ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح1


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 5737 - 2017 / 12 / 24 - 21:31
المحور: الادب والفن     

ثنائية الحب والجنون
(رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح1

تعود رزاق المخبل أن ترافقه أهزوجة الصغار كل يوم وكل ساعة وهو مار في أزقة وشوارع المحلة (رزاق المخبل لابس عباة أمه... أسليمه أتطمه) فهو لم يعد يستنكرها كلها إلا المقطع (لابس عباة أمه) يستنكر بشدة ويرفع ثوبه للأعلى ليظهر للناس أنه لم يعد يلبس شيئا عدى هذا الثوب البالي المملوء بكل خرائط التلوث الأرضي... يضربه العم أبو عباس بقال الدربونه كلما فعلها أمام محله، كما ينهر الأولاد الصغار الذي يتروكنه ليذهب بعيدا حيث لا يعلم أحد أين تضع قدماه موطئها حين يخرج من الصباح ليعود مع أول خيوط المساء ... ليستمع إلى نفس الأسطوانة .... ههيه هيه ... رزاق المخبل.
كان يا ما كان في قديم الزمان كان حسن التمار ابن شيخ بندر التجار شاب وسيم طويل القامة له عيون تشبه عيون أمه الأزبكية وله بشره كالشمع طرية وبيضاء حتى صار أمنية كل فتيات البلد، أدبه أبوه وعلمه عند أحسن القراء ومعلمي زمانه، نشأ شاعرا وأديبا وهو في ريعان الشباب، لا تفارق قدماه مجالس الأدب والعلم كما لا تفارق صحبته أهل الدين والتقوى، فجده كان عالما من أعلام المدينة وزاهدا وورعا وأبوه على النهج سار لكنه أمتهن التجارة والسفر حبا في الأطلاع والغنى، حسن التمار وحيد والديه وسليل ثروة وعلم وجاه وجمال لذا لم تجرفه حياة اللهو والطرب ومشاغل الشباب في زمانه،..... هكذا بدأ القصخون يروي حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة في مساء رمضاني بارد تحملق الجالسون في وجه الرجل وهو يقص القصص عليهم.... رزاق كان طفلا ولكنه واعيا بأكبر من عمره فقد عرف الناس نباهته وذكاءه الفطري حتى في المدرسة كان نجمها وفخر معلميه لما يحمل من قدرة على التعلم وأحترام الأخرين.
رزاق كان وحيد لأهله وأمه تركته وهو صغير بعد أن رحل والده إلى غير رجعة وتزوجت ولم تعد تعرف عنه أو يعرف عنها شيئا سوى الأسم وذكريات مشوشة لا تكاد تمنحه حتى صورة تقريبية لها، أعتنت به جدته لأبيه وعمته التي لم تنجب بالرغم من زواجها لثلاث مرات وبقي رزاق بين حنان هذه وشفقة تلك، يشعر بأن شيئا ما مع كل هذا الفيض من الحب ينقص في حياته وينغص عليه أن يكون طبيعيا مع نفسه، حتى ساقت الأقدار مريم العجمية التي جاورتهم جنبا إلى جنب في دور متلاصقة متداخلة لا يفصل بين سطوحها إلا ستارة من طابوق تستر ولا تستر، من عادة رزاق وهو يخوض أمتحانات المدرسة في كل عام أن يتخذ من السطح مكانا للقراءة حيث يتفيأ الظلال في هدوء وسكينة يقرأ ويتأمل في الوجود وكأنه هيأ نفسه ليكون مصلح هذه الأمة أو نبيا من طراز خاص.
مريم شابة في الثلاثين من العمر تزوجت الشيخ علي كزوجة رابعة وخفية عن زوجاته الثلاث أسكنها هنا وحيدة غير يومي الخميس والجمعة حيث يأت للزيارة فيغمرها بفيض ما تبقى عنده من قوة، أن تعيش بيت ثماني سيقان لمدة سبعة أيام في الأسبوع دون أن تمنحك نفسك عطلة أو أستراحة محارب يعد عنده ضربا من الجنون، ولأنه شيخ ورجل دين فلا يليق بالرجل أن يكون مجنونا، هكذا كان عنوانه أمام زوجاته الثلاث وهو يقاسمهن أنه لو تهيأ له أن ينزل الجنة الآن، فليجعل من الحور العين السبعين المخصصة له مجرد نزهة، وأنه سيطلب تجديدهن كلما مر عليهن الزمان لأن نساء الحور ليست كنساء الدنيا فهن معدودات ومخلوقات للنكاح فقط، الرجال بقدر أفعالها وليس بقدر وجودها كلمته التي لا يتركها في مناسبة أو بدون مناسبة.
لقد ألقت مريم حبال غوايتها على الشاب رزاق الذي تردد كثيرا في أن يستجيب لها ولغواية إبليس حتى ترخى وهي تعلم أنه سيكون من نصيبها إن عاجلا أو أجلا، لم يعد وجودها الدائم في سطح الدار كافيا حتى تعرفت وتقربت من عمته وصارت الضيف الدائم في البيت، تلاحق بنظراتها الشهوانية كل حركة منه وهو يخرج ويدخل إلى الدار، لقد أستسلم تماما لمكرها، إنها مجرد لعبة جميلة سيقضيها ثم ينتهي الأمر بعد حين، تراخى ثم تراخى ليجد نفسه في ذات مساء بين أحضانها الدافئة وهو لا يعلم ولا يعرف كيف يتصرف، أخبر عمته وجدته أنه ذاهب للقراءة مع أصدقائه فأبواب البكلوريا قربت ولا بد أن يثبت لنفسه ولمن يعرفه أنه سيبقى في القمة التي تعودها، تكررت غياباته عن البيت وطالت فترات المكوث لديها حتى أنها شعرت أن الأيام قد عوضتها غياب الزوج ومنحتها نعمة اللذة المتواصلة مع رزاق الذي لم ينتبه إلى تسارع الأيام عليه، فهو أما يعبر من فوق السطح ليرتوي من مائها أو يدلف لها مباشرة من الباب حين يحين المساء.
كان حسن التمار وقصته التي سمعها مرارا وتكرارا من القصخون تلامس ذاكرته الفعالة وتعذبه طويلا حين يعود منهك القوى لأنه رسم لنفسه صورة حسن، وها هو يمزقها كل يوم مع مريم حين تمنحه ويمنحها ما لذ وأنعش فيهم بذور الشيطان التي نمت وترعرعت في سرير الشيخ المبجل، حتى أمسكهما على حين غرة ومن غير موعد متوقع فجن جنونه وخرجت كل أفاعي الشيطان من عقله، حين ربط رزاق من يديه ورجليه وأغلق فمه بقطعة قماش ورماه في السرداب المظلم ليعود ليمارس مع مريم أعنف الحركات، كل ذلك جرى بصمت ودون كلام، مضت ثلاثة أيام ورزاق في محبسه لا أكل ولا من شراب وعمته وجدته أصابهما الجنون وهم يطرقوا كل الأبواب سائلين متسائلين مفجوعين بالغياب.
الصدمة الكبرى حين علموا من أصدقائه وزملائه أنهم لم يلتقوا به من فترة وأنهم يستغربون غيابه الدائم حتى عن الحضور للمدرسة، كانت الظنون تتجه دوما حول العيون التي حسدت رزاق وجلبت له كل هذا السوء والشر، لم يدر بخلدهما أن تكون مريم هي من حفرت نفقها في عقل رزاق لا سيما وأنها أدعت المرض أو أنها تبدو عليها علامات الحمل فأنقطعت عنهم ولم تسأل حتى عما أصابهم، الجميع في المنطقة تحديدا متأثر لقضية رزاق وما حصل له، هذا اليتيم الذي جمع كل الخصائل الطيبة كان محل محبة وأحترام، اليوم الثالث وبعد مغيب الشمس حضر الشيخ عبد الرزاق كما أعلم الناس بأسمه ومنهم من يعرفه أنه شيخ عناد كالمعتاد يوم خميس وليلة جمعة وقد تعطرت أذيالها بروائح كريمة وطيبة وألقى التحية على أبو عباس البقال الذي يتولى إيجار البيت نيابة عن أصحابه وأخبره أن نهار الجمعة سينتقل من هنا لمكان أخر فقد حصل على دار مجانية أراد أصحابها القرب من الله بأن يسكنوا فيها رجل متقي يخاف الله ويشفع لهم عنده.
دخل الشيخ عناد على مريم كالثور المدمي بطعنات لاعبي مصارعة الثيران وأفترسها كأنه ينتقم منها ومن أنوثتها لأنها لم تصبر على رجولته الغائبة، بلا أي كلام ولا حتى كلمة ترحيب جرها للسرير كما يجر القصاب الذبيحة وأنهال عليها بفنون من أشد أنواع الطرق عنفا في ممارسة الجنس والتي يتابعها عن كثب عبر القنوات أو عبر مواقع التواصل أو مواقع الجنس المجانية، لم يهدا من ثورته ونزل على رزاق الذي بدا وكأنه فاقد الوعي والحركة لثلاثة أيام متتالية وأشبعه رفسا وضربا بقديمه دون أن يتحرك من مكانه، تلمس جسده ونبضه أنه ما زال حيا هذا الكلب، وقال له لعله يسمعه (رزاق أنت مخبل تتحارش وي عناد الي حتى بربك يتحارش) ، تركه وصعد إلى مريم وأمرها بجمع الأغراض لأنهم سينتقلون لدار ثانية فجر هذا اليوم.