هل مذكرات الرئيس الشاذلي بن جديد أصيلة فعلا؟


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 5804 - 2018 / 3 / 3 - 14:30
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات     

هل مذكرات الرئيس الشاذلي بن جديد أصيلة فعلا؟

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-


عندما نزل الجزء الأول من مذكرات الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد إلى السوق في ديسمبر 2012، والتي أنتظرها الجزائريون بشغف كبير، إلا أنهم خابت آمالاهم، لأنها لم تحمل أي شيء كبير تهم الجزائريين، لأنها تتوقف في بداية1979، أي عند وفاة الرئيس هواري بومدين، فالجزائريون لاتهمهم طفولة بن جديد العادية ولا دوره أثناء الثورة بقدر ما تهمهم فترة حكمه الجزائر وتأثيرات سياساته الإيجابية والسلبية على الدولة والأمة الجزائرية، وللأسف ينتظر الجزائريون صدور الجزء الثاني من هذه المذكرات الذي يمكن أن يتناول هذه المسائل، ولو أنه مستبعد أن تحمل أي جديد بحكم التحفظ الكبير التي يلاحظها أي قاريء لمذكرات وشهادات الشخصيات التي تولت المسؤوليات في الجزائر.
يتذكر الجزائريون أن هذه المذكرات أثارت جدلا في بعض الصحف مباشرة بعد ظهورها حيث أشارت بعض الصحف الوطنية، بأن كاتبها بوباكير نقل واقتبس فقرات وصفحات من عدة كتب، ومنها كتابي "رؤساء الجزائر في ميزان التاريخ" عند كتابته مذكرات الرئيس الشاذلي بن جديد، ثم ينسب الكلام المنقول لبن جديد؟، لكن سكت كاتب هذه المذكرات خمس سنوات، ولم يتكلم ولم يرد في حينها، ليظهر بعد خمس سنوات أي في أواخر فيفري 2018، ويتهم في حسابه كل من كتب عن بن جديد أنه كان يسلخ من مذكراته، فهذا أمر غريب لأن هذه المذكرات تعتبر مصدرا تاريخيا، يمكن أن يأخذ منها أي باحث بعد نقدها وتمحيص معلوماتها، فيصدق بعضها، ويكذب أخرى مثلها في ذلك مثل أي شهادات ومذكرات، بل حتى الوثائق تحتاح إلى نقد ومعرفة مدى أصالتها.
ففي الحقيقة لم يظهر في الجزائر منذ2012 إلا كتابين فقط عن بن جديد، ومنها كتاب للصحفي حميدة العياشي الذي يصر بأنه لا وجود لجزء ثان لمذكرات بن جديد، ولا نعلم من أين أستمد هذا الجزم والتأكيد، فكتاب العياشي الذي نشر في 2015 بأسلوب صحفي شيق وجدير بالقراءة، فقد ركز فيه على فترة حكم الرئيس بن جديد، فلا نعلم ماذا سيأخذ من هذه المذكرات التي تتوقف في بداية1979؟.
أما الكتاب الثاني فهو كتابي " الرئيس الشاذلي بن جديد- دراسة أكاديمية في سياساته مع قراءة في الجزء الأول من مذكراته"، الذي هو ليس كتابا جديدا كما أشارت إلى ذلك إحدى الصحف التي يسيطر عليها تيار أيديولوجي معروف، فقد نشر هذا الكتاب في فيفري من عام 2013، وهو في الحقيقة جزء مقتطع من كتابي "رؤساء الجزائر في ميزان التاريخ-تقييم أكاديمي لنصف قرن من تاريخ الجزائر المستقلة" الذي نشرته في 2009 ثم ظهر في طبعة منقحة ومزيدة في 2011، وقمت بذلك الإقتطاع بطلب من دار النشر تخليدا منها لبن جديد مباشرة بعد وفاته، فقد ركز كتابي عن بن جديد في كل صفحاته على فترة حكمه من 1979 إلى 1992، وبالضبط على سياساته كرئيس بكل سلبياتها وإيجابياتها، وكان وراء مبادرة نشر هذا الكتاب دار النشر التي أرادت تخليد الرئيس بن جديد في كتاب خاص به لآ أكثر ولا اقل. فهو مقتطع حرفيا من الفصل الخاص ببن جديد من كتابي "رؤساء الجزائر في ميزان التاريخ"، وبإمكان أي كان أن يتأكد من ذلك.
لكن أشير أن ما أضفته للكتاب المأخوذ حرفيا من الفصل الخاص ببن جديد من كتابي "رؤساء الجزائر في ميزان التاريخ" هو فقط مقدمة أتحدث فيها عن جنازة بن جديد ودلالاتها، وكذلك فصل قمت فيه بتفكيك الجزء الأول من مذكرات بن جديد، خاصة وأنني متخصص في عملية التفكيك للمذكرات والشهادات التي ليست تاريخ، بل تتحكم فيها عدة عوامل، وقد ألفت كتابا في منهجية تفكيك المذكرات والشهادات عنوانه "تفكيك الخطاب التاريخي-منهج علمي جديد-"، لكن توصلت من خلال عملية التفكيك، بأن مذكرات بن جديد ليست أصيلة، ولم يلتزم فيها كاتبها بوباكير إطلاقا بما قاله له بن جديد، بل الكتاب هو خليط ومزيج من كلام بن جديد وكلام بوباكير وكلام أخذه من كتب لعدة مؤلفين، ومنها كتابي "رؤساء الجزائر في ميزان التاريخ"، فلو ألتزم بوباكير بما رواه له بن جديد فقط، فالكتاب لن يتجاوز 60صفحة، وممكن 100صفحة في أقصى تقدير، لكن هذا الخليط والمزيج أوصله إلى حوالي 300صفحة، ثم لم يضع بوباكير أمام القاريء دليل أصالة مذكرات بن جديد مادام أن صاحبها متوفي، فكل جامع لشهادات أو مذكرات يستعين بمسجل، وفي حالة نشرها بعد وفاة صاحبها يضع قرص مضغوط لما سجله، ويرفق بالكتاب، وهو ما لم يقم به بوباكير للأسف الشديد، أنا لآ أعلم إن كان بوباكير يمتلك ذلك أم لا، لكن هذا هو دليل أصالتها مادام صاحبها متوفي لايستطيع أن يعرف ماذا روي عن لسانه، وأرجو أن يستدرك بوباكير ذلك مستقبلا.
فمثلا أعطي مثال بسيط، فهناك مثلا مذكرات المجاهد آيت مهدي محمد أمقران التي كتبها له الصحفي مصطفى آيت موهوب، والتي تدور حول مسألة لابلويت في الولاية الثالثة التاريخية، فهي مرفوقة بقرص مضغوط لما يرويه، فإن كان لشهادات مجاهد بسيط أرفقت بقرص مضغوط فكيف لاترفق بذلك شهادات ومذكرات رئيس الدولة بن جديد؟، وأعطي مثال آخر، فمثلا نشرت دار الفكر السورية محاضرات لبن نبي بعنوان "مجالس دمشق"، فأرفقتها بقرص مضغوط أيضا كدليل على أنها فعلا محاضرات لبن نبي، فهناك امثلة عديدة عن ذلك لايمكن لنا سردها جميعا في هذه المقالة.
أما تهجم البعض علي في منشوره، فهي مواقف ذاتية لا علاقة لها بالموضوعية، ويعود ذلك في غالب الأحيان إلى دوافع أيديولوجية، فيجب أن يعلم المتتبع ومنهم بوباكير بأنني مثقف معروف بخلخلتي لأيديولوجية الطبقة السائدة في الجزائر، مما عرضني ويعرضني للتشويه والتهجم علي، خاصة في مواقع التواصل الإجتماعي، وهو أمر يتعرض له كل مثقف يقوم بعملية الخلخلة لأيديولوجية الطبقة السائدة، فحتى الأنبياء تعرضوا كلهم لعملية تشويه من الكهنة وسدنة المعابد، فأنا أتعرض لذلك خاصة منذ أن نشرت مقالتي عن بن باديس ثم مقالة أدحض فيها علميا طروحات عثمان سعدي وغيرها من المقالات والكتب، إضافة إلى كتاباتي الكثيرة التي تفضح الأيديولوجية الإسلاموية وتحذيري من خطورة دعشنة المجتمع الجزائري، وأطالب دائما بضرورة ضرب الأسس الأيديولوجية للإرهاب إن أرادنا تخليص مجتمعاتنا نهائيا من هذا الخطر، فمادام هؤلاء عاجزون على مواجهتي ومناقشتي علميا وأكاديميا يعمدون إلى تشويهي بأساليب دنيئة، فاستغلوا أقوال بوباكير لضرب شخصي لاأكثر ولا أقل رغم إدراكهم أن حججي قوية، فهم ينطلقون من عوامل ذاتية، وليست موضوعية، كما دخل على الخط بارونات مال مافتئت أهدد مصالحهم بكتاباتي وفضحي لمخططاتهم، خاصة تحذيري الدائم من مخطط وضعه ما أسميه "حزب المال الفاسد الغير المعلن في الجزائر" الذي يسعى للسيطرة على كل دواليب الدولة، بما فيها الأحزاب السياسة ، خاصة اليسارية منها، ويأتي على رأسها أكبر حزب يساري في الجزائر وهو جبهة القوى الإشتراكية، كما أنني معروف بطرحي العملي لبديل سياسي وإقتصادي وإجتماعي يخدم مصالح الطبقات المحرومة ويعيد الدولة الجزائرية إلى كل أبنائها، فعادة قوى الإستبداد والإستغلال لاتخشى مثقف أو سياسي ينقد ويصرخ، بل يساعدهم لأن ذلك يعد منفسا للجماهير، بل ما تخشاه فعلا هو المثقف والسياسي الذي يطرح البدائل والحلول العملية.
وفي الأخير أقول من أراد التأكد من كل ما قلته في هذه المقالة فما عيله إلا العودة إلى كتبي، ومنها بالأخص كتابي عن الرئيس بن جديد المأخوذ حرفيا من كتابي "رؤساء الجزائر في ميزان التاريخ" كما سبقت أن وضحت ذلك.

البروفسور رابح لونيسي
-جامعة وهران-