100 عام على الحركة الشيوعية في البلاد، و-المارّون بين الكلمات - والمغالطات – العابرة-


عصام مخول
الحوار المتمدن - العدد: 5815 - 2018 / 3 / 14 - 10:20
المحور: القضية الفلسطينية     

يحيي حزبنا الشيوعي خلال العام القادم مرور 100 عام على ظهور وتبلور أول نواة شيوعية في فلسطين في العام 1919، وهي نواة مبكرة نسبيا عكست التأثير الثوري العارم الذي أحدثه انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى بقيادة فبلديمير ايليتش لينين في العام 1917، والذي اكتسح العالم وألهب آمال الطبقة العاملة والشغيلة والمظلومين في كل مكان، وألهب أماني وطموحات الشعوب المستعمَرة وحركات التحرر المتعطشة للحرية والاستقلال الوطني والاجتماعي. وقد جرى ذلك وسط شعور جارف وتوقع غامر بأن هذه الثورة تشكل المقدمة الحتمية لثورة اشتراكية عالمية ستطال كل المظلومين والمستغلّين في كل بقاع الدنيا. وانتهى تبلور هذه النواة الشيوعية في فلسطين باكتمال الشروط التي اشترطها الكومنتيرن للاعتراف بالحزب الشيوعي الفلسطيني في العام 1924، حين أصبح واضحا أن طابع هذا التنظيم الشيوعي الناشئ بالفكر وبالبرنامج السياسي والممارسة الملموسة معادٍ بشكل جوهري للامبريالية وللحركة الصهيونية وبرامجهما في فلسطين والمنطقة سواء بسواء. (الكومنتيرن – الأممية الشيوعية - تنظيم الحركة الشيوعية العالمية ع.م).
لقد اختلفت اجتهادات الشيوعيين والمؤرخين في تحديد عام التأسيس، فبينما اعتبر حزبنا الشيوعي الاسرائيلي، عند إحيائه الذكرى الخمسين لظهور الحركة الشيوعية في البلاد أن التقويم يبدأ من اعلان اول تنظيم شيوعي تبلور في فلسطين عام 1919، فإن أجزاء من الحركة الشيوعية في البلاد تربط تقويم نشوء الحركة الشيوعية بموعد اعتراف الكومنترن بالحزب الشيوعي الفلسطيني في العام 1924.
ومن اللافت أن الفترة بين 1919 – 1924 شهدت تبلور ونشوء المنظمات الشيوعية والحركة الشيوعية خارج أوروبا في شتى انحاء العالم وداخل الشعوب المناضلة من أجل التحرر والاستقلال. وكان لثورة أكتوبر الاشتراكية وقع خاص على المنطقة العربية التي كانت تشهد في هذه الفترة تحولات تاريخية في أعقاب الحرب العالمية الاولى وتفكك الامبراطورية العثمانية وتقاسمها، ولكنها اكتسبت التفاتة خاصة عندما قامت الثورة الروسية في أولى خطواتها بفضح معاهدة سايكس-بيكو الامبريالية لتقاسم المنطقة العربية بين الامبرياليتين البريطانية والفرنسية، اللتين خرجتا الأكثر نفوذا في أعقاب الحرب العالمية الاولى. وأعلنت الثورة الاشتراكية انسحابها من المعاهدة التي كانت روسيا القيصرية طرفا فيها، ووجهت عوضاً عن ذلك، نداءً الى شعوب الشرق تدعوهم فيه الى الثورة على مؤامرة سايكس-بيكو والانتفاض في وجه الاستعمار ورفض النظام العالمي الامبريالي الموعود، وخوض معركة التحرر والاستقلال.
لم يكن صدفة أن تشهد المنطقة العربية في الفترة نفسها نشوء منظمات وأحزاب شيوعية من مصر الى سوريا الى لبنان والى العراق لاحقا، وأن تمتد فترة مخاض الحركة الشيوعية في المنطقة بين العام 1919 الى العام 1925 وحتى النصف الثاني من عشرينيات القرن العشرين. ولم يكن غريبا أن العديد من مؤسسي الأحزاب الشيوعية في المنطقة العربية ومؤسسي الحلقات الاشتراكية والشيوعية الاولى في فترة المخاض، كانوا من الثوريين القادمين من حركات شيوعية خارجية أو المتأثرين بها، دفعتهم طبيعة أعمالهم الى البقاء في المنطقة بعد أن كانوا على احتكاك بالحراك العمالي الثوري العالمي. فأسهمَ مثقفون، وبحارة وتجار وعمال ثوريون من الفرنسيين والروس والطليان واليونان في نقل الافكار الثورية الاشتراكية والشيوعية الى الحركة الشعبية الوطنية وتأسيس حلقات ثورية في بلدان مثل مصر وسوريا ولبنان ، وكانوا في قيادة هذا الحراك أحيانا.

//الحركة الوطنية الفلسطينية والحركة الشيوعية في فلسطين - القوتان الرئيسيتان في مواجهة المشروع الكولونيالي

إن بعض المتطفلين على تاريخ الحركة الشيوعية في البلاد يخلطون بين التاريخ وبين عقلية "ما يطلبه المستمعون" ، وإن شئتم ما يطلبه "المغالطون أو المغرضون"! حتى أن أحد الذين مروا من صفوف الحزب الشيوعي، ثم تخلفوا عن الركب في الفكر والقيم الشيوعية وفي الممارسة السياسية في وقت مبكر، أخذ على عاتقه أن يتصدى بأعصاب محروقة، لمجرد إحياء الحزب الشيوعي الذكرى المئوية لنشوء الحركة الشيوعية في البلاد ، في "مقالة" على موقع عرب 48 هذا الاسبوع تحت عنوان: "مغالطة الاحتفال بالذكرى المئوية للحزب الشيوعي الإسرائيلي". وقد حشا مقاله "التحليلي!!" بكمّ هائل من فتات المعلومات والمغالطات التاريخية، والجهل بوقائع التاريخ وضحالة المعلومات بما فيها خلط التواريخ والشخصيات، وأشباه المعلومات التي افتقرت غالبا الى الحد الادنى من الدقة التاريخية. وهو يتهم الشيوعيين "بمغالطة الجمهور عندما يحتفلون بمرور 100 عام على الحركة الشيوعية في البلاد" ، ويعلن امتعاضه من أن "مؤسسي الحركة الشيوعية في فلسطين في العام 1919 ، كانوا في الحالة الفلسطينية قد انسلخوا عن التيار السائد في الييشوف اليهودي في فلسطين". ومن اللافت أن العديد ممن يتناولون الحركة الشيوعية في فلسطين من منطلقات قومية ضيقة، يتحدثون "بغضب" عن انسلاخ الثوريين اليهود عن المناخ الصهيوني السائد في الييشوف والانتقال الى مواقع مناهضة له، بعد أن اكتشف هؤلاء الثوريون في وقت مبكر التناقض بين التضليل الصهيوني، وخصوصا لدى حركة العمل ومحاولتها الهجينة للجمع بين الصهيونية وبين الاشتراكية من جهة، وبين الانتماء الى الثورة الاشتراكية ، وبين عمالة الصهيونية للامبريالية والاستعمار من الجهة الأخرى، فاختار الشيوعيون الصدام الوجودي مع الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية المتواطئة معها، وتأسيس الحركة الشيوعية حليفا لحركة التحرر الفلسطيني. وقد أمسك الباحث الفلسطيني المعروف سميح سمارة الثور من قرنيه ، حين كتب: "..وبذلك تكون قد ظهرت في العام 1919 القوتان الرئيسيتان اللتان ستقودان الحركة الجماهيرية المعادية للمشروع الكولونيالي في فلسطين: الحركة الوطنية الفلسطينية ثم الحركة الشيوعية في فلسطين. ( سميح سمارة –"العمل الشيوعي في فلسطين – الطبقة والشعب في مواجهة الكولونيالية").
ليس المجال هنا لمقارعة هذه المقالة وتصحيح أخطائها ومغالطاتها الكثيرة. ولكننا نشير الى أن الحزب الشيوعي "راكح"، أصدر في العام 1970، كتابا تحت عنوان : 50 عاما للحزب الشيوعي في البلاد ، ضمنه العديد من الوثائق والتحليل لمرحلة التأسيس، وعالج الوثائق التي تم التوصل اليها حول نشوء الحركة الشيوعية في البلاد. وسوف نعالج العديد من مراحل تطور الحركة الشيوعية ونشارك الجمهور الواسع بها، من خلال قراءة نقدية حول السياق التاريخي الذي جرت فيه، من خلال زاوية نعلن عن انطلاقها اليوم في جريدة "الاتحاد".