قراءة متانية في وثيقة - اللاورقة - لدي مستورا


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 5764 - 2018 / 1 / 21 - 08:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

اعدت بعثة ديمستورا ورقة اصطلح على تسميتها " اللاورقة " تضمنت جملة من المبادئ العامة للتسوية السياسية في سورية( المبادئ 12)، وهي الوثيقة الإطار التي صارت تتقدم اي بحث في تفاصيل المفاوضات كمحددات لها. ومع أن كثير مما جاء في الوثيقة هو عام إلى درجة لم يكن من المتوقع ان يرفضها أي طرف سوري، مع ذلك في تفاصيلها بقيت موضوعا للمناورات السياسية من قبل الطرفين، وبصورة خاصة من قبل وفد النظام السوري، لتعطيل مسار جنيف التفاوضي، والحؤول دون احراز أي تقدم عليه، ريثما تتغير الظروف الميدانية اكثر لصالحه، وكذلك الظروف الدولية. ماذا جاء في التفاصيل؟!
لقد جاء في الفقرة الأولى " الاحترام والالتزام الكامل بسيادة (سورية/الجمهورية العربية ا لسورية) واستقلالها وسلامتها الاقليمية ووحدتها أرضا وشعبا " هذا المبدأ الذي لا يختلف عليه السوريون وضعه ديمستورا استجابة لمطلب النظام، الذي كان قد قدم لدي مستورا ورقة المبادئ العشر. يمكن تفهم ورود هذا النص في وثيقة دولية، اما وروده في وثيقة موجهة للسوريين فهو نوع من الامتهان لكرامتهم. ولكي يكتمل الدرس المهين تضمنت الفقرة التزام " الشعب السوري باستعادة الجولان" وبانه لا يجوز " التنازل عن أي جزء من الأراضي الوطنية".
ما يختلف عليه السوريون ( وليس فقط النظام والمعارضة التي تفاوضه في جنيف) هو الاسم الذي سوف يعرف به بلدهم، هل هو " سورية " ام " الجمهورية العربية السورية" ولذلك وضع الاسمان في الفقرة الأولى لكي يتم حسم الخلاف بشأنهما من خلال المفاوضات. من حيث المبدأ لا يجوز ان تنسب سورية إلى أي مكون من مكونات شعبها مهما كان كبيرا، ففي ذلك انتقاص من حقوق المكونات الأخرى، ولذلك فإن تسمية " سورية"، تجمع السوريين دون استثناء. من جهة أخرى لا يجوز تعطيل المفاوضات بسبب هذه المسألة الهامة لكنها غير الجوهرية، والتي يمكن التوافق عليها لاحقا في ظل حكم شرعي منتخب. من هذا المنطلق يمكن تفهم رغبة قسم مهم من السوريين، وربما هو القسم الأكبر، بالحفاظ على الاسم الحالي الذي تعرف به سورية، أي " الجمهورية العربية السورية".
يبرر وفد النظام تأييدهم لورود هذا الفقرة( المبدأ) في ورقة ديمستورا بالقول أن هناك بعض السوريين لا يؤمنون بوحدة سورية مثل بعض الكرد، وكذلك هناك من يقوم بزيارات إلى اسرائيل، أو يقيم علاقات معها، ويعلن استعداده للتفاهم معها، بما يعني امكانية التنازل عن جزء من الاراضي الوطنية.
من جهتها الفقرة الثانية من " اللاورقة" تضمنت جملة من القضايا التي لها علاقة بسيادة الدولة على اقليمها، وبوضعا في المجتمع الدولي وفقاُ " لميثاق الأمم المتحدة واهدافه ومبادئه". ما جاء في هذه الفقرة هو الآخر يفترض أنه موجه إلى الخارج بالدرجة الأولى، إلى الدول المتدخلة في الشأن الداخلي السوري، والتي سوف يكون لها دور في أي حل سياسي للأزمة السورية. من غير المنطقي ان يوجد بين السوريين من لا يريد سيادة الدولة على اقليمها، او يعيد النظر في وضع سورية في المجتمع الدولي، لكن للأسف الصراع المسلح أوجد هؤلاء.
ليس خافيا ان النظام لطالما ادعى الحرص على السيادة الاقليمية للدولة السورية، لكنه سرعان ما فرط بها سواء عن طريق الطلب من جهات دولية معروفة لمساعدته في القتال إلى جانبه، أم عن طريق منح القواعد العسكرية لروسيا ولغيرها. ويبرر النظام ما يقوم به من خرق للسيادة الاقليمية للدولة، بحقوقه السيادية المعترف بها دوليا من قبل الأمم المتحدة.
لكن المعارضة هي الأخرى لم تحترم السيادة الاقليمية للدولة السورية من خلال مطالباتها المستمرة لدول اجنبية للتدخل العسكري في سورية، ومن خلال تبريرها لوجود مقاتلين أجانب إلى جانبها، وقسم منها يبرر أيضا التواجد التركي، او الأمريكي على الأراضي السورية.
إن مبدأ سيادة الدول على اقليمها من المبادئ التي اطاحت بها العولمة، وصار القانون الدولي الانساني يجيز عدم احترام هذا المبدأ أيضاً في حال تعرضت الشعوب لمخاطر جسيمة من قبل حكامها. هذا ما حصل في يوغسلافيا السابقة، وفي هاييتي وفي غيرها من دول العالم، وهذا ما يحصل في ليبيا، وفي اليمن وفي سورية وفي العراق وغيرها. في كثير من الحالات للأسف لا يعدو القانون الدولي الانساني سوى ذريعة للتدخل لا اكثر، فمصالح الدول المتدخلة هي الأساس وليس مصالح الشعوب. ينطبق ذلك بصورة نموذجية على سورية.
في الفقرة الثالثة تتم الاشارة إلى أن الشعب السوري هو وحده المخول تقرير مستقبل بلده بـ " الوسائل الديمقراطية "، وله الحق " الحصري في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي ". المشكلة في هذا الفقرة ليست في الاحالة إلى الشعب، بل في ان كل من المعارضة والنظام يدعي تمثيل الشعب، وبالتالي هو من له الحق الحصري في تحديد النظام الديمقراطي المنشود لسورية. والكل يطالب بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، لكنهم يختلفون بشدة حول الشروط والظروف الحاكمة في المجتمع قبل الوصول إلى الصناديق، وكذلك حول الاشراف على عملية الانتخاب. في هذا المجال لايزال النظام يرفض أي رقابة دولية على الانتخابات السوريةـ بذريعة أن هذه الرقابة تشكل خرقاً للسيادة الوطنية، وان اية انتخابات لا تكون شفافة ونزيهة ومراقبة دوليا، سوف تكون مزورة حكما، بحسب ما تقوله المعارضة بكل اطيافها.
بدورها الفقرة الرابعة وهي من وجهة نظرنا أهم فقرة في ورقة " اللاورقة " لدي مستورا، تضمنت جملة من القضايا تحتاج إلى دستور كامل لتفصيل القول فيها، وليس إلى بضعة أسطر. من هذه القضايا التي نصت عليها الفقرة ان سورية سوف تكون " دولة ديمقراطية " وغير " طائفية " تقوم على " التعددية السياسية " و " المواطنة المتساوية" و"الفصل بين السلطات" و " حماية وسيادة " القانون. تضمنت الفقرة أيضا الاشارة إلى التنوع الثقافي وضرورة احترامه، وصيانة "الحريات العامة " في إطار من " الشفافية " وخضوع الجميع " للمساءلة والمحاسبة ". إلى جانب هذه القضايا الدستورية تضمنت الفقرة بعض المسائل الاجرائية مثل اتخاذ تدابير فعالة " لمكافحة الجريمة والفساد وسوء الإدارة".
لقد كانت هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في مؤتمر حلبون، وكذلك المعارضة في مؤتمر القاهرة الأول، قد تبنت وثيقتان مهمتان تضمنتا جملة من المبادئ ما فوق دستورية تجيب على جميع هذه القضايا التي تضمنتها الفقرة الرابعة من ورقة دي مستورا، تحفظت في حينه جماعة الاخوان المسلمين على بعض ما جاء في وثيقة القاهرة.
النظام بدوره، من الناحية الاعلامية، لا يعارض ما تضمنته الفقرة الرابعة، ويدعي ان دستوره لعام 2012 يحققها جميعها. لكن تاريخ النظام يبرهن على أنه لم يحترم يوما دستوره، ولم يصدر القوانين المنظمة لكثير مما جاء فيه، وخصوصا ما جاء في باب الحريات. واكثر من ذلك فقد احتفظ بسريان جميع القوانين الاستثنائية المخالفة للدستور، وهي جميعها لها علاقة بحرية المواطنين وحقوقهم السياسية.
في الفقرة الخامسة يتم النص على جملة من التزامات الدولة تجاه الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والتنمية المتوازنة وغيرها، وكذلك ما جاء في الفقرة الخامسة من ضرورة الحفاظ على استمرارية المرافق العمومية واصلاحيها هي من جملة القضايا التي لا تشكل موضوعا لخلافات جدية بين ما يطرحه النظام، وما تطرحه المعارضة في جنيف.
لكن ما جاء في الفقرة الخامسة يختلف موقف النظام منها بصورة جذرية مع مواقف المعارضة، فهو يحسب الجيش والأجهزة الأمنية مجال لاحتكاره الخاص، فهي الدعائم الرئيسة لبقائه. من جهة أخرى فإن مطالب المعارضة بإعادة بنائها من جديد تعد مطالب غير واقعية لأن القيام بذلك يحتاج إلى زمن طويل، وهي مهمة من حيث الأساس من مهام السلطات الشرعية التي سوف تأتي بها صناديق الانتخابات. المهم في المرحلة الانتقالية هو اخضاع هذه الأجهزة للقانون والمساءلة وعدم استخدامها لقمع المواطنين. ينبغي ان يكون حاضرا في الذهن ان النظام السوري هو نظام عسكري أمني في جوهره، وان المطالبة بإعادة بناء أجهزته يعني عمليا اسقاطه وهذا ما لن يقبل به في أية تسوية سياسية كإجراء مسبق أو انتقالي.
لم تعد مسألة محاربة الارهاب( الفقرة8) قضية خلافية بين المعارضة والنظام، مع أن المعارضة من الناحية العملية قدمت خدمات جليلة للنظام ولا تزال تقدم، من خلال تحميل مشروعها السياسي للتغيير إلى نظام ديمقراطي على قوى ارهابية او متطرفة لا تقبل اساسا بالديمقراطية، فهي تعلن صراحة ان مشروعها السياسي يهدف إلى بناء خلافة اسلامية.
من جهة اخرى فإن القضايا التي جاءت عليها الفقرة 9 تركز على حقوق الانسان والحريات العامة والمساواة بين المواطنين وحقوق المرأة وغيرها، لا تشكل من وجهة نظرنا قضايا خلافية جدية بين المعارضة والنظام، مع ان القضية برمتها تتعلق بالتنفيذ أساساً. أضف إلى ذلك فإن ما جاء في الفقرات 10 و11 و12 هي قضايا اجرائية ومطلبية لا تشكل بدورها قضايا خلافية بين السوريين، وينبغي أن لا تكون كذلك لدى المتفاوضين باسمهم.
بصورة عامة يمكن القول ان مبادئ ورقة " اللاورقة " لدي مستورا مهمة كأساس لانطلاق أية مفاوضات جدية للتوصل إلى حل سياسي، وتحسن المعارضة إذ توافق عليها فهي إذ تفعل تسحب أية ذريعة من النظام لتعطيل المفاوضات.
بطبيعة الحال، وهذا معلوم جيدا للقاصي والداني، من المجتمع الدولي، وكذلك لكثير من السوريين، ان النظام السوري ما انفك يخلق الذريعة تلوى الأخرى لكي يتهرب من استحقاقات التغيير السياسي على نظامه الاستبدادي، كهدف نهائي لأية عملية تفاوضية سياسية، ولذلك فهو يناور بخلق ذرائع واهية للتهرب من أية مفاوضات جدية. إن عيون النظام منذ تفجر الأزمة السورية تتركز أساساً على تغيرات الميدان، وعلى الحسم العسكري، وقد حقق نجاحات مهمة على هذا الصعيد بدعم من حلفائه، وهو يعمل اليوم ايضا على القضاء على جبهة النصرة في ادلب وفي ريف دمشق. وقد يلجأ في مرحلة لاحقة إلى الانقضاض على مناطق خفض التصعيد ذاتها لإنهاء الوجود المسلح فيها، بذريعة عدم موافقتها على الحل السياسي؟!!.
لطالما قلنا ان اللجوء إلى العنف من قبل المعارضة يعيد انتاج النظام ولا يسقطه، وهذا ما يحصل اليوم. النظام يقدم نفسه، وهو مقنع إلى درجة كبيرة لدى كثير من السوريين، انه يحارب الارهاب، في حين المعارضة المسلحة بتوجهاتها الاسلامية، وكذلك المعارضة السياسية التي حملت مشروعها للتغيير على قوى غير ديمقراطية بالأساس( قوى ارهابية ومتطرفة) قد قدمت أفضل الخدمات لإعادة انتاج النظام، وهذا ما يسعى النظام إلى تكريسه من خلال المفاوضات.
بغض النظر عن الواقع الميداني وتغيراته فإن النظام يواجه مشكلات لا يستطيع التغلب عليها حتى ولو ساعده حلفاؤه، مثل القضايا المتعلقة بإعادة الاعمار، واستمرار النفوذ الامريكي خصوصا في شرق الفرات وفي جنوب سورية، لذلك فإن فرص التوصل إلى حل سياسي متوازن للأزمة السورية يحقق للشعب السوري مطلبه الرئيس في الانتقال الى نظام ديمقراطي لا مركزي لا يزال متاحاً.