زوجة أب .. مظلومة


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 5786 - 2018 / 2 / 13 - 00:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

مقدمة : هو سؤال طويل كان مفترضا أن أنشر الرد عليه فى باب الفتاوى ، ولكن رأيت الأفضل أن أنشره فى مقال . هو من زوجة أب ، كتبته بإنفعال المظلوم ، وحرصت على التصحيح بما لا يغير المعنى المقصود وحذفت بعض سطورها لأنها غير ملائمة للنشر ، وأجيب عليها .
أولا : تقول :
1 ـ تجوزت أول مرة ، واضطريت بسبب ظروف صحية قهرية لاستئصال الرحم ، وضاع أملى فى الانجاب بعد سنتين من الجواز . طلقنى زوجى بعدها مباشرة . تحطمت نفسيتى لأنه طلقنى بسبب لا ذنب فيه . قلبى يمتلىء بحب الأطفال ، وكان نفسى ولد أو بنت ياخد حنانى كله . قلت يمكن تيجى لى فرصة بواحد أرمل يكون عنده أطفال أربيهم وأخليهم أولادى . تقدم لى رجل مطلق وعنده اربعة اولاد بنتين وولدين ، ومحتار بيهم . ما رضيش به حد عشان عياله وعشان طليقته . وافقت وتجوزته ، وفتحت قلبى للولدين والبنتين ، ولكن من أول يوم رفضونى ، وكل ما أقرب منهم يصدونى ، بقيت أخدمهم وأصحيهم للمدارس بالسنوتشات وعاملة ليهم خدامة ، لدرجة ان جوزى انبهر باللى بأعمله ، ولكن عياله واخدين مضاد حيوى ضدى . أمهم تجوزت بعد طلاقها من أبيهم ، وبعد شهر إتطلقت وعايزة ترجع لجوزى . وسلطت علىّ أولادها . وتحملت لدرجة أن جوزى عرض على يرجعها ويتجوزها ورفضت وبعدين وافقت . لكن زوجته السابقة ما وافقتش، وقالت إنه لازم يطلقنى . وهو شخصيته ضعيفة ، وفى الآخر طلقنى . ودخلت فيها المستشفى شهرين ، وكرهت الجواز ، وقلت أعيش وحيدة لغاية ما أموت . لكن تقدم لى عريس جديد ، على المعاش وميسور ، وأرمل ماتت مراته ومعاه بنت متجوزة اصغر منى ب 15 سنة وعندها ولد عمره 3 سنين . غيرت رأيي ووافقت بسرعة عليه وقلت لنفسى حتبقى بنته زى بنتى أو أختى الصغيرة ، ومش مهم فرق السّن. ودى كانت أكبر غلطة عملتها فى حياتى.
2 ـ بنته دى لا مثيل لها فى العالم ، مدللة وكسولة وأنانية ، وعاملة نفسها مركز الكون وان الدنيا كلها فى خدمتها . كانت وحيدة أبوها وأمها بعد موت أخيها الكبير ، عودتها أمها من صغرها على انها تخدمها وتعمل لها كل شىء ، حتى نظافتها من دم الدورة الشهرية ، وحتى الطبق الذى تأكل فيه أمها هى التى تحمله وتغسله ، وملابسها وكل شىء . أمها عاملة لها خدامة . وأبوها كان أيضا يساعد أمها فى خدمتها ، فعاشت معتادة على الاعتماد على والديها فى كل شىء ، ولا تستطيع خدمة نفسها ، ولا تستطيع التصرف فى أى شىء . خابت فى التعليم لكسلها وسخرية الزملاء منها وضاقوا من غلاستها وسوء خلقها . لم تجد عريسا يتزوج بها ، فوجد لها أبوها من يتزوجها ، إشترى لها شقة ، ولم يتكلف العريس شيئا فى شبكة ولا مهر ، وحملوها له الى شقة الزوجية ، وسرعان ما جاء بها العريس الى بيت أبوها بعد اسبوع من الزواج لأنه لم يتحمل كسلها واهمالها وقذارتها وأنانيتها وغلاستها . بعد محايلة وإستعطاف رضى العريس أن يعيش معا مقابل مصروف شهرى من والدها ، وأن تقضى معظم وقتها مع والديها بعيدا عنه ، وهو فى شغله لا يراها إلا عند النوم ، أى عندما يذهب الى العمل تذهب هى الى بيت أبيها ، وتظل فيه الى المساء فتعود الى بيتها ويكون الزوج الشاب قد خدم نفسه بنفسه وطبخ وأكل وغسل الصحون . ولا يراها إلا عند النوم .
3 ـ ما لبث أن حملت ووضعت طفلا ، فتعقدت المشكلة ، وأصبح على أبوها أن يذهب كل صباح ليأخذها من شقتها ومعها الطفل الى بيته ، وتقوم أمها برعايتها هى والابن الصغير . والرعاية تشمل كل شىء يخص الأطفال الصغار من البزازة الى تغيير الفائف ، والهانم تشاهد التليفزيون وتشرب العصير وتأكل مكسرات . أمها فاض بها فطلبت منها أن تساعد نفسها وحتى تغسل الطبق الذى تأكل فيه . حدثت الكارثة ، الهانم أغمى عليها من شعورها بالاهانة ، وطلبوا الاسعاف ، وقالوا ان عندها إكتئاب . بعدها أبوها وأمها لا يجرؤ أحد منهم على إغضابها حتى لا يغمى عليها . ثم لم تحتمل الأم ، وقعت فريسة الاجهاد والكبت ، ومرضت ، وماتت واستراحت ، وتركت المشكلة للأب . وهذا الأب هو الذى تزوجنى لأخدم الهانم بنته .
4 ـ حظى اسود . زوجى فى ليلة الدخلة صارحنى بكل شىء ، ووعدنى إنه سيساعدنى فى رعاية الهانم وابنها ، وابنها عفريت ، لا يكف عن الصراخ وتحطيم الأشياء ويحتاج الى فرقة تحرسه وترعاه . المشكلة الأكبر إن الهانم بنت زوجى تنظر بإحتقار تعتبرنى خدامة لها ولابنها . وبدون سبب تصرخ فى وجهى . فاض بى الكيل ، ولم أعد أحتمل . فى مرة هددت زوجى بالانتحار إن لم يطلقنى . وبكى وبقى يقبّل يدى ويرجونى ألا أتركه . بقى صعبان علىّ . واتفقنا أن أنا لا شأن لى بها وأنه هو الذى سيتولى خدمتها ، وإتفقنا أن أعتزلها تماما عندما تأتى البيت ، وأن أخدم نفسى فقط ، وأبتعد عنها وعن لسانها .
5 ــ بعد مدة سقط زوجى مريضا ، وواضح انه سيكون ضحية لبنته مثل زوجته . الغريب إن أبوها لما مرض إكتفت بالصراخ ، فزادت حالته سوءا . هذا هو كل ما قدرت عليه فى خدمته . لم تتعب نفسها فى خدمته . أنا من ساعده ووقف الى جانيه وذهب به الى المستشفى . وكلما أتت للمستشفى تزوره مع زوجها وابنها يطردونهم من المستشفى بسب شقاوة الولد وصراخ الهانم .
6 ــ زوجى يريدك أن تقترح عليه الحل . وهو قرأ رسالتى هذه ، وهو موافق على كل ما فيها .. وأرجو الاسلااع بالرد ..وشكرا . ).
ثانيا : اقول :
1 ـ هذه البنت ضحية لتربية سيئة من والديها ، بهذه التربية أصبحت لعنة على أبويها وزوجها وطفلها . المشكلة الكبرى أنه بحالتها هذه ـ لو إستمرت ـ فستقضى على نفسها وطفلها . من الممكن للزوج أن يهرب منها وينجو بجلده ، ولكن ما هو مصير الطفل ؟ ثم ما هو مصيرها لو مات والدها وهو مريض وعلى المعاش . إمرأة شابة فى هذه السّن وتعيش عالة على الغير ، تنتظر من أبيها أن يخدمها فى شيخوخته ، وعاشت بالأنانية تأخذ ولا تعطى ، وحين تأخذ لا تشكر . هذه المرأة مستحيل أن تجد من يحتملها . وبالرشوة يحتملها زوجها الآن ، وعند تتوقف الرشوة وينقطع المصروف فلن يجد ما يستحق أن يعيش معا فى بيت واحد . ولو فقدت زوجها وأبيها وليس لها من يحتملها وهى عاجزة عن رعاية نفسها وابنها فمصيرها أن تقضى على نفسها وولدها .
2 ـ هى فى الشباب وتتمتع بصحتها ، ولكن لا تستخدم صحتها فى أن تكون مستقلة بنفسها تساعد نفسها والآخرين . كسلها وأنانيتها وخمولها طغى على غريزة حُب البقاء فيها . الانسان عند الشدائد يستنفر كل طاقاته المخزونة ليبقى حيا . هى لم تواحه أى شدائد . عاشت على كتفى والديها من طفولتها ، وإستمرت بهذه الطفولة حتى بعد أن تزوجت وأنجبت .
3 ـ الحل هو أن توجد فى وضع تستنفر فيها كل قواها المختزنة داخلها . هذا صعب جدا ، ولكنه ليس مستحيلا . يحتاج فقط الى عزيمة قوية من الأب ، أن يتغلب على نفسه وعواطفه ، وان يقاطعها تماما .
4 ــ أنصح ــ وبشدة ــ أن يقوم زوجك بكتابة الشقة التى تعيشان فيها بإسمك ، وأن تقومى بطردها إذا طرقت باب بيتك ، وأن تسمع من الداخل صوت أبيها يطردها ، لتعود اى شقتها التى إشتراها لها ، وأنه لن يراها أبدا ما ظل حيّا . ثم تقومين بتهدديها بإستدعاء الشرطة إذا جاءت ثانيا تطرق الباب لأن وجودها يمثل خطرا على صحة ابيها .
5 ــ هنا ستضطر الى الرجوع الى الاستقرار فى شقتها ، وستضطر الى خدمة نفسها وطفلها ورعاية بيتها وزوجها . لن يكون سهلا أن تتغير سريعا ، ولكن قسوة الظروف ستجبرها على أن تخدم نفسها . لو جاعت ستضطر للأكل ، ولن تجد من يضع فى فمها الطعام ، وهكذا إن جاع ابنها . لو تكاثرت الملابس المحتاجة الى تنظيف ستضطر الى أن تغسلها ، وهكذا فى سائر متطلبات الحياة .
6 ــ أساس النجاح هنا أن تتأكد تماما أنه لا أمل لها فى شفقة أبيه ، وان أباها تغير تماما ، وفقد إهتمامه بها ، وأصبح مهتما بصحته .
7 ـ هو الحلُّ الصعب ، ولكنه الحل الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .
أخيرا
فى أمريكا يتعود الطفل على الاعتماد على نفسه ، بداية من استعمال فرشة الأسنان الى حمل حقيبة صغيرة على كتفية وهو دون الثانية من العمر ، بعدها يتعود على ترتيب سريره وحفظ متعلقاته ، وفى المدرسة يشترك فى حملات الكشافة فى المناطق البرية والخلوية حيث يعتمد كل طفل على نفسه وفى نفس الوقت يتعلم التعاون مع الآخرين .