العراق بين -امريكا اولا- و-الجمهورية الاسلامية اولا-


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 5784 - 2018 / 2 / 11 - 21:15
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

ثلاثة احداث طفت على المشهد السياسي العراقي فجأة، وهي اقرب الى قشة تقصم ظهر البعير من ان ترسم الملامح السياسية خلال الفترة المقبلة، وخاصة بعد ترتيب اوراق العملية السياسية وتدوير ازمتها لمرحلة اخرى بعد الانتخابات. الحدث الاول هو تضارب التصريحات والانباء حول الانسحاب الامريكي من العراق بعد الانتهاء من سيناريو داعش، والثاني الشحذ الاعلامي حول وصول اسلحة امريكية الى الحشد الشعبي الموالي لايران كما يدعي الطرف الامريكي، والثالث تهديدات عدد من فصائل الحشد الشعبي للوجود الامريكي في حال عدم انسحاب القوات الامريكية.
عدم انتهاج سياسة المحاور كما يصرح به العبادي بين الفينة والاخرى كي ينأي بنفسه عن امريكا وحلفائها المتعادين فيما بينهم بعد فقدان الاخيرة الكثير من نفوذها وتراجع مكانتها السياسية والاقتصادية في العالم، وعن الجمهورية الاسلامية، هي أقرب الى قصص الاطفال منها الى التضليل السياسي. فلا العبادي ولا قبله المالكي ولا اي طرف في "العملية السياسية" بإمكانه ان يكون محايدا وغير متخندق في المحاور الاقليمية والدولية المتصارعة. لأنه ببساطة ان "العملية السياسية" ارست على دعامتين اساسيتين، وهي الدعامة الامريكية والدعامة الايرانية. وان اي طرف يحاول ان يصل الى السلطة او يتشبث بها، لا يمكن له ذلك، دون الحصول على دعم تلك القوتين معا او من واحدة منها. وعليه ان فهم تلك الاحداث الثلاثة الانفة الذكر يجب تحليلها وفهمها من خلال هذه المعادلة السياسية.
ان شعار "امريكا اولا" الذي رفعه دونالد ترامب وتعمل ادارته من اجل ارسائه والمدعوم من احدى اجنحة الهيئة الحاكمة، لا يعني اي الشعار ابدا انعزال امريكا الى الداخل كما يحلل العديد من الاقتصاديين والسياسيين، بل يعني الوقوف بوجه انحدار مكانة امريكا ونفوذها العالمي بالقوة العسكرية. وان الشعار المذكور ليس أكثر من اشعال الالهام القومي داخل امريكا وتعبئة المجتمع حول اكثر السياسات الشوفينية والعنصرية والاستعلائية على العالم لتسويق تلك السياسات العسكرتارية الى الخارج. وان كل السياسات العملية التي انتجتها ادارة ترامب مثل الاستراتيجية العسكرية لوزرة الدفاع في تحديد اعداء امريكا الرئيسيين وهما روسيا والصين، كما اكد عليها خطاب ترامب حول حال الاتحاد، ورفع ميزانية الدفاع الى اكثر من ٦٠٠ مليار دولار لرفع القدرات النووية، والاعلان عن عدم الانسحاب من سوريا بعد ان صاحبت سياسة الادارة السابقة واكثر من نصف سنة من عمر ادارة ترامب، الكثير من الضبابية عبر التضارب بالتصريحات حول مستقبل النظام السوري، وعدم التحدث بصراحة حول نية الادارة بالانسحاب من العراق بشكل كلي والاعتراف بالقدس عاصة اسرائيل ونقل السفارة اليها، والضغط على الاتحاد الاوربي باتجاه الغاء الاتفاق النووي الايراني، والضرب بعرض الحائط كل توسلات وصيحات وتهديدات تركيا للحيلولة دون دعم القوميين الاكراد في سوريا والانسحاب من مدينة المنبج، كل هذا يدل على ان امريكا عازمة بأشغال المنطقة ونشر الفوضى غير الخلاقة لفرض نفسها من جديد في معادلة المنطقة والعالم، بعد ان فشلت بالاحتفاظ بعالم احادي القطب بقيادتها، وفشل النظام العالمي الجديد ومشروعها الفرعي المسمى بالشرق الاوسط الجديد لتستيقظ على عالم متعدد الاقطاب. وليس اسقاط الطائرة الاسرائيلية في سوريا والرد الاسرائيلي بقصف عنيف على اهداف سورية مبررة اياها بأنها اهداف ايرانية، وفي الجانب اللبناني تتصاعد التهديدات الحربية ايضا بسبب اعلان اسرائيل بناء جدار على الحدود اللبنانية، الى جانب ادعائها عائديه حقل الغاز ٩ الى سيادتها الاقليمية... والتي تلاقي السياسة الاسرائيلية الدعم المطلق من الادارة الامريكية الحالية، كلها تصب في اتجاه تسخين المنطقة واشعالها.
اما الطرف الايراني فليس اقل عدائية من سياسة ادارة ترامب كي يكون "الجمهورية الاسلامية اولا" وتحت عنوان محور المقاومة. وقد أفشي نائب رئيس الحرس الثوري الايراني عن السر عندما قال قبل ايام ان اية دولة كي تحافظ على عمقها الاستراتيجي فيجب ان تحارب اعدائها على ارض اخرى. وهي تتطابق مع تصريحات نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني في ادارة بوش الابن وبول بريمر الرئيس المدنى للاحتلال في العراق، عندما قالا في تصريحات منفصلة بدل ان نحارب الارهاب في امريكا، فلنحاربه في العراق.
ما نستخلصه من هذا التحليل، ليس العراق وحده ماضي الى مرحلة مظلمة اخرى بالرغم من التصريحات والوعود الوردية التي يطلقها العبادي وادعائه بأنه يمسك العصا من الوسط فحسب، بل المنطقة برمتها ماضية نحو افاق مظلمة حيث تهددها الحروب الاقليمية ومرحلة اخرى من الفوضى الامنية والسياسية. اما اولئك الطيبي النية الذين يرفضون الانسحاب الامريكي من العراق بحجة الحفاظ على الامن والاستقرار وعدم عودة داعش، فنقول لهم ان الوجود الامريكي هو اساس عدم استقرار العراق بنفس المقدار الذي يشكله النفوذ الايراني في العراق والمنطقة.
ان سبيل الخروج من هذه الاوضاع، واحلال الامن والسلام الذي اصبح احد المطالب الرئيسية الجماهيرية في العراق وفي المنطقة، ليس عن طريق مسك العصا من الوسط وتقبيل اللحى كي ينتج بالتالي الضحك على الذقون، بل يكون عن طريق بناء جبهة انسانية بوجه سياسات امريكا وايران وحلفائهما، في العراق وفي المنطقة وطردهما الى دون رجعة. ان هذه الجبهة هي جزء رئيسي من عمل الشيوعيين الى جانب التواقين الى الحرية والسلام ويجب الشروع به. اي بمعنى اخر يجب احلال شعار "امن وسلامة الجماهير في العراق والمنطقة اولا" بدل من "امريكا اولا" او "الجمهورية الاسلامية اولا".