أين ذهبت أموال الثورة بعد1962؟-دفاعا عن الحقيقة، وليس عن خيدر-


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 5748 - 2018 / 1 / 5 - 16:49
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني     

أين ذهبت أموال الثورة بعد1962؟
- دفاعا عن الحقيقة، وليس عن خيدر-
رابح لونيسي
- جامعة وهران-



كلما حلت ذكرى الإغتيال الجبان للمجاهد الكبير محمد خيدر في 03جانفي1967، إلا وعادت معها إلى أذهان البعض مسألة مصير أموال الثورة بعد1962، بعد ما سعت أطراف لتشويه هذا المجاهد الوطني الكبير، وهو ما يتطلب توضيحا حول هذه القضية، وكيف روجت أكاذيب وآراجيف ضد الكثير من قادة ثورتنا في إطار الصراع حول السلطة؟، وإن سعينا لتوضيح هذه المسألة، فما ذلك إلا دفاعا منا عن الحقيقة ضد أي ظلم وبهتان كان، وليس دفاعا عن محمد خيدر، لأنه لايحتاج إلى شخصي للدفاع عنه، فماضيه الثوري والوطني، يكفيه للدفاع عن نزاهته وإخلاصه ووطنيته .
يعتقد الكثير أن الثورة الجزائرية قد أعتمدت أساسا على تبرعات الدول والشعوب، خاصة العربية منها لتمويل نفسها وشراء السلاح، ولا يعلم هؤلاء أن هذه التبرعات كانت ضئيلة جدا مقارنة بالأموال التي تأتي من المهاجرين الجزائريين في فرنسا، والذين يقدر عددهم أثناء الثورة بحوالي 300ألف مهاجر، وقد كانت مساهماتهم تمثل حوالي%80 من أموال الثورة، وقد كانت بحوزة فيدرالية جبهة التحرير الوطني في فرنسا ما مقداره 07ملايير سنتيم في عام 1962 -حسب محند آكلي بن يونس أحد قياديي الفيدرالية-، فهو مبلغ كبير جدا بحسابات تلك الفترة، وقد سلمت كلها في 1962 - حسبه- لجبهة التحرير الوطني التي تحولت إلى حزب الدولة بموجب قرارات مؤتمر طرابلس في جوان1962.
عانت الجزائر في بدايات الإستقلال ماليا، فبإستثناء المساعدات الفرنسية القليلة التي كانت تأتيها بموجب إتفاقيات إيفيان، فإن الجزائر لم تكن قادرة على مواجهة الأوضاع الصعبة آنذاك، مما دفع الرئيس أحمد بن بلة إلى توجيه نداء للشعب الجزائري يطلب منه التبرع ومساعدة الدولة الفتية على تجاوز مصاعبها المالية، وهو ما سمي فيما بعد ب"صندوق التضامن"، فهب الجميع للمساعدة، فتبرعت النساء بمجوهراتها، لكن لم يسمع فيما بعد عن هذا الصندوق ولا مصيره، وللأسف، والحق يجب أن يقال، ويصدع به، ويدافع عنه، فقد أستخدمت قضية "صندوق التضامن" ضد الرئيس بن بلة بزرع الشبهات حوله، وبأنه قد نهبه، وقد قامت حملة إعلامية ضده بعد أكتوبر1988 لتشويهه، لكن توقفت تلك الحملة بعد محاولة تدخل الجنرال رشيد بن يلس لتوضيح الأمر، والقول بأنه قد وجد ما عرف ب"صندوق التضامن" في وزارة الدفاع الوطني بعد توليه الأمانة العامة للوزارة في1984، وسلمها كاملة إلى الخزينة العمومية، وهو الأمر الذي يوضحه بالتفاصيل في مذكراته التي نشرها مؤخرا.
ودائما في إطار تشويه زعماء الثورة لازال الكثير إلى حد اليوم يروجون لفكرة أموال جبهة التحرير الوطني التي أخذها محمد خيدر، والتي ساعد بها المعارضة منذ1966 رافضا إعادتها إلا بعد مؤتمر عام لجبهة التحرير الوطني، تحضره كل الأطراف دون إقصاء هدفه إقامة الدولة الديمقراطية والإجتماعية التي نصت عليها كل من بيان أول نوفمبر وأرضية الصومام.
وضع خيدر هذه الأموال في البنك التجاري العربي بسويسرا الذي يرأسه اللبناني زهير مردم، وتمثل هذه الأموال ثلثي أموال البنك كلها، مما يعطي لخيدر، وبتعبير آخر للجزائر سلطة القرار في البنك، لعل ما يجهله الكثير أن هذه الأموال قد وضعت بإسم الجزائر، كما تغير إسمه إلى "البنك الجزائري للتجارة الخارجية"، ونعلم أن أغلب الجزائريين، لايسمعون بهذا الإسم، ولا يعلمون أن الجزائر تمتلك بنكا في سويسرا، فقد فتحه خيدر للجزائر بأموال جبهة التحرير الوطني، وأعيد للدولة الجزائرية بعد إتفاق بين عائلته والسلطة الجزائرية، تقضي بتبرئة علنية لخيدر مما لاحقه من أكاذيب وتشويه ومساس بكرامته ونزاهته، لكن للأسف لم تلتزم السلطة في الجزائر صراحة بهذا الإتفاق الذي جاء بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، مما أضطر عائلة خيدر إلى توضيح المسألة بتفاصيلها ونشر كل الحقائق المتعلقة بهذه الأموال في أسبوعية "الوطن العربي" الصادرة في باريس في ثمانينيات القرن الماضي.
يعد رجل المال والبنوك السويسري فرانسوا جونو أحد أشد العارفين بهذه الأموال بحكم أنه أحد مدعمي الثورة الجزائرية ماليا والصديق الوفي لخيدر، فقد عملا سويا على إنشاء بنوك في الجزائر لتمويل مختلف المشاريع التنموية بعد إسترجاع الإستقلال، فكانا وراء إنشاء "البنك الشعبي العربي" في 1962 بالشراكة مع البنك التجاري العربي السويسري الذي يرأسه مردم، فقد قدر فرانسوا جونو هذه الأموال في عام 1965 ب08مليون فرنك فرنسي في البنك الشعبي العربي و12 مليون فرنك، أي الجزء الجزائري في البنك التجاري العربي، أي ما مجموعه 20مليون فرنك فرنسي، وقد أتهم جونو عناصر من السلطة في الجزائر بسلب أجزاء كبيرة من هذه الأموال بعد 1965.
لكن السؤال المطروح اليوم كيف يعمل هذا البنك المسمى ب"البنك الجزائري للتجارة الخارجية" الذي قبلت سويسرا بإنشائه على آراضيها رغم منع القانون السويسري إنشاء بنوك لدول لاتسمح بتواجد بنوك سويسرية على آراضيها مثل الجزائر؟، أن هذا البنك أنشأه خيدر بمساعدة صديقه فرانسوا جونو قبل إغتياله بمدريد في 03جانفي1967، وسمحت سويسرا بإنشائه تحت ذريعة أن البنك التجاري العربي الذي وضعت فيه أموال الثورة على يد خيدر كان موجودا قبل صدور القانون السويسري، ونستغرب لماذا لا توجد بنوك سويسرية في الجزائر إلى حد اليوم؟ فما وظيفة البنك الجزائري للتجارة الخارجية في سويسرا؟، ألا يمكن أن يكون التحقيق الجدي حول هذا البنك مفتاح للتحقيق حول التهرب المالي وتبييض الأموال والفساد في الجزائر؟.

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-