الوطنية هي الملاذ الأخير للأوغاد (2)


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 5822 - 2018 / 3 / 21 - 19:15
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     


كان ماركس قد اشترط أن تقوم الثورة الإشتراكية العالمية الدائمة في مركز النظام الرأسمالي العالمي وليس في أحد أطرافة . وعندما قام البلاشفة بقيادة لينين في روسيا بالثورة الإشتراكية – هم في الحقيقة قاموا قي 25 أكتوبر (يولياني) بانتفاضة بهدف استكمال الثورة البورجوازية وتطورت الإنتفاضة إلى ثورة اشتراكية دون مشيئة البلاشفة – جُوبه لينين بنقد عارم من زعماء الأممية الثانية، كاوتسكي وبليخانوف حيث لم تكن روسيا متقدمة في الإنتاج الرأسمالي متجاهلين الظروف الإستثنائية المحيطة وأهمها أن روسيا القيصرية كانت أكبر بلدان العالم وأغناها من حيث الثروات الطبيعية وكان إنتاجها الرأسمالي قد وصل إلى نسبة 20% من جمل إنتاجها القومي، بالإضافة إلى أنها كانت على شفا التفتت والتلاشي في سبتمبر 1917 قبل نهاية الحرب العالمية الأولى .
لكن أي وغد هو ذاك الذي يمكنه أن يتصور قيام ثورة اشتراكية في مصر أم في العراق !؟

وأخيراً من أنت با من يعتصر قلبه الألم لأن الشيوعيين إنقلبوا إلى وطنيين أوغاد !؟ بلى، هذا هو السؤال الذي يفرز الشيوعيين عن غير الشيوعيين الوطنيين الأوغاد .
خطاب الشيوعيين الأوغاد ينطلق من افتراض أن ثورة البلاشفة الإشتراكية 1917، أكانت خطأً تاريخيا، وهو الراجح لديهم، أم لم تكن فقد اندثرت وكأنها لم تكن وعادت الشعوب في الأطراف خاصة تناضل من أجل التحرر وإقامة الديموقراطية البورجوازبة وكأنما هي ما زالت في مطلع القرن العشرين قبل قيام الحرب العالمية الأولى .
الشيوعيون الحقيقيون "البلاشفة" ما زالوا يحافظون على العهد اللينيني حين أكد لينين في خطابه التاريحي يفتتح تأسيس الأممبة الشيوعية على أن .. " نجاح ثورة البروليتاريا في العالم كله بات أمراً مؤكداً . وأن العالم هو في طريقه اليوم لإقامة حكومة سوفياتية " .
لم يكن فلاديمير لينين هو قائد الثورة الإشتراكية ومفجرها فقط بل كان أيضا نبيّ الثورة الذي لم تخذله الأحداث أبداً . قطع لينين عهده بنجاح الثورة في العالم قبل قرن طويل ؛ ولا يمكن أن يكون قد تعهد بنجاح الثورة في العالم فيما بعد ثلاثين عاماً أي بعد نهاية النصف الأول من القرن العشرين . فلماذ لم يتحقق عهد لينين خلال قرن طويل ؟
عهد لينين 1919 لم يكن يوماً أجوفَ بل هو اليوم أقرب للتحقق من أي وقت مضى حيث فوضى هروب العالم من الإستحقاق الإشتراكي أوشكت نهايتها . أما لماذا تأخر تحقق العهد اللينيني فيعود ذلك لسببين ما كان بإمكان نبي الثورة أن يتنبأ بهما وهما ...
أولاً، العدوان الهتلري الواسع الأخرق والهمجي على الاتحاد السوفياتي وتسخير كل موارد القارة الأوروبية المادية والبشرية في تحطيم مركز الثورة الاشتراكية، الإتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى أن ستالين كان يشتري السلام من هتلر يوما بيوم وقد اشترى منه ما لا يُشترى وهو ما كبد الاتحاد السوفياتي خسائر لا تعوض، أهمها رجحان كفة البورجوازية الوضيعة على كفة البروليتاريا في السلطة وانقلابها على سلطة البروليتاريا بالتالي في العام 1953 .
ثانياً، الجديد في هذا الموضوع هو أن عمل الاستخبارات يتعارض جوهريا مع مختلف المبادئ والقيم لأن وصول أعمالها إلى نتائج إيجابية مفيدة في حراسة الدولة يلزم بالضرورة قيامها بأعمال تتعارض مع كل المبادئ والقيم . جهاز الاستخبارات السوفياتي (KGB) كان في رئاسته منذ تأسيسه في العام 1921 عضو في المكتب السياسي وهو أعلى هيئة قيادية في الحزب والدولة لكنه ومنذ العام 1934 بدأ هذا الجهاز يعمل ضد الحزب وضد الإشتراكية . ففي السنوات العشرين التالية 1934 – 1953 توالى على رئاسته ثلاث أعضاء في المكتب السياسي إقترفوا أبشع الجرائم مما أدى بهم |إلى الإعدام ؛ ثالثهم كان لافرنتي بيريا (Lavrenti Beria) الذي نظم مجموعة من الأطباء اليهود في مصحة الكرملين خلال الحرب عملت على التآمر على صحة قادة الحزب وإنهاء حياتهم ولم يكتشف أمره قبل أن يقوم هو شخصياً باغتيال ستالين بالسم في 28 فبراير شباط 1953 . المخابرات السوفياتية هي التي قادت الإنقلاب على الإشتراكية وهي التي فككت الإتحاد السوفياتي وهي هي من يقترف اليوم أفظع الجرائم الهمجية في سوريا.
ما إن أعلن لينين الثورة الاشتراكية العالمية مفتتحا الجلسة التأسيسية للأممية الشيوعية في مارس آذار 1919، وقبل أن ينتهي البلاشفة من الحرب الأهلية حتى انهال على روسيا تسعة عشر جيشا من أربع عشرة دولة رأسمالية إمبريالية تستهدف "خنق البلشفية في مهدها" كما أعلن آنذاك وزير الحرب البريطاني ونستون تشيرتشل، إلا أن البلاشفة وقد إلتف حولهم العمال وفقراء الفلاحين قد ألحقوا هزيمة مذلة بسائر الأعداء وحتى قبل أن يكون لديهم جيش مسلح أو حتى الخبز . كان ذلك درساً قاسياً للإمبرياليين في العام 1921 مما أرغمهم على تعديل سياساتهم كيما تكون مقاومة الشيوعية في صدر كل السياسات الأخرى .
منذ العام 1921 بدأت الإمبربالية العالمية بقيادة المخابرات البريطانية (MI6) وهي صاحبة الخبرة الطويلة في حياكة المؤامرات المنحطة تقيم المصدات لتيار الشيوعية الجارف فكان أن دبرت المسيرة الفاشية بقيادة موسوليني إلى روما 1922 وبالتواطؤ مع ملك إيطاليا تولى موسوليني السلطة وتم إبعاد الشيوعيين . وفي العام 1928 استأجرت المخابرات البريطانية أحد المتأسلين في مصر، حسن البنا، وساعدته في تشكيل منظمة الاخوان المسلمين المعادية للشيوعية . وفي العام 1933 جندت المخابرات البريطانية قادة الحزب الاشتراكي في ألمانيا كيلا يتحالفوا مع الشيوعيين في انتخابات 1933 وهو ما مكن النازيين بقيادة هتلر لأن يفوزوا بأكبر عدد من النواب ويستولوا على السلطة ويقضوا بالتالي نهائياً على كل أشكال الديموقراطية ويقوم على أنقاضها الرايخ الهتلري الثالث لألف عام .
في العشرينيات والثلاثينيات تركزت سياسات الدول الإمبريالية على حياكة ما سماه المراقبون "المؤامرة الكبرى" على الاتحاد السوفياتي حيث اتسمت سياسات الدول الامبريالية تجاه النازية في ألمانيا والفاشية في ايطاليا بسياسة الترضية (Appeasement) حيث الخائنان تشيمبرلن رئيس وزراء بريطانيا ودالادييه الرئيس الفرنسي بعد خيانتهما لشعب اسبانيا ومساعدتهما الفاشيين بقيادة فرانكو في الانتصار في الحرب الأهلية خانا شعببيهما وتنازلا عن مناطق عديدة في أوروبا وأفريقيا استرضاء لهتلر وموسوليتي في مؤتمر ميونخ 1938 . كان خطر النازية ماثلا في أوروبا حين ضغط الاتحاد السوفياتي لعقد تحالف ضد النازية يضم بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بالإضافة إلى الإتحاد السوفياتي غير أن الدول الغربية الثلاث رفضت رفضا قاطعاً لمثل ذلك التحالف مؤملة أن يكون الاتحاد السوفياتي هو أول فرائس النازية . لكن لخيبة المخابرات البريطانية والدول الغربية فقد بدأ هتلر بإفتراس الفرائس الأسهل فرنسا وبريطانيا وعندما إنثنى ليفترس الاتحاد السوفياتي لقي من يصرعه ويحمي شعوب بريطانيا وفرنسا من عواقب شروره .

كتب أحد المتثاقفين الأغبياء من مصر يقول .. " حملت الدول الغربية على أكتافها الاتحاد السوفياتي في حربها على النازية " . فرددت عليه أقول .. " المثقف الذي لا يعلم تفاصيل الحرب العالمية الثانية عليه أن يغلق فاه عند الحديث في السياسة أم في التاريخ أم حتى في الإقتصاد " . الدول الغربية لم تواجه ألمانيا على الإطلاق باستثناء فرنسا التي حاربت بضعة أسابيع قبل أن تستسلم . طيلة الحرب لم تحارب بريطانيا والولايات المتحدة سوى إيطاليا على شوطئ المتوسط . هزمت ايطاليا في 5 يونيو 1944 وفي اليوم التالي جرى إنزال النورماندي بعد أن هدد ايزنهاور بالإستقالة لأنه لا يقبل المشاركة في خيانة الحلفاء السوفييت كما ينوي تشيرتشل . قوات النورماندي وهي بحدود عشرة فرق لم تواجه الألمان في معركة كبيرة قبل الخامس والعشرين من ديسمبر 1944 حين وقعت كامل جيوش النورماندي في حصار محكم من قبل 20 فرقة ألمانية في جبال جاردان شمال شرق فرنسا . تهدد الفناء التام تلك الجيوش بعد أن فشلت في خرق الحصار خلال عشرة أيام . في ليلة الخامس من يناير اتصل تشيرتشل هاتفياً بستالين يتضرع باكياً النجدة . رغم كل الظروف المعاكسة فتح السوفييت في الثاني عشر من يناير أكبر معركة في تاريخ الحروب لنجدة الحلفاء ؛ حوالي 150 فرقة فتحت النار على عرض القارة الأوروبية . تلك الجبهات الثلاث لم تحرر الجيوش المحاصرة فقط بل استمرت متقدمة حتى برلين وسحق هتلر في مستحكمه تحت الأرض . وفي بوتسدام يوليو 1945 ظل ترومان يستعطف ستالين لأن يساعد الولايات المتحدة في حربها مع اليابان وما كانت اليابان لتستسلم للولايات المتحدة في الثاني من سبتمبر بالرغم من جريمتي ترومان في هيروشيما وناغازاكي في 6 و 9 اغسطس آب لولا أن الجيوش السوفياتية قضت على كامل القوى البرية لليابان في منشوريا خلال النصف الثاني من أغسطس بعد القتبلتين الذريتين .