجوز طلب المغفرة له هل هو الخاطئ أم المصيب ؟!, ثم ما معنى نفور المسلم من طلب المغفرة والرحمة سوى أنه يتمنى القسوة والعذاب لإنسان لم يؤمن بإسلامه .

هذه المواقف الحادة القميئة تجاه المختلف يُقصد منها القسوة والنبذ الشديد وتصدير المواقف البشعة وتصعيد المشاعر العدائية , ليحل الحقد والكراهية والنفور بديلاً عن المحبة والترفق والتعايش السلمى بين البشر , فليكن مثوى الكافر وعقابه بين يدى الإله كما يزعمون , ولكن طالما نعيش على أرض واحدة فليس هناك مطلب سوى التعايش الإنساني طالما لا نجنى سوى المحبة والسلام والتعاضد والتكافل ولكن هناك ثقافة الكراهية والنبذ التى ترفض ذلك .!!
للأسف الإسلام مشروع لن يكون له وجود إلا بنشر ثقافة الكراهية والنبذ والعداء بين البشر .

دمتم بخير .
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته "- أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .