الماركسية هي علم العلوم


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 5766 - 2018 / 1 / 23 - 18:58
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

الماركسية هي علم العلوم

من هرطقات المفلسين فكرياً والمتطفلين على الماركسية هي القول أن الماركسية إنما هي منهج للتفكير ليس إلا !! هؤلاء القوم الجهولون لا يميزون بين المنهج الآرسطي وقد طوره هيجل في جدل يتواصل للوصول إلى قناعة معينة في البحث المعين، وبين الجدل الماركسي الذي اكتشف أصل الوجود الكوني وهو الحركة الديالكتيكية للمادة وليقول بالتالي .. لا مادة بلا حركة وهذا بحد ذاته هو الحقيقة المطلقة ، في حين ديالكتيك هيجل ينتهي إلى القول أن الله هو الخالق لكل الأكوان ؛ ولذلك أكد كارل ماركس أن ديالكتيكه ليس فقط يختلف عن ديالكتيك هيجل بل هو ضد ديالكتيك هيجل .
نحن المتحصنين بحصن الماركسية الحصين نؤكد لهؤلاء القوم المفلسين والمتطفلين التعساء على الماركسية أن الماركسية هي في الأصل علم العلوم جميعها . لقد اكتشف ماركس بعد دراسته المعمقة للفلسفة أن الطبيعة بكل مظاهرها المختلفة ومنها وجود الإنسان نفسه على الأرض بكل نشاطاته الفكرية والإجتماعية المختلفة إنما هي مجرد ظواهر مؤقتة مرافقة للحركة في الطبيعة، الحركة التي تتم بموجب قانون ديالكتيك الطبيعة وهو القانون الذي سماه ماركس "المادية الديالكتيكية" والذي لا علاقة له بديالكتيك هيجل كما أكد ماركس . ديالكتيك هيجل هو منهج للبحث حتى الوصول لقناعة معينة في البحث موضوع التناول، بينما ديالكتيك ماركس هو الحقيقة بل هو الحقيقة المطلقة التي يُبنى عليها كل نشاط إنساني وتشكل بمقتضاه قانون النطور الأعلى على كل القوانين الأخرى .
ولنا أن نؤكد بناء عليه أن مختلف الأنشطة الفكرية للانسان إنما تقوم إنطلاقاً من الديالكتيك المادي سواء كان ذلك في حقل الكيمياء أم الفيزياء أم الرياضيات أو حتى الأنشطة الأدبية والفنية بمختلف أجناسها . ولكل ذلك نحن في كبد الحقيقة عندما نقول أن الماركسية هي علم العلوم نظراً لاستناد مختلف عماراتها إلى المادية الديالكتيكية وهي الأصل لكل حركات الكون يمختلف أشيائه .

ألا يرى هؤلاء المفلسون فكرياً والمتطفلون على الماركسية أن الطبيعة بكل نجومها وكواكبها وأقمارها لا تسكن للحظة، تتحرك وفق مسارات دقيقة محددة !؟ ما هي القوى التي تحرك كل هذه النجوم والمجرات الهائلة !؟ هل هي قوى ذاتية أم قوى خارجية !!؟ لئن كانت الإجابة على هذا السؤال صعبة على المفلسين فكرياً نسأل للتبسيط . . هل الصخرة الثابتة في الأرض منذ آلاف السنين ساكنة أم متحركة !؟ لئن كانت جزيئاتها وذريراتها لا تتوقف عن الحركة للحظة فليس أمام المفلسين فكرياً سوى الموافقة على أن الحركة فيها ناجمة عن قوى ذاتية ولكون هذه الصخرة إنما هي جزؤ من الطبيعة فذلك يؤكد على أن الطبيعة بما يرى منها وما لا يرى أنها تتحرك بقواها الذاتية . وهنا يقول فردريك إنجلز في كتابه (أنتي دوهرنج) .. " المسألة التي نواجهها هي ليست في حال من الأحوال فرض قوانين الديالكتيك على الطبيعة بل هي إكتشاف تلك القوانين في الطبيعة ذاتها وتطويرها " .

أما وقد تيسّر لنا إكتشاف أن جميع موجودات الطبيعة التي وصل إليها الإنسان هي في ذات الحركة الديالكتيكية التبادلية فلا يجوز الإفتراض حالتئذٍ أن جزءاً خاصاً في هذه الطبيعة يتحرك بغير ما تتحرك الطبيعة أو أنه لا يتحرك على الإطلاق . وعليه ليس أمامنا من خيارات أخرى متاحة سوى القول بأن مختلف تهيؤات الطبيعة (Configurations) بما في ذلك وجود الإنسان نفسه بكل أنشطته المختلفة إنما هي تهيؤات مؤقتة إقتضتها حركة الطبيعة الديالكتيكية . بل إن المجموعة الشمسية التي أحد كواكبها هو الأرض حيث يعيش الإنسان ستتلاشى وتزول بعد بضعة عشر ملياراً من السنين كما يؤكد علماء الكوزمولوجيا.

ليس إلا من العبث الجهول الإفتراص أن الإنسان بكل ما امتلك من مواهب يستطيع أن يملي على الطبيعة شروطاً موائمة من خياراته معاكسة لشروط الطبيعة . التطور النوعي لأحد الحيوانات الشبيهة بالإنسان حد امتلاكه سليقة الوعي لم يكن ذلك بفعل من خارج الطبيعة، والوعي هو ما مكن الحيوان الإنسان من إنتاج حياته بذاته ولذاته مستخدماً أدوات من خارج جسمة كالفأس الحجرية والعصا التي توصف على أنها أول أدوات الإنتاج التي عرفها الإنسان . ذلك كان بداية تطور الإنسان وامتلاكه للتاريخ . تاريخ الإنسان وتطوره الحضاري إنما هو المنتوج الجانبي لاشتباك الوعي الإنساني مع أدوات الإنتاج وهو اشتباك ديالكتيكي لا يتوقف على الإطلاق حتى نهاية البشرية .

أجراء للبورجوازية، ومنهم متمركسو مدرسة فرانكقورت، يزعمون أن الإنسان بما امتلك من قدرة في الوعي يستطيع أن يتوقف قليلاً عن الاشتباك مع أدوات الإنتاج وشروط الحياة الأخرى ويبتدع شروطاً أخرى من خياراته ويفرضها على الطبيعة !! ليس هذا إلا ضرباً من ضروب خبل الدفاع عن البورجوازية، فتفكير المنفك عن شروط الإنتاج لن يمتلك أية أفكار أخرى سوى تلك التي اكتسبها من شروط الإنتاج الماثلة وهو ابنها الشرعي، كما أن الشروط التي يمكن أن يبتدعها هذا المنفك عليها بالتالي أن تتلاءم وتتراكب مع الشروط الماثلة ولذلك قال ماركس .. صحيح أن الإنسان هو من يصنع تاريخه لكنه لا يصنعه وفق ما يرغب . عقل الإنسان لا يمكن أن يبتدع أدوات جديدة للإنتاج إلا إذا كان هو نفسه من إنتاج الأدوات القديمة . وفي هذا السياق وجد ستالين أن أية شروط يمكن أنى يبتدعها الإنسان لا بد أن تكون مقبولة على ديالكتيك الطبيعة .

ما يمكنني أن أضيفه إلى كل هذا هو إذا ما كانت نظرية الإنفجار العظيم (Big Bang) صحيحة فليس ذلك إلا بسبب الديالكتيك . وهو ما يحدو بنا إلى القول .. أن الطبيعة المادية قد تموت أما الديالكتيك فلا يموت .
وأخيراً، ما تضطرنا شروط الحياة الماثلة اليوم إلى التنأكيد عليه هو أن الحيوانات الشبيهة بالإنسان قد بدأت الإفتراق عن مملكة الحيوان منذ أن خطت أول خطوة في رحلتها التغريبية التي لا تنتهي مع تناولها أول أدوات لإنتاج حياتها من خارج جسمها قبل مئات القرون فإن الإنسان الشبيه بالحيوان اليوم مطالب بالتطهر مما تبقى فيه من غرائز حيوانية وذلك فقط عن طريق المعمودية ليس في نهر الأردن بل في محيط الماركسية .