كل العرب يشتمون كل العرب وكفى


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 5741 - 2017 / 12 / 29 - 17:20
المحور: القضية الفلسطينية     

العرب امة تتقن شتم الذات البعيدة والقريبة وهي تلجأ الى هذا السلاح عند كل ازمة او كارثة او مأساة ولعل القضية الفلسطينية هي الابرز كظاهرة حول ذلك وقد اتقن الفلسطينيون الشتائم ضد العرب منذ نكبة 1948م وتصاعدت اكثر بعد هزيمة حزيران وفي الانتفاضتين وفي الحروب على غزة ولعل اخر مباريات الشتائم ضد العرب كانت في الرد على قرار الرئيس الامريكي بالمصادقة على القانون الصادر عن الكونغرس بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وقراره بتنفيذ نقل سفارة الولايات المتحدة الى القدس.
فجأة انطلقت حرب الشتائم بلا هوادة وشتم العرب كل العرب وقد تكون الشتائم التي طالت ترامب او امريكا واسرائيل اقل بكثير من الشتام التي طالت العرب ليس حكاما بل وشعوب ايضا وامتلأت صفحات التواصل بشتائم رخيصة لا تدل ابدا على أي رؤيا سياسية او موقف عقلاني بما في ذلك شتائم عبر فيديوهات راح المشاركون العرب يتسلون بتعميمها وقد وجد ذلك تعبيره بردود ايضا من مغردين ونشطاء عرب بالهجوم ليس على الشعب الفلسطيني فقط بل وبتسخيف قضيته والبعض وصل به الامر للتحدث بشكل جدي عن عدالة موقف الاحتلال الاسرائيلي وان لا حق لنا في بلادنا ولا في قدسنا وان الحق لليهود والاحتلال وحتى رسميا راحت السعودية تسعى جادة لسحب البساط من تحت ارجل الاردن لمنعها من الاحتفاظ بدورها في القدس حسبما نصت عليه اتفاقية وادي عربة.
كتاب ونشطاء سعوديين وغيرهم راحوا يكيلون الشتائم ايضا لفلسطين وشعبها والظاهرة ليست حديثة بل ان نشطاء فلسطينيين كثر استخدموا شتائم وكلمات رخيصة في هجومهم على العرب وعلى السلطة الفلسطينية نفسها والبعض حرف شعارات وهتافات وطنية ولها مدلولات مقدسة لدى الشعب الفلسطيني ليستخدمها كلازمة للنيل من السلطة الفلسطينية ورموزها وسياساتها وبذا افقد المضمون السياسي لخطابه أي قيمة وترسخت في اذهان الناس الشتائم كبديل لشعارات زمن المقاومة الجميل في تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني.
هناك فرق شاسع بين الشتيمة الرخيصة والنقد السياسي اللاذع ففي حين قدي يأتي النقد السياسي اللاذع والمفصل والمبرر كوسيلة محفزة على الخروج من الازمة والبحث عن بدائل للوصول الى الهدف المنشود فان الشتيمة الرخيصة تأتي بنتائج معاكسة كليا فهي اولا تساهم في تفريغ سريع للحنق الوطني والشعبي من جانب ومن جانب اخر تظهر صاحبها كمن لا حول له ولا قوة فيكثر ويتمادى بفن الشتائم مبررا لذاته حالة النكوص التي يعيشها.
شتم العرب يعني اعفاء الذات من مهمة التحرير والحرية وقد كنا نحن السباقين الى اعفاء العرب من مهامهم ومسئولياتهم تجاه القضية الفلسطينية وكنا السباقين بإبراز حالتنا وكأننا في حالة من الاستقلال والحرية بل ورحنا نختلف على الحكم وادواته قبل وجوده مما ساهم في تقديمنا بأبشع صورة امام العرب والعالم وعند كل منعطف وازمة نتذكر ان هناك امة عربية وان على هذه الامة ان تحررنا من اعداءنا دون ان نشير لدورنا في ابعادهم, ذلك سهل على بعض العرب القيام بالدور الاسوأ وبدل ان يوجهوا لنا سهام النقد والعتاب وحتى التأنيب استسهلوا بدورهم فن الشتيمة ونفض اليد من قضيتنا وبلادنا.
السعودية اليوم على سبيل المثال تسهل حرب الشتائم فلسطين وشعبها وضد يمن الحوثيين وضد قطر وضد سوريا بل وضد كل العرب وتسهل ظهور الاصوات الداعية للتطبيع مع دولة الاحتلال, في احدى جلسة مجلس الامن الخاصة بالسعودية, في مجلس الامن ترك المندوب السعودي موضوع القدس ليتحدث عن سوريا ومع ان المندوب السوري هزؤ منه على ذلك الا ان كلمته ايضا راحت للرد على المندوب السعودي اكثر من موضوع القدس واليوم تنشغل وسائل الاعلام العربية في حملات ردح وتشويه وشتائم لمعارك لا احد يدري مبررها ولا سببها الحقيقي وخصوصا في الحرب العجيبة الدائرة بين قطر ودول الحصار وبدل تحرير قطر من القاعدة الامريكية جاءت الى قطر قاعدة تركية, وبدل خلق تحالف عربي اسلامي ضد دولة الاحتلال في فلسطين يبحث العرب وعلى راسهم السعودية عن احلاف ضد ايران حتى احتمالات التحالف مع اسرائيل نفسها باتت شبه معلنة ما دام الموضوع الوقوف بمواجهة المد الايراني واستعاد العرب فجأة حكاية الجزر المحتلة من قبل ايران.
امة الشتائم قولا والبيات عن الفعل هذه, هي الامة التي نسيت الاهواز عقودا طويلة ما دامت بيد الشاه وقررت استعادتها بعد سقوط الشاه وظهور نظام ايراني معادي للمشروع الامريكي في المنطقة, نسيت جزرها ايام الشاه واستعادت ذاكرتها حين صارت ايران مصدر تهديد للمشروع الامريكي الصهيوني في المنطقة, حالفت ودعمت صدام حسين ضد ايران وحين استدار مشروعه ضد امريكا واسرائيل فتكوا به, أمة تقتل ابناءها في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ولا تنبس ببنت شفة عن جرائم اسرائيل ضد العروبة والعرب عبر سرقة فلسطين كل فلسطين, تخنق الحريات في السعودية وتتحدث عن جريمة خنقها في قطر, تمنع اصوات البحرينيين الشيعة وتتباهى حكومة البحرين بإعلان زيارة وفد بحريني الى دولة الاحتلال في نفس توقيت اعلان ترامب ويزور البحرينيين القدس علنا تحت حراسة جيش الاحتلال بكل وقاحة, امة كهذه انما تعلن عن غياب مكونات الامة وعن سخافة فكرة القومية العربية وعن ان الديمقراطية سلعة تبيعها السعودية وامريكا في سوريا وليبيا واليمن وتحرمها علنا في السعودية, امة كهذه تقود نفسها وبلادها علنا الى التهلكة ولعل ما يفعله ولي العهد السعودي ببلاده بدراية او بدون دراية انما هو دق المسمار الأخير في نعش حكم اسرته ووحدة بلاده وتمهيد الطريق لتقسيم السعودية واخضاعها لسيطرة الإمبريالية تماما كما سهلوا ذلك في العراق وليبيا وهم يسعون لتسهيل ذلك في ايران. ان اسوا ما في شتيمة الذات انها الدرجة الاعلى لسلم الهبوط بالذات الى قاع التمير والضياع واذا لم نستعيد هيبة عقولنا ونشاط ايدينا فعلا متداخلا متناغما فان علينا ان نذكر ان عديد الامم قد ذهبت بنفسها الى الغياب عن مسار التاريخ وتنحت جانبا حد الالغاء.
كتاب ومثقفين وسياسيين وقادة يلجأون للشتيمة الرخيصة احيانا, متظاهرين يرفعون شعاراتهم السياسية كلمات بذيئة ويرددونها بفرح وحنق معا, مبدعين يبتكرون ادوات وكلمات ومترادفات مخجلة احيانا ويتباهون باستخدامها ويحرضون الموجهة اليهم على استخدام نفس الطريقة, احزاب ودور فكر ووسائل اعلام متناغمة مع الفعل نفسه او غائبة اضعف الايمان تاركة للشارع حق ادارة ذاته بذاته وبدون ادنى تدخل في توجيه الدفة نحو الطريق الصحيح, بما يبدو وكان اولئك الذين من المفترض ان يكونوا هم اصحاب البوصلة قد فقدوا البوصلة واتجاهاتها عامدين ومتناسين بما يخدم بقاء اصواتهم مكبوتة وصورهم حاضرة, وفيما عدا بعض الانشطة الحية لشاب هنا او صبية هناك فان الصوت العربي غائب ولعل الحشد العربي والهمم المنفوخة خلف البطلة الطفلة عهد التميمي دليل موت للامة لا بشائر حياة وقد يكون حق علينا ان نشكر عهد وعائلتها ونبكي حالنا لغيابنا المطلق وحضور عائلة واحدة من شعب وامة من المفترض لها ان تكون امة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي على ما يبدو انقلبت لديها ادوار الكلمات لتعكس مهمتها بلا خجل, عدد الذين تبرعوا بدفع غرامة محكمة الاحتلال للاحتلال نفسه اكبر واهم على ما يبدو من غياب أي صوت طالب باعتصام او مسيرة او أي فعل كفاح شعبي متواصل لتحرير عهد على طريق تحرير الوطن وكان دفع غرامة للاحتلال سيستر عرينا عبر ستر عري الاحتلال نفسه وكفى.