الانتخابات..من صراع الهويات الى صراع الثروات


قاسم حسين صالح
الحوار المتمدن - العدد: 5806 - 2018 / 3 / 5 - 21:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



الأنتـخـابـات
من صراع الهويات الى صراع الثروات
تحليل سيكوبولتك
أ.د.قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
المشكلة في العراقيين انهم اكثر شعوب المنطقة امتلاكا للهويات.فهم يتوزعون في هويات قومية بين:عرب،كورد،تركمان،واقليات،ودينية بين:مسلمين،مسيحيين،صابئة،ايزيدية...، وهويات عشائرية لا حصر لها،وهويات فئوية طائفية:شيعة،سنّة..وكل هذه الهويات تفرّق باستثناء واحدة تجمع هي الهوية الوطنية التي تعني احساس الفرد بانتمائه الى وطن واحد تعيش فيه مكونات اجتماعية متعددة الهويات،يشكلّون شعبا يجمعهم،على اختلافهم،شعور مشترك بالاعتزاز بوطن عاشوا على أرضه لتاريخ طويل،واكتسب أسم وكيان دولة.
ومن متابعتنا للأنتخابات التشريعية بدوراتها السابقة،وجدنا أن العراقيين توزعوا بحسب هوياتهم بين:مثقفين غير مسيسيين يغلّبون هوية الانتماء للوطن على الانتماءات الفرعية،وسياسيين منتمين لأحزاب سلطة غالبيتها اسلامية،واخرى علمانية،وقوميين يغلبون هويتهم القومية،وطائفيين تحركهم هويتهم المذهبية،وعشائريين بعدد شيوخهم،وجماهير شعبية يتوزعون بحسب الظروف الموقفية بما يؤمن حمايتهم وتحقيق مصالحهم الشخصية.
وكنّا اشرنا في أكثر من مقال الى أن" الهوية " لها الدور الأكبر في تحديد أهداف الفرد وتوجيه سلوكه ونوع العلاقة التي تربطه بجماعة اجتماعية معينة أو جماعات في أوقات الأزمات،حيث تتراجع الهوية الوطنية(الأنتماء للوطن) في الانتخابات لصالح الهويات الفرعية.وهذا ما حصل في الدورات الانتخابية السابقة التي لعبت ثلاث هويات فرعية في تحديد نتائجها هي:القومية والطائفية والعشائرية،عزفت على وتر (سيكولوجيا الأحتماء).بمعنى ان الشيعي انتخب المرشح الشيعي المنتمي لحزب سياسي او لعشيرة شيعية ..ليحميه ،وقل الشيء ذاته عن المكونات الاجتماعية الأخرى.
وكان السبب الرئيس في الذي حصل بالانتخابات التشريعية السابقة،ان السياسيين كانوا يفتعلون الأزمات ليبقى الوعي الانتخابي مخدّرا لدى المواطن او معطّلا ببرانويا الخوف من الآخر..الى عام(2016)حيث بدأ المخدّر الطائفي يفقد مفعوله عند الأكثرية (البنفسجية)،وتراجع شعور الخوف الطائفي من استهداف الآخر،وصحوة الناخب التي ايقظتها ما اصابه من خذلانات،وادراكه ان حكومات ما بعد التغيير هي الأفسد في تاريخ العراق بسلسلة اعترافات مسؤولين آخرها اعتراف رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي في البصرة (22شباط الجاري) بصرف سبعة ترليونات دينار عراقي على مشاريع لم يتحقق منها أي شيء!..في مفارقة تذكرنا بمقولة سلفه السيد نوري المالكي:" لدي ملفات فساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها"..فكلاهما لم يحاسب فاسدين لو استرجع منهم ما نهبوه من ثروة لما رحنا نستجدي العالم.
والحقيقة السيكولوجية الاجتماعية التي يغفلها كثيرون هي ان العراقيين قبل(2014)هم ليسوا انفسهم عام (2018) واعني بذلك تحديدا..الوعي الانتخابي والثقافة الانتخابية. فهم كانوا في سنوات الدورات الانتخابية السابقة ينطبق عليهم وصف غوستاف لوبون صاحب كتاب (سيكولوجيا الجماهير) بقوله : "أن الجماهير لا تعقل،فهي ترفض الأفكار أو تقبلها كلاّ واحداً،من دون أن تتحمل مناقشتها،ومايقوله لها الزعماء يغزو عقولها سريعاً فتتجه إلى أن تحوله حركة وعملاً،وما يوحي به إليها ترفعه إلى مصاف المثال ثم تندفع به إلى التضحية بالنفس".وبتفسيرنا الشخصي،ان العراقيين كانوا من(2005الى2014)شعبا مقهورا،بائسا،عاجزا،لم يمارس التفكير النقدي الا كلاما سطحيا بدائيا لقصور منهجية التفكير لديه ولعدم قدرته على تنقية (فلترة) الفوضى المعرفية التي تربكه وتزيده غموضا وحيرة وتلجئه الى التمنيات والغيبيات وطلب الخلاص من الأئمة والرجال الصالحين. وتلك لعبة في الثقافة الانتخابية اكتشف فيها السياسيون بان تراكم الغبن وتوالي الخيبات والشعور بالعجز وتدجين الناس على تحمّل ما لا يطيقه البشر وانتظار (الذي يأتي ولا ياتي)،تشكل ضمانة لبقائهم في السلطة واستفرادهم بالثروة.غير ان هذه اللعبة لم يعد لها وجود يذكر في الساحة الانتخابية الآن،لثلاثة اسباب:التظاهرات في ساحات التحرير التي اشاعت ثقافة الاحتجاج على الظلم والحرمان،وممارسة وسائل التواصل الاجتماعي التحريض المشروع على فاشلين في ادارة شؤون الناس والوطن ،ومطالبة المرجعية بمحاسبة حيتان الفساد.

وللتاريخ،نسجل هنا ان مرحلة صراع الهويات في الانتخابات قد انحسر دورها الذي كان حاسما في اربع دورات انتخابية لغاية( 2014) وانتقلت الى مرحلة صراع الثروات في العام (2018). فالمتفحص للقوائم الانتخابية لا يجد فيها منهجا سياسيا او برنامجا وطنيا او رؤية فكرية توحّد بين افرادها،ولا حتى مباديء بدليل ان بينهم من انتمى لقائمة كان يتهم رئيسها بالفساد علنا في الفضائيات،انما ضمانة الفوز في عضوية البرلمان،والتي بسببها(مصالح الثروات) حدثت انقسامات في احزاب الأسلام السياسي،وبحزب الدعوة الحاكم تحديدا،وجرى تدوير لوجوه فاسدة في قوائم تحمل اسماء مدنية وتدعو لتحقيق عدالة اجتماعية!.

وثمة فرق سيكولوجي سياسي كبير بين مرحلتي صراع الهويات وصراع الثروات،يتحدد في ان القادة السياسيين في صراع الهويات كانوا يعملون على تحشيد جماهيرهم،فيما سيؤدي صراع الثروات الى حملة تسقيط سياسي واعتباري بين القادة انفسهم،ما يجعل مرحلة صراع الثروات بمدة اقصر لا تتعدى دورتين انتخابيتين.

في ضوء ذلك فان الناخب العراقي ما عاد بنفس تلك الحاجة الى الثقافة الانتخابية،لأنه ادرك الآن كم كان مخدوعا بمرحلة صراع الهويات،وان الأمر بات مفضوحا له بمرحلة صراع الثروات،وان ما يسبب له الأحباط،ولنخبة من المثقفين ايضا،هو أن قانون الانتخابات صيغ بشكل جعل البرلمان (ملك طابو) لفاسدين وطائفيين.فهو الوحيد في برلمانات العالم الديمقراطية الذي لم يحدد حق الترشيح بدورتين انتخابيتين،بل تركه مفتوحا،وبه تحول الى وسيلة لكسب الثروة والعيش برفاهية براتب وامتيازات لا يتقاضاها اي عضو برلمان في العالم،ما دفع آباء فاسدين وعوائل اكسبها البرلمان ثراءا فاحشا الى ترشيح أبنائهم وبناتهم للبرلمان ضامنين لهم الفوز لامتلاكهم السلطة والمال ووسائل الأعلام،وأنه ما لم يتم تعديل قانون الانتخابات فأن خيبة أمل خامسة بانتظار العراقيين!