الفقر في بلاد الرافدين


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 5803 - 2018 / 3 / 2 - 14:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

عنوان صادم، الفقر في بلاد الرافدين، ولكن الوقائع تفزع بذلك، ويصبح الحال اكثر إيلاما حين تعلن مؤسسات دولية في تقاريرها الدورية أرقاما ونسبا مئوية للفقر والفقراء في هذه البلاد. وليس اخرها التقرير الذي صدر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) يوم 2018/2/11 وحاء فيه، أن ربع أطفال العراق يعانون من الفقر بعد الحرب على داعش. او أن طفلا من بين كل 4 أطفال في بلاد الرافدين يعيش في حالة فقر، وان 4 ملايين طفل يحتاجون للمساعدة كنتيجة للحرب على تنظيم "داعش". وأن نصف مدارس بلاد الرافدين بحاجة إلى إصلاح بينما تعطلت العملية التعليمية لأكثر من 3 ملايين طفل، واضاف التقرير، أن الأمم المتحدة تحققت من وقوع 150 هجوما على منشآت تعليمية، و50 هجوما على مراكز صحية وموظفيها منذ 2014.
تقرير المنظمة بارقامه واحصاءاته مؤلم وقاس على الحريصين فعلا على البلاد والعباد، وعلى مستقبل بلاد الرافدين. وهذا الوضع يضع أمام من يتحمل المسؤولية مهمات جسيمة واختبارات محسوبة بدقة. كما هو معروف، أن هناك لجنة عليا لسياسات التخفيف من الفقر، او التقليل او مكافحة او ما تسمى به، عقدت اجتماعات، واخرها برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي في بغداد، يوم 2018/1/22 وأقرت اللجنة ستراتيجية وطنية للتخفيف من الفقر في العراق بين أعوام 2018 – 2022 وتحقيق هدفها الأساس في خفض مستويات الفقر العام. وشدد العبادي على أن العراق يجب أن يغادر حالة الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي باتباع إجراءات تستهدف الفئات المهشة خلال مدة تنفيذ هذه الستراتيجية. وأكد العبادي على توفير فرص عمل للشباب، والترويج لإنشاء القرى الرائدة في الريف العراقي، مشيرا إلى ضرورة مواصلة تقييم بدائل بناء السكن الاقتصادي لمعالجة السكن العشوائي.
من بين ما توصلت إليه اللجنة الموافقة على المشروع الطارئ لدعم “الاستقرار الاجتماعي والصمود”، لقرض البنك الدولي على أن يوزع على مشاريع التشغيل والقروض لأغراض العمل. وإطلاق تمويل إكمال المشاريع المنجزة (غير المدفوعة) الخاصة بسكن الفقراء وبناء المدارس. وهذه اقوال او افكار مكررة تحتاج أن توضع على المحك وتقرأ النتاءج والحلول الواقعية وانجازات الاهداف منها.
في الوقت نفسه، تعمل وزارة التخطيط والتعاون الانمائي على الخطة التي اطلقت ستراتيجية مكافحة الفقر لسنوات (2018 - 2022) في خطوة لخفض معدلاته التي قاربت ال 23٪. حسبما صرح المتحدث الرسمي للوزارة عبد الزهرة الهنداوي، وقال: إن الاستراتيجية الجديدة تتعامل مع الواقع الموجود حاليا لاسيما ان مؤشرات الفقر ماتزال مرتفعة حيث يعيش نحو 23 ٪ من سكان العراق تحت خط الفقر بواقع نحو 10 ملايين شخص، مشيرا الى ان تلك النسبة تعتبر كبيرة ومرعبة وتتطلب وضع حلول ومعالجات لتقليل نسبة الفقر.
تجري الوزارة مسوحات ميدانية بالتعاون مع البنك الدولي ومنظمات الامم المتحدة والبرنامج الانمائي وتستهدف تلك المسوحات جميع فئات وشرائح المجتمع حيث يتم تحديد خط الفقر وفقا لحاجة المواطن في عدة ابعاد منها الصحة والسكن والدخل اليومي والتعليم والحماية الاجتماعية فضلا عن تمكين المرأة.
أكد ذلك وزير التخطيط العراقي، سلمان الجميلي (4 شباط/ فبراير 2018 ) موضحا ان ستراتيجية الحد من الفقر للعراق تستمر على مدى الفترة من 2018 ولغاية 2022. وقال إن الستراتيجية تعتمد على قاعدة بيانات دقيقة تشمل نسبة الفقر والأوضاع الاقتصادية للسكان على مستوى البلاد. وسوف تركز على تنمية الطبقة الفقيرة، من خلال مشاريع ستراتيجية تتيح فرص عمل للباحثين عنها، فضلا عن تقديم العون ضمن شبكة الرعاية الاجتماعية. وكانت آخر الأرقام الرسمية المعلنة من وزارة التخطيط عن معدل الفقر في البلاد، نهاية 2013، بنسبة 16٪. بينما أشارت التقديرات إلى ارتفاع تصاعدي في معدل الفقر منذ ذلك الوقت، بوصوله إلى 22 ٪ خلال 2014، ثم ارتفع إلى 30 ٪ خلال العام 2016. اي ان معدل الفقر في العراق في ازدياد منذ 2014، نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي تشكل إيراداته نحو 95 ٪ من ميزانية الدولة.
ساهمت الحرب ضد "داعش" خلال ثلاث سنوات، في تزايد حدة الفقر في البلاد نتيجة نفقاتها الباهظة وتدمير الكثير من البنى التحتية ومنازل السكان. علما ان الالاف بل الملايين من المواطنين في محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين وديالى تضرروا من سيطرة "داعش" على مناطقهم منذ العام 2014، ونزح الكثير من تلك العوائل الى مناطق امنة في اقليم كردستان ووسط وجنوب العراق، حيث فقد اغلبيتهم بيوتهم وما كانوا يملكونه.. وقد تسببت الحرب على عصابات الارهاب في تدمير نسبة كبيرة من البيوت في المناطق التي كانت تحت سيطرة عصابات "داعش".
رغم المعطيات الرسمية يصعب إعطاء رؤية مستقبلية للفقر في العراق لان المستقبل الاقتصادي للعراق يرتبط بمجموعة من المتغيرات السياسية والاقتصادية التي تؤثر في الملامح المستقبلية للاقتصاد العراقي منها ما يتعلق بالوضع الأمني وحجم الإيرادات النفطية وتقلبات أسعار النفط وكيفية التعامل مع الديون والتعويضات، وحجم الاستثمار المتوقع في العراق، وقد كشف مؤتمر الكويت الاخير لإعمار العراق بعض هذه الوجوه والتعقيدات للرؤية البناءة.
اللجنة العليا ولجان وزارة التخطيط والتعاون وغيرها من الجهات المكلفة بالحد من الفقر وتفاقم مشكلته، يقتضي عليها إلا تكتفي بعقد اجتماعات واصدار بيانات وإطلاق تصريحات عن خطط وستراتيجيات فقط وحسب، بل العمل الفعلي على تنفيذ ستراتيجيات منتظمة وانجازات الخطط الموضوعة والتصريحات عن النتائج والمنجزات المتحقق منها. وهذه لا تتم بدون تشريعات وقوانين ومكافحة الفساد ومحاسبة المقصرين او المعرقلين للتنفيذ والتطبيق. وبدون الخطط الستراتيجية وشبكات الرقابة والشفافية ومراكز البحث والاحصاء والمقارنة بين الأهداف والانجاز والإخلاص في التخلص من العوامل والأسباب المؤدية فإن القضية المفزعة ستستمر وان الفقر في تصاعد والأزمة في تفاقم وكل ما سبق يصير كلاما في شبك...