محنة الاسلاميين والرعب من بديلهم


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 5819 - 2018 / 3 / 18 - 20:53
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

المجتمع العراقي اليوم، وبالرغم من كل الضربات الذي توجه له على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، الا انه يحاول المضي للخروج من تحت الركام بشق الانفس نحو التحرر الفكري "ظاهرة انتشار الفكر العلمي والعلماني وبالأخص في صفوف الشباب"، والاجتماعي "اتساع دائرة خروج النساء وتعالي اصواتهن بالحرية والمساواة وكذلك انتشار ظاهرة السافرات او نزع الحجاب في صفوفهن" وخصوصا في مدينة بغداد، وحتى يمكن تلمس التحرر السياسي "بفك الارتباط بتعليق الامل على العملية السياسية من خلال دعوات واسعة لمقاطعة الانتخابات".
الحادثة الاخيرة التي اسفرت عن اعتقال اربعة شباب في محافظة ذي قار من قبل القوات الامنية بتهمة نشر الفكر الالحادي تكشف عن الرعب الذي يدب في صفوف القوى الاسلامية الحاكمة. فالعراق كما تريده القوى الاسلامية وعملت ميليشياتها بشكل حثيث عليه، كي يكون نموذجا مقفلا للخرافات والترهات الدينية وتحويله الى قلعة مثل قلاع الكنيسة في القرون الوسطى، وان تتحول جهود الحكومات المحلية بدل من توفير الخدمات والقضاء على الفساد وتوفير فرص العمل للعاطلين عن العمل والقضاء على العصابات العشائرية واحلال الامن والامان، الى محاربة كل من يتخذ العقل العلمي في تفسير الظواهر والاحداث، ويتم ذلك بصمت الحكومة المركزية التي يخرج علينا كل يوم رئيسها في مؤتمره الاسبوعي، بالرد على كل شاردة وواردة او يكشف مكتبه الاعلامي عن كل الاجراءات والتفاصيل التي تتخذ بحق اي حادثة او جريمة، لكنه لا ينبس ببنت كلمة حول اعتقال اولئك الشباب الاربعة، ولم نسمع حتى تشكيل لجنة تحقيقية مثل اللجان التحقيقية الاخرى التي تشكل لذر الرماد في العيون من اجل الاستهلاك الاعلامي. والسؤال الذي يطرح نفسه كما يرد البعض عليه، هل هو الانتخابات وراء كل هذه الحملة تارة على الشيوعية واخرى ضد عقيدة الالحاد ومرة ضد الليبرالية؟ والجواب بالطبع لا، لان حملة القوى الاسلامية على الالحاد وعلى الشيوعية وعلى الفكر العلماني وحتى الليبرالي تصب ضمن حملة استراتيجية في ترسيخ سلطة الاسلام السياسي في المجتمع وفرض الاسلمة عليه. ومن يراقب مسيرة حزمة القوانين التي صوت عليها خلال هذه الدورة البرلمانية، من قانون حظر المشروبات الكحولية وقانون حرية التعبير وقانون تعدد الزوجات ومسودتي قانون الاحوال الشخصية والعطل الرسمية، يستشف بسهولة عن مسعى القوى الاسلامية في فرض الاسلمة على المجتمع، وتزامنت مع اعلان هدر دماء كل من يخرج في احتجاجات ضد الحكومة في مؤتمر العشائر الذي عقد في مدينة الكوت قبل عامين، وفتوى عمار الحكيم في ضرب الملحدين ومن يدعمهم في العام الماضي والبقية معروفة كما اشرنا اليها في عددين سابقين من هذا العمود.
عقد ونصف من حكم الاسلاميين في العراق تَكَفَّلَ في تعرية كل سياساتهم الاقتصادية والاجتماعية وكيفية ادارتهم للدولة في العراق. عقد ونصف تحول بريق هذه القوى ومشروعها الاسلامي في العراق عندما كانوا في المعارضة الى قطعة نحاسية صدئة لا تنفع الا بصهرها كي تخفي معالمها الحقيقية. وهنا يكمن الجواب او الكشف عن سر حملتهم المذكورة. فالمشروع الاسلامي الذي حملها هذه القوى انهار قبل اعلانه، وان لا بديل اقتصادي وسياسي يمكن ان ينقذه. فالقوى الاسلامية امام طريقين لا ثالث لهما، وهو اما المضي بشن حملاتها القمعية تحت عناوين سخيفة ولا تنطلي على احد، وهذا لن يستمر دون رد، او رمي العمامة ولبس ثوب شعار "الدولة المدنية" الذي يعني اي شيء، ولكن لا يعني ابدا ومطلقا دولة علمانية وغير قومية تعرف البشر على اساس انسانيته وعلى اساس المواطنة.
ان المنافس الحقيقي اليوم للمشروع الاسلامي في العراق بشقيه دولة الخلافة الاسلامية التي هزمت سياسيا واجتماعيا واقتصاديا قبل ان تهزم عسكريا، وولاية الفقيه التي خرت هاويا في العراق، وهي تعيش ازمة اقتصادية وسياسية حقيقية في عقر دارها في ايران، حيث لم تدفع الحكومة منذ عشرة اشهر معاشات واجور للعمال والموظفين في قطاعات عديدة، وتنامي الاحتجاجات العمالية بشكل واسع في المدن الايرانية، الى الحد الذي اجبر المرشد الاعلى علي الخامنئي بلقاء "جمعية ذوي شهداء العمال" ويقول لهم ان الاضرابات العمالية تخدم الاعداء، وتعالي اصوات تحذيرية عديدة من قلب الجمهورية الاسلامية بانهيار النظام الاسلامي لو لم تستجب الى مطالب الجماهير، وانتهاء مفعول تصدير ازمتها الى الخارج عبر تسويق ترياق الروح القومية بغلاف اسلامي "الدفاع عن الجمهورية الاسلامية"، نقول ان المنافس الحقيقي ليس المشروع القومي العروبي، ولا المشروع الليبرالي الاقتصادي الذي دشنه المالكي ومضى على خطاه العبادي ومفاده تحويل العراق الى مزرعة للعبيد، حيث الحرية للشركات الاستثمارية المحلية والاجنبية وقمع الاحتجاجات العمالية والجماهيرية اذا هددت مصالح تلك الشركات، وتحت العنوان الازلي والابدي تهديد الامن القومي او الوطني، ان المنافس الحقيقي هو سعي الجماهير للبحث عن مشروع بعد انفجارالسخط والغضب والتذمر العارم الذي يدب في صفوفها، وان فشل كل تلك المشاريع هو ما يقرع ناقوس خطر في تحذيرالقوى الاسلامية. فالرفاه الاقتصادي، وتوفير فرص للعاطلين عن العمل، واطلاق الحريات وتعريف الانسان على اساس المواطنة وفصل الدين عن الدولة والمساواة بين المرأة والرجل، هو مطالب الاغلبية المطلقة للجماهير في العراق، وان هذا يعني تقويض سلطتهم وانتزاع كل ما اكتنزوا طوال السنوات العجاف التي حكموا فيها العراق، وبفضل حراب المارينز الامريكي التي دشنت عهدهم والتي ينعتونها بالشيطان الاكبر. هذا المشروع لا يحمله احد سوى الشيوعيون في العراق.
وعليه ان القوى الاسلامية تدرك اكثر ان الالحاد يفضي الى أن العالم الواقعي الذي نعيشه هو من صنع البشر، وان الدين ليس الا اداة بيد موزعيه لتخليد الظلم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من اجل التستر على سرقة وفساد ونهب حفنة قليلة من الاحزاب والقوى الاسلامية. ويفضي ايضا ان كل هذه الدماء التي اريقت من اجل اعلاء راية الطائفة لم تكن اكثر من كذبة واهية من اجل السلطة والامتيازات والنفوذ. وهكذا يتوصلون ان افساح المجال لحرية الدين والالحاد، سيقود الى أنه لا عمر مديد لحكم المعممين في العراق وفي المنطقة.