مَن كان منكم بلا خطيئة ..... فليرشح للإنتخابات


صادق إطيمش
الحوار المتمدن - العدد: 5757 - 2018 / 1 / 14 - 18:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

من كان منكم بلا خطيئة فليرمي حجَرَه ، قالها السيد المسيح للماسكين بالحجر الذي يريدون رجم امرأة به ، قالوا عنها انها زانية . واستجاب له بعض ذووي الضمائر من الشرفاء الذين اقروا بانهم لم يخلوا من الخطايا وانهم ليسوا بافضل من هذه الزانية . ونعيد هذه المقولة اليوم ، تيمناً بها ، علنا نجد بين الذين ينوون ترشيح انفسهم للإنتخابات العراقية القادمة بعض من اضاعوا شرفهم في اللصوصية والتزوير والإختلاس والقتل وسرقة المال العام والكثير من الجرائم الأخرى التي ارتكبوها بحق العراق واهله من الساسة العراقيين الذين جاء بهم الإحتلال العسكري لوطننا إسلاميين كانوا ام قوميين شوفينيين ، محاولين استعادته باقرارهم بانهم ليسوا افضل من الزانية.
يكثر الحديث هذه الأيام حول التحالفات الإنتخابية التي ستخوض الإنتحابات البرلمانية القادمة وتتكاثر التكهنات حول الشخصيات المرشحة لتأليف هذا التحالف او ذاك واية قوى مرشحة للإنضمام والعمل المشترك المفضي إلى الحصول على كتلة انتخابية كبيرة مؤثرة في العملية السياسية القادمة من عمر الدورة البرلمانية التي ستتمخض عنها هذه الإنتخابات . كل ذلك يقع في نطاق العمل المشروع الذي يبيحه النهج الديمقراطي ، حتى وإن كان هذا النهج على الطريقة العراقية التي لا تبتعد كثيراً عن ديمقراطية الأرنب والغزال التي تسير عليها الجمهورية الإسلامية في ايران والتي تعتبر المثال الذي يحتذي به كثير من سياسيي بعد التاسع من نيسان لعام 2003 حينما استطاع الإحتلال العسكري لوطننا العراق ان يقضي على اعتى دكتاتورية همجية للبعث المقبور، والإتيان بالإسلاميين ليشكلوا الواجهة السياسية المؤثرة في عراق مابعد البعثفاشية المقيتة .
الكل يعلم ان كثيراً من الدول تضع شروطاً ينبغي توفرها في كل من يرغب بالمساهمة في الإنتخابات البرلمانية التي ينبغي للفائزين فيها ان يمثلوا الجماهير الشعبية وعكس متطلبات الناخبين وتسعى الى تحقيقها من خلال الدورين الرقابي والتشريعي للبرلمانات التي تحترم نفسها وتحترم اصوات مؤسسيها. وفي مقدمة هذه الشروط تأتي السمعة الحسنة للمشارك في الترشيح للإنتخابات. إذ لا يمكن ان يمثل سيئ السمعة والسلوك جماهير شعبية ترجو من وراء عمله هذا تحسناً في جميع الأوضاع التي تعيشها والتي لا تخلوا من سيئيي السلوك الذين تعاني منهم هذه المجتمعات . وحينما نفسر هذا المصطلح " حسن السلوك " فقد نختلف على مضمونه وذلك تبعاً للجهة التي تتبناه . ففي العهود السابقة التي عاش كثير منا اجواءها السياسية القمعية سواءً في العهد الملكي او ما تلاه ، كان هذا المصطلح " حسن السلوك " يعني في كثير من الحالات عدم الإنخراط في العمل السياسي الذي تترتب عليه تبعات خاصة تجعل من الناشط سياسياً عامل تخريب في المجتمع، حسب رأي منظري النظام ، وبالتالي فإنه سيئ السلوك والسمعة . او تنحى مجتمعات اخرى إلى اعتبار الشخص سيئ السلوك حينما يسعى هذا الشخص الى ممارسة اعمال تقع في مجال التعارض مع القيم الأخلاقية لذلك المجتمع . وهكذا يمكن ان تتشعب هذه التعاريف لتأخذ مجالات متعددة تحتلف من مجتمع إلى آخر . إلا انه لابد من الإعتراف بوجود مشتركات عامة لكل المجتمعات لا يمكن ان تخرج الأعمال المتعلقة بها عن هذا المصطلح . ومن هذه الأعمال تقع عدم الأمانة مثلاً ، اوعدم النزاهة ، او عدم الصدق في التعامل مع الآخرين وما شابه ذلك . وهنا نصل الى موضوعنا الأساسي المتعلق بالإنتخابات العراقية وبالسيدات والسادة الذين يعملون على خوضها فرادى ومجتمعين ونطرح السؤال الذي لا يشك احد في احقية طرحه وهو : هل ان جميع هؤلاء حسني السلوك والسيرة ، خاصة مَن مارسوا العمل السياسي منذ سقوط البعثفاشية حتى اليوم ، وهل انهم مؤهلين حقاً لأن يمثلوا جماهير شعبية من خلال السماح لهم بالترشيح للإنتخابات ؟
من الطبيعي لا يستطيع اي شخص في اي مجتمع ان يقرر ذلك لغير نفسه من خلال امتناعه عن انتخاب هذه المرشحة او ذاك المرشح بالنظر لقناعته الذاتية بسوء سلوك الشخص المعني المرشح . إلا ان هذه القناعة الشخصية ليس لها فاعلية اجتماعية إذا لم ترتبط بقناعة مؤسساتية في الدولة المعنية . وهذه القناعة المؤسساتية بدورها لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الجهاز القضائي للدولة الذي يرصد سوء السلوك المفضي الى الضرر العام ، كالرشاوي مثلاً او التلاعب بالمال العام او ممارسة اللصوصية من خلال الإحتماء باجهزة الدولة او الإعتداء على الحريات الخاصة باستعمال الوسائل العامة التي تقع في نطاق الملكية الإجتماعية كالأجهزة الأمنية او العسكرية مثلاً ، وغير ذلك من الأمور التي تقع ضمن السياقات العامة في اي مجتمع يحترم نفسه ويحترم القوانين التي وضعها مشرعوه لتنظيم مسيرته اليومية. وتتبلور في وطننا العراق خصوصية اخلاقية من خلال إدعاء الأحزاب الحاكمة منذ 2003 ولحد الآن بتمسكها بالقيم الدينية تارة وبالقيم القومية تارة اخرى والتي يعرضها تابعوها على اعتبار انها تدعو إلى الأخلاق وحسن السلوك ، مشيرين إلى ما يبذلونه من جهد جهيد لتحقيق هذه الأهداف الدينية من خلال احزابهم الدينية ومؤسساتهم الدينية واجهزة إعلامهم الدينية ومدارسهم وحوزاتهم ومساجدهم والكثير الكثير من ممارساتهم الذاتية التي يعتبرونها إنعكاساً لهذه القيم الأخلاقية التي يدعو لها دينهم .
فأين كل ذلك من واقعنا المرير الذي ابتلانا به الإحتلال العسكري لوطننا وكأنه يريد بالزمرة الحاكمة، التي اتى بها وباحزابها الدينية والقومية الشوفينية ، ان يكمل مسيرة الحملة الإيمانية لدكتاتورية البعث التي عانى منها الشعب العراقي الأمرين ؟ فالقضاء العراقي لم يتجه لحد الآن بشكل عام وشامل لفتح ملفات سيئيي السلوك من السياسيين الذين اعترفوا بانفسهم بارتكابهم شخصياً ، وبكل زملاءهم في العملية السياسية ،اعمالاً تقع في نطاق سوء السلوك والسمعة ، والإعتراف سيد الأدلة كما يقال ، إلا ان حتى هذا السيد اصبح التعامل معه وكأنه سيد خردة ، كالسياسيين سواءً من السادة المعممين وغير المعممين .
واستناداً إلى هذا الواقع المرير الذي سيسمح ، لو استمر على هذا المنوال ، لكثير من سيئيي السلوك والسمعة من السياسيين العراقيين سواءً من المعممين او من لأفندية على استمرارهم على الممارسات اللااخلاقية التي لم يتخلوا عنها منذ ان جاء بهم الإحتلال الأمريكي لوطننا وحتى يومنا هذا، نقترح ان تتشكل لجان شعبية من شخصيات وطنية نزيهة تاخذ على عاتقها تقصي الحقائق عن سلوك منتسبي ما يسمى بمفوضية الإنتخابات وكل مَن تسمح له هذه المفوضية بالترشيح للإنتخابات االبرلمانية المقبلة ، وسوف لن يكون هذا التقصي صعب التحقيق ، إذ ان لصوص السياسة العراقية قد اعترفوا على بعضهم البعض ، وعرض نتائج هذا التقصي على الجماهير الشعبية ، علَّ ذلك يساعد على إبعاد الزناة الحقيقيين عن الإستمرار على ممارسة الزنى السياسي وكل ما يتمخض عنه من جرائم بحق اهلنا ووطننا .