النضالات النقابية بين المطالب الهامشية والجوهرية


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 5768 - 2018 / 1 / 25 - 21:42
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

تعيش الجزائر منذ مدة غليانا إجتماعيا تقودها عدة تنظيمات إجتماعية ونقابية، وتتلخص في مطالب هامشية، وليست جوهرية في نظرنا، مما سيفقدها كل فعالية، وسيدفع بها بمرور الزمن إلى التآكل وإستنزاف القوى من أجل تحقيق أهداف آنية، يمكن أن لا تتحقق، لكن حتى ولو تحققت، فإنها ستبقى مجرد إنتصار ظرفي، لأنها ستجد نفسها بعد مدة أمام مشاكل آخرى، خاصة في مجال القدرة الشرائية، فتضطر مرة أخرى إلى التحرك، وما نخشاه هو تآكل هذه النقابات، وأن يقع لها نفس ما وقع للأحزاب السياسية التي أصبحت جد ضعيفة بسبب سيطرة المال الفاسد عليها والذي جلب بدوره الرداءة والإنتهازية، فتحولت إلى مجرد مركوب وأداة لخدمة مصالح خاصة بدل النضال من أجل أفكار ومشروع مجتمع.
فلو تتبعنا التطور الحزبي في الجزائر منذ1962، نلاحظ أن الأحزاب في البداية كانت متفقة فقط على معارضة النظام والحزب الواحد الحاكم، كما عرفت صراعات فيما بينها وبداخلها بسبب الزعامة، أما بعد 1988 فقد كانت أغلبيتها مبنية على أسس هوياتية، مما جعلها آداة في يد ما نسميهم سياسويو العصبيات اللسانية والطائفية والدينية والأوهام العرقية وغيرها، مما جعلها عامل مهدد للتماسك الإجتماعي ووحدة الأمة، ثم تحولت في السنوات الأخيرة إلى مجرد مركوب لخدمة مصالح خاصة لإنتهازيين لايؤمنون بأي مشروع مجتمع، وهو ما أنتج صراعات داخل هذه الأحزاب، مما أدى إلى تآكلها وضعفها، خاصة وأن الإنتهازي يلجأ إلى المركوب الحزبي القوي والمضمون النجاح، فمادام كل واحد يبحث عن مصلحته الخاصة، فلنبحث من أجل خدمة مصالحنا من خلال مصالح الفئات والشرائح الإجتماعية التي ننتمي إليها، وذلك بواسطة نقاباتنا وتنظيماتنا الإجتماعية التي يجب أن تعمل في تناسق مع تنظيمات ونقابات الفئات والشرائح الإجتماعية الأخرى.
ولهذا يجب التفكير في تحويل النقابات إلى أداة للنضال بديلة للأحزاب ودفعها إلى تحقيق هدف إستراتيجي تتفق عليه، ويحل جذريا مشكلة كل هذه الفئات الغاضبة والتي تندفع إلى الشارع، مما يمكن أن يستغلها البعض لخدمة أجنداتهم الخاصة، خاصة أن بلادنا تعيش هشاشة بفعل صراعات سلطوية خطيرة، مما يهدد الإستقرار الوطني الذي هو ضروري للبناء والتنمية، فلنع أن مشاكل كل هذه الفئات هي في الحقيقة مشكلة كل الشعب الجزائري المتكون من كل هذه الفئات والشرائح الإجتماعيةن فالمشكل في حقيقته هو مشكل عدالة إجتماعية وتوزيع عادل للثروة.
لا تطرح هذه الحركات الإجتماعية بشكلها الحالي الحل الجذري للمشكلة الإجتماعية في الجزائر، والتي من خلالها المشكلة الرئيسية والجوهرية لكل الجزائريين الذين يحلمون في توزيع عادل للثروة، فإن لم تستدرك ذلك، وتتفق على هذا الهدف الإستراتيجي، فيمكن أن يزيد أسلوب هذه الحركات بشكله الحالي الوضع تعفنا، وتعرقل سير الإقتصاد الوطني، كما أن تناقضاتها وعدم وجود وعي إجتماعي وتنسيق فيما بينها أدى إلى إختلافات وتناقضات بين مختلف الشرائح، لأن كل شريحة إجتماعية تطرح مشاكلها لوحدها، وتركز على قضايا هامشية بدل الذهاب مباشرة إلى المشكلة الجوهرية التي يجب أن تحل، وتخص كل المجتمع، فعادة ما نجد في هذه الحركية الإجتماعية المتبعثرة هنا وهناك عدة فئات وشرائح تتصارع فيما بينها، فتجد كل فئة أو شريحة إجتماعية نفسها في صراع مع شريحة أخرى متضررة من الإضراب وعرقلة سير الحركية الإقتصادية والإجتماعية، وهو الأمر الذي تستغله السلطة بشكل ذكي وفعال، خاصة مع إضرابات قطاع التعليم مثلا التي عادة ما تواجه بأولياء التلاميذ الذين يفكرون في أبنائهم فقط، ولا يهمهم مصير المعلم المغبون في وضعه الإجتماعي، ونجد نفس الأمر بالنسبة لحركة الأطباء أو غيرهم، وهو ما يدل على أن كل هذه الإحتجاجات الفئوية لا تأثير لها، فهي ضعيفة وغير فعالة، وتواجه بالتجاهل، لتتآكل في الأخير، وفي بعض الأحيان تنتهي بشراء ذمم القيادات النقابية التي فقد الكثير منها مصداقيتها.
في الحقيقة تدخل مشكلة كل هذه النقابات في إطار مشكلة جوهرية هي العدالة الإجتماعية التي هي مشكلة كل الجزائريين الذين يحلمون في توزيع عادل للثروة الذي لن يضمنه إلا نظاما سياسيا بديلا تكون فيه سلطة توزيع الثروة في يد كل ممثلي هذه الشرائح الإجتماعية، وإن لم تطرح هذه النقابات هذا المطلب الذي هو في الحقيقة مطلبا سياسيا ديمقراطيا، فإن حركاتها ستبقى مجدر حرث في البحر، وكأننا نعالج مشكلة بالمسكنات حسب مداخلنا النفطية لا أكثر ولا أقل بدل الذهاب على جوهرها.
نعتقد أنه يجب على هذه النقابات الذهاب مباشرة إلى المطالبة بحل جذري للمشكلة الإجتماعية وإعطاء الطابع الإجتماعي للدولة التي يجب أن تكون في خدمة كل شرائح المجتمع دون إستثناء، ونرى أنه يتطلب من هذه الحركات والنقابات العمل من أجل هدف أكبر وجوهري كفيل بحل كل المشاكل فيما بعد، ويتمثل في تحرير الدولة ومؤسساتها من الأوليغارشية المالية المسيطرة عليها اليوم، ويأتي على رأسها البرلمان الذي عادة ما يسن قوانين لصالحها على حساب الشرائح الإجتماعية الفقيرة، خاصة أن هذه الأوليغارشية المالية قد سيطرت على أغلب الأحزاب السياسية تقريبا التي تفرز هؤلاء النواب، بل تختار حتى مرشحيها، بل نذهب أبعد من ذلك لنقول أن القاعدة الإجتماعية للسلطة الحاكمة اليوم تتشكل من هذه الأوليغارشية، وعلى رأسها المستوردون الكبار الذي كونوا شبكة على شكل هرمي تمتد منهم عبر شبكات متوسطة لتصل إلى تجار السوق الموازي للسلع الآتية من كل بلدان العالم، والتي تساهم في تحطيم الإنتاج الوطني
أن الجزائر في حاجة ملحة اليوم لإعادة الدور الإجتماعي للدولة، كما سطرتها أهداف ثورتها التحريرية في 1954، وكي يتحقق ذلك فإنه من الضروري للنقابات العمالية ومختلف الحركات الإجتماعية بكل شرائحها طرح المشكلة الجوهرية للمسألة الإجتماعية لحلها من الجذور لكن بطرح آخر، فبدل ماتطالب بتحسينات في الأجور والحديث عن ملفات التقاعد وغيرها، فإنه يجب عليها أن تذهب إلى جوهر المشكل الإجتماعي، وتطرح حلا جذريا للمسألة، ويتمثل في المطالبة بالسلطة الكاملة لكل الشرائح الإجتماعية دون إستثناء أي شريحة، فتتحول الدولة إلى خدمتها بدل خدمة مجموعة أو فئة أو أوليغارشية مالية، وهذا لايتم إلا بنظام سياسي بديل ديمقراطي وإجتماعي يجمع بين الحريات الديمقراطية والعدالة الإجتماعية، وقد طرحنا أسسه وميكانيزماته وآلياته في العديد من كتبنا ومقالاتنا ودراساتنا، ونذكر من هذه الكتب على سبيل المثال لا الحصر "ربيع جزائري لمواجهة دمار عربي" وكذلك "النظام البديل للإستبداد-تنظيم جديد للدولة والإقتصاد والمجتمع"
يعد إعادة النظر في طريقة التمثيل البرلماني أحد أسس هذا النظام البديل، فيصبح التمثيل في البرلمان على أساس شرائح المجتمع وفئاته كلها بدل التمثيل المبني على أساس دوائر إنتخابية يمكن أن تكون الكثير من شرائح المجتمع غير ممثلة في البرلمان، ويمكن مثلا أن تسيطر عليه فئات فقط دون أخرى التي لاتجد من يدافع عن مصالحها ويطرح إنشغالاتها، فيجب على كل شرائح وفئات المجتمع بما فيهم البطالين ورجال المال وغيرهم أن ينتخبو ممثلين لهم في البرلمان، وذلك بإعتماد كل شريحة إجتماعية كدائرة إنتخابية، ويكون عدد ممثليها في البرلمان حسب العدد المنتمي إلى هذه الشريحة

لكن هذا غير كاف إلا إذا أمتلكت كل ممثلي شريحة أو فئة إجتماعية حق الفيتو في كل مشروع قانون يخصها، ويمكن أن تتفاوض مع السلطة التنفيذية في حالة ضرورة الحفاظ على توازنات، أما إذا تعلق القانون بمصالح عدة شرائح وفئات إجتماعية، فيتم التفاوض حوله بتنازلات فيما بينهم لحفظ مصالح الجميع، وبهذا الشكل يتم نقل الصراعات الإجتماعية التي تشل الحركة الإقتصادية بفعل الإضرابات إلى مبنى البرلمان، لكن هذا لايكفي لتحقيق مصالح كل شريحة إلا إذا بقيت مصالح ممثليها في البرلمان مرتبطة إرتباطا وثيقا بمصالح شريحتهم الإجتماعية، مما يجعل كل ممثل أو نائب برلماني الذي يعمل من أجل مصلحته الإجتماعية، سيحقق بوعي أو دون وعي منه مصلحة الشريحة الإجتماعية التي يمثلها، ولا يتم ذلك إلا بإلغاء كل الإمتيازات لهؤلاء الممثلين والنتواب بحكم تواجدهم بالبرلمان بإستثناء الحصانة التي تكفل له حرية النقد والتعبير والممارسة.
ولكن لمواجهة خطر شراء هؤلاء النواب الممثلين للشرائح الإجتماعية من أصحاب المال أو من السلطة التنفيذية يجب تفعيل ميكانيزمات عملية مبدأ "من أين لك هذا؟" ويطبق على الجميع وهو المبدأ الذي الذي كثيرا ما يردد أنه مبدأ جاء به الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، لكنه ما يستغربه الباحث هو تغييب أي ذكر لهذا المبدأ منذ بدايات الثمانينيات في الوقت الذي وجد تطبيقا عمليا في عدة دول في الغرب.