الوطنية هي الملاذ الأخير للأوغاد (1)


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 5819 - 2018 / 3 / 18 - 20:54
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

لما كان على البولشفي ألا يرائي لذلك علي أن أعترف بأن الألم يعتصر قلبي وأنا أصف أولئك الذين تحولوا من شيوعيين إلى وطنيين بالأوغاد وهو الوصف الذي أطلقه الكاتب الإنجليزي الكبير صموئيل جونسون (Samuel Johnson) حين كتب في العام 1775 يهاجم الوطنيين الإنجليز الذبن عارضوا التوجهات الاستعمارية لبريطانيا يقول .. "Patriotism is the last refuge to the scoundrel" كانت التوجهات الاستعمارية لبريطانيا في باكورة النظام الرأسمالي توجهات تقدمية ترفع من مستوى الشعوب المتخلفة كما كانت في الشرق مكبلة بنمط الإنتاج الأسيوي ما قبل الإقطاعي .
كيف لا أتألم وأنا أرى خيرة البررة من أبناء البشرية الشيوعيين يتحولون إلى وطنيين أوغاد . مجرد أن أتألم فذلك يطمنني أنني ما زلت شيوعيا حقيقياً ولم أتحول إلى وغد .
قبل بضع سنوات كان أحد الأردنيين يتابع كتاباتي بتأييد وشغف ماثلين مما دفعه أخيراً لأن يطالبني بالكتابة عن الأردن ومستقبل الطبقة العاملة في الأردن ؛ وبعد إلحاحه على الطلب اضطررت لأن أنبهه إلى أنه يطالبني بالسباحة في بركة لا ماء فيها وهو ما تسبب في حرده علي واتهامي بالكزموبولوتية . حفاظي على النهج الماركسي الأممي دون أن ألوذ بالوطنية (Patriotism) وصل حد اتهامي من قبل بعضهم إلى التواطؤ مع السلطات في الأردن .
أقول لهؤلاء الأوغاد ولكل الأوغاد الذين استبدلوا راية الشيوعية براية الوطنية، نعم أنا كزموبوليتي مثلما كان ماركس كزموبوليتي ورأى العالم كل العالم وحدة واحدة في حضن النظام الرأسمالي يتطور ويتراجع سوية ويتعذر انفصام أي جزء منه ليخلق شروط تطور مختلفة خاصة به لا تتواءم مع شروط التطور في العالم . من المبادئ الأولية للماركسية هو أن البشرية كافة قد توحدت في وحدة صلبة واحدة مع بداية النظام الرأسمالية وأية أنظمة أخرى قد تتلو النظام الرأسمالي . لقد برهن التاريخ على صحة رؤية ماركس خلال القرون الثلاثة الأخيرة فمثلاً ما كانت ثورة أكتوبر في روسيا لتقوم وتخلق شروطاً اجتماعية جديدة مختلفة لولا أن الحرب العالمية الأولى كانت قد أنهكت الدول الكبرى ومنها روسيا القيصرية حتى النهاية، وما كانت الثورة الإشتراكية لتنمو وتترعرع لولا أنها ولدت وما زالت ثورة دائمة (permenant) تخص العالم وليس روسيا فقط . لا يمكن اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تنأى بنفسها مصر مثلاً أو السعودية أو العراق عن العالم وتقيم مشروع تطور خاص بأي منها . الإنتاج في هذه الدول، وأية دول أخرى، مغطى بالدولار باعتبار الدولار قيمة مطلقة . لكن الدولار ليس قيمة مطلقة بالفعل فدولار 2012 لا يساوي أكثر من سنتين (Cents) من سنتات 1970. وقيمة السنتين لا تكفلها الولايات المتحدة بل الصين الشيوعية . قد تقرر الصين غداً شراء مواد مختلفة بأربعمائة أو خمسمائة مليار دولار من احتياطها البالغ خمس ترليونات فعندئذ ستنخفض قيمة الدولار بنسبة 10 أو 20% وتنخفض بالتالي قيمة إنتاج هذه الدول بنفس النسبة، بل وكلما زاد إنتاج الصين من البضائع كلما انخفضت قيمة الدولار وانخفضت معه عائدات الدول الأخرى من إنتاجها . أو بالمقابل يمكن أن تقرر الولايات المتحدة استخراج النفط من الصخر الزيتي بكل طاقتها فتنخفض قيمة برميل النفط إلى ثلاثين دولاراً أو أقل وبذلك تنخفض واردات الدول النفطية وينعكس سلباً على برامج تطورها . ليس بعد هذا يمكن الإدعاء بأن العالم ليس وحدة مترابطة في التطور .

الأحزاب من فلول الأممية الشيوعية التي كانت قد خانت النهج الماركسي اللينيني وراء خروشتشوف منذ خمسينيات القرن الماضي وترفع اليوم راية الوطنية بدل راية الشيوعية وتناضل من أجل إقامة الديموقراطية البورجوازية في بلدانها مثل الحزب الشيوعي العراقي أو المصري - وليس السوري الذي ارتضى بالأسد قائداً للمجتمع بافتراض أنه رئيس حزب البورجوازية الوضيعة، حزب البعث، وهو ليس كذلك – أعود لإؤكد مرارتي لوصف هؤلاء الشيوعيين الذين تخلوا عن راية الشيوعية بالأوغاد . ما يؤكد وغادتهم هو أنهم ينادون إلى إقامة الديموقراطية البورجوازية لكن بدون بورجوازية !! كيف يمكن تفسير ذلك الأمر لا يعنيهم . الديموقراطية البورجوازية هي البناء السياسي الذي أقامته البورجوازية الرأسمالية في الغرب الرأسمالي . البورجوازية السائدة في العالم العربي – ناهيك عن العالم كله اليوم – هي البورجوازية الوضيعة المعادية قلباً وقالباً للبورجوازية الرأسمالية وغير مؤهلة لإقامة أي نظام اجتماعي مستقر بحكم تقسيم العمل . زد على ذلك أن الرأسمالية انتهى دورها التاريخي في سبعينيات القرن الماضي فكيف يمكن أن يتخيل الأوغاد إعادتها للحياة !؟
هؤلاء الخونة من فلول الأممية الشيوعية هم الأوغاد ليس بحكم صموئيل جونسون في العام 1775 فقط بل أيضاً بحكم كارل ماركس وإنجلز اللذين أكدا في البيان الشيوعي المانيفيستو أن العالم غدا وحدة واحدة غير قابلة للإنفصام في العهد الرأسمالي والعهود التابعة في العام 1847 . لو كانت الديموقراطية البوجوازية قابلة للتحقق بدون البورجوازية الرأسمالية لامتنع علينا وصف هؤلاء الشيوعيين سابقاً بالأوغاد لكن طالما امتنع تواجد الرأسمالية فلا محيص من كونهم أوغاد .
لماذا قبل هؤلاء القوم أن يكونوا أوغاداً أو يمكن أن يكونوا أوغاداً طالما أنهم ليسوا متأكدين من أنهم لا يمكن أن يكولوا أوغاداً وذلك لسببين . السبب الأول وهو أنهم كانوا قد اصطفوا وراء الوغد خروشتشوف وخانوا المنهج الماركسي اللينيني منذ خمسينيات القرن الماضي وأشهروا خيانتهم، والسبب الثاني هو أن عليّة هؤلاء القوم كانوا قد امتهنوا السياسة ولا يستطيعون الإستنكاف عنها، ولما كانوا قد خرجوا عن النهج الشيوعي فلم يعد من مهنة سياسية متاحة لهم سوى الوطنية .

يدعي هؤلاء القوم الأوغاد بأنهم يناضلون لإقامة الديموقراطية البورجوازية في بلدانهم لأن الديوقراطية البورجوازية بزعمهم تفتح الأفق نحو الإشتراكية . بافتراض أن الديموقراطية البورجوازية يمكن أن تقوم بلا بورجوازية لكن الأفق الإشتراكي ليس من آفاق الديموقراطية البورجوازية فقد قامت الديموقراطية البورجوازية في بلدان غرب أورويا لقرن طويل دون أن تختمر في أي منها ثورة اشتراكية . البورجوازية الرأسمالية تمنح هامشاً ضيقاً للحريات للبروليتاريا لتدل على الوجود الشرعي للبروليتاريا في النظام الرأسمالي الذي لا يقوم أصلاً يدون بروليتاريا بحيث لا يتسع هذا الهامش لتختمر داخله ثورة اشتراكية وقد رأينا الرأسماليين الفرنسيين يجهزون جيشاً يقيم مذبحة همجية لبروليتاريا الكومونة في باريس 1871 راح ضحيتها 20 الفاً من عمال باريس وزج في السجن أكثر من 25 ألفاً . وفي ثمانينيات القرن الماضي عملت عجوز النيولبرالية الشمطاء مرغريت ثاتشر ((Margaret Thatcher يالتعاون مع الحكومة السوفياتية على طرد 600 ألفاً من عمال الفحم الحجري من أعمالهم وأغلقت مناجم الفحم حين استعدت الحكومة السوفياتية بتعويض عجوز النيولبرالية الشمطاء بالفحم السوفياتي . لقد وجهت مارغريت ثاتشر ضرب قاضية للطبقة العاملة البريطانية في العام 1985 . لن يغفر التاريخ لثاتشر وصديقها غورباتشوف مؤامرتهما الحقيرة على الطبقة العاملة البريطانية .
الديموقراطية البورجوازية هي البناء الفوقي للبناء التحتي الرأسمالي، فأي وغد هو ذلك الوغد الذي يهِمّ إلى استخدام البناء الفوقي لتقويض البناء التحتي !؟ البناء التحتي هو ما يقوّض البناء الفوقي وليس العكس . ولذلك قال لينين في خطابه يفتتح المؤتمر التأسيسي للأممية الشيوعية في 6 مارس آذار 1919 .. " الصراخ دفاعاً عن الديموقراطية بصورة عامة إنما هو فعلاً دفاع عن حق البورجوازية في الاستغلال ". هؤلاء هم الأوغاد .

الفضيحة المجلجلة التي تواجه هؤلاء "الشيوعيين" الأوغاد هي بعد أن ينجحوا (!!) في استخدام الديموقراطية اليورجوازية في تقويض النظام الإجتماعي القائم وهو لم يصل بعد إلى عتبة الرأسمالية كيف لهم عندئذ أن يبنوا الاشتراكية بدون أدوات إنتاج رأسمالية وهو ما يخالف القانون الطبيعي للتطور الاجتماعي الذي يقول أن النظام الرأسمالي هو الأم التي تحمل بالشيوعية . فكيف للأوغاد أن يولدوا اقتصاداً ريعياً أو زراعياً متخلفاً ثورة اشتراكية !؟ هذا ما لا يفعله إلا الأوغاد .
لقد مر الشيوعيون بتجربة قاسية جدا يتوجب عليهم ألا ينسوا درسها الأعظم . بدأ الاتحاد السوفياتي التخلي عن الإنتاج الإشتراكي في العام 1953 عندما ألغى الخطة الخماسية الخامسة في سبتمبر ايلول . مذاك التاريخ بدأ المعسكر الاشتراكي بالتراجع . اليوم وبعد انهيار مركز الثورة الإشتراكية في موسكو هناك بلدان يحكمها الحزب الشيوعي ولا تستطيع التقدم في البناء الإشتراكي مثل الصين وفيتنام وكوبا وتضطر هذه البلدان الثلاثة الإلتحاق بالإقتصاد الأميركي كيما تتدير شؤون شعوبها .