فرانكنشتاين يدعى داعش مسخ القرن الواحد والعشرين


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 5736 - 2017 / 12 / 23 - 19:00
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات     



المقدمة
داعش فرانكنشتاين إسلامي يهم بالتهام خالقيه

"لم تكن المسألة ــ أي داعش ــ مجرد انحلال ديني... أو مجرد انحطاط لدور المنظومة الدينية في الحياة والفكر والعلاقات فيما بين البشر، وإنما كانت تفصح عن خلل في الرؤية الوحدانية للإنسان والعالم، وهو خلل تكمن أسبابه في طبيعة هذه الرؤية ذاتها، أكثر مما تكمن في عوامل خارجية"كما قال الشاعر الكبير أدونيس في "محاضرات الإسكندرية".
باتت داعش ـ الدولة الإسلامية في العراق والشام ــ اليوم أشهر من نار على علم فلم يعد هناك شخص على وجه الأرض لم يسمع عن داعش ، سلباً أو إيجاباً، لكنها مازالت في أذهان الرأي العام الغربي تمثل لغزاً يصعب إن لم نقل يستحيل فهمه أو إدراك وإستيعاب ماهيته وسبر أغواره وكشف أسراره ومعرفة نواياه، المعلنة والخفية ، وقدراته الحقيقية. من البديهي القول أن دوائر المخابرات الغربية ومراكز القرار في العالم الغربي تعرف الكثير عن هذا المسخ الذي خلقوه أو ساهموا في خلقه عن قصد وتعمد لحسابات بعيدة المدى لكنه يبدو اليوم متمرداً على أسياده وخالقيه ويهددهم بوجودهم ونمط حياتهم ومنظومتهم الأخلاقية والاجتماعية التي يريد نسفها من الجذور كما يدعون في حربهم الإعلامية ضده وتسويق خطورته لدى الرأي العام المصدوم من درجة العنف والوحشية والقسوة التي أبداها هذا المسخ المتوحش المشهور باسم داعش ــ أي الدولة الإسلامية في العراق والشام ــ خاصة بعد إعلانه تأسيس دولة الخلافة التي تتسم بالخطورة وتنم عنها ذكريات أليمة عانى منها الغرب وتلقى منها درساً أليماً، إبان سطوع مجد الخلافة الإسلامية الأولى التي انتهت عملياً على يد كمال أتاتورك في بدايات القرن العشرين، ويخشى اليوم حدوث صدام الحضارات الذي تنبأ به صاموئيل هنتنغتون قبل عقد ونيف من الزمن، أي تصادم الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية. لقد بنى الغرب الفخ الداعشي ووقع فيه ويحاول اليوم ، عبر كواليس أو تحالفات عسكرية دولية ، الخروج من هذا الفخ والقضاء على وجوده بكل الطرق قبل فوات الأوان. فالغرب وقادته وشعوبه يعتقدون بأن دولة الخلافة المزعومة الجديدة تريد السيطرة على العالم وفرض النظام الإسلامي بالقوة وتطبيق شريعة الله كما نص عليها في كتاب المسلمين القرآن وسنة نبيهم محمد، وكما وردت في أدبياتهم الحديثة. وسنحاول في هذه العجالة التحليلية تقديم الوجه الحقيقي لداعش وما أحاط بظهورها من ظروف وحسابات ومناورات في العلن وفي الخفاء وفي كواليس السياسة والجيوستراتيجيا.
من المثير للدهشة والامتعاض في نفس الوقت أن هذا المسخ المنحط القروسطي يظهر في أنبل منطقة في العالم ، وهي مهد الحضارات البشرية ، أي وادي الفرات أو وادي الرافدين دجلة والفرات ، وهي المنطقة التي قدمت للعالم ملحمة جلجامش وأول أشكال الكتاب والقوانين والتشريعات والأدب والرياضيات والقانون والتجارة والإدارة وفيها وضعت أسس الطب والفلسفة وبناء التجمعات المدنية المجتمعية وابتكار أسس وأوليات الدولة والإدارة المدنية.
إن هذا الكيان المسخ هو اقرب للطائفة الدينية المتحجرة التي تضم عصابات مهووسة ومريضة نفسياً ، مجموعة من المجرمين وقطاع الطرق والمتخلفين الإرهابيين الذي يعشقون الدم والعنف والقسوة والوحشية وبث الرعب في النفوس، منه إلى الدولة الحديثة. وبالتالي نحن بحاجة إلى مفاتيح لفهم هذا الكيان الخارج عن الزمان والعصر والغارق في ماضي وهمي مختلق. نستطيع القول أن هذا الكيان الهجيني ينفذ مشروعاً تدميرياً كتب قبل عشر سنوات ونشرته المواقع الجهادية الإرهابية بعدة لغات لكاتبه المنظر الإرهابي التكفيري أبو بكر الناجي و لا أحد يعرف جنسيته الحقيقية وقد يكون سعودياً إذا ما تمعنا بإسمه الحربي والحركي المستعار وعنوان النص هو " إدارة التوحش" ، أي المرحلة الأكثر حراجة التي على الأمة الإسلامية أن تجتازها على حد تعبيره. وهو يدعو إلى استغلال الظروف التي تمر بها الأنظمة القمعية والدكتاتورية والشمولية الجائرة ، الملكية والجمهورية على السواء، واللعب على تناقضاتها واستنزافها وسلبها نقاط القوة فيها ومعاملتها بالمثل ، أي العنف المفرط مقابل العنف الدولتي، واستثمار الإحباط المجتمعي للشعوب الخاضعة لطغيان تلك الأنظمة وبث سياسة غسل الأدمغة والوعيد والترهيب والترغيب بين الناس مصحوباً بأعلى درجات العنف والانضباط والقسوة من أجل بث الفوضى والارتباك وانعدام الأمن بين السكان لكي يتقدم هذا التنظيم الإرهابي باعتباره المنقذ ، وبما أن العنف يولد العنف وبدرجات متزايدة . ما يعني أن داعش غيرت من استراتيجية تنظيم القاعدة الدولي الإرهابي ، وهما وجهان لعملة واحدة، وركزت على العدو القريب، أي الأنظمة القائمة ، بدلاً من العدو البعيد، أي الغرب اليهو – مسيحي في أمريكا وأوروبا ، أو العدو الصليبي كما يسمونه في أدبيات التنظيمين، الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والنصارى الصليبيين.
عندما وصلت داعش إلى هذا المستوى العدائي المعلن وشن الحرب على الغرب وفي عقر داره، صار لابد من إنزالها من مستوى صورة التنظيم السوبر إرهابي الذي لا يقهر ولا يهاب الموت ويتحدى ويستفز ، إلى مجرد عصابة من القتلة المتوحشين ، وبالتالي لابد من إبادتهم أينما تواجدوا ، وعلى يد تحالف دولي واسع ومدجج بالسلاح والوسائل التكنولوجية الحربية المتطورة ، ومواجهته، ليس فقط عسكرياً، بل وكذلك دعائياً وسياسياً وإعلامياً وتسقيطه بكل الطرق والوسائل مهما كلف الأمر، والابتعاد عن إظهار بطولات وتضحيات وبسالة مقاتلي داعش وشجاعتهم الميدانية لأن من شأن ذلك جذب إسحار وإفتان المزيد من الشباب المسحور بهذه الصورة الأسطورية لهذا التنظيم الإرهابي البربري. إن انتشار وازدهار داعش جاء من غباء الغرب والعالمين العربي والإسلامي في التعاطي مع هذه الظاهرة الاستثنائية التي استثمرت الغضب في الشارع السني في العالمين العربي والإسلامي وتأجيج الصراع الطائفي السني ــ الشيعي في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن والسعودية.
فالغرب لم يفهم شيئاً من الشرق بالرغم من العلاقات الطويلة والمصيرية التي تربط بينهما لقرون طويلة وإن ما يصيب الشرق لابد أن يصل في يوم ما ويصيب الغرب شاء هذا الأخير أم أبى. فالتهديد الإرهابي قد وصل بالفعل إلى عقر المجتمعات الغربية وضرب فرنسا مؤخراً بالصميم من خلال الهجوم الإرهابي على مجلة شارلي هيبدو الساخرة ومتجر يهودي ومطبعة في الضواحي الباريسية البعيدة ، وقبلها مركزي التجارة العالمية في نيويورك وقطار الأنفاق في بريطانيا ومحطات قطار في مدريد الخ فالسلوك الغربي المتعجرف تجاه الشرق ومعاملته له كالطفل القاصر الذي لا يعرف مصلحته ، منذ الحقبة الاستعمارية والى يوم الناس هذا، هو الذي يغذي الإرهاب والتشدد والفكر الأصولي والسلفي والتكفيري، فغزو العراق بالصورة التي حصل فيها خطأ استراتيجي حيث لم تدرس الولايات المتحدة الأمريكية بجدية وعمق كافيين تبعاته وما يترتب عليه من حالات إحباط وسخط وردود أفعال سلبية من جانب الشعوب الإسلامية ونفس الشيء فيما يتعلق بموقف الغرب مما يجري حالياً في سوريا واليمن والبحرين وليبيا ومصر وتونس وتساهله أو غض الطرف عن سياسات الدول الخليجية وإتباع ديبلوماسية المهادنة معها ومع الأنظمة الدكتاتورية الشمولية الدموية السابقة والحالية كما كان الحال مع صدام حسين ومعمر القذافي وحسني مبارك وزين العابدين بن علي وغيرهم. فهناك مسؤولية مباشرة وغير مباشرة للغرب في خلق هذا الوباء المسمى داعش وأيديولوجيته التدميرية منذ حرب أفغانستان وخلق حركة طالبان الإرهابية التي احتضنت تنظيم القاعدة الإرهابي الدولي، ومن رحمه انبثقت داعش . كيف نشأت هذه الطغمة التي سمت نفسها بالدولة الإسلامية ودولة الخلافة من عصابات وشذاذ الآفاق واللصوص وقاطعي الطرق وحثالة المجتمعات التي لفظتهم ليأتوا وينضموا الى صفوف داعش ويعيثوا بالأرض فساداً ويمارسوا عقدهم النفسية ويسقطوا أمراضهم عبر ممارسة البطش والتنكيل ولقد وقع الغرب بالفعل وبغباء مدقع في فخ داعش وصار يروج للعبته وسياسته في بث الإرهاب والترهيب عبر مشاهد في غاية الوحشية والقسوة والدموية من خلال التنكيل بالأسرى والرهائن وقطع الرؤوس واستخدام أقصى درجات العنف التي بثت الرعب في نفوس الرأي العام الغربي . ونحن هنا نحاول تقديم لوحة إدانة للغرب وسلوكه الشائن الذي قاد الى ظهور هذه التنظيمات القروسطية التي تعيش خارج الزمن وضد الحضارة والمدنية والتطور والحداثة . كان هناك أثر كبير للدور السوري في تدفق الإرهابيين التكفيريين عبر الأراضي السورية إلى العراق بذريعة مقاومة الاحتلال الأمريكي منذ عام 2003 ثم انقلب السحر على الساحر وتمركز الإرهابيون في القاعدة والدولة الإسلامية في أوكار وخلايا سرية ونائمة في كافة أرجاء سورية انتظاراً لليوم الموعود فكانوا على أبواب دمشق بانتظار ساعة الحسم فيما لو قصفت الناتو سوريا ودمرت الآلة العسكرية للجيش السوري الموالي للنظام أي تكرار السيناريو الليبي بحذافيره لولا يقظة وممانعة روسيا والصين وإيران وفيما بعد حزب الله لهذا السيناريو الجهنمي . فمن سوريا جاءت قطعان داعش لتغزو وتستبيح محافظات العراق الكبيرة الموصل وصلاح الدين والأنبار ، وألغت الحدود وربطت بالقوة والبطش وعلى نحو قسري بين المناطق الغربية للعراق والمناطق الشرقية لسوريا خاصة المحاذية للحدود العراقية كالرقة ودير الزور والجزيرة والحسكة وألبو كمال وصولاً إلى حلب حيث تمتد حدود الدولة الإسلامية في العراق والشام التي أصبحت دولة الخلافة بقيادة أبو بكر البغدادي. ولا يختلف الأمر عما جرى في العراق والدور الأمريكي السلبي المدمر فيه عمدت الإدارة الأمريكية آنذاك إلى تقريب الأكراد والشيعة وإعطاء دور رمزي إن لم نقل هامشي، للسنة وإشراكهم من خلال بعض قياداتهم السياسية والعشائرية في السلطة المركزية ومنحهم بعض المناصب والوزارات مهما كانت نسب تمثيلهم داخل مجلس النواب العراقي.
لقد نجم هذا الوضع الشاذ في العراق من جراء سياسة المحاصصة الطائفية والعرقية وأفرزت العديد من التشكيلات السياسية التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين وإتباع سياسة استئصال البعث من الحياة السياسية العراقية وكشفت تفاصيل الصراعات الداخلية والمنافسات والفساد المستشري داخل المؤسسات الرسمية للدولة وخضوعها لسياسة المحاصصة حسب المكونات الرئيسية التي يتشبث بها الجميع رغم إعلانهم لرفضها والتنديد بها لكن ميولهم كانت و لا تزال نحو سياسة توافقية مبنية على أساس الحصص في المراكز والوظائف لكل مكون حسب آلية تفاوضية معقدة تبعاً لما تفرز صناديق الاقتراع. كما درست الباحثة وبتوثيق كبير الجماعات المسلحة المتمردة على السلطة المركزية الاتحادية وجذور نشأتها وتسليحها ودعمها المالي والسياسي من قبل بعض دول الجوار العراقي وأغلبها من المكون السني حسب ما نشرته من قوائم وجداول دقيقة خاصة تلك التي تتعاطف أو تتعاون أو تنتمي إلى المؤسسة العسكرية للنظام السابق والذين صاروا اليوم يقودون تنظيم داعش في العراق إلى جانب الأجانب والوافدين العرب والمسلمين وسر نجاح الإسلام السياسي وصعوده الصاعق سواء كان بطبعته السنية الجهادية المتطرفة والمتشددة التكفيرية أو بطبعته الشيعية وتشكيلاته المسلحة المتنوعة وحضورها على الساحة العراقية الاجتماعية والمدنية . وكيف استغلت داعش تفكك أو ضعف الدولتين العراقية والسورية للتمدد واحتلال مناطق واسعة من البلدين وإقامة دولة الخلافة وإلغاء الحدود المصطنعة التي فرضها الاستعمار الأوروبي الإنجليزي والفرنسي على المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وفي هذا السياق قام المؤرخ والباحث الفرنسي المتخصص بالإسلام ، وعلى نحو خاص بالإسلام الشيعي، بيير جون لويزار ، بتتبع مسار داعش وغاص في ديناميكيتها ووضعها في ظرفها الحقيقي. لقد عاد إلى مرحلة الاستعمار والهيمنة العثمانية على العالم الإسلامي . كما تمكن الباحث من إظهار كيف استفادت داعش من أوهام الدولة القومية التي سوقها حزب البعث الحاكم لعقود طويلة، وكيف استغل القلق والامتعاض المتولدين لدى سنة العراق إثر فقدانهم للسلطة في أعقاب سقوط النظام الصدامي ، واستغلال داعش لتفكك البنى التحتية في العراق وسوريا وضعف نظاميهما بعد أن أغرقا في أتون الصراعات الطائفية والمذهبية، والدينية والقومية أو العرقية. بيد أن لويزار لايختزل أسباب نجاح داعش على العوامل والأحداث المشار إليها أعلاه، فهذه المنظمة الإرهابية تمتلك استراتيجية وتجيد حبك الاتفاقيات والولاءات العشائرية ، وفرض الوصاية على المكونات السكانية المحلية وفرض الطاعة على الجماعات المسلحة المتمردة على الأنظمة القائمة في كل من العراق وسوريا. ويلقي الضوء بعمق على مشروع إقامة أو تأسيس دولة عابرة للحدود تبنى على أنقاض اتفاقية سايكس بيكو، كما تفحص بدقة فرضية الفخ الذي نصبته داعش للمجموعة الدولية وأوقعتها فيه ، حيث انزلقت المجموعة الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في عمل عسكري لا تريد تحمل تبعاته كاملة وبالتالي اللجوء إلى أطراف أخرى خارج معادلة الصراع وهي لا تقدم أي أفق سياسي للسكان الذين تحالفوا مع داعش أو تحملوا عبء وجودها بينهم.
حبذ الباحث تذكير قرائه بأن الإعلام قد خدع الرأي العام وأوحى إليه بأن هذه المنظمة الإرهابية قد ظهرت للوجود فجأة بين ليلة وضحاها ، ولقد استفاق الرأي العام على صدمة المشاهد الوحشية المرعبة التي صورها مقاتلوا داعش وهم يقطعون رؤوس اسراهم ورهائنهم الغربيين وغير الغربيين مما حد من إمكانية التفكير والتحليل بطريقة عقلانية لهذه الظاهرة العنفية التي تحتاج للتفسير والتوضيح العقلاني والموضوعي بعيدا عن الانفعال العاطفي.
تتلخص أطروحة بيير جون لويزار بأن الدولة الإسلامية في العراق والشام ، المعروفة باسم داعش، هي ثمرة الاستعمار الأوروبي الفرنسي الانجليزي على نحو أدق، الذي استمر على نحو أو آخر بوضع المنطقة تحت الوصاية من قبل القوى العظمى إبان الحرب الباردة لتصل إلى الكارثة التي بدأت بالحرب العراقية ـ الإيرانية أولا ، ومن ثم الحروب الأمريكية والأوروبية على العراق وسوريا وليبيا وقريبا في اليمن بعد ان انزلقت السعودية في حرب اليمن وهي متحالفة مع الغرب الذي سيهب لنجدتها إذا ما تعرضت لأي رد فعل انتقامي من قبل إيران أو غيرها.
يشير المؤلف في كتابه إلى أن الحاضنة الاجتماعية لداعش في العراق وسوريا تتكون من جزء كبير من سنة البلدين وهذا ما ساعدها على احتلال أجزاء كبيرة من الأراضي العراقية وخاصة محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار واقترابها من بغداد على نحو شديد الخطورة، ومن ثم سيطرتها على مساحات واسعة داخل سوريا وإزالتها للحدود القائمة منذ الحقبة الاستعمارية بين العراق وسوريا . فمصير المنطقة سبق تحديده بمؤتمر سان ريمو في 25 نيسان 1920 بغياب أي تمثيل عربي حيث تقاسم المنتصرون في الحرب العالمية الأولى تركة الرجل المريض، أي الامبراطورية العثمانية، بحيث حصلت فرنسا على انتدابها على سوريا ولبنان في حين حصلت بريطانيا العظمى على انتدابها على العراق وفلسطين والأردن. ولترسيخ هيمنتها، عملت القوى الاستعمارية على استغلال وتعميق الخلافات والاختلافات العرقية والإثنية والدينية والمذهبية حسب القاعدة الاستعمارية الذهبية : "فرق تسد " وقد احتكرت السلطة من قبل المكون السني في العراق بدعم مباشر من البريطانيين رغم كونهم يشكلون أقلية سكانية بالمقارنة بالشيعة والأكراد.
ثم استعرض لويزار في عدة فقرات من الكتاب أصل وجذر الخلاف السني الشيعي في الإسلام والذي استفاد منه المستعمر لتأجيج الخلاف . فرسالة التشيع وممارساته وطقوسه قابلة لجذب الفئات المسحوقة والمضطهدة والضعيفة أو المستضعفة في المجتمع الإسلامي على أساس الواجب الشرعي الذي يقع على عاتق أي مؤمن حقيقي يثور ضد الظلم على غرار ثورة الإمام الحسين ضد الخليفة الأموي يزيد بن معاوية. خاصة وإن غالبية المسحوقين والفقراء، في المدن وفي الأرياف، خاصة الفلاحين بدون أراضي، في العراق وفي لبنان أيضاً، هم من الشيعة . ولقد استمرت علاقة الهيمنة للأقلية على الأغلبية حتى بعد انتهاء عهد الانتداب وتعزز ذلك بتأييد ودعم الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لصدام حسين في حربه العدوانية ضد إيران وبكافة الوسائل والطرق خاصة إبان الحرب الطاحنة التي دامت ثماني سنوات من 1980 الى 1988 والتي خرج منها العراق مستنزفاً ومثخناً بالجراح والخسائر المادية والمعنوية ، وما أن انتهت الحرب حتى تغيرت المعايير واعتبر الأمريكيون أن جيش صدام حسين بما لديه من خبرة قتالية ومعدات وأسلحة خاصة المحرمة دولياً التي وصفوها بأسلحة التدمير الشامل، بات يشكلا خطراً وتهديداً على حلفائهم في المنطقة والمقصود بهم دول وأنظمة الخليج ، فقامت بتحريض هؤلاء على مطالبة العراق بتسديد ديونه والضغط على بغداد بهذا الاتجاه وخنق العراق اقتصادياً وهم يعرفون أن تدمير البنى التحتية العراقية، لاسيما النفطية منها، وانهيار الاقتصاد العراقي، يجعل من هذه المطالب تعجيزية وغير قابلة للتنفيذ مما دفع العراق الى مغامرة كانت محسوبة ومتوفعة أو منتظرة لدى الدوائر الغربية منذ عقود طويلة قبل حدوثها وتمثلت بغزو العراق للكويت سنة 1990 وكانت نتيجة لسياسة الهروب إلى الأمام التي اتبعها صدام حسين حيال إفلاس الدولة العراقية ووشوكها على الانهيار.
الجميع يعرف ماحدث بعد ذلك أي حرب التحالف الدولي ضد العراق لإخراجه من الكويت والتي شاركت فيها فرنسا إلى جانب أمريكا وبريطانيا ودول أخرى كثيرة سنة 1991 ومن ثم فرض الحصار والمقاطعة والعقوبات الدولية التي كانت أبشع و أكثر دموية ومأساوية من الحرب الحقيقية خاصة بالنسبة للسكان المدنيين ، وترك الحرية التامة لصدام حسين ليقمع الانتفاضة الشعبية الشيعية ـ الكردية التي اندلعت ضد نظامه سنة 1991 وسحقها بالحديد والنار ولم يتردد باستخدام السلاح الكيمياوي الذي زوده به الغرب نفس وخاصة أمريكا وفرنسا وألمانيا. وأخيرا حرب سنة 2003 التي أطاحت بنظام صدام حسين .
غيرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر ـ أيلول 2001 المعطيات وكان لابد من إيجاد كبش فداء لذبحه انتقاماً لذلك الحدث الإرهابي المريع الذي قامت به منظمة القاعدة الإرهابية على الأرض الأمريكية . وقد تضافر البعد الأيديولوجي للمحافظين الجدد الذين كانوا يحكمون أمريكا مع الهواية وعدم الخبرة في إدارة دفة الاحتلال وما أعقب الحرب على العراق لجهل الأمريكيين التام بالتاريخ وبديناميكية العلاقات بين الدولة العراقية ومجتمعها الموزائيكي وكان نظام صدام حسين آخر نسخة مشوهة للنظام السياسي الذي أسسه البريطانيون في العراق سنة 1920 ، وكان انهياره يعني على نحو ما انهياراً للدولة العراقية وليس فقط للنظام وقام الأمريكيون باستبدال السنة بالشيعة والأكراد في أعلى هرم السلطة محاولين فرض نوع من الحكم الفيدرالي ـ الاتحادي كغطاء للصورة الحقيقة للنظام البديل وهو نظام المحاصصة ، والذي قاد إلى حدوث توترات واستقطابات طائفية دموية بين أعوام 2005 و 2008 وأدى إلى مقتل ونزوح وتهجير آلاف العائلات والأفراد. إن هذا الإحباط وخيبة الأمل السنية من التغيير السياسي قد دفعهم للتمرد والانتفاضة على الحكومة المركزية ذات الأغلبية الشيعية والوجود السني الرمزي أو غير الفعال في أعلى هرم السلطة مما جعلهم يلجئون إلى قوى خارجية سنية مثلهم لخلق التوازن المسلح مع الميليشيات الشيعية الموالية للسلطة المركزية. هذا هو المناخ الذي جاء بداعش وحفزها على خلق دولة إسلاموية على غرار دولة الخلافة .
وكانت ضربة داعش القوية والذكية هي بالسيطرة على المناطق السورية المحاذية والمجاورة للعراق وتشكل امتداداً له وإلغاء الحدود الاستعمارية القائمة بينهم وإعلان دولة الخلافة لتأكيد شرعيتها الدينية والثورية التي تعدت الحدود. الوضع في سوريا لا يختلف كثيراً عما هو في العراق فالبلد يحكمه الجناح الآخر لحزب البعث ويتبع نفس المنهج والأسلوب والشعارات والأهداف التي كانت مرفوعة من قبل نظام البعث العراقي. ولم يتعلم النظام السوري من التجربة العراقية واختار، مثلما فعل صدام حسين سنة 1991، القوة المسلحة والحديد والنار والقمع والتنكيل بالمتظاهرين والمنتفضين على نظام الأسد منذ سنة 2011 في سياق ما سمي بالربيع العربي. واختار الأسد اللعب على حبل الطائفية والاختلافات الدينية ، لحماية نظامه .
كان هناك الآلاف من السجناء والمعتقلين من الجهاديين والسلفيين التكفيريين في السجون السورية والعراقية والأمريكية في العراق ، قد تم إطلاق سراحهم أو تهريبهم من السجون. ولقد انظموا إلى صفوف التشكيلات الإسلاموية المسلحة في العراق وسوريا ووصلوا إلى المواقع القيادية العليا من بينهم الجولاني والبغدادي زعيما داعش وجبهة النصرة الفرع السوري لتنظيم القاعدة، وهكذا أقنع الأسد العالم المرتعد من داعش بشعار :" إما أنا أو الفوضى والدمار الشامل على يد داعش" التي استمع إليها الغرب واقتنع بها لكن ذلك لم يمنع الفوضى والدمار والخراب من الانتشار والامتداد داخل البلدين العراق وسوريا وبلدان أخرى كليبيا واليمن .
ولقد ركز بيير جون لويزار على كيفية عمل الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" وتصرفها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها وتمكنها من وسائل الاتصال الحديثة والمتطورة واستغلالها للتكنولوجيا الحديثة في دعايتها وتجنديها للأتباع والأنصار والمقاتلين وفي الكتاب مخزون هائل من المعلومات و والتفاصيل التي استقاها المؤلف من مصادر وأشخاص من داخل مناطق الأحداث .
لذلك علينا أن نوقن بأن هذا الواقع المأساوي للمناطق المحتلة من قبل داعش بأنها ذات مصير واحد رغم وقوعهما في بلدين متجاورين هما سوريا والعراق.











الفصل الأول
الصعود المدوي لداعش:
أحدث إنبثاق داعش المفاجيء والمدوي ، بالنسبة للكثير من الناس، حالة من الاندهاش والذهول والرهبة، سواء على المسرح العالمي أو على صعيد السياسة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي. فللمرة الأولى يكشف تنظيم إرهابي سلفي وبوضوح عن هدفه في إحتلال أراضي ومناطق جغرافية والسيطرة عليها بغية تأسيس دولة إسلامية فوقها كخطوة أولى نحو طموحه الأشمل ألا وهو إعادة أمجاد إمبراطورية الخلافة الإسلامية كما كانت عليه إبان الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية. ولقد أعتقد قادة هذا التنظيم الإرهابي التكفيري بأن مقومات هذه الدولة متوفرة وشروط النجاح جاهزة وبمليء اليد. في الحقيقة ، كان مشروع إقامة الدولة الإسلامية يداعب مخيلة السلفيين الحركيين منذ سنوات وتبلور بين عامي 2012 و 2013 على وجه التحديد وكانت الخطوة العملية الأولى نحو تحقيق هذا الهدف قد تمت في يناير 2014 وذلك باحتلال مدينة الفلوجة العراقية التي تقع غرب محافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية. وتبعد نحو 60 كلم غرب العاصمة العراقية بغداد ، وسلخت تماماً من سلطة الحكومة المركزية في بغداد التي بدت عاجزة عن استردادها. ويمكننا القول أن احتلال هذه المدينة للمرة الثانية، ــ كانت المرة الأولى في عهد حكومة الدكتور أياد علاوي وبوجود قوات الاحتلال الأمريكي في العراق ـــ ، قد شكل حالة من القطيعة الرمزية والنفسية، بعد أن عاشت المدينة لحظات صعبة وقاسية سنة 2004 عندما اندلعت فيها ما عرف بانتفاضة العشائر السنية الرئيسية في المدينة ضد الاحتلال الأمريكي كما كان معلناً آنذاك. وبعد قمع التمرد بالقوة والحديد والنار على يد قوات الاحتلال والقوات العراقية النظامية، مرت عشر سنوات من الهدوء النسبي بعد إخضاع هذه المدينة المتمردة والمتطرفة وإعادتها إلى أحضان الدولة المركزية الإتحادية. من هنا فإن عملية التمرد الثانية قد رسمت ملامح استحالة إدماج قسم كبير من المكون السني العراقي في نطاق الإطار الفيدرالي للمجتمع العراقي الذي يعيش في حالة احتقان مزمن منذ إطاحة النظام الصدامي على يد القوات الأمريكية سنة 2003. دب شعور من العجز والشلل من جانب الحكومة العراقي والقوات الأمريكية المساندة لها أمام جرأة هذا التحدي واحتلال مدينة بأكملها هي وسكانها وأخذهم رهائن-ن ولكن في واقع الأمر فإن جزء كبير منهم كانوا مرحبين ومساندين لهذا الاحتلال الداعشي، وحاضنة مؤهلة لدعم وإسناد هذه الشلة من المقاتلين الصارمين والعازمين على فرض قانونهم الخاص على المدينة. تصرف الجميع على شاكلة سياسة النعامة التي تدفن رأسها بالتراب معتقدة أن الخطر قد ابتعد عنها، وصارت وسائل الإعلام تقلل من شأن مثل هذا الاحتلال لمدينة على يد عصابات مسلحة إرهابية وأن تأثيرها سيظل محدوداً ومحصوراً في هذه المدينة التي لا أهمية لها في حين أنها تقع على أبواب العاصمة بغداد والحال أن سيناريو احتلال المدينة كان بمثابة البروفة، أي تمرين على أرض الواقع لحالات مماثلة في مدن عراقية أخرى ستنفذ لاحقاً حيث نجحت داعش فيما بعد وبسرعة قياسية احتلال حوالي ثلث مساحة العراق كتكريت والرمادي وديالى وبالطبع الموصل. وبات من الضروري أن نفهم كيف قيض لمجموعة مسلحة صغيرة وبأسلحة خفيفة أن تهزم جيشاً نظامياً مدججاً بالسلاح الثقيل ومدرب على يد القوات الأمريكية المحتلة. والحال إن نجاح الدولة الإسلامية في فرض نفسها كأمر واقع لم يكن عسكرياً فحسب، فقد بدت في عيون الكثيرين بمثابة الطليعة المسلحة القادرة على دحر أية قوة عسكرية مناوئة أو معادية لها سواء أكانت محلية عراقية أو سورية أو أجنبية ، أمريكية وأوروبية . وهنا حدث التمايز الجوهري بين داعش وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أو الدولة الإسلامية في العراق التي أعلنها الإرهابي الأردني أبو مصعب الزرقاوي وكانت تابعة لتنظيم القاعدة الدولي بزعامة أسامة بن لادن الذي قدم له الزرقاوي البيعة وإن كانت شكلية. عملت داعش على إرضاء السكان المحليين والوجهاء ورؤساء العشائر في أية مدينة يحتلها تنظيم الدولة الإسلامية وذلك بتسليم إدارة شؤون المدن لهم بشرط قبولهم تقديم البيعة للدولة الإسلامية وتطبيق قوانينها المجتمعية المبنية على التطبيق الحرفي للشريعة الإسلامية كما يفهموها هم، وهكذا استقطبوا الكثير من أبناء تلك المدن المحتلة من قبل داعش وضمهم للتشكيلات العسكرية المسلحة للتنظيم وتأمين الدعم اللوجيستي والتمويني من قبل السكان الذين استخدموا أيضاً كدروع بشرية لحماية مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية . وتكرر ذات السيناريو في المدن السورية المحتلة مثل الرقة ودير الزور الواقعتين في منطقة الجزيرة في وادي الفرات .
كان أغلب سكان المنطقة الغربية في العراق من السنة بمختلف مدارسهم الفقهية الأربعة، يعتبرون الجيش العراقي المتواجد في مناطقهم بمثابة جيش احتلال وليس جيشاً وطنياً وذلك بسبب كونه تابع للدولة التي يقودها الشيعة وبالتالي فهو أداة قمعية مسلطة على رقاب أهل السنة كما كانوا وما زالوا يشعرون بأنهم مغبونون ويعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية خاصة في فترة ولايتي السيد نوري المالكي فلقد اضمحل لديهم الشعور بالانتماء الوطني وتعلقوا بأهداب الانتماء الطائفي والمذهبي خاصة بعد حصول عمليات إعدام متعددة ضد أبناء السنة بتهمة تعاونهم مع الإرهابيين في القاعدة ومن ثم مع داعش وتعرضهم لسوء تصرف وتعسف رئيس البوليس العراقي في المدينة العقيد مهدي الغراوي الذي كان متهماً بارتكاب الاختلاسات المالية والاعتقالات العشوائية والكثير من عمليات التصفية الجسدية ضد سنة مدن المنطقة الغربية كالفلوجة وتكريت والرمادي والموصل وديالى وغيرها من مدن المحافظات الغربية والشمالية السنية لذلك وجدوا في مقاتلي التنظيم الإرهابي داعش صورة الجيش المحرر لهم من سلطة وتعسف الجيش الشيعي والحامي لهويتهم وخصوصيتهم السنية وتخليصهم من عذابات وسوء معاملة ضباط الجيش العراقي لا سيما في السيطرات العسكرية، في الشوارع والساحات، حيث شعر أبناء السنة أنهم كلهم مشتبه بهم كعناصر إرهابية كامنة لا لشيء إلا لأنهم سنة مما حول حياتهم إلى جحيم ومعاناة دائمة.
قام تنظيم داعش الإرهابي بتصفية بعض الوجهاء ورؤساء العشائر ممن انضوى تحت جناح ما سمي بالصحوات وقاتلوا تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، وكذلك بعض النخبة من السياسيين السنة الذي شاركوا في العملية السياسية ، وأعلنوا أنفسهم ممثلين عن سنة العراق في حين لم ينتخبهم أحد أو يفوضهم للتحدث باسم السنة، لذلك طاردتهم داعش لمعاقبتهم على خيانتهم لأبناء مذهبهم وتواطئهم مع السلطة المركزية الرافضية المنحرفة والخارجة عن الدين، مقابل المناصب والمراكز والأموال والامتيازات ، من أجل تقديم أمثلة حية وملموسة على صرامة داعش وعزمها على إنزال العقاب بمنتهى القسوة والوحشية والإذلال في من لايطيعها أو يتعامل مع أعدائها. وقامت بمحاسبة ومحاربة الفساد الإداري والمالي في بداية حكمها للمدن المحتلة وقامت ميليشيات داعش المسلحة باحتلال قصر أسامة النجيفي رئيس مجلس النواب السابق ونائب رئيس الجمهوري الحالي ومصادرة أمواله وسبائك الذهب التي كان يحتفظ بها في قصره، وكذلك ملاحقة شقيقه محافظ الموصول السابق أثيل النجيفي الذي ولى هارباً من بطش داعش بعد أن سعى لإدخالها إلى المنطقة لإحداث توازن عسكري مسلح مع الميليشيات الشيعية المسلحة المنتشرة في جميع أنحاء العراق. كما نسجت داعش علاقات سرية مع شخصيات عراقية سنية من داخل العملية السياسية مثل نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي ووزير المالية السابق رافع العيساوي الملاحقين قضائياً وهناك مذكرات إلقاء قبض عليهما لتقديمهما للمحاكمة. وبذلك نسفت كل إمكانية للمصالحة الحقيقية بين المكون السني والمكون الشيعي العراقيين وتعميق الهوة بينهما وتنامي مشاعر الجفوة والحذر والشك والحقد الطائفي وتفاقمها على مر السنوات السبعة عشر الماضية.
المنصات والاختراقات والتلاعبات:
كان المناخ النفسي والشعور بالتهميش كافيان لشحن الاحتقان الطائفي السني ضد الأغلبية الشيعية المهيمنة على السلطة منذ عام 2003، يضاف إلى ذلك اندلاع ثورات ما سمي بالربيع العربي في تونس ومصر وسوريا واليمن، الذي حث المكون السني العراقي على تنظيم منصات احتجاج في المحافظات ذات الغالبية السنية على غرار ما حدث في دول عربية أخرى، و رفعت مطالب مشروعة في ظاهرها وبطريقة سلمية كما بدت لوسائل الإعلام بيد أن المطلع على توازنات القوى وما يجري في كواليس السياسة والمجتمع العراقيين، ويتابع من داخل زعامات هذه المنصات، يعلم علم اليقين أن هذه التحركات البريئة في ظاهرها هي خطوات مدروسة نحو تحرك أعمق وأخطر ذو طابع عسكري بدأ منذ العام 2013 على غرار ما حدث في سوريا في 2011 و 2012 حيث بدأ الحراك الشعبي المعارض سلمياً ومدنياً ولكن سرعان ما اختطفته القوى الإسلاموية المسلحة المتشددة والتكفيرية لتخوض حرباً أهلية لا هوادة فيها ضد نظام بشار الأسد وحزب البعث في السلطة مما دفع هذا الأخير إلى اللجوء إلى البطش ووسائل القمع والقسوة المبالغ فيها لردع المعارضين مقدماً نفسه بمثابة السد العلماني ضد طوفان التيار الإرهابي الإسلاموي المتمثل بداعش والقاعدة تحت تسمية جبهة النصرة ومن ثم جبهة تحرير الشام. كانت القاعدة في بلاد الرافدين التي تحولت إلى الدولة الإسلامية في العراق بزعامة مصعب الزرقاوي والتي تحولت فيما بعد إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام ــ داعش ــ بقيادة أبو بكر البغدادي ــ إبراهيم العواد ــ هي التي استثمرت واستغلت منصات الاحتجاج للتحضير للانقضاض على المدن السنية الواحدة تلو الأخرى وإدخال الأسلحة والعناصر المسلحة والمتطوعين الأجانب والعرب إليها عن طريق التهريب، وإبرام الاتفاقيات مع القوى العشائرية المحلية والقوى السياسية المناوئة للعملية السياسية في بغداد كحزب البعث وجماعة النقشبندية برئاسة عزت الدوري وهيئة علماء المسلمين برئاسة حارث الضاري وغيرهم، ولقد لعب هؤلاء جميعاً دوراً حاسماً في تهيئة الأجواء والحاضنة الاجتماعية والشحن النفسي لتقبل احتلال داعش لمدن المنطقة الغربية والشمالية غير الكردية وباتفاق غير معلن مع الحكومة الكردستانية مقابل عدم اجتياح عناصر داعش المسلحين للمناطق الكردية وتعهد القيادة الكردية بعدم زج قوات البيشمركة إلى جانب القوات الحكومية المركزية العربية ، وبالطبع بمساعدة وخيانة ضباط كبار في الجيش العراقي الصدامي ممن عادوا إلى الجيش إبان حكومات علاوي والجعفري والمالكي، لكن ولاءاتهم بقيت لحزب البعث ولأحزاب سياسية سنية ولانتماءاتهم العشائرية على حساب مصلحة الوطن. إلى جانب تفشي الفساد والمحسوبية والمنسوبية وانعدام الأمن وانخفاض القدرة الشرائية والصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها سكان تلك المناطق جراء إهمال السلطة المركزية لهم. وهكذا توغلت جحافل داعش إلى الفلوجة أولاً في يناير 2014 وبعدها بسرعة مذهلة لباقي مدن محافظة الأنبار وصلاح الدين والموصل. ولقد لجأت قيادات داعش وعناصرها المسلحة الإرهابية إلى أساليب القمع الوحشية والاعدامات البشعة المصورة بأشرطة الفيديو لكي تبث على القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعية لترهب المعارضين لوجودها وحاولت في نفس الوقت إعادة الخدمات العامة وفرض حالة من الأمن المجتمعي الأمر الذي كان يفتقده سكان تلك المناطق المنكوبة. كما قامت داعش بالاستيلاء على معدات عسكرية كثيرة ونهبت البنك المركزي في الموصل وقامت بتهريب النفط عبر الأراضي التركية بتغاضي حكومة كردستان والحكومة التركية عن مثل هذه العمليات غير القانونية التي تمثل مصادر لتمويل الإرهاب في العالم وأحد منابعه المالية. وفي غضون أسابيع قليلة نجحت داعش ابتداءاً من حزيران 2014 في السيطرة على أكثر من ثلاثة أرباع المناطق العربية السنية في العراق، مع ما يمثله من ثقل سياسي ورمزي احتلال مدينة كالموصل ثاني كبريات المدن العراقية الرئيسية حيث يصل تعداد سكانها إلى أكثر من مليوني نسمة، والتي أعلن البغدادي منها تأسيس دولة الخلافة وتنصيب نفسه خليفة للمسلمين كافة وجعلها العاصمة الدينية لدولة الخلافة وذلك في 29 حزيران 2014 من على منبر جامع النوري في الموصل القديمة. هربت القوات العراقية النظامية من المدن دون قتال أو مواجهة وسلمت أسلحتها خوفاً من بطش عناصر داعش بهم وتنفيذاً لأوامر قيادتهم العسكرية العليا، لكن ذلك لم ينجيهم من تعرضهم للمذابح والإبادة كما حصل مع مذبحة سبايكر، وكان عددهم يزيد على الــ 25000 عسكري لكن في الحقيقة كان أكثر من نصفهم " فضائيين" أي غير متواجدين في معسكراتهم ويستلمون رواتبهم التي يدفعون قسم كبير منها لقياداتهم العسكرية، ويقدر عددهم عند اقتحام داعش بــ 10000 عسكري عراقي. كان هذا الوضع الميداني على أرض الواقع، وضعف التواجد العسكري العراقي المركزي، يصب في صالح حكومة كردستان وعلى نحو أدق في صالح الرئيس مسعود برزاني الذي تحالف مع الأتراك لإقامة حالة عالية من التنسيق علماً بأن تركيا تتعاطف مع داعش وترفدها بالمقاتلين عبر أراضيها وتسهل مرور النفط المهرب من قبلها فحكومة آردوغان ذات اتجاه إسلامي وترغب هي الأخرى في إعادة الخلافة الإسلامية وهي طليعة تنظيم الإخوان المسلمين السني الدولي بينما تحالف منافسه الاتحاد الوطني الكردستاني كان مع إيران الشيعية ومع الحكومة المركزية العراقية ذات الأغلبية الشيعية، لإحداث التوازن من أجل المصلحة العليا للشعب الكوردي. لم تستفز الدولة الإسلامية داعش الأكراد ولم تحتل لفترة طويلة مدينة كركوك المتنازع عليها والغنية بالنفط والتي يطالب الأكراد بضمها لإقليم كردستان رسمياً. لكن داعش توغلت في محافظة ديالى لتطويق بغداد تمهيداً للزحف عليها من عدة محاور، عندما يحين الوقت المناسب لذلك. تقبل العرب السنة وجود داعش ، راغبين أو مرغمين، لأنهم شعروا بأن مستقبلهم غير واضح وغير مضمون داخل الفيدرالية العراقية الجديدة ذات الأغلبية الشيعية الساحقة والمسلحة على شكل ميليشيات عنيفة متعددة تهيمن على عدد كبير منها إيران وتسيرها وفق خططها واحتياجاتها العسكرية والاستراتيجية والسياسية مقابل تمويلها وتسليحها وتدريبها، وبالتالي فإن مستقبل أهل السنة سيكون أكثر أماناً من ناحية عمقهم الاستراتيجي العربي السني في سوريا والأردن والخليج.
على عكس تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي أتخذ أسلوب العمل السري وعدم التمركز الجغرافي منهجاً وطريقة عمل، اهتم تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي داعش بأسلوب مسك الأرض والعمل علانية انطلاقاً من مناطق جغرافية محددة ومعروفة يحتلها ويبني فيها قواعد ومعسكرات وبنى تحتية لتأسيس دولة قابلة للحياة والتوسع سيفرض شرعيتها واعتراف الآخرين بها إن آجلاً أم عاجلاً بطريقة قسرية أي بالقوة والعنف والإرهاب والإكراه، ويتطور التنظيم من مجرد جماعات إرهابية مسلحة يعرفها البعض بالمجاهدين، كما في تنظيم القاعدة، إلى مجموعات قيادية متدرجة وتراتبية تتقلد مسؤوليات مختلفة على غرار المؤسسات الحاكمة في الدول التقليدية وعلى شكل هرمي يبدأ من قمة السلطة، أي الخليفة، وينزل إلى عامة الناس وبينهم قيادات من الصف الأول والثاني والثالث وهكذا. ليس لدى القاعدة ميزانية ضخمة ومالية مسجلة وموثقة بينما لدى داعش أموال طائلة ومسؤولة إدارة مجتمعات حقيقية ودفع مرتبات للموظفين والإداريين والمقاتلين ، الذين هم بمثابة جيش الدولة الإسلامية داعش وأداتها الضاربة والقمعية والحامية لحدود الدولة الإسلامية، وبالطبع لتمويل خوضها للحروب والمواجهات المسلحة، الهجومية والدفاعية على حد سواء. وقد تلقت داعش الدعم المالي من قبل أثرياء متبرعين من دول الخليج باتوا معروفين بالإسم في بعض الدول كالسعودية وقطر والكويت إلى جانب أموال النفط المهرب وتجارة التهريب والأتاوات والضرائب القسرية المفروضة على التجار وأصحاب المهن والزكاة والأموال التي أخذت من بنوك المدن التي احتلتها كالموصل، حيث وجدت داعش في البنك المركزي 313 مليون دولار وربما أكثر، إلى جانب سبائك من الذهب ، الخ ، وهي أموال كثيرة تصلح لأن تكون ميزانية حقيقية لدولة معترف بها، بل يقال أن الحكومة السورية كانت تشتري النفط من داعش وأن الحكومة العراقية استمرت في دفع رواتب العراقيين الموظفين والمتقاعدين رغم انضمامهم لصفوف داعش. ولدى داعش كذلك ، عكس تنظيم القاعدة، كم هائل من الأسلحة المختلفة ، الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، وعتاد وذخيرة ، غنمتها من جيوش العراق وسوريا الهاربة والمستسلمة ، وتمتلك جيش هائل من المتطوعين العرب والأجانب إلى جانب العراقيين والسوريين المتعاونين معها طوعاً أو قسراً ، ويعمل في صفوفها كادر عسكري محترف ومدرب سواء من الهاربين من الجيش السوري أو المتدربين في معسكرات أفغانستان والعراق قبل إعلان دولة الخلافة، أو من كوادر وكبار قيادات الجيش الصدامي ومخابراته ومؤسساته الأمنية والمخابراتية الذي انخرطوا في صفوف داعش ليدربوا المتطوعين الجدد على مختلف فنون وتكتيكات القتال ومختلف أنواع المعارك لاسيما حرب عصابات المدن وقيادة المدرعات والعربات المصفحة والدبابات التي غنتمها من معسكرات الجيوش النظامية السورية والعراقية بل وحتى طائرات الهليكوبتر وبعض الطائرات الحربية القديمة التي غنتمها من القاعدة الجوية السورية في دير الزور ما يعني أن داعش تمتلك نواة لجيش نظامي حقيقي و بتدرج قيادي وتنظيمي محكم ومقاتلين محترفين أو شبه محترفين، لا يهابون الموت بل بالعكس يسعون للموت ظناً منهم حسب اعتقادهم أنهم سيكونون شهداء ويذهبون إلى الجنة حيث النبي والصحابة وحور العين والغلمان ينتظرونهم، وأنهار العسل والحليب والسعادة الأبدية المضمونة لهم لأنهم استشهدوا في سبيل الله، وهذا يشكل ورقة رابحة ومؤثرة بيد داعش. بالطبع لم يكن كل سكان الموصل أو الأنبار سلفيين أو جهاديين، لكن أغلبهم كان لامبالياً وممتعضاً من ممارسات الجيش النظامي العراقي وبالتالي فهو مرحباً أكثر منه معادياً لدخول داعش إلى مدنهم واحتلالها، قبل أن يذوقوا مرارة سلوكها وتعسفها، أما الأقليات المذهبية والدينية والعرقية فقد فزعت وغادر معظم أبنائها قبل استفحال الأمور عندما كان الهروب ممكناً رغم المخاطر الجسيمة أما البعض الآخر فقد استسلم لقدره وقتل أو أرغم على تغيير ديانته ومذهبه واعتناق الإسلام رغماً عنه والتعبد بالمذهب السلفي السني التكفيري المتشدد الذي تبنته داعش وبيعت النساء والأطفال السبايا في سوق النخاسة ووزعوا على المقاتلين كعبيد وإناء ونساء متعة من ذات اليمين، كما أرغم وجهاء المدن والأحياء ورؤساء العشائر على التعاون والتنسيق مع الحكام الداعشيين الجدد في تسيير أمور المدن المحتلة في العراق وسوريا، وبعضهم كان متطوعاً ومبادراً لمثل هذه المهمات. لقد أقنعت داعش سكان المدن المحتلة أن النظامين العراقي والسوري طائفيين وغير قابلين للإصلاح وخاضعين للنفوذ الإيراني الشيعي وأن مصالحهم توجد مع داعش والانتماء إليها وحمايتها والدفاع عنها، ولقد صدق الكثيرون مثل هذا الطرح وانخرطوا في صفوف هذا التنظيم الإرهابي المتوحش. وبعد أن استقرت داعش نسبياً وأحكمت نفوذها وسيطرتها العسكرية والإدارية على العديد من المدن والقرى والأقاليم أـو المحافظات العراقية والسورية ، بدأت تخوض حرب التوسع الجغرافي وتنظيم الهجمات المباغتة على المناطق المجاورة لحدودها بعد أن كسرت الحدود القائمة بين سوريا والعراق والتي تسمى بحدود سايكس بيكو ، منذ حزيران 2014، وأعلنت داعش أن هدفها الأول هو احتلال بغداد عاصمة الخلافة العباسية القديمة بالرغم من أنها غدت ذات غالبية شيعية بعد أن هجرها أو هجر منها العديد من العائلات السنية العريقة بين أعوام 2006 و 2008 ولقد بدأت الخطة في محاصرة العاصمة العراقية بغداد من ثلاث محاور، من الأنبار ومن ديالى ومن الجنوب من منطقة جرف الصخر التابعة لمحافظة بابل في وسط العراق والتي تبعد عن بغداد حوالي 60 كلم. وفي الخطاب الإعلامي والحرب النفسية التي تفوقت فيها داعش أثارت الرعب في نفوس العراقيين الشيعة عندما أعلن المتحدث الرسمي بإسم داعش عن نية هذه الأخيرة احتلال المدن الشيعية المقدسة في كربلاء والنجف وسامراء والكاظمية وكان هذا التحدي السافر قد دق مسمار نهاية داعش في العراق دون أن تعلم فلقد أعلن المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني فتوى الجهاد الكفائي ضد داعش ، عندها تقاطر الآلاف من المتطوعين تلبية لنداء السيستاني في ما عرف بالحشد الشعبي الذي انخرطت فيها بالطبع مختلف التشكيلات الميليشياوية الشيعية المسلحة المتواجدة أصلاً على الساحة العراقية مثل بدر وسرايا السلام ، جيش المهدي سابقاً ، وعصائب أهل الحلق وحزب الله العراقي والنجباء وأبو الفضل العباس ومئات غيرها. ولقد حقق ذلك التحشيد الشعبي منذ نهاية حزيران 2014 نجاحاً في كبح التوسع الداعشي وتقليص طموحات ومخططات دولة الخلافة المزعومة ووضع نهاية لأوهامها في السيطرة على كامل العراق وسوريا ومنهما تنطلق لغزو باقي دول العالمين الإسلامي والعربي. لقد أدرك قادة داعش أن عليهم، في الوقت الحاضر ، الإكتفاء بما لديهم من أراضي ومدن وترسيخ سلطتهم عليها وإحكام نفوذهم فيها خاصة وأنها ذات غالبية عربية سنية ساحقة متعاطفة مع الطروحات السلفية . لم تتخل داعش عن مشروعها السياسي فلقد أعلنت في 29 حزيران 2014 عن تأسيس دولة الخلافة في العراق والشام وإلغاء الحدود التي فرضتها اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا لتقاسم إرث الإمبراطورية العثمانية المنهارة إثر هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. وهي محاول حاذقة من الناحية النفسية للخروج من المأزق مرفوعة الرأس دون أن تعطي مؤشرات ملموسة على هزيمتها والحد من طموحاتها خاصة بعد تراجع الكورد العراقيين والسوريين عن موقف الحياد تجاه داعش في باديء الأمر وخوضهم قتالاً عنيفاً ضدها على الجبهتين العراقي والسورية. وللتعويض عن خسارتها النسبية محلياً وإقليمياً، قررت داعش تدويل الحرب وتحدي الغربيين بعمليات إرهابية نوعية استفزازية لجرهم إلى مواجهة مباشرة معها لكي تبدو في صورة الضحية الإسلامية التي تواجه وحدها العدوان الغربي الكافر بغية كسب تعاطف المسلمين في كل مكان في العالم وتطوع الكثير من شبابهم في صفوفها ، وهذا ما حصل بالفعل فلقد تقاطر على سوريا والعرق آلاف الشبان المسلمين المتطوعين ومن بينهم المئات من أصول أوروبية قحة من المعتنقين الجدد للدين الإسلامي للدفاع عن دولة الخلافة الإسلامية الجديدة. باشرت داعش في تقوية دفاعاتها والسيطرة على منافذ الحدود المشتركة بين سوريا والعراق من جهة والأردن والسعودية من جهة أخرى مما كشف عن مدى خطورة هذا التنظيم الإرهابي على التوازن الإقليمي والدولي وتهديده لخطوط الإمدادات بالطاقة فيما لو أحكمت داعش قبضتها على الأردن، وبشكل خاص على دول الخليج وعلى رأسها العربية السعودية ، المصدر الأول للطاقة النفطية في العالم، وهذه التحركات والمناورات كانت لها ضرورة جيوستراتيجية بالنسبة لداعش من أجل إفراغها من الأقليات غير السنية ـ مسيحية وأزيدية وشيعية ، التي تعيش هناك في محيط وادي نينوى وجبل سنجار لأنها تعتبرها أقليات مشركة وتعبد الشيطان وهرطقية وكافرة ، وفي نفس الوقت من شأن هذا السلوك أن يستفز الغرب الذي أعلن نفسه الحامي للأقليات المسيحية في الشرق لجره لمواجهة مباشرة وإيقاعه في الفخ الذي نصبه له تنظيم داعش الإرهابي. لقد نجحت دولة داعش الإسلاموية في إثارة الرأي العام الغربي وإرعابه وللتغطية على محدودية القدرات الدفاعية العسكرية والجيوستراتيجية لداعش في العراق وسوريا خاصة بعد تشكيل قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ودخول روسيا وإيران على خطوط المواجهة مع داعش وانخراط حزب الله اللبناني مباشرة في الحرب ضدها من جهة والميليشيات الشيعية العراقية وقوات حماية الشعب الكردي وقوات سوريا الديموقراطية الكوردية ـ العربية، التي تدعمها أمريكا وبالطبع القوات النظامية العراقية، من جيش وشرطة اتحادية، والقوات النظامية السورية وكلها مدعومة جواً من قبل قوات التحالف الغربية وروسيا ووجود قوات خاصة غربية على الأرض وخبراء روس وإيرانيين وأمريكيين وأوروبيين يساعدون ويوجهون القوات النظامية العراقية والسورية المقاتلة على الأرض ضد مقاتلي داعش الإرهابيين.
يمكننا القول أن داعش بدأت باللعب بالنار التي يمكن أن تحرقها على المدى القصير أو المتوسط من الناحية العسكرية على الأقل. فتدويل المواجهة مع الغرب ودول الجوار الإقليمي لن يصب في صالح دولة داعش الإرهابية حتى لو ادعت شرعية تمثيل المسلمين وكونها وريثة لثورات الشعوب العربية في الربيع العربي الذي أضعف الأنظمة القائمة الموالية أو العميلة للغرب رغم أن العديد من منظمات المجتمع المدني والعشائر والتشكيلات العسكرية المتمردة على أنظمتها في سوريا والعراق وليبيا واليمن حظيت بدعم وتمويل ومساندة وتسليح دول إقليمية مثل تركيا والسعودية وقطر، وما تزال تحظى بمثل هذا الدعم اللوجيتسكي والمالي والتسليحي. لقد تبلورت جبهات المواجهة في المنطقة على النحو التالي: هناك مواجهة إقليمية بين إيران والسعودية وحلفائهما، متغطية بستار مذهبي طائفي سني ــ شيعي ، له خلفيات دولية واضحة فأمريكا تتخذ جانب السنة وروسيا تتخذ جانب الشيعة على نحو عام ، عدا إشكالية العراق الشيعي المدعوم أمريكياً في الوقت الحاضر ، وهذه مفارقة سنحللها لاحقاً.
كان شعار داعش السحري الفتان والجذاب هو :" باقية و تتمدد" ولقد تحول هذا الشعار إلى منهج لتطبيقه وهدف تسعى دولة داعش لبلوغه خاصة بعد استيلائها على الموصل والرقة والأنبار وصلاح الدين ودير الزور وغيرها من المدن العراقية والسورية وإعلان دولة الخلافة التي حضت باعتراف عدد من الحركات السلفية الإرهابية المتشددة التي قدمت لها البيعة وأسست ولايات تابعة لدولة الخلافة الداعشية في أفريقيا وآسيا وأوروبا وسيناء في مصر ومنطقة الخليج واليمن وليبيا التي أعدت كمحطة للانسحاب التكتيكي في حالة الهزيمة العسكرية في الموصل والرقة الجارية الآن على قدم وساق. الخ.. هناك ترنيمة جديدة تنتشر بين أنصار داعش تقول لهم أن الدولة الإسلامية ليست بالضرورة دولة أراضي وفضاءات وأماكن جغرافية فهي تتقلص يوماً بعد يوماً جغرافياً وميدانياً لكن أتباعها منتشرون في كل مكان فهل ستبقى على قيد الحياة رغم هزائمها العسكرية؟ فهناك منشور ظهر في تلعفر في العراق يقول " أن الخلافة لن تختفي " وأضاف البيان الداعشي :" ينسى كثيرون أن الدولة الإسلامية ليست بالضرورة دولة أراضي وفضاءات وأماكن جغرافية بل هي غاية بذاتها تهدف إلى نشر الإسلام الحقيقي وإعادة وهج الجهاد في سبيل الله وترميم ما تدمر داخل الأمة الإسلامية بعد الهزائم والانحطاط والإهانة التي وجهة لأمة الإسلام على يد قوى الكفر والاستكبار العالمي ، وكما جاء على لسان الناطق الرسمي السابق المقتول أبو محمد العدناني في أيار 2016 الذي استشهد بالانسحاب التكتيكي الذي قامت به الدولة الإسلامية نحو الصحراء في أعوام 2007 و 2009 . فالهزيمة تتجسد في الواقع عند ذهاب الإرادة والرغبة في القتال، وهذه ليست حال مجاهدينا ، وسوف تنتصرون أيها الأمريكيون والغربيون عندما تنجحون في إخراج القرآن من قلوب المجاهدين وهذا مستحيل". يتناقض ذلك مع زهوة الانتصارات التي لوحت بها في أعوام 2014 و 2015 لجذب المتطوعين الأجانب وحثهم على الهجرة إلى دار الإسلام في دولة الخلافة في العراق والشام ليساهموا في بنائها وتدعيمها وحمايتها والقتال تحت رايتها والاستشهاد في سبيلها لكسب الجنة ولقاء محمد مؤسس الرسالة وصاحب دولة الخلافة الإسلامية. واليوم بات من الصعب تأمين دخول المقاتلين المتطوعين القادمين من كافة بقاع الأرض للالتحاق بصفوف مجاهدي الدولة الإسلامية في ظل التشديد والرقابة الصارمة التي تبديها تركيا التي كانت في السابق تغض النظر عن عمليات تهريب وعبور المتطوعين العرب والأجانب باتجاه سوريا والعراق. والحال إن تدهور أوضاع الدولة الإسلامية وخساراتها للأراضي الشاسعة ومعسكرات التدريب وتخلخل نظامها المالي والإداري، مما يضعها في حالة صعبة فاقدة للمصداقية عندما تتكلم عن مشروع الدولة المتكاملة وهو مفتاح شعبيتها إزاء باقي التشكيلات الإسلاموية المسلحة المنافسة لها على أرض الميدان لا سيما القاعدة في العراق وجبهة النصرة في سوريا التابعة للقاعدة الأم مما كبح على نحو ملحوظ وملموس التدفق الجنوني للشباب المتطوع في صوف داعش في السنتين الماضيتين.
ولكن من الوهم والخطأ تصور أن الدولة الإسلامية في العراق والشام سوف تتبخر في أعقاب هزيمتها العسكرية في الموصل والرقة واندحارها جغرافياً فما يزال بوسع قيادات داعش وعناصرها المتشبثة بالأهداف العليا للخلافة أن يعيدوا انتشارهم في الصحاري المحاذية بالقرب من الحدود السورية العراقية حيث يمكن للنواة القيادية الداعشية أن تتحرك وتناور حتى لو فقدت السيطرة على المدن التي احتلتها في الأشهر الماضية فليس بديهياً أن تتمكن قوات التحالف الدولية والقوات المحلية المتحالفة معها أن تنظف وتؤمن هذه المناطق الواسعة التي يمكن أن تتحول إلى ملاجئ للانسحاب التكتيكي مرة أخرى إلى جانب مدن أخرى لا تزال في قبضة داعش في ليبيا واليمن وأفريقيا وسيناء، وهي قادرة أيضاً على الإيذاء والتدمير من خلال خلاياها النائمة كما رأينا ما قامت به في أمريكا وأوروبا وأفريقيا . ففي محافظة ديالى حكمت داعش سنتين فقط قبل خسارتها للمحافظة لكن التقارير تؤكد وجود خلايا نائمة كثيرة موالية لداعش في هذه المنطقة وتقوم باستمرار بهجمات إرهابية خاطفة وتفجيرات وغارات على مواقع عسكرية مستثمرة تلك الهوة الطائفية التي خلقتها ونمتها في المنطقة بذريعة محاربة الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران. وبإمكانها العودة على نحو سري إلى مدن خسرتها عسكرياً لكنها ماتزال موالية لها مثل تكريت وغيرها الممتعضة من سوء معاملة السلطة المركزية وشكوكها تجاه السكان السنة وفرض السيطرات والازدحامات وسوء المعاملة والإهانات التي يتعرض لها سكان تلك المناطق التي كانت قبل أشهر تحت قبضة داعش خاصة وإن الانتحاريين في داعش يعرفون نقاط الضعف والخلل في السيطرات ويهاجمونها مباغتة ويحدثون فيها الكثير من الضحايا والدمار المادي والمعنوي والخسائر البشرية ، كما يقومون بشراء الذمم من أجل إطلاق سراح السجناء والمعتقلين الداعشيين في السجون العراقية من خلال الفاسدين في القوى الأمنية العراقية وبوسع الدواعش الذوبان بين السكان المدنيين في العراق ومعاودة الضرب كلما سنحت لهم الفرصة.
وحتى في سوريا أثبتت داعش قدرتها على خوض عمليات نوعية في الداخل السوري بالقرب من العاصمة في الغوطة وفي المدن التي تسيطر عليها قوات النظام السوري كما لمسنا في عمليات حلب وغيرها. كما تستثمر داعش الاحتقانات والاصطفافات الطائفية والدينية والإثنية والعرقية والمذهبية في العراق وفي بعض المناطق السورية فالتمرد السني السوري على السلطة العلوية يجد في داعش وجبهة النصرة الممثل الشرعي المسلح القادر على حماية الأغلبية السنية المضطهدة كما يدعون وليس بوسع منافسيها على الأرض احتلال مكانها على أرض المواجهات المسلحة . فحتى بعد فقدانها لنواتها الجغرافية أي عاصمتها الدينية في الموصل وعاصمتها الإدارية في الرقة، فإنها ستظل تعمل بكل وحشية وقسوة وتضرب في كل مكان تصل إليها عناصرها في آسيا وجنوب شرق آسيا وفي الشيشان وروسيا ومدن الغرب .
داعش كيان متعدد الأوجه والأشكال
يسود الفرح والأمل والتفاؤل وسائل الإعلام العراقية والسورية وبعض المؤسسات الإعلامية العربية والدولية وهي تنشر وتتناقل أخبار أفول واندحار داعش في الموصل وقريباً في الرقة فهل يقتصر وجود داعش على مدينتين فقط رغم ما يتسمان به من رمزية باعتبارهما عاصمتي دولة الخلافة الداعشية الدينية والاقتصادية؟ داعش تركيبة إرهابية تنظيمية سرية تغذي وتحرض انتفاضات وتمردات عسكرية مسلحة محلية وإقليمية هنا وهناك في كل مكان في العالم ويتوقع أن تنضم إليها وتقدم لها البيعة أغلب التشكيلات والحركات الإرهابية المسلحة النشطة على الساحة الجهادية الإسلاموية الإرهابية. لقد كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما صادقاً مع نفسه عندما صرح في أيلول 2014:" لا أريد أن أضع العربة قبل الثيران ، وعلى أن أعترف بأننا لا نمتلك بعد إستراتيجية واضحة ومحددة حيال داعش " في الوقت الذي قامت هذه الأخيرة باحتلال مساحات شاسعة من الأراضي العراقية والسورية". لم يدرك الغرب في التوقيت الصحيح أن هناك خطر وتهديد يتبلور في الأفق يمكن أن يدمر كل شيء ولن يستطيع أحد السيطرة عليه أو إيقافه فسوف يكون الأوان قد فات. يعتقد القادة العسكريون في العالم والحكام والزعماء والسياسيين أن القضاء على داعش يمكن أن يتم بالقضاء على قيادة هذا التنظيم الإرهابي وإبادة أو تصفية كوادره العليا. القيادة العليا لداعش تبدو ظاهرياً موحدة لكنها غير متجانسة بالمرة، فكلما يقتل قيادي يحل محله خمسة أو عشرة قد يكونوا أفضل منه كفاءة وجرأة وخبرة عسكرية، والحلقة القيادية الضيقة المحيطة بأبو بكر البغدادي، عراقيين وسوريين، يكتفون بإعطاء التوجيهات العامة، وليسوا وحدهم من يقوم بذلك ، وأغلبهم جاء من التيار السلفي السني المتشدد والتكفيري الذي نشأ في العقود الأربعة الماضية وتغذى على أطروحات الوهابية وإبن تيمية والمذهب الحنبلي، وتمرس ميدانياً على خوض حرب العصابات في المدن منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ، بل وحتى قبل ذلك منذ تجربة الجهاد المسلح ضد الغزو السوفيتي لأفغانستان، ولا ننسى أن أغلب قيادات داعش الحاليين كانوا من معتقلي سجن بوكا الأمريكي وكانوا يتمتعون بحرية تامة في تنظيم أنفسهم داخل السجن وتهيئة الكوادر والمقاتلين، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي الخليفة الداعشية الذي فرض نفسه بالقوة والكثير منهم مارس الإرهاب الجهادي في صفوف تنظيم القاعدة الإرهابي وداخل تنظيمات الطالبان في أفغانستان. وحول هؤلاء تتشكل حلقات يصل تعدادها بالآلاف من المتطوعين الدوليين من كافة الجنسيات العربية والآسيوية والأوروبية والشيشانية والطاجاكستانية والبوسنية والتركية والباكستانية والأفغانية الخ.. والحال أنه لا توجد وحدة جغرافية متصلة لدولة الخلافة الداعشية فلديها ولايات متفرقة منتشرة في كافة أنحاء العالمين العربي و الإسلامي وأوربا وأمريكا وآسيا وجنوب شرقي آسيا وأفريقيا ، وكلها تدين بالولاء للخليفة أبو بكر البغدادي طواعيةً وليس قسرياً. وهناك الكثير من قيادات داعش العراقية ممن تسربوا مع اللاجئين والنازحين المدنيين وسوف يعيدون تنظيم خلايا سرية نائمة في كل مكان في العراق للقيام بعمليات إرهابية وتفجيرات وهجمات انتحارية . يتبع
الفصل الثاني
الإسلام الحركي من السياسة إلى الجهاد الإرهابي: من الإخوان المسلمين إلى داعش
المعروف اليوم أنَّ الإسلامَ لم يعُد سِمة على "عوالمَ خامدةٍ تعيشُ زمنا ثقافيا واجتماعيا راكدًا" كما ظل يُنظرُ إليه إبان الحقبة الكولونيالية الطويلة، وإنما أصبح عالما مُبهما وإمكانَ انفجار يتأبَّى على القولبة والانصياع اللامشروط أمام إرادة عولمةٍ كاسحةٍ تقومُ على الدمج الاقتصادي والهيمنة السياسية والثقافية لليبرالية المُنتصرة منذ نهايات القرن العشرين والمُنتشية بكونها اكتشفت مفاتيح الخلاص التي تقود إلى نهاية سعيدة للتاريخ كما يزعم أنبياؤها. لقد أصبح الإسلامُ، بهذا، عبئا أمنيا على العالم الليبرالي ومشاريع الهيمنة الجديدة بمعزل عن الوجه الثقافيّ الطليعيّ الذي مثلته نخبٌ ثقافية غربية كشفت منذ عشرينات، وبصورةٍ نقدية - تفكيكية، عن المركزية الغربية وعن إرادة الهيمنة التي تقودها من خلال ذلك النقد الوجيه الذي نزع النقاب عن النسبية الثقافية كما نعلم. هذا ما عمَّق الفجوة بين العالمين الإسلامي والغربي - المُتنازعين تاريخيا على حقيقة الخلاص والهيمنة في حوض البحر المُتوسط - وقلل من فرص التقارب على درب ردم هوة التنابذ التاريخي والتصادم الذي ظل ينهل من مخيال مُرعب عن الآخر المُختلف. فهمَ ظاهرة العنف المُرتبط بالإسلام، باعتباره يكشفُ عن ثقافة رفض الآخر والتمركز حول الذات وادِّعاء امتلاك الحقيقة المُطلقة.كما قال أدونيس الذي ظل – منذ بدايات نشاطه الإبداعي والثقافي – ملتزما بقضية الحداثة في العالم العربيِّ بوصفها زمنا ثقافيا جديدًا يقومُ على الإبداعية وعلى حركة الخروج عن سلطة الماضي التدشيني والرؤية الماضوية التي كرَّسها تراثٌ ديني كانت العقلية الفقهية - المرجعية وجهَه الأبرز. هذا ما جعل أدونيس يجابه الدِّين، باعتباره مُؤسَّسة كان همها الأول اعتقال التاريخ والتقدم وطمس الذاتية وإلغاء بُعد المجهول في الذات والعالم. كان يجبُ تحريرُ العالم والوجود من هيمنة النص المُؤسِّس وعِتقُ المعرفة من المُسبَّق. هذا هو مفهومُ أدونيس لشرط الحداثة بوصفها انقلابا معرفيا وثقافيا وإبداعيا مثلته بعضُ الأصوات الهامشية في تاريخنا الثقافيِّ، ولم يُتح له أن ينتصرَ أو يتجذرَ في المُجتمع العربيّ لأسبابٍ كثيرةٍ حاول بعضُ المفكرين العرب المعاصرين الكشفَ عنها كما هو معروف. وربما حاول أدونيس في هذا الكتاب أن يكون راهنا وأن يُسهمَ في النقاش الدَّائر حول تنامي ظاهرة العنف والإرهاب في شكلها المُرتبط باحتجاج يتحدَّثُ باسم الإسلام. ولقد تجرأ أدونيس في عرضه لارائه ليقول أشياء كثيرة تتعلقُ برؤيته للدين والعنف وضرورة الخروج من المُقدَّس والرؤية الدينية القائمة على عنفٍ بنيوي لا يُمكنُ أن تتأسَّس عليه الحياة المدنية الحديثة أو احترامُ حقوق الإنسان.
أين تكمن المشكلة إذن، هل هي في الإسلام ونصوصه أم في المسلمين وتعدد اجتهاداتهم وتأويلاتهم لتلك النصوص؟ عندما ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية لم يكن هناك سنة وشيعة ومذاهب وطوائف ومدارس فقهية بل مجرد خلافات سياسية ومنهجية حول الطريقة الأنجع في نشر الإسلام والمحافظة عليه وعلى نقاوته، وهذه الخلافات نشأت حتى في زمن صاحب الرسالة الدينية محمد بن عبد الله، وتفاقمت و تجذرت في زمن الخلفاء الأربعة الذين أعقبوه في الحكم، واستقرت في أيامنا هذه على خمس مدارس فقهية رئيسية، أربعة منها سنية وهي الحنبلية والشافعية والمالكية والحنبلية ، وواحدة شيعية وهي المدرسة الجعفرية نسبة للإمام جعفر الصادق، وكلها ظهرت إبان الخلافتين الأموية والعباسية. أخطر المدارس الفقهية السنية وأكثرها تشدداً وتعصباً وخطورة هي المدرسة الحنبلية التي أفرزت لنا التيار السلفي والأصولي المتقيد بحرفية النصوص الدينية ويرفض ما خلاها بتهمة الهرطقة والزندقة والبدعة والظلال حتى وصل بها الأمر إلى تكفيرها لباقي المدارس والاتجاهات. ومن التيار السلفي ظهرت النزعة الوهابية ودبلوماسيتها التبشيرية وسعيها للهيمنة على الإسلام بالقوة والسلاح والمال. وعلى مدى عقود طويلة جهدت المملكة العربية السعودية إلى نشر هذه العقيدة الدينية المتطرفة التي اتسمت بقراءة صارمة وحرفية للنصوص الإسلامية ، قرآن وحديث وسنة نبوية، ومحاولة فرض قراءتها فقط على العالم الإسلامي بشتى الطرق.
في أواسط القرن الثامن عشر الميلادي، تحالف أمير نجد محمد إبن سعود مع داعية ديني حنبلي هو محمد إبن عبد الوهاب الذي استمدت منه هذه العقيدة أي المدرسة الوهابية إسمها. الأول كان يطمع في مد نفوذه وهيمنته على كامل أراضي شبه الجزيرة العربية والثاني كان يطمح لإعادة بناء الإسلام السني كما يراه هو وفقاً لرؤيته واجتهاداته، بالعودة إلى الأصول الأولى وسيرة السلف الصالح ورفض المسلمين الآخرين غير السنة وإلصاق تهمة البدعة والخروج على الدين والارتداد بهم بل وحتى وتكفيرهم لأنهم سمحوا بالاجتهاد في تفسير وتأويل القرآن. إن هذا التحالف هو الذي أوجد لنا الاتجاه الوهابي في الإسلام والذي ترعاه وتموله دولة غنية هي المملكة العربية السعودية التي تأسست سنة 1932، لأنه يشكل دستورها وعليه تبنى أسسها المجتمعية والسياسية والدينية من خلال تطبيق الشريعة والحدود الدينية الإسلامية كما وردت في النصوص التأسيسية للإسلام. واجه هذا الاتجاه في البداية مقاومة كبيرة من قبل المجتمعات الإسلامية المعتدلة واتهم بالغلو والانحراف العقائدي وهو يشكل اليوم أحد أهم التحديات أما الإسلام المعاصر يعد انتشاره كما قلنا بالمال ونشر المدارس الدينية التي تدرسه في جميع أنحاء العالم الإسلامي بل وحتى في العالم الخارجي.
لقد وصف مؤسس المملكة هذا الاتجاه العقائدي ، أي الوهابية، بأنه سلفي يتبع خطى السلف الصالح من أصحاب النبي والتابعين . ولقد صرح الأمير فيصل إبن عبد العزيز قبل أن يصبح ملكاً سنة 1964، "بإن نشر الإسلام الوهابي يجب أن يتبوأ مركز السياسة الخارجية للمملكة"، وهو معادي للشيوعية وضد التيار القومي العربي الذي تبناه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وأحزاب قومية مثل حزب البعث وحركة القوميين العرب. وفي هذا السياق طورت مملكة آل سعود سياسة أو بالأحرى صناعة سياسية ثيولوجية – آيديولجية استمدت أسلوبها في القوة الناعمة من الولايات المتحدة الأمريكية وأسلوب دعايتها من التجربة السوفياتية ولقد كشفت وثائق ويكيليس المسربة عن 60000 وثيقة دبلوماسية سعودية بهذا الصدد وأماطت اللثام عن هذا النظام الضبابي. ومن امتداداته تأسيس الرابطة الإسلامية العالمية سنة 1962 كمقابل للجامعة العربية المتشبعة بالأفكار الناصرية حيث اعتبرت الرابطة الإسلامية العالمية بمثابة الذراع الضاربة بيد الرياض، حيث تكفلت هذه الرابطة بفتح المدارس القرآنية المجانية بتمويل سعودي سخي في كل مكان في العالم وكذلك تأسيس المكتبات ونشر الكتب التي تروج للمنهج الوهابي.إلى جانب بناء المساجد في كل مكان في العالم قدر المستطاع والتي تجاوز عددها الخمسة آلاف مسجد خارج المملكة والعالم الإسلامي خلال النصف القرن الثاني من القرن العشرين المنصرم ، مع تزويد تلك المساجد بالأئمة الذين تدفع رواتبهم وتكاليف معيشتهم المملكة العربية السعودية بغية الحفاظ على الهوية الإسلامية لدى الأقليات الإسلامية التي تعيش داخل المجتمعات الغربية وتوفر لها المدارس القرآنية والمحاكم الدينية لمواجهة المؤسسات العلمانية التي تدير شؤون المجتمعات الغربية .وهناك مؤسسات شبابية ونوادي شبابية إسلامية تعمل تحت إشراف رابطة العالم الإسلامي في الدول الغربية بينما تقوم جامعة المدينة المنورة بتخريج أكثر من 25000 طالب أجنبي من 160 جنسية مختلفة، تمتعوا بمنح دراسية سعودية، إلى جانب العديد من الجمعيات الخيرية غير الحكومية التي تقدم المساعدات للأقليات الإسلامية في الخارج، وهناك مراكز ثقافية دينية كمركز الملك عبد الله للحوار الثقافي والديني في فينا في النمسا. ولقد أضفى الملك السعودي على نفسه لقباً دينياً شبه مقدس هو " خادم الحرمين الشريفين ، أي مكة والمدينة" لإضفاء الشرعية على نفسه ودوره ونشاطه وأنفق بسخاء على سياسته التبشرية بمعدل 7 مليار دولار سنوياً وهو مبلغ يتفوق على مبلغ الدعاية السوفياتية الذي لم يتجاوز المليارين دولار في السنة. ولقد حاربت المملكة العربية السعودية الأفكار الناصرية والقومية والاشتراكية الشيوعية والعلمانية وعملت من خلال مشتريات السلاح المهولة أن تضع نفسها في مصاف القوى الإقليمية الكبرى كإيران وتركيا. ولقد تعرض النظام السعودي إلى هزة قوية وصدمة عميقة عام 1979 جراء انتصار الثورة الخمينية في إيران وخوفها من انتشار مباديء الثورة الإسلامية الإيرانية مما سيتيح للشيعة المطالبة بقيادة العالم الإسلامي السياسية المناهضة للإمبريالية كما ادعت في بداياتها وأعلنت عن عزمها تصدير الثورة إلى بلدان العالم الإسلامي كافة، والاعتراض على شرعية آل سعود في إدارة الأماكن المقدسة في الإسلام .
لابد من عودة قليلاً إلى الوراء ، إلى السنوات الأولى في عشرينات القرن الماضي عندما بادر معلم مصري هو حسن البنا بتأسيس حركة الإخوان المسلمين ذات البرنامج السياسي الطموح في تأسيس الدولة الإسلامية وإعادة دولة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها وأسلمة المجتمع من جديد. ولقد عارضت تلك الحركة الاستعمار البريطاني على مصر كما عارضت سلطة جمال عبد الناصر في بداية خمسينات القرن المنصرم وحاولت اغتياله فرد عليها عبد الناصر بقوة وبطش بمؤسسي الحركة وبقياداتها وأعدم حسن البنا وسيد قطب فهرب أغلبهم إلى السعودية وأوروبا لمواصلة نشاطهم المعارض للنظام الناصري. وفي العراق استلهم بعض الشباب الإسلامي المتدين منهج الإخوان المسلمين وبرنامجهم السياسي الديني وأسسوا الطبعة الشيعية تحت إسم حزب الدعوة الإسلامية في نهاية خمسينات وبداية ستينات القرن العشرين، برعاية وإشراف المرجع الديني الشيعي محمد باقر الصدر الذي أعدمه صدام حسين في أوائل ثمانينات القرن الماضي بتهمة التآمر على النظام البعثي والتعاون مع النظام الإسلامي الخميني في إيران. واستمر حزب الدعوة في معارضته لنظام البعث في العراق واتبع أسلوب الكفاح المسلح لكنه فشل وهربت قياداته إلى الخارج لا سيما إلى إيران وسوريا وأوروبا. في سنة 1979 غزا الاتحاد السوفياتي أفغانستان فاقتنصت السعودي ومعها أمريكا هذه الفرصة لتشكيل المقاومة الإسلامية المسلحة من الأفغان أنفسهم ومن المتطوعين المسلمين والعرب في تنظيم صار يعرف فيما بعد بتنظيم القاعدة بقيادة السعودي من أصل يمني هو أسامة بن لادن وتمويل سعودي وتسليح وتدريب أمريكي، حيث تدرب المقاتلون المسلمون على أساليب حرب العصابات وحرب المدن والإرهاب والعنف وكانوا يوصفون بالمجاهدين من قبل العربية السعودية ومقاتلين من أجل الحرية من قبل الغرب. وبعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان ونشوب حرب أهلية بين الجماعات الجهادية الأفغانية المسلحة للاستحواذ على السلطة تمكن الطالبان بمساعدة أمريكية ودعم وتدريب وتسليح من قبل المخابرات الباكستانية من السيطرة على الحكم في أفغانستان وبسط حمايتهم على تنظيم القاعدة الإرهابي الدولي الذي انقلب على السعودية وأمريكا وقام تنظيم اعتداءات وهجمات الحادي عشر من أيلول سنة 2001 على برجي التجارة العالمية في نيويورك. هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان سنة 2002 وأطاحت حكم طالبان فهربت القاعدة إلى منطقة العشائر وزير ستان الواقعة على الحدود الأفغانية الباكستانية وصارت تعمل تحت الأرض وممارسة النشاط السري. ثم قامت الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق سنة 2003. وأتاحت الفرصة للإرهابيين في القاعدة وأمثالها للتسلل إلى العراق بحجة مقارعة الاحتلال الأمريكي وقيادة نشاط المقاومة المسلحة بقيادة المجرم المتوحش سيء الصيت أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في غارة أمريكية في العراق وخلفه أبو حمزة المهاجر ومن ثم أبو عمر البغدادي وبعد مقتل الأميرين السابقين تبوأ مركز القيادة أبو بكر البغدادي الذي أعلن نفسه خليفة للمسلمين وتأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروفة باسم " داعش" بعد سيطرة تنظيمه الإرهابي على أجزاء كبير من الأراضي العراقية والسورية وعلى الأخص بعد احتلاله لمدينتي الموصل في شمال العراق والرقة في سوريا وإزالة الحدود بين البلدين ودخوله في صراع مكشوف وعلني على النفوذ والزعامة مع تنظيم القاعدة بزعامة المصري أيمن الظواهري الذي خلف بن لادن بعد اغتياله على يد قوات الكوماندوس الأمريكية في الباكستان، لكن وهج القاعدة قد خفت نسبياً وتعايشت الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية مع الدكتاتوريات الحاكمة وخضعت لسطوتها وقمعها فتحولت إلى العمل السري بين الناس في مجال تقديم الرعاية و الخدمات والمساعدات للمحتاجين وإلقاء المواعظ والدروس في المساجد والجوامع ومارست التقية مبتعدة ظاهرياً عن النشاط السياسي طيلة عقدي الثمانينات والتسعينات مع نشوء جماعات إسلاموية متطرفة في مصر والجزائر خاضت فيها مواجهات دامية فاغتالت الرئيس أنور السادات في مصر وأشعلت أتون حرب أهلية دموية في الجزائر، وسيطرت على الحكم في أفغانستان وبات لها حضور مؤثر وقوي في الباكستان وتفجرت حروب استنزافية مدمرة بين العراق وإيران وبين العراق وقوات التحالف الدولي لتحرير الكويت التي غزاها صدام حسين في بداية تسعينات القرن الماضي. على هذه الخلفية قامت الولايات المتحدة الأمريكية بغزو أفغانستان وبعده بقليل العراق وأتاحت الفرصة المواتية من جديد للقوى الإسلاموية المتطرفة والإرهابية أن تنشط بذريعة مقاومة الاحتلال الأمريكي إلى أن حدث ما يعرف بالربيع العربي وصار المواطن العربي والمسلم مخيراً بين الدكتاتوريات أو الفوضى أو هيمنة القوى الإسلاموية المتوحشة كالقاعدة والنصرة وداعش وبوكوحرام وأقمي وحركة الشباب الصومالي وباقي الجماعات الإسلامية المسلحة، وانتشر مفهوم الجهاد الحركي الإرهابي كالطاعون في العالمين العربية والإسلامي منذ عام 2010 ولغاية اليوم. وانتهت أغلب ثورات الربيع العربي السلمية العلمانية في بداياتها إلى صراعات مسلحة تخريبية مدمرة وحروب أهلية لا أول لها ولا آخر حصدت كل شيء وتمخضت عن عودة الدكتاتوريات الحاكمة بأشكال وأسماء أخرى.
كانت شرارة التفجير للربيع العربي من تونس التي أدت إلى هروب الدكتاتور الحاكم زين العابدين بن علي من تونس إلى المملكة العربية السعودية وانتعاش حركة النهضة الإسلامية التونسية بزعامة راشد الغنوشي التي حلمت لبرهة في فرض النظام الإسلامي وتطبيق الشريعة لكن الشعب التونسي استطاع بإصرار وضراوة مقاومة هذا التوجه وتقليص نفوذ حركة النهضة وجعلها مجرد شريك عادي مع باقي الفعاليات السياسية بينما غادرت أغلب الكوادر الإسلاموية المقاتلة المتطرفة للمشاركة في حروب العراق وسوريا وليبيا ومصر. وتمكنت التظاهرات المليونية في الربيع العربي المصري من إطاحة الرئيس حسني مبارك الذي صار يسمى الرئيس المخلوع وتقديمه للمحاكمة، فيما أنهت قوات المعارضة الليبية ، على نحو دموي ووحشي حياة الدكتاتور الليبي معمر القذافي. قدم الغرب يد المعونة بدرجات متفاوتة للحراك العربي السلمي فيما قامت كل من العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة بتقديم المساعدات المالية السخية والأسلحة للمتمردين ، بينما خاضت فرنسا وبريطانيا وإلى حد ما الولايات المتحدة الأمريكية، التي حركت أسطولها السادس لهذا الغرض مواجهات مسلحة وشنت حرباً حقيقية ضد نظام القذافي وقصفت قواته بالطائرات والصواريخ وشلت حركتها مما أدى إلى سقوطه المريع . ساد التفاؤل في الغرب لأول وهلة من هذا الحراك الجماهيري العربي وتخيلت السلطات الغربية أن الشرق الأوسط بات على أبواب حياة ديموقراطية حقيقية. واعتقدوا أن الإرهاب الإسلاموي الذي انتعش في العقدين الأخيرين من القرن الماضي لم يعد سوى قش على نار حيث ستكتسحه التوجهات العلمانية المدنية التي نظمت التظاهرات الاحتجاجية ، لكن الواقع الميداني أجهض هذه التمنيات الوردية وانزلق الشارع العربي بقيادة الإسلام المتشدد والمتطرف نحو العنف المنظم واليأس والفوضى العارمة حيث قادت هذه النزعة العدمية إلى طرق مسدودة ولم يعد هناك أي مخرج أمام الناس سوى القبول بالأمر الواقع أو الموت. فمصر عادت للدكتاتورية العسكرية بعد تجربة مرة قصيرة مع حكم الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي كرئيس جمهورية منتخب بديل لحسني مبارك وغرقت ليبيا في الفوضى والتفكك وغياب الدولة وسيطرت الميليشيات الإسلاموية المتطرفة على مناطق ومدن كاملة بينما تعيش اليمن إرهاصات الربيع العربي وتعيش تحت نيران حرب أهلية بين الحوثيين وبقايا نظام عبد ربه وحرب خارجية يشنها عليها التحالف العربي بقيادة العربية السعودية. أما في العراق فقد أطاحت القوات الأمريكية بنظام صدام حسين الدموي وحلت محله دكتاتورية أسلاموية مقنعة يشترك فيها الشيعة والسنة رافعي لواء حكم الإسلام السياسي وعزل العلمانيين وفتح المجال كاملاً أمام الأكراد ليعيشوا تجربتهم في الحكم الذاتي الحقيقي كخطوة أولى نحو الاستقلال الناجز. أثبتت تجارب التاريخ أن الإسلام السياسي وكذلك أية قوى دينية سياسية أخرى تصل إلى الحكم ستحاول بكل الطرق فرض أسلوبها ونمطها حياتها الأخلاقي والتربوي ووالتعليمي ونموذجها في الحكم بالقوة كما شاهدنا ذلك في إيران ومصر وتركيا والعراق. ففي مصر قادت الانتخابات التشريعية الأولى في نهاية 2011 وبداية 2012 إلى نتائج مخيبة للآمال. فحركة الإخوان المسلمين الأصولية المتشددة فازت بتلك الانتخابات عن طريق الحزب السياسي الذي أسسته على عجل لهذه المناسبة وهو حزب الحرية والعدالة الذي حصل على 38% وحاز على 49% من مقاعد البرلمان على رأس دولة يصل تعداد سكانها إلى أكثر من 80 مليون نسمة وكان هذا الحدث بمثابة قنبلة مدوية في رأس الرأي العام العالمي والمسرح الدولي حيث وصل الربيع العربي في مصر إلى حكم إسلامي متشدد يريد تطبيق الشريعة . وكان أول إجراء تعسفي قام به محمد مرسي والإخوان المسلمون في مصر في 25 آذار مارس 2012 هو تعيين 100 شخص ، 50 من البرلمانيين الموالين للحزب الحاكم الحرية والعدالة و 50 شخصية من خارج البرلمان من المتعاطفين مع الحركة من أجل " الجمعية التأسيسية ، وكانت النتيجة هي أن أكثر من ثلاثة أرباعهم من الإسلاميين فمن بين الشخصيات الخارجية غير البرلمانية شيخ الأزهر ومفتي مصر الكبير ما أدى إلى انسحاب العلمانيين لأنهم لا يرغبون في لعب أدوار سياسية ثانوية كالكومبارس . وفي حزيران 2012 فاز مرشح الإخوان محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية بنسبة 51.73% ضد المنافس الخاسر الجنرال السابق في القوة الجوية وآخر رئيس وزراء لحسني مبارك وهو أحمد شفيق، وهكذا تركزت كل السلطات بين يدي الإسلاميين الذين تقودهم حركة الإخوان المسلمين أمام حالة من الذهول والإحباط والخيبة التي أصابت العلمانيين الذين فجروا الثورة الشعبية ضد مبارك. وما أن وصل محمد مرسي إلى سدة الحكم كرئيس لمصر وخرج من الظل وكان شبه نكرة غير معروف ومودع في السجن ليتبوأ أول وأخطر منصب في مصر وبدأ بأسلمة الحلقات المحيطة به وحلقات السلطة ومؤسساتها الواحدة تلو الأخرى، ومنح نفسه سلطات واسعة فقام بإقالة رئيس المجلس العسكري المارشال محمد حسين طنطاوي من منصبه كرئيس للمجلس العسكري الذي يحل محل رئيس الجمهورية في حالة غيابه أو وجوده خارج البلد وعين بدلاً منه المارشال عبد الفتاح السيسي لأنه تصور أنه من المتعاطفين مع التيار الإسلامي والمؤيد لقضية الإسلاميين في مصر. وعند حل البرلمان بذريعة عدم شرعيته، استغل مرسي الفرصة ليمنح لنفسه سلطات تشريعية ، واستمر بإصدار العديد من القرارات للحد من الحريات وأسلمة الدولة متحدياً مشاعر عدد كبير من المواطنين لا سيما المسيحيين الأقباط. وفي 22 نوفمبر 2012 تعدى مرسي الحمر وخطا خطوة كبيرة أخرى في سعيه للسلطة الشمولية فأصدر قراراً دستورياً يعطيه حق السلطة التشريعية ومنع المحاكم والقضاء من الاعتراض على قراراته وحل الجمعية التأسيسية وبعد أن حصن موقعه طالب في نهاية نوفمبر بالتصويت على الدستور الجديد الذي أعده هو وحزبه الإسلامي مفصلاً عليهم الأمر الذي استفز المجتمع المدني المصري وانطلقت ضده تظاهرات مليونية كبيرة تطالبه بالرحيل وتنادي بإطاحته ورحيله. ولقطع الطريق على التظاهرات المطالبة بإقالته من منصبه أخضع الدستور للاستفتاء وضمن التصويت عليه بالإيجاب في 15 ديسمبر. وبفضل هذا الدستور المفصل على قياسه بات بإمكان مرسي أن يحصر كافة السلطات بين يديه ويفرض تطبيق الشريعة الإسلامية والحدود الإسلامية جاراً خلفه المجتمع المصري برمته ، بمسيحييه وعلمانييه والمعارضين للحكم الإسلامي، نحو أسلمة المؤسسات وصادر الديموقراطية التي أوصلته للسلطة بطريقة شرعية لصالح دكتاتورية إسلامية مقيتة ولم يعد هناك من هو قادر على منعه أو إيقافه ولا حتى التظاهرات المليونية المنددة به وبحكمه ولا الأوساط السياسية المعارضة ولا المثقفين ولا التشكيلات السياسية المتبنية للنهج العلماني، ولم يبق سوى الجيش كآخر ملاذ للخلاص من مرسي وحكمه الإسلامي الدكتاتوري الجائر.
كان الجيش المصري دائماً حارساً للعلمانية كما كان الجيش التركي قبل هيمنة حزب رجب آردوغان الإسلامي ـــ النسخة التركية من الإخوان المسلمين ـــ على السلطة في البلاد وكسره لسطوة الجيش وسلطته السياسية عير التطهير والاعتقالات والإقالات القسرية بتواطؤ من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. لذلك لم يندهش أحد لقيام الجيش المصري بوضع حد لهذا الاستفراد بالسلطة من قبل التيار الإسلامي السياسي في مصر وكبح مساعي أسلمة المجتمع المصري بالقوة والترهيب التي بدأ فيها محمد مرسي وحزبه الحاكم وفي 3 تموز 2013 حسم المارشال السيسي الأمر وقام باعتقال رئيس الجمهورية الإسلامي محمد مرسي مصرحاً أنه قام بذلك ملبياً مطالب وإرادة الشعب المصري التي عبر عنها عبر تظاهراته المليونية التي تجاوزت الــ 30 مليون متظاهر. وقد سبق للجيش الجزائري أن قام بحركة مماثلة في تسعينات القرن الماضي عندما فاز الإسلاميون في جبهة الإنقاذ الإسلامية بالفوز في الانتخابات التشريعية فانقلب عليهم الجيش الجزائري وأوقف العلمية الدستورية وأعلن حالة الطوارئ في البلاد واستعاد السلطة من أيدي الإسلاميين مما قاد البلد إلى الغرق في حرب أهلية دموية دامت عشر سنوات قادتها الجماعة الإسلامية المسلحة GIA الموالية لتنظيم القاعدة الإرهابي الدولي. وفي 25 ديسمبر وضع تنظيم الإخوان المسلمين في مصر على لائحة القوى الخارجة على القانون والمحظورة كما دعا السيسي إلى انتخابات جديدة وإلى صياغة دستور جديدة لمصر أيدته خمسون شخصية مصرية من الوجهاء والشخصيات المعروفة والمحترمة وذات المكانة الرفيعة في المجتمع المصري وحصل السيسي على موافقة الشعب المصري عبر استفتاء أجراه على الدستور الجديد نال موافقة 98% من الأصوات وذلك في 14 و 15 ديسمبر 2014. أعطى الدستور الجديد سلطات واسعة للجيش كمؤسسة مستقلة بميزانية واسعة ومستقلة وأعاد للمؤسسة العسكرية هيبتها وسطوتها و سلطتها التي سلبها إياها محمد مرسي . كما أزيل من الدستور فقرة أن الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع وإن القانون الإسلامي وتطبيق الشريعة هو الدستور الوحيد الذي يجب اتباعه واستعاد تعبير أن الشعب هو مصدر السلطات وإن مصر جزء من العالم الإسلامي فحسب لكنه لم يستطع إلغاء جملة أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي. كما قلل من سلطة وصلاحيات الأزهر . وكذلك ألغى الفقرة 44 من دستور 2012 الإسلاموي الخاصة بمعاقبة من يمس الأنبياء والرسل ، وأعاد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة الذي ألغاه محمد مرسي والتحرر من سطوة الشريعة واتباع القوانين الوضعية العلمانية المطبقة في الدول المتحضرة وأهم فقرة هي منع تشكيل الأحزاب السياسية على أساس ديني أو طائفي .
كانت دويلة قطر وما زالت هي الداعم الرئيسي والممول لتنظيم الإخوان المسلمين المصري والتنظيم الدولي أيضاً بينما كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تخشى هذا التنظيم وتعتبره تنظيماً إرهابياً يشكل خطراً عليها وعلى النظام في المملكة العربية السعودية، وهذا ما يفسر الدعم غير المحدود الذي قدمته قطر لتنظيم الإخوان المسلمين في مصر بتأثير من أحد قادته المقيم في قطر وهو الشيخ يوسف القرضاوي، و في سورية عند تمرده على السلطة الحاكمة لبشار الأسد ومدته بالمال والسلاح . من هناك يمكن تفسير توجه كل من الإمارات والعربية السعودية إلى دعم وتمويل المارشال السيسي والاعتراف بحركته التصحيحية ضد تنظيم الإخوان المسلمين و ما قدمته للاقتصاد المصري والميزانية المصرية من أموال وصلت إلى أكثر من 20 مليار دولار لتعويض النقص الخطير في إيرادات السياحة التي تعتمد عليها مصر كلياً بسبب أحداث الربيع العربي. وهاهي مصر تلعب اليوم دوراً كبيراً في مجال محاربة الإرهاب الإسلاموي وتتعرض في صحراء سيناء وفي شوارع ومدن مصر والعاصمة القاهرة إلى هجمات إرهابية وتفجيرات تتصدى لها قوى الأمن والجيش بقوة وصرامة .
التجربة الليبية المرة:
تصرف الغرب بغباء وعدم مسؤولية في المسألة الليبية ولم يستفيدوا من دروس التجربة العراقية المرة التي أعقبت غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق عام 2003 وما آلت إليه الأمور من فوضى وتفشي العنف والصراعات والاستقطابات الطائفية والمذهبية والدينية والإثنية وتفاقم النشاطات الإرهابية وسيطرة الإسلام السياسي الشيعي والسني على مفاصل السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ففي 13 شباط من عام 2011 بدأت شرارة الربيع الليبي في بنغازي ثاني مدن ليبيا بعد طرابلس العاصمة وهي المهد التاريخي للمعارضة الإسلامية لنظام العقيد معمر القذافي. ثم انتشرت التمردات ضد نظام القذافي ووصلت إلى طرابلس في 20 شباط من نفس العام. وفي 26 شباط أعلن مصطفى عبد الجليل وزير العدل الليبي السابق ، الذي التحق بالمتمردين ، عن تشكيل المجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي اعترفت به فرنسا فوراً باعتباره الممثل الشرعي للشعب الليبي بديلاً عن نظام القذافي. في حين كان القذافي مايزال يمسك بالسلطة ولديه جيش مدجج بالسلاح وموالي له لذلك سرعان ما شن هجوماً مضاداً على قوافل المتمردين المسلحين في سياراتهم رباعية الدفع ودمرها بطيرانه ودباباته ومدفعيته الثقيلة وصار يصرخ ويهد كالمجنون متوعداً بسحق وحرق المعارضين ومدينة بنغازي التي يتحصنون بها بيتاً بيتاً وزقاقاً زقاقاً – زنقة زنقة كما كان يقول- وكان على وشك ارتكاب مجزرة بشرية ضد شعبه وسكان بنغازي حسب إدعاء فرنسا. وكان الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي قد أعرب عن موقفه لحماية المدنيين الليبيين في بنغازي بتاثير من الفيلسوف الفرنسي اليهودي برنارد هنري ليفي الذي طالبه بالتدخل السريع قبل فوات الأوان وكان ليفي مجتمعاً بأعضاء المجلس الودطني الانتقالي الليبي في بنغازي فسارع الرئيس الفرنسي في 17 آذار بتقديم طلب لمجلس الأمن في الأمم المتحدة لإصدار قرار بهذا الشأن تحت البند السابع يسمح له بالتدخل العسكري في ليبيا لإنقاذ المدنيين من مذبحة مؤكدة وفرض منطقة حظر ضد الطيران الليبي وهكذا حصل القرار رقم 1973 على 10 أصوات مؤيدة وامتناع 5 عن التصويت لا معه ولا ضده ولم تستخدم روسيا و لا الصين حق الفيتو ضد هذا القرار. وفي 19 آذار شنت القوات الجوية الفرنسية والبريطانية هجمات على القوات الليبية ومقر القيادة العسكرية الليبية فيما أمن الأسطول السادس الأمريكي عملية تشويش الكترونية على الاتصالات الليبية وجعلها عمياء صماء مما حرم وسائل الدفاع الجوي الليبية من الرد وتعطلت رداراتها كما وضعت إيطاليا مطاراتها وقواعدها تحت تصرف الحلفاء الغربيين الذي سيطروا على السماء الليبية تماماً وشلوا تحركات القطعات العسكرية البرية الليبية واستمر القتال لثمانية أشهر تتوج في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي في 20 آب 2011 وحرق طرابلس العاصمة ومقرات السلطة والقصور الرئاسية ، وفي 20 أكتوبر 2011 وقع القذافي في قبضة الثوار الإسلامويين الذين مزقوه إرباً وقتلوه بطريقة بشعة ومتوحشة أمام كاميرات الهواة والمهاجمين مما يعكس حالة من الانتقام العنيف والدموي ضد شخص القذافي وعائلته الذين قتل بعضهم تحت القصف وألقي القبض على البعض الآخر بينما تمكنت ابنته وأحد أبنائه من الهرب إلى خارج ليبيا، ويكمن تفسير هذا التحامل الفرنسي على القذافي بمحاولة طمس الأسرار التي يعرفها القذافي وحاشيته المقربة ومنها تمويله للحملة الانتاخابية لساركوزي بخمسين مليون يورو وهذا مخالف للقوانين الفرنسية . وفي 23 أكتوبر 2011 أعلن عبد الجليل من بنغازي رسمياً تحرير ليبيا بعد حرب أهلية استمرت ثمانية أشهر تلقى المتمردون خلالها كل الدعم والتأييد السياسي والعسكري والمالي من جانب فرنسا وقطر. وفي نفس اليوم تبين للعالم بجلاء الوجه الحقيقي للتمرد العسكري المسلح حيث أعلن المتمردون أن البلد سوف يدار وفقاً لمبادئ الإسلام والشريعة الإسلامية وأن تكون الشريعة هي القانون الذي يشكل أساس ومصدر التشريعات القانونية في البلاد مما أثار بعض القلق في أوساط الاتحاد الأوربي القيادية وأعيد اختيار عبد الجليل على رأس المجلس الوطني الانتقالي في 5 آذار 2012. ومن هناك بدأت الانقسامات والتشققات تحدث وأعلنت مدينة سيرت استقلالها الذاتي واختارت أحمد السنوسي ، وهو أحد القيادات المعتقلة في سجون القذافي لمدة 31 سنة، على رأس الإقليم رغم احتجاجات واعتراضات المجلس الوطني الانتقالي. كما تم تنظيم أول انتخابات في ليبيا المحررة من حكم القذافي في 7 تموز 2012لاختيار 200 برلماني في المؤتمر الوطني العام الذي من المفترض أن يحل محل المجلس الوطني الانتقالي. 80 منهم أعلنوا أنهم أعضاء في أحزاب تأسست على عجل جراء الربيع الليبي و 120 تم اختيارهم بصفة مستقلين وكان على رأس الفائزين تحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل وحصد 39 مقعدا من أصل 80 حجزت للأحزاب السياسية وبعده حزب العدالة والبناء الإسلامي الذي حصل على 17 مقعد وفي الموقع الثالث حزب الجبهة الوطنية الليبرالي الذي حصل على 3 مقاعد بينما حصل حزب الوطن الإسلامي على مقعدين وحزب الوسط الوطني حصل على مقعدين وحزب وادي الحياه للديموقراطية والتنمية حصل على مقعدين ومقعد واحد لكل من الخمسة عشر حزباً الباقية . تفاءل الغربيون بهذه النتائج بأغلبية الليبراليين لكنهم كانوا ضحايا لوهم بصري وجهل بالواقع الليبي لأن مجموع ما حصل عليه هؤلاء هو 46 من مجموع 80 بينما ذهبت المقاعد الــ 120 الباقية للإسلاميين والذين نضم إليهم عدد من الانتهازيين من النواب الليبراليين وأعلنوا أسلاميتهم وتأييدهم للمنهج الإسلامي.
وهكذا بدأ الإسلاميون يرهبون ويهددون المعتدلين بفضل كونهم يحملون السلاح ويملكون ميليشيات مسلحة مقاتلة على الأرض. انسحب الكثير من السياسيين المدنيين المعتدلين أو الليبراليين من الحياة السياسية أو هاجروا خوفاً على حياتهم ، وفي 25 حزيران 2014 أجريت انتخابات تشريعية لم يشارك في التصويت عليها سوى أقل من 20% مما حرمها من الشرعية ودمغها بالضعف ولذلك انتقلت الحكومة إلى مدينة طبرق التي تبعد 1600 كلم إلى الغرب من طرابلس بالقرب من الحدود المصرية الليبية وواجهت الكثير من الاعتراضات وبالتالي انقسمت ليبيا وصار لديها برلمانيين وحكومتين ولا يوجد في ليبيا دستور ولا جيش وطني عدا جماعة الجنرال خليفة حفتر الذي استعاد جزء من القوات الجوية القذافية ولديه بضعة طائرات مقاتلة وبعض الأسلحة الثقيلة التي استعادها من القوات النظامية المفتتة فهو جنرال سابق متقاعد في جيش القذافي وقد التحق به بعض الضباط السابقين في الجيش النظامي. فموت القذافي ترك فراغاً سياسياً خطيراً في البلاد فهو لم يسن دستوراً ولم يسمح بتأسيس الأحزاب السياسية بل ولا حتى حزب وحيد للسلطة تابع له و لا نقابات و لا مؤسسات مدنية موالية، وفي ظل هذه الفوضى احتلت الميليشيات الإسلامية الأرض وصارت هي السلطة الحقيقية ميدانياً في ظل صراعات واضطرابات عشائرية ومواجهات مسلحة بين القبائل وبالتالي فإن ليبيا مرشحة للتقسيم والتفتت. فهناك تنظيم فجر ليبيا وكتائب مصراطة وألوية زنتان وكتائب بنغازي وأنصار الشريعة وهناك بالطبع القاعدة وداعش في درنة التي انتعشت في ظل ضعف وغياب الدولة المركزية الشرعية . وكلها تتصارع ميدانياً بقوة السلاح من أجل النفوذ والمصالح. الذي أوصل داعش هو المجلس الاستشاري للشباب الإسلامي الذي تحول إلى مجلس شورى شباب الإسلام الذي تأسس سنة 2014 واحتل درنة وأعقب الإمارة الإسلامية التابعة للقاعدة التي تعرضت لما يشبه الإبادة . وأعلنت مبايعتها لدولة الخلافة بقيادة أبو بكر البغدادي وصارت تعيش على نفس نمط الحياة الذي فرضته الدولة الإسلامية داعش في الرقة والموصل. وهناك مليشيات إثنية تمثل أقليات أهملها القذافي وقمعها مثل البربر والطوارق والتوبوس الزنوج الرحل في المنطقة الصحراوية الخ..
فإطاحة القذافي كانت شبه مستحيلة بدون الدعم والمشاركة الغربية الفعالة والتمويل القطري وقد خلف سقوط نظام القذافي الخراب والفوضى والحرب الأهلية وهيمنة الميليشيات الإسلاموية العنيفة والمتشددة وغدت مصدراً لتفريخ وشحن الإرهابيين الإسلامويين الذي يسميهم البعض بالجهاديين الذين تسللوا إلى أفريقيا في مالي والنيجر ونيجيريا والساحل والصحراء الجنوبية الأفريقية ومصر وتونس والجزائر. كما انتعشت في هذه الأجواء تجارة تهريب المهاجرين غير الشرعيين من السواحل الليبية نحو أوروبا باتجاه السواحل الإيطالية القريبة كمدخل للأراضي الأوروبية .
الاستثناء التونسي:
في 23 نوفمبر 2014 تم اختيار مرشح حزب نداء تونس بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية قايد السبسي البالغ من العمر 87 عاماً، وهو وزير سابق في حكومات بورقيبة وبن علي، رئيساً للجمهورية التونسية خلفاً للرئيس المؤقت محمد منصف المرزوقي الذي كان يحظى بتأييد ودعم التيار الإسلامي المعتدل في تونس وكذلك حزب النهضة بقيادة راشد الغنوشي وهو القرين لتنظيم الإخوان المسلمين، لأن هذا الأخير قرر عدم تقديم مرشح من بين صفوفه للانتخابات الرئاسية. وأمام الرئيس الجديد تحديات كثيرة فمعدل البطالة بلغ 15% من مجموع السكان وتفشي الجريمة وانعدام الأمن وانهيار السياحة المصدر الأول لميزانية البلاد فالبلد فقير و لا يمتلك غاز أو بترول واقتصاده مهزوز جراء ثورة الياسمين في عام 2011 التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، وكانت الشرارة التي أطلقت ما يعرف بالربيع العربي. تتعرض تونس لهجمات من جانب التيار الجهادي الإرهابي العنيف ، وهناك الآلاف من التونسيين الشباب المتطوعين في المنظمات الإرهابية كالقاعدة وداعش، يقاتلون الآن خارج تونس في العراق وسوريا وليبيا ومصر، وقد يعود من يتبقى منهم على قيد الحياة ليعيث في البلاد العنف والإرهاب، و لا ننسى أن حزب النهضة الإسلامي التونسي هو الذي فاز بأغلبية مقاعد البرلمان الــ 217 في انتخابات الجمعية التأسيسية في 23 أكتوبر 2011 مما أثار الرعب في نفوس العلمانيين التونسيين حيث أصبح سكرتير عام حزب النهضة حمادي جبالي رئيساً للوزراء وشكل حكومة وفاق وطني أشرك فيها حزبين علمانيين هما، المؤتمر من أجل الجمهورية برئاسة المنصف المرزوقي الذي أصبح رئيساً مؤقتاً أو إنتقالياً لتونس وقد تحالف مرشحوا حزب النهضة الإسلامي مع السلفيين بغية صياغة وفرض دستور ينص على تطبيق الشريعة الإسلامية حرفياً وكان السلفيون يرهبون ويهددون المثقفين والفنانين وأساتذة الجامعات العلمانيين لأنهم كفار وتجار ومستهلكي الكحول ومسؤولين عن كازيناوات القمار والملاهي والخلاعة والعلب الليلية والبارات والنوادي الخليعة ودور العرض الفنية ، حسب مفردات هذا التيار المتشدد في الإسلام بمرأى ومسمع من حكومة حزب النهضة الإسلامي الذي يوصف بالمعتدل والذي أطلق سراح كافة المعتقلين الإسلاميين الذي سجنهم نظام بن علي، ووصف المتطرفين بــ" أنهم أولادنا " على حد تعبير راشد الغنوشي. ولم تتدخل الدولة لمنع هجوم نفذه الجهاديون الإرهابيون ضد السفارة الأمريكية في تونس في حين كان وزير الداخلية على علم قبل يوم من تنفيذ هذه العملية وكان التواطؤ بين النهضة والسلفيين في الشارع التونسي ملحوظاً وجلياً ، وقد عارض الاتحاد العام للشغيلة التونسية ، أي نقابة العمال التونسية القوية هذا التوجه الإسلامي للحكومة الإسلامية التونسية وحدثت صدامات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الشرطة التونسية وتوالت الإضرابات والاعتصامات، لكن التجربة المصرية المرة تجاه الإخوان المسلمين وسيطرت الجيش المصري على مقدرات البلاد واستلامه السلطة بالقوة من الإخوان المسلمين، أخاف حزب النهضة التونسي الذي اعتبر ذلك بمثابة درس يجب أن يتعلم منه خوفاً من انقلاب المؤسسة العسكرية التونسية العلمانية ضده. فاستبدل حزب النهضة رئيس الوزراء الجبالي بعلي الرياض في حين اغتال السلفيون المتطرفون الزعيم السياسي العلماني محمد البراهيمي في 25 تموز 2013 وقبله الزعيم اليساري بلعيد، حيث تم الاتفاق أخيراً على دستور بتأييد 200 صوت، حيث لم ينص الدستور الجديد على كون الإسلام هو المصدر الأساسي للتشريع، وتمت إعادة تشكيل الوزارة حيث كلف مهدي جمعة وزير الداخلية في وزارة الرياض لتشكيل الحكومة وتم حل التجمع الدستوري الذي كان يقوده زين العابدين بن علي ، وظهرت على الساحة مئات الأحزاب السياسية الصغيرة. لقد انتصرت تونس العلمانية مؤقتاً على تونس الإسلامية وفاز حزب نداء تونس العلماني بــ 85 مقعد على حزب النهضة الإسلامي الذي حصل على 69 مقعد في الانتخابات التشريعية في 26 أكتوبر 2014 لكن الحزب الإسلامي النهضة ما يزال قوياً ويعد ثاني حزب في البلاد ، إلى حين عودة ذراعه المسلحة المنتشرة حالياً في مناطق القتال خارج تونس في العراق وسوريا وليبيا وغيرها بين صفوف الجهاديين الإرهابيين التكفيريين، بغية تغيير موازين القوى في تونس في المستقبل القريب لصالحه. فتونس تجنبت الانزلاق في حرب أهلية كما في سوريا وسيطرة الإخوان المسلمين كما في مصر والغرق في الفوضى وهيمنة المليشيات الإسلاموية المتطرفة على المجتمع كما في ليبيا ، ونجحت في امتحان المرحلة الانتقالية والتحول إلى الديموقراطية وبقاء العلمانيين في السلطة. لكن هناك تونس أخرى إسلامية سلفية وجهادية قتالية عنيفة وإرهابية تتمثل بحركة النهضة الإسلامية والسلفيين والجهاديين المنتمين لداعش والقاعدة وأنصار الشريعة من أمثال بوبكر الحكيم وأبو مقاتل الذي تحدى السلطة في شريط فيديو أرسله من سوريا حيث يقاتل اليوم هناك ونشر في 18 ديسمبر 2014، والذي اعترف فيه باغتيال العلمانيين بلعيد والبراهيمي وتوعد فيه بالعودة وقتل المزيد من العلمانيين الذي وسمهم بالطواغيت، وهؤلاء الإسلاميين يرغبون ويحلمون جميعاً بإقامة الدولة الإسلامية في تونس ودستورها الإسلام والشريعة الإسلامية بحذافيرها ولكن كل بطريقته وأساليبه.
فالتيار السلفي في تونس يريد أخذ السلطة بالقوة والعنف، وقد صرح أبو مقاتل في شريط الفيديو المذكور مهدداً السلطة التونسية المدنية:" لقد واجهناكم بالسلاح في تونس وشهدنا جبنكم في جبل شامبي والجبال الأخرى ، نعم أيها الطواغيت، نعم لقد اغتلنا الكفار بلعيد والبراهيمي وأقسم أننا سنعود لقتل المزيد والكثير منكم وأقسم كذلك أنكم سوف لن تعيشوا بسلام بعد الآن طالماً لا تحكم تونس بحكم الإسلام وتطبق فيها الشريعة الإسلامية كاملة"، وأعلن في هذا الشريط بيعته لأبو بكر البغدادي وانضمامه لدولة الخلافة الإسلامية ، وتتمركز جماعته اليوم في تلال شامبي التي تبعد بضعة كيلومترات عن الحدود الجزائرية حيث تدور مواجهات مسلحة مع الجيش التونسي وقد وضعت السلطات التونسية هذه الجماعة على لائحة التنظيمات الإرهابية الممنوعة والمطلوبة من العدالة لأنها أعلنت واعترفت أنها قريبة ومتحالفة مع تنظيم أقمي الإرهابي ، أي القاعدة في بلاد المغرب العربي، قبل أن تعلن انحيازها إلى الدولة الإسلامية داعش.
الإسلاميون السلفيون والمتطرفون المتشددون والتكفيريون يكرهون ويرفضون السيروة الانتخابية الديموقراطية التي أتت بالعلمانيين إلى الحكم مرة أخرى في تونس، لذلك هاجموا مكاتب التصويت في القيروان أثناء الانتخابات الرئاسية لكنه لم ينجحوا في منع حدوثها. ولقد أشاروا إلى ذلك في شريط الفيديو قائلين:" لا تفرحوا كثيراً بما حققتم عبر ظاهرة الانتخابات ولا تنخدعوا بفوزكم لأن هذه الانتخابات المزعومة سوف تدفعكم لتتواجدوا بين صفوف الكفار وغير المؤمنين". وهم ينوون أخذ السلطة بالقتال والعنف والقوة المسلحة والإرهاب المتصاعد الوتيرة وما يساعدهم على ذلك هو الوضع الاقتصادي المتردي وغلاء المعيشة المتفشي، الذي يساهم في تزايد حلقات الإسلام الراديكالي ومن الممكن أن يلتحق بهم السلفيون لنصرة الشريعة. وإذا قرر القايد السبسي مواجهة خطر الإرهاب الذي يجسده هؤلاء المتطرفون فعليه أن يحاربهم بأسلوبهم لذلك من المتوقع أن يلجأ إلى فرض نظام دكتاتوري يطبق قانون الطوارئ والأحكام العرفية ، ما يعني العودة إلى المربع الأول كما هو الحال مع تجربة مصر السيسي، بيد أن الجيش التونسي ليس بنفس قوة الجيش المصري ولن يكون بوسعه وحده مواجهة شراسة وحيوية المقاتلين الجهاديين الإرهابيين المتمرسين لذلك لن يشكل سداً منيعاً أم زحفهم القادم خاصة وإنهم يتمتعون بتواطؤ السلفيين من الداخل الذي يحلمون بكنس المؤسسات والفعاليات العلمانية ، كما لا يوجد مثيل تونسي للمارشال السيسي ، وهو الأمر الذي يعكس هشاشة وضعف الحكم الديموقراطي العلماني الحالي إلا إذا قرر الغرب التدخل بكل ثقله وقوته العسكرية لمنع تدفق الإرهاببين الجهاديين التوانسة من ساحات القتال الحالية باتجاه تونس.
الإسلام الحركي هو الخطر القادم:
يقول المنظرون المعادون للإسلام في الغرب أنه لو لم يكن هناك إسلام لما وجدت الحركات الإرهابية الجهادية الإسلامية ولولا وجود نصوص في الإسلام قابلة للتأويل لما شكل هؤلاء هذا الخطر المحدق باسم الدين، فالفرق بين الإسلام والإسلاموية ليس في الطبيعة بل في الدرجة. فالإسلام الحركي الجهادي الإرهابي يشكل خطراً ، ليس فقط على العالم الإسلامي ، بل على العالم برمته. وهذا الوحش الذي خلقته المملكة العربية السعودية وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية والمخابرات الباكستانية ، أي الإسلام الجهادي المقاتل ، لمحاربة السوفييت في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي وأولد للعالم طالبان والقاعدة واليوم داعش، ارتد على أسياده ومؤسسيه فضرب أمريكا في الحادي عشر من أيلول 2001 ويهدد العربية السعودية اليوم في وجودها. فالنظام الوهابي يتعرض لمنافسة شديدة من جانب تنظيم الإخوان المسلمين، لا سيما في صيغته الدولية وانتشاره في العديد من الدول الإسلامية كتركيا ومصر والباكستان وفلسطين من خلال منظمة حماس والعراق وسوريا والسعودية نفسها الخ.. من جهة ، ويواجه خطر منظمة الدولة الإسلامية داعش، التي تمارس جاذبية قوية في الوقت الحاضر تجاه الشباب المسلم في كل مكان في العالم إذ صارت داعش اليوم هي التي تمثل وترمز للأمة الإسلامية في نظر العديد من أتباعها والموالين لها. وهي تمتلك اليوم أكثر من 30000 مقاتل منتشرين في أصقاع الكرة الأرضية وتسيطر على أراضي شاسعة في العراق وسورية وتدير مدينتين كبيرتين هما الموصل والرقة أعلنت فوقهما دولة الخلافة . الرياض واعية لهذا التحدي القاتل لكنها لاتسعى لتدمير النزعة الجهادية الإرهابية تماماً المتمثلة بتنظيم القاعدة الإرهابية ودولة الخلافة الإسلامية داعش، بل تنافسهما وتزايد عليهما بتطبيق نفس القواعد القمعية والتعسفية الوحشية ولديها نفس الهدف الذي يجمعهم جميعاً ألا وهو استئصال الفكر الشيعي وتدمير من يحمله ويمثله، أي إيران وشيعة العالم الإسلامي والميليشيات الشيعية كحزب الله والحشد الشعبي وغيرهم، لأنها تعتبر الجهاديين الإرهابيين السنة بمثابة ذراعها المسلحة الضاربة فيما بعد فيما لو اشتدت المواجهة الطائفية بينها وبين إيران. لذلك تركت أمر مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية داعش على عاتق الغرب والقوات العراقية والسورية النظامية وقوات الحشد الشعبي وحزب الله لكي يستنزفوا في حين تركز جهودها على قصف الحوثيين الشيعة في اليمن والشيعة في المنطقة الشرقية في السعودية والشيعة في البحرين من خلال دعمها وحمايتها للأقلية السنية البحرينية الحاكمة وتسعى لتاسيس تحالف سني دولي لمحاربة الإرهاب والذي تعني به ضرب إيران باعتبارها الدولة رقم واحد الراعية للإرهاب الدولي كما وصفتها إدارة دونالد ترامب.
العنف في الإسلام قديم ومتجذر فيه منذ عهد مؤسس الرسالة محمد والتاريخ القديم وكتب التراث مليئة بذكر أحداث العنف والقتل وقطع الرؤوس فخليفة المسلمين عمر مات مقتولا بعملية اغتيال وعثمان قتل بيد المسلمين في الفتنة الكبرى وعلي اغتاله خارجي انشق عن جيشه مع الخوارج وابنه الحسن مات مسموماً بأمر من خليفة المسلمين معاوية ابن ابي سفيان ألد أعداء الإسلام قبل فتح مكة. والحسين بن علي قتله جيش الخليفة الأموي يزيد وقطع رأسه ورؤوس أصحابه وأبنائه وأشقائه وسبيت عائلته ، وتقاتل المسلمون بعنف وشراسة وقتل منهم الآلاف في حرب الجمل التي قادتها عائشة زوجة النبي وطلحة والزبير كما قتل آلاف المسلمين بحرب صفين بين علي ومعاوية وحرب النهروان ، وهوجمت مدينة النبي بالمنجنيق وقتل فيها الكثير من الأنصار والمهاجرين واغتصبت فيها النساء وجرائم الحجاج ابن يوسف الثقفي مشهورة في العراق كذلك جرائم الخلفاء العباسيين الوحشية ضد معارضيهم وصولاً إلى جرائم الخلفاء العثمانيين الذين حكموا العالم الإسلامي بالحديد والدم وكانت التصفيات الدموية تحدث حتى داخل بيوتهم. وكلهم قام بذلك باسم الخلافة الإسلامية وبالتالي فإن داعش لم تأت بجديد ولم تبتكر أمراً لم يكن معروفاً في الإسلام لكل من يبحث في تاريخه وكتب التراث الإسلامي .
إنه ذات الصراع السني الشيعي بصوره المختلفة يتكرر عبر التاريخ ويتجدد ويتفاقم عبر القرون منذ 1500 عام. يترجم اليوم بما يحدث على الساحات العراقية والسورية واليمنية والبحرينية والسعودية واللبنانية والباكستانية والأفغانية والإيرانية وغيرها. فداعش تجاوزت في عنفها ووحشيتها وبطشها ما كانت عليه القاعدة وتفوقت عليها بجرائمها.
عندما احتلت بريطانيا العراق في العقد الأول من القرن الماضي أسست في هذا البلد دولة مدنية حديثة ملكية نصبت على رأسها ملك سني من العائلة الهاشمية في نجد والحجاز هو فيصل الأول ومنحت السلطة للأقلية السنية وتجاهلت الأغلبية الشيعية خاصة بعد حدوث ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني التي قادها الشيعة وشارك فيها عدد من وجهاء السنة. ولكن في 30 حزيران 2004 ، وللمرة الأولى، استلم الشيعة العراقيون من الأمريكيين ، بعد احتلال دام 14 شهراً، السلطة الانتقالية التي كلفت بمهمة تنظيم الانتخابات الديموقراطية وفي 30 يناير كانون الثاني 2005 أجريت أول انتخابات حرة بعد أكثر من أربعة عقود من الحكم الدكتاتوري البعث ، إلا أن العشائر السنية قاطعت تلك الانتخابات التي تمخض عنها فوز كاسح للشيعة . وفي 26 آيار 2006 شكل نوري المالكي أول حكومة وفاق وطني ذات غالبية شيعية بديلاً لحكومة أياد علاوي المؤقتة . وفي أكتوبر 2006 تم التصويت لمشروع دستور فيدرالي للبلاد . وفي 18 ديسمبر 2011 غادرت أغلب القوات الأمريكية الأراضي العراقية وأطلق العنان للصراع المذهبي والطائفي الذي بدأ منذ العام 2005 واشتد في الأعوام 2007 – 2010 بسبب جرائم وهجمات الإرهابي السادي الحاقد أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ضد الشيعة قبل أن تكون ضد الأمريكيين، والذي خرج من رحم تنظيمه أبو بكر البغدادي زعيم داعش الحالي. فالتوزيع السكاني التقريبي بين مكونات العراق الديموغرافية هو 65% من الشيعة العرب و 15% من السنة العرب و 20% من الكرد بأغلبية سنية وأقلية شيعية هم الكرد الفيليين. ومن هذه الفوضى والفساد والمحاصصة انبثقت هذه الجرثومة القاتلة المسماة تنظيم داعش الإرهابي ودولته الإسلامية دولة الخلافة ، وهي بدورها بذرة من بذور تنظيم القاعدة الإرهابي التكفيري، والتي أعلنها الإرهابي أبو بكر البغدادي، الذي كان سجيناً لدى الأمريكيين في سجن بوكا بين 2004 و 2009 ولا يستبعد أن يكنوا قد جندوه لهذه المهمة القذرة. كان رئيس النظام السابق المقبور صدام حسن قد استقدم أبو مصعب الزرقاوي من أفغانستان ووفر له التسهيلات ومعسكرات التدريب وسهل التحاق المتطوعين العرب والمسلمين في تنظيمه استعداداً لمحاربة الأمريكيين في حرب عصابات وحرب مدن شرسة تحت ذريعة مقاومة الاحتلال الصليبي لبلد مسلم. وفي سنة 2004 أسس أبو مصعب الزرقاوي في المنطقة الغربية من العراق ذات الأغلبية السنية وكذلك داخل بغداد وديالى ومدن عراقية كثيرة حتى ذات الأغلبية الشيعية ولكن تتواجد فيها أقليات سنية كبابل والديوانية وغيرها، ما عرف باسم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي يحركه حقد مرضي ودموي ضد الشيعة، وبعد العديد من الجرائم البشعة التي يندى لها الجبين تمردت عليه العشائر السنية العراقية المتحالفة معه ضد الدولة المركزية الشيعية بتشجيع وتمويل وتسليح من قبل الأمريكيين لتشكيل فصائل مسلحة سنية عرفت باسم الصحوات لمحاربة تنظيم الزرقاوي الذي تبرأت منه حتى القاعدة الأم بقيادة أيمن الظواهري خليفة أسامة بن لادن. وقد تمت تصفية الزرقاوي بغارة أمريكية على أحد معسكراته الذي كان متواجداً فيه سنة 2006. وفي سنة 2007 ظهر تنظيم القاعدة الإرهابي في العراق من جديد ولكن تحت تسمية الدولة الإسلامية في العراق بتحالف عدد من التنظيمات المسلحة الإسلامية الإرهابية الأخرى تحت قيادة أبو عمر البغدادي وانتشر هذا التنظيم بين 2008 و 2009 وتغلغل حتى داخل العاصمة بغداد ونفذ العديد من الهجمات والتفجيرات الإرهابية ضد الشيعة والمناطق الشيعية والسنية على السواء، ثم تعرض هذا التنظيم لهجمات الجيش الأمريكي والصحوات والجيش العراقي وأرغموه على الانسحاب إلى المناطق الصحراوية المتاخمة للأنبار والموصل بالقرب من الحدود السورية حيث نجحت القوات الأمريكية في قتل أبو عمر البغدادي سنة 2010. وحل مكانه أبو بكر البغدادي، الذي وسع التنظيم وغير إسمه إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام مستغلاً الحرب الأهلية الدامية في سورية التي اندلعت منذ العام 2011 ضد النظام البعثي بقيادة بشار الأسد خليفة والده حافظ الأسد وهو من الأقلية العلوية الشيعية، وكان البغدادي قد أرسل أحد القياديين في تنظيمه إلى سورية لتشكيل تنظيم مسلح تحت إسم جبهة النصرة وهو أبو محمد الجولاني، إلا أن هذا الأخير تمرد على البغدادي وانشق عليه ولم يدمج تنظيمه بتنظيم داعش بل فضل إعطاء البيعة لأمير القاعد الأم أيمن الظواهري. وتميز تنظيم داعش في سورية عن بقية التنظيمات المسلحة الأخرى بعنفه ووحشيته وشراسة مقاتليه خاصة ضد جنود النظام السوري الأسرى وضد المسيحيين بل وحتى ضد التنظيمات المسلحة الأخرى كجبهة النصرة والجبهة الإسلامية وجيش الإسلام والجيش السوري الحر المنشق عن الجيش النظامي واحتل تنظيم داعش مدينة الرقة التي جعلها عاصمة له وكان يتلقى المساعدات والأسلحة من دول الخليج وعلى رأسها قطر والعربية السعودي والكويت والإمارات العربية المتحدة عبر تركيا. يذكر أن أغلب كوادر داعش العسكرية هم من ضباط صدام حسين في الجيش والمخابرات وفدائيي صدام المتمرسين في الفنون العسكرية، وإن أغلب مقاتليه جاءوا من أخوية النقشبندية وهو تجمع إسلامي صوفي كان يحظى بدعم ورعاية عزت الدوري في عهد النظام الصدامي البائد، وكتائب ثورة العشرين التابعة لتنظيم البعث المنهار، والمليشيات العشائرية السنية والمتطوعين الأجانب والعرب.
ففي عام 2013 لم تف الحكومة العراقية المركزية بوعودها للصحوات فامتعضت العشائر السنية وتمردت على العاصمة بغداد ونظمت الاعتصامات في الأنبار واستغل تنظيم داعش هذا الوضع وتغلغل بينهم ومن ثم سيطر عليهم بتواطؤ مع عناصر من الجيش الصدامي التي عادت للخدمة داخل الجيش العراقي وبقايا البعث العراقي بقيادة عزت الدوري وهيئة علماء المسلمين بقيادة حارث الضاري وابنه ورغد ابنة صدام حسين اللاجئة في عمان للتخطيط لاحتلال مدينة الموصل العراقية ومهاجمة السجون العراقية خاصة سجن أبو غريب لإطلاق سراح الإرهابيين المعتقلين فأحتل تنظيم داعش في 2 يناير كانون الثاني 2014 جزء كبير من مدينة الرمادي التي تبعد 101 كلم غرب بغداد ومدينة الفلوجة بالكامل ذات المليوني نسمة والتي تبعد عن بغداد 60 كلم. وفي 10 حزيران 2014 احتل مدينة الموصل وهي ثاني مدن العراق بعد بغداد وتقدم بجحافله الإرهابية حتى صار على أبواب العاصمة بغداد بعد أن احتل تكريت في 11 حزيران ومدينة بيجي ومصفاها الشهير وديالى وصلاح الدين وكركوك وكل الأنبار أي مايزيد عن ثلث مساحة العراق، ما دفع المرجعية الدينية الشيعية في النجف إلى إعلان فتوى الجهاد الكفائي لصد الزحف الداعشي.
وفي 29 حزيران 2014 نصب أبو بكر البغدادي نفسه بنفسه خليفة للمسلمين تحت عنوان الخليفة إبراهيم ، وهذا هو إسمه الحقيقي إبراهيم عواد، محققاً حلم كافة المسلمين السنة في العالم بعودة الخلافة الإسلامية على الأراضي التي تحتلها داعش وصارت تطبق فيها الشريعة الإسلامية ، ودعت المسلمين إلى تقديم فروض الطاعة والبيعة للخليفة الجديد وأعذر من أنذر فلا يوجد عذر شرعي للمسلمين للتخلف عن إعطاء البيعة وهي دعوة مبطنة بالتهديد لكافة الفصائل والجماعات الإسلامية الجهادية المسلحة والإرهابية لكي تلتحق في صفوف دولة الخلافة بما فيها القاعدة المنافس الحقيقي الأكبر التي يقودها أيمن الظواهري لكن هذا الأخير مختفي بينما البغدادي حاضر ميدانياً على أرض المعركة والمواجهة من الكفار والمرتدين مما جلب له طاعة واحترام وشغف الشباب التواق للقتال في صفوف داعش واتخذ إسم الخليفة الإسلامي الأول أبو بكر تيمناً به وسمى نفسه أبو بكر البغدادي ويبلغ من العمر 43 سنة، ويلبس الزي الإسلامي واللحية السوداء والعمامة والعباءة السوداء وذلك عند أول ظهور علني له أمام عدسات الكاميرات . لقد طمس هالة أسامة بن لادن وغطى على بريق أيمن الظواهري وكرس مفهوم عبادة الشخصية عند المسلمين الذين يقدسون قادتهم لأنه أدعى أنه يحمل مهمة سماوية " أطيعوني ما أطعت الله فيكم وقوموني إن أخطأت " وبظهوره هذا أخذ مخاطرة أن يقتل بطائرة مسيرة درون يمكن أن ترسلها له قوات التحالف وبذلك يتحول إلى شهيد أسطوري لو حصل ذلك بالفعل.
كان خليفة داعش يعتقد أن الغرب لن يغامر في مواجهته عسكرياً لأنه جنوده لا يهابون الموت ويطلبون الشهادة بينما يخاف جنود المعسكر الغربي الموت مجاناً من أجل قضية لا تخصهم فهي مسألة إسلامية داخلية. وبالتالي كان يخطط لإطاحة الأنظمة القائمة في الدول الإسلامية الواحدة تلو الأخرى وإعادة أمجاد الإمبرطورية الإسلامية في عصرها الذهبي وهي إمبراطورية قوية وغنية ومترامية الأطراف .








الفصل الثالث
الإسلام السياسي : القاعدة وداعش وجهان لعملة واحدة


هل سينتصر العالم على داعش؟ لا أحد يرى أفق مثل هذا الانتصار الحاسم على الفكر السلفي التكفيري الجهادي الإسلاموي الإرهابي المعاصر. فهناك المواجهة العسكرية ومتطلباتها وهناك الحرب الآيديولوجية والسياسية وكسب الأنفس التي لايمكن للغرب و لا لأنظمة العالمين العربي والإسلامي الانتصار فيها ما لم يقدمون البديل الخلاصي الذي يلوح به التيار الديني السلفي الجهادي الإسلاموي للمسلمين اليوم بإقامة دولة الخلافة في الدنيا والجنة وحورياتها ونعيمها في الآخرة. كانت هذه الآيديولوجية التعبوية هي التي استخدمتها داعش لكسب التأييد وتجنيد الأتباع ونجحت في ذلك إلى حد بعيد وبالتالي غدت في مرحلة ما من تاريخها القصير زعيمة التيار الإسلاموي السياسي الجهادي السلفي الإرهابي الذي كانت تمثله القاعدة لكنها لم تكن تمتلك رقعة جغرافية خاصة بها وتحت سيطرتها الكلية بل كانت دائمة تحت رعاية وحماية دول أخرى مثل السودان وطالبان في أفغانستان. ولقد استمرت البيعة للقاعدة من جانب الجماعات الجهادية الإرهابية المقاتلة وتقديمها فروض الطاعة والاعتراف بسلطتها الشرعية عليها لغاية عام 2014. فحتى الجماعات الإرهابية التكفيرية شبه المستقلة كمجموعة أبو مصعب الزرقاوي تبنت تسمية تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. ثم برزت فكرة إيجاد دولة إسلامية التي أعلن عن وجودها في العراق من قبل بقايا تنظيم القاعدة في العراق بعد مصرع الزرقاوي في غارة جوية أمريكية. فأعلن أبو عمر البغدادي تأسيس الدولة الإسلامية التي حظيت بدعم وتأييد بعض العشائر السنية ثم الجميليين وبعض الجبوريين وغيرهم لا سيما في مناطق الأنبار والموصل والفلوجة والرمادي. ومن ثم تم إرسال أبو محمد الجولاني السوري من قبل أبو بكر البغدادي إلى سوريا لتشكيل تنظيم تابع للدولة الإسلامية في العراق تحت إسم جبهة النصرة لأهل الشام في آب 2011، حيث كان من المفترض في مرحلة لاحقة إعلان إندماج جبهة النصرة بالدولة الإسلامية في العراق وتحويل إسمها إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام " داعش" ولكن لم تسر الرياح كما تشتهي السفن، وتمرد الجولاني السوري على زعيمه البغدادي العراقي ولجأ لحماية وشرعية قاعدة الظواهري المصري، الحاسد لصعود نجم البغدادي وتوسع نفوذه. لقد تبينت أهمية امتلاك رقعة جغرافية معروفة ومحددة المعالم كنقطة انطلاق وتوسع جغرافي وعسكري حيث توالت إعلانات البيعة الطوعية من قبل التنظيمات الجهادية الإسلاموية التكفيرية المتطرفة، في شبه الجزيرة العربية واليمن وليبيا والجزائر التي اعتبرت ولايات تابعة لدولة الخلافة الإسلامية، وامتدت الموجة لتشمل مناطق غير عربية كولاية خوراسان التي تضمن منطقة الباكستان وأفغانستان، وولاية القوقاز والشيشان واندونيسيا والفلبين ونيجيريا ومالي وتشاد والنيجر حيث تتواجد بوكوحرام . وكان هناك تأثير كبير وهالة جاذبة للدولة الإسلامية على الشباب الإسلاموي المتطرف في الغرب الذي تعدى بكثير إغراءات وجاذبية تنظيم القاعدة بالأمس القريب. فإعلان دولة الخلافة يعني وجود واقع جغرافي معلوم وحقيقي يجب تمكينه وحمايته وتدعيمه والدفاع عنه بكل السبل أياً كانت التضحيات. وهكذا جذبت دولة الخلافة الإسلامية آلاف الشباب في المدن والظواحي الفقيرة والمهملة في أوروبا التي يتكدس فيها المسلمون المهاجرون الفقراء، حيث نسجت الدولة الإسلامية بينهم خيوط شبكاتها السرية وجمعياتها الخيرية العلنية ومساجدها المتشددة التي تعمل على جمع وتجنيد المتطوعين للقتال في صفوفها. إحدى هذه الشبكات عرفت باسم منظمة الشريعة لبلجيكا التي استلهمت حركيتها من المنظمة الإنجليزية الإسلاموية في بريطانيا " المهاجرون" التي أسسها الزعيم والواعظ المتطرف السوري عمر البكري محمد ومنظمة " الغرباء" ومنظمة الإسلام لبريطانيا التي أسسها البريطاني من أصل باكستاني آنجم شوداري. تأسست منظمة الشريعة من أجل بلجيكا في آذار 2010 على يد فؤاد بلقاسم ونشطت على مدار عامين ونصف من خلال خطبها المتشددة وأشرطة الفيديو التي تبشر وتدعو إلى إسلام راديكالي تكفيري متشدد على الأراضي البلجيكية وقادت نشاطات مناهضة للحكومة البلجيكية في ضواحي آنفير ومنطقة مولنبيك في قلب العاصمة بروكسيل حيث سرعان ما تحولت التجمعات الإسلاموية إلى مواجهات دموية بين المتظاهرين ورجال الأمن والشرطة وقوات حفظ الأمن، وتم حلها رسمياً في 7 أكتوبر 2012، مع تأكيد زعمائها على استمرارها تحت مسميات أخرى وأشكال بديلة للنشاط الجهادي الإسلاموي الإرهابي من خلال تجنيد المتطوعين وإرسالهم إلى أرض الخلافة الإسلامية في العراق وسوريا. ولقد وضعت المنظمة أشرطة الفيديو الدعائية على موقع يوتيوب حيث شاهدها مئات الآلاف وتأثروا بها. وعلى غرارها رأت النور تنظيمات وجمعيات مشابهة كالشريعة لهولندا والشريعة لإسبانيا والشريعة لبولونيا .
هناك أيضاً شبكة الإرهابي الزركاني التي كانت الأصل الذي نبتت منه شبكة عبد الحميد آبا عود البلجيكية، التي نفذت اعتداءات باريس في 30 نوفمبر 2015. ولد خالد الزركاني في المغرب في 23 سبتمبر أيلول 1973، وعاش في حي مولنبيك في بروكسيل وهو من قادة الجهاد الإسلاموي التكفيري المتشدد أو المتطرف الذي لم يتردد في الوقوف أمام المساجد والمدارس للوعظ والتحشيد والإقناع والتعبئة وقد أعتقل وحكم عليه بالسجن في 18 شباط 2016 وهو على علاقة مع سيف الله بن حسين أبو العياذ مؤسس الجماعة التونسية القريبة من بن لادن التي قامت باغتيال الزعيم الأفغاني مسعود في أيلول 2001، وكان قريباً من مقاتلين جهاديين مشهورين في الوسط الإرهابي الإسلاموي مثل سفيان آمغر وخالد بن العربي النشطين تحت إشراف وتوجيه عبد الحميد آبا عود. وكان الزركاني شديد الحيطة خاصة في استخدام الهاتف المحمول والكومبيوتر ووسائل الاتصال الالكترونية وكان يلجأ للغة المشفرة ولكن، ورغم حذره الشديد وشكوكه فقد تمت ملاحقته واعتقاله . لكن شبكته استمرت على يد عبد الحميد آبا عود وشكيب عكروه وجليل عطار ورضا كريكت . لقد التحق عبد الحميد آبا عود بالمجموعة البلجيكية الإرهابية منذ لحظة خروجه من السجن 29 أيلول سبتمبر 2012 حيث غادر إلى سوريا والتحق بصفوف الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش في شباط 2013 وأغلب هؤلاء من المجرمين واللصوص ومهربي المخدرات الذي عثروا على طريق الخلاص الإسلاموي وتطرفوا فيه. وكانوا على اتصال وتنسيق مع المجموعات المشابهة في فرنسا كمجموعة عمر ديابي المعروف بعمر أومسين وهو فرنسي من أصل سنغالي يبلغ من العمر 39 سنة وهو نشط في مجال عمل أشرطة الفيديو الدعائية لصالح الأنشطة الجهادية الإسلاموي التكفيرية المتطرفة جداً التي استغلتها مجموعة فرسان العزة الفرنسية المحظورة بقرار من وزير الداخلية الفرنسي السابق في عهد نيكولا ساركوزي كلود غيون لأنها تحث على العنف والكراهية والكفاح المسلح والإرهاب وتعبئة وتحشيد الأنصار والمتطوعين للقتال في صفوف المنظمات الإرهابية الدولية مثل داعش وأخواتها. كان إرهابيو بلجيكا الإسلامويين يخططون لخطف شخصيات سياسية بلجيكية بغية استخدامها كوسيلة ابتزاز لإطلاق سراح المعتقلين الإرهابيين الأعضاء في الشبكات الجهادية الإسلاموية الإرهابية في السجون البلجيكية. فلقد عثر على الحاسوب أو الكومبيوتر الشخصي لنجم الشعراوي وهو أحد الانتحاريين الذين قتلوا في عمليات انتحارية في بوكسيل في 22 آذار 2016 عثر المحققون على حوار مسجل مع الأخوة بقراوي ومسؤول في تنظيم داعش في سوريا لتهيئة الظروف والمستلزمات لتنفيذ خطة خطف الشخصيات السياسية أو المشهورة جماهيرياً من أجل مقايضتها لإطلاق سراح مدحي نمروش المسؤول عن تفجير المتحف اليهودي في بوركسيل و محمد بقالي المخطط لعمليات نوفمبر في باريس 2015. وكانت تلك الخطة من أهداف داعش لتهديد أوربا و لإشاعة الفوضى والرعب في صفوف الرأي العام الأوروبي من الداخل ، كما أن هناك نوايا لشن هجمات بأسلحة كيميائية وجرثومية أو بيولوجية ضد عدد من الدول الأوروبية كما جاء في وثائق مخزونة داخل الحاسوب الشخصي لأحد الإرهابيين المقتولين في المواجهة المسلحة مع رجال الأمن والشرطة البلجيكية.
لم تنجح داعش في نشر صورة إنسانية مقبولة لها عبر وسائلها الدعائية تقنع بأنها دولة عادية كبقية الدول رغم أن هذا هو محور آلتها الدعائية التي توجهها للمسلمين في العالم أجمع لتقول لهم أنها المكان الوحيد الذي يمكن للمسلمين أن يمارسوا فيه طقوسهم وشعائرهم ويعلنوا معتقداتهم الدينية وتطبيق شريعة السماء الإسلامية كما جاء بها محمد، وبالتالي فدولة الخلافة هي أأمن مكان آمن لجميع المسلمين الذين يجب أن يهاجروا إليها ويدافعوا عنها ضد القوى الكافرة التي تقمع المسلمين وتضطهدهم حتى إن داعش أعلنت عن ميزانية لدولة الخلافة لعام 2016 بلغت 2 مليار دولار إلى جانب 250 مليون دولار خصصت للعمليات العسكرية الدفاعية والهجومية وعمليات الخارج الإرهابية وحكومة هرمية يقف على رأسها الخليفة أبو بكر البغدادي وهو صاحب القرار الأول والأخير في دولة داعش الإسلامية ومعاونين رئيسيين له أحدهما لولاية العراق والثاني لولاية الشام مع إثني عشر والي لبقية ولايات دولة الخلافة المزعومة عرف منهم أبو عبد الله البغدادي وأبو حمزة المهاجر وأبو صالح الأنصاري وفضل أحمد عبد الله الحيالي المعروف باسم أبو مسلم العفري التركماني الذي ربما يحتل مرتبة الرجل الثالث في التنظيم الإرهابي داعش. وهناك عدد من اللجان التي تقوم بمهام الوزارات كاللجنة الاقتصادية والمالية واللجنة العسكرية ولجنة الشؤون الدينية الخ.. توزع المسؤوليات داخل تنظيم داعش وفق تعليمات مجلس الشورى برئاسة البغدادي نفسه ويبلغ عدد أعضائه 11 عضواً يعينهم الخليفة وهو السلطة العليا في داعش . وأغلب القياديين في التنظيم هم من كبار ضباط الجيش العراقي السابق في عهد صدام حسين ويرأس المجلس العسكري وليد العلواني المعروف باسم أبو أحمد العلواني ومعه ثلاث مساعدين والجنة الدفاع برئاسة أبو عراق الأنباري وهو نائب البغدادي في سوريا بعد انشقاق وتمرد أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة سابقاً وفتح الشام حالياً. وهناك لجنة الأمن والاستخبارات وهي الحلقة الأكثر أهمية في هيكلية التنظيم لأنها تشرف على أمن وسلامة دولة الخلافة وسلامة وأمن أبو بكر البغدادي نفسه كما تقوم بجمع المعلومات الاستخباراتية التي بموجبها يتم رسم خطط وبرامج التنظيم وقرارات التقييم. أما مجلس القضاء فهو برئاسة العراقي محمد العاني ومهمته الإشراف على جميع المسائل القانونية والقضائية المرتبطة بالدولة الإسلامية داعش. يرأس المجلس المالي والاقتصادي في داعش العراق محمد مصطفى أبو موفق كما يرأس مجلس الإعلام أبو عمر العبسي ومعه عدد من الخبراء في مجال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والانترنت والدعاية والإعلان ولقد اختار البغدادي أبو محمد العدناني واسمه صبحي طه وهو سوري الجنسية كمتحدث رسمي باسم داعش وأحمد أبو عراق واسمه عبد القادر دزه وفي صلاح الدين والعراقي وسام عبد زيد الزبيدي المعروف باسم أبو نبيل وفي كركوك عبد الأمير نايف الجبوري أبو فاطمة وعن لجنة الحدود طالب رضوان حسين إسماعيل حمداني وعن منطقة الجنوب والفرات الأوسط أحمد محسن الجحيشي وعن حلب أبو عمر العبسي وعن دمشق أبو أيوب العراقي وعن دير الزور الحاج عبد الناصر العراقي وعن حمص أبو يحيى العراقي وعن الحسكة أبو أسامة العراقي وعن نينوى عدنان لطيف حميد أبو مهند الذي كان حاكماً أو والياً عن الأنبار قبل تحريرها. وهناك قيادات أجنبية كأبو عمر الشيشاني وشاكر الفهداوي أبو وهيب الألباني وأبو عبد الله الكوسوفي وأبو حذيفة اليمني وأبو عمر العراقي وأحمد أبو سمرة المعروف بأبو همام عن منطقة الحدود التركية السورية . وما أن تسيطر داعش على منطقة حتى تبدأ بإصلاح البنى التحتية كالنقل والصحة والزراعة والكهرباء والتعليم الديني وتأمين الطحين للمخابز وتثبيت نقاط السيطرة والمراقبة العسكرية. ومن ثم القيام بتجنيد أبناء المنطقة المحتلة في صفوف مقاتليها طوعاً أو قسراً، ولقد اختار البغدادي مدينة الرقة السورية كعاصمة لدولته وعندما تفتقد داعش للكفاءات المتخصصة في مجال ما تلجأ إلى تجنيدهم من الخارج مثلما قدمت نداءاً للأطباء المسلمين في كل مكان في العالم للالتحاق بدولة داعش وكذلك أعلنت نداء للمهندسين والتقنيين والمدرسين، وكان في حوزة داعش بين 4 إلى 5 مليار دولار سنة 2014 وهو مبلغ يفوق بكثير كل ما امتلكته القاعدة في كل تاريخها ، ومصادر تمويل داعش متنوعة تبرعات من أثريا وأنظمة في الخليج ومن أموال الفدية التي تدفعها قطر مقابل الإفراج عن الرهائن الأجانب الذين تخطفهم داعش ومن تهريب النفط الخام السوري والعراقي من المناطق التي تسيطر عليها ومن جباية الضرائب والزكاة والرسوم القسرية المفروضة على ألأثرياء والتجار ورجال الأعمال والأقليات الدينية الذمية التي تدفع الجزية ومن نهب البنوك وتجارة المخدرات والممنوعات خاصة حبوب الكابتاغون المخدرة . كما أعادت داعش نظام العبيد وسوق النخاسة وغنائم الحرب من الأسرى من البشر وبيع النساء كإماء ومحظيات ونساء متعة والإعدام الفوري البشع للمثليين وتطبيق الحدود الشرعية الإسلامية كالرجم والجلد وقطع يد السارق وقطع الرؤوس والذبح والتعذيب لأسرى العدو قبل إعدامهم حرقاً وهم أحياء أو ذبحهم كما تذبح المواشي. وتعمد داعش إلى تجنيد الأطفال التي تقل أعمارهم عن عشرة أعوام للقتال والحرب والعمليات الانتحارية وتدريبهم على عمليات الذبح على الدمى ومشاهدة عمليات الذبح التي ينفذها الإرهابيون في التنظيم، إلى جانب جريمة تهديم وتدمير التراث التاريخي في سوريا والعراق وتحطيم الآثار القديمة والتماثيل والمعابد، وتهريب القطع الثرية وبيعها في السوق السوداء .
إدارة التوحش:
الكتاب شبه المقدس والدليل العملي الذي تطبقه داعش في سياستها بعد القرآن هو " إدارة التوحش" لشخص ربما يكون إسمه مستعاراً يدعى أبو بكر ناجي. ولقد استخدم المؤلف مفردة " التوحش" ويقصد بها حالة الفوضى والضياع التي دبت في أوصال دولة ما أو منطقة ما عندما تنزاح عنها قبضة السلطة الحاكمة وبالتالي فإن حالة غياب السلطة يقود إلى نوع من الفوضى المتوحشة التي تغرق السكان لذلك يجب على الجهة الإسلاموية كالقاعدة وداعش ، التي ستحل محل السلطة الحاكمة المستقيلة أو المندحرة، أن تبدأ بالتمهيد لقيام الدولة الإسلامية القائدة للأمة وأن تدير حالة التوحش السائدة في مجتمع الأمة الإسلامية، إلى أن تستقر الأمور وتأخذ طابعها وإيقاعها الطبيعي . من هنا يتعين على المجاهدين الإسلامويين المقاتلين المسلحين أن يسيطروا بالكامل على المجتمعات الإسلامية وأن يطبقوا فيها شرع الله والقوانين الإسلامية أي الشريعة الإسلامية بكل حذافيرها مع توفير احتياجات الناس الضرورية الأولية من ماء وطعام وعلاج وأمن وبكل الوسائل ولو بقوة السلاح والترهيب وتخضع هذه العملية للقيادة المركزية العليا للحركات الجهادية الإسلاموية البديلة للسلطات القائمة سابقاً وتأمين عملية التواصل والتنسيق وفرض الأولويات . وهذا الكتاب عبارة عن مقالات متفرقة وضعت كفصول داخل الكتاب تبدأ بعرض تاريخي للوضع السائد في العالم اليوم منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى واتفاقية سايكس بيكو وهيمنة القوى العظمى ، ثم يأتي إلى تعريف التوحش ومايقصده المؤلف بهذا المصطلح أو المفهوم وسوابقه التاريخية ، ثم ينظر إلى ضرورة التحايل للوصول إلى السلطة وبعدها لا بد من عملية التمكين والسيطرة الكلية على السلطة من خلال وضع قواعد عامة لتسيير وتطبيق خطة العمل وإنجاز مرحلة شوكة النكاية والإنهاك وتحديد أهداف إدارة مرحلة التوحش. ومن ثم اتقان فن الإدارة ومصادر القرار ومن يملك مفاتيح السلطة واتخاذ القرارات السياسية والعسكرية والإدارية الأساسية . ومعرفة قواعد المجابهة العسكرية من خلال قراءة خارطة القوى العدوة والمناوئة واستخدام أقصى أساليب الشدة والصرامة لتحقيق الشوكة ومعرفة قواعد اللعبة التي يمارسها الخصوم والأعداء تجاه الدولة الإسلامية والتحرك لمواجهتها من خلال الهجوم وليس الدفاع واتقان أساليب الاستقطاب والتحشيد والتعبئة والتجنيد والجذب وقواعد الالتحاق واتخاذ أقصى تدابير الحيطة والحذر من الناحية الأمنية والاستخباراتية والتجسسية واختراق صفوف العدو ، بث التربية الإسلامية السلفية بين الأطفال والشباب ومعالجة مشكلة نقص الكوادر الإدارية المتخصصة والمخلصة وذات الولاء المطلق للدولة الإسلامية ومنع الارتدادات والخروقات والخيانات الفردية والجماعية والاستعداد للتعامل معها بجدية وصرامة وتأصيل المعنويات والتحمل والصبر في ساحات المعارك لأن مرحلة التوحش هي أخطر مرحلة تمر بها الأمة الإسلامية اليوم منذ اختفاء الخلافة الإسلامية الشرعية الأولى في بدايات القرن العشرين على يد أتاتورك ولا بد من تركيز أسس الخلافة الإسلامية الثانية الجديدة التي تسعى لإعادة أمجاد الإسلام الأول وهيمنته على العالم.
الفصل الرابع
الإسلام السياسي متعدد الأشكال وواجهاته هي الأزهر والإخوان والقاعدة وداعش وولاية الفقيه

منذ أن ظهر الإسلام الحركي السياسي وهو يشكل عقدة وتحدي كبير للغرب والفكر الغربي وسياساته تجاه الإسلام والمسلمين . عندما تأسس تنظيم الإخوان المسلمين وأعلن أهدافه كان على رأسها تطبيق شريعة الإسلام على المجتمع الإسلامي وبث الرسالة إلى جميع أنحاء العالم ومواجهة الاستعمار البريطاني في مصر والاستعمار الغربي في العالم الإسلامي برمته ، أي إقحام الإسلام في السياسة وممارسة السياسة باسم الدين. ومن ثم تفرعت من هذا التنظيم أشكال ومسميات أخرى للإسلام السياسي الحركي الجهادي الذي لجأ إلى العنف والإرهاب في نشر آيديولوجيته وتطبيقها وفرضها بقوة السيف. وكل ذلك كان برعاية وحماية وتمويل العربية السعودية. فالحركة الوهابية تسعى لأن تكون هي القائدة والمتزعمة للعالم الإسلامي لذلك رسمت استراتيجية طويلة الأمد بدأت بتمويلها للمدارس الإسلامية في جميع أنحاء العالم لا سيما في الباكستان ومصر وأندونيسيا وماليزيا بل وحتى في أمريكا وأوربا وغيرها من البلدان كما ذكر سفير الولايات المتحدة الأمريكية ريشارد هولبروك لدى الأمم المتحدة، الذي كسر حاجز الصمت والتواطؤ الغربي حيال هذا الموضوع، ثم جاء الباحث الاستراتيجي الفرنسي بيير كونيسا الذي أكمل تحطيم جدار الصمت لينشر كتابه المعنون " دكتور سعود ومستر جهاد Dr. Saoud et Mr. Djihad" ، كناية عن الازدواجية في السياسة السعودية وموقفها من التطرف والجهاد الحركي الإرهابي ، وقال فيه أنه يدين الغرب وعلى وجه الخصوص السلطات الفرنسية التي لم تتجرأ على فتح هذا الملف الحساس والخطير ودراسة النظام الثيوقراطي القبلي القائم في المملكة العربية السعودية على نحو جدي وصارم ومسؤول لأنه هو الذي عمل على تصدير الوهابية وأفكارها السلفية المتشددة والتي تخرج منها الكثير من قادة الإرهاب اليوم وعلى رأسهم أسامة بن لادن وأتباعه وهم لا ينكرون أنهم الأصل والأساس للتفكير السلفي والأصولي الإسلامي المتعصب والمكفر للمدارس الفقهية الأخرى غير المدرسة الحنبلية لا سيما المذهب الشيعي. فالعالم الغربي جعل من السعودية شريكه التجاري الأول يشتري منها البترول ويبيع لها السلاح والبضائع الأخرى عبر صفقات تقدر بمئات المليارات من الدولارات على مدى عقود طويلة. ولقد شكل صدور هذا الكتاب إحراجاً للدبلوماسية الفرنسية مثلما فعل كتاب الصحافيين الشهيرين جورج مالبرونو وكريستيان شينو المعنون" " أمراؤنا الأعزاء جداً Nos Très Chers Emirs " فلقد ظهر جليا من خلال الكتابين وكتب أخرى في هذا المجال بأن السعودية شيطان مقنع ولا بد من إسقاط القناع عنه. وما داعش سوى مسخ مستنسخ عن هذا النظام وأفكار ونواياه مثلما كان تنظيم القاعدة قبله. لذلك اعتبرت الخارجية هذا الكاتب ، أي بيير كونيسا Pierr Conesa من الحاقدين على السعودية وإن أفكاره وطروحاته شخصية لا تمثل توجه الدولة الفرنسية رغم كونه أحد المحللين الاستراتيجيين الكبار في وزارة الدفاع الفرنسية وفي المخابرات الفرنسية . وهو يعتقد بأن " الدبلوماسية الدينية التبشرية تقبع في صلب الجينات الوراثية للنظام في المملكة العربية السعودية . فالقبائل السعودية قبائل بدوية منفصلة عن ركب الحضارة والتقدم والتمدن وهي تعتقد أن الزمن توقف عند فترة النبي محمد وكان التحالف بين الشيخ السلفي المتطرف والمتشدد محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود هو الذي أدى إلى تأسيس المملكة الوهابية السلفية المتطرفة التي أعطت شيكاً على بياض للحركة الوهابية في نشر الإسلام بالمال والسيف أي بشراء الذمم والجهاد. فعندما كانت السعودية فتية وضعيفة كان التبشير ونشر المذهب الوهابي محلي مقتصر على الجزيرة العربية وبعض البلدان القريبة في العالم العربي والإسلامي إلا أن اكتشاف النفط في السعودية سنة 1930 وتراكم العائدات النفطية ابتداءاً من عام 1973، أتاح للنظام الوهابي في المملكة توسيع وتصدير دبلوماسيته الدينية بكل الوسائل والسبل خاصة بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان وقيام الثورة الخمينية الشيعية في إيران سنة 1979. فكل ملوك المملكة تخرجوا من المدارس القرآنية وليس من الجامعات الحديثة وكانوا متضامنين مع الإخوان المسلمين في محنتهم في مصر عبد الناصر وسوريا حافظ الأسد وكانت كوادر الإخوان المسلمين هي التي تقف على رأس الإدارات الحكومية السعودية في سنوات الخمسينات ولغاية تسعينات القرن الماضي. ولقد حدثت قطيعة بين آل سعود والإخوان عام 1991 عندما أدان الإخوان دعوة المملكة للأمريكيين لمحاربة صدام حسين وإخراجه من الكويت ورفضها لعرض بن لادن وتنظيم القاعدة بتشكيل كتائب جهادية لمحاربة صدام وإخراجه من الكويت والدفاع عن المملكة دون الحاجة للجوء إلى قوى أجنبية كافرة. ولقد سبق للنظام السعودي أن طلب من الغرب ومن فرنسا على وجه الخصوص التدخل لتحرير المسجد الكبير في مكة الذي احتله الراديكاليون سنة 1979 مما اضطر القوات الفرنسية الخاصة لإعلان إسلامها شكلياً كي يحق لها الدخول إلى باحة المسجد ومواجهة المحتلين بزعامة جهينة. ودفعت المملكة الكثير من الأموال للمؤسسة الدينية الوهابية لإرضائها وكسب موافقتها على هذا التدخل وإطلاق يدها في تدجين المجتمع السعودي وإخضاعه والهيمنة على جهاز التربية والتعليم السعودي المتخلف . ومما زاد حدة التقوقع السعودي في قمقم آيديولوجيته التكفيرية هو منازعة واعتراض نظام الملالي الإيراني ونظام ولاية الفقيه الخميني لزعامة السعودية للعالم الإسلامي وإدعائهم بأن الملك هو خادم الحرمين الشريفين، فهم غير مرغوب فيهم حتى داخل العالم السني فما بالك من قبل الشيعة الذين أعتبرهم الوهابيون كفار ومشركين وأصحاب بدع وهراطقة يحل قتلهم وبالتالي أعلن الخميني ونظامه أنه لا يحق للسعوديين الادعاء بإدارة الحرم المكي الشهير والسيطرة على الحج وهو أحد أركان الدين الإسلامي. تقبل الغرب النظام السعودي ونشاطه لأنه حليف تجاري مهم وحاجز قوي أمام المد القومي الناصري والبعثي والمد الاشتراكي والشيوعي اليساري في العالم الإسلامي وكان معيناً مهماً لهم على كافة الصعد في مواجهة الغزو السوفيتي لبلد إسلامي هو أفغانستان، ولقد أسست المملكة منظمة دولية لهذه الغاية وضعتها تحت تصرفها هي رابطة العالم الإسلامي العالمية كبديل للجامعة العربية عندما كانت هذه الأخيرة رهينة بيد القومية الناصرية والليبية والبعثية العراقية والسورية واليسار العربي في الجزائر واليمن الجنوبية ولبنان . لقد فضحت وثائق ويكيليكس هذه العلاقة بين الوهابية السعودية والإسلام الحركي السياسي الجهادي الإرهابي من خلال نشر 60000 وثيقة دبلوماسية سعودية وأثبتت أن مشروعهم كوني يشمل العالم بأجمعه على الأرض والهدف منه هو نشر التوتاليتارية الشمولية الدينية ولقد جربت السعودية نجاعة دبلوماسيتها الدينية التبشيرية وسلاح البترودولار في المحيط الإسلامي القريب منها أولاً، في الباكستان وأفغانستان واليمن وفي دول البلقان والجمهوريات السوفياتية السابقة التي تحررت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لا سيما في الشيشان والكوسوفو وغيرها وأيضاً في الهند ودول أوروبا الشرقية ومنها امتد تأثيرها إلى الأقليات الإسلامية في الدول الأوربية الغربية وأمريكا، حيث مولت السعودي ودول الخليج المساجد والمدارس والجامعات الدينية والجمعيات الإسلامية والجمعيات الخيرية بما يقدر بسبعة مليار دولار سنوياً وكانت رابطة العالم الإسلامي العالمية هي الممول الرئيسي لتشييد المساجد في العالم وهي واجهة للمملكة العربية السعودية ورأسمالها يأتي أساساً من التمويل السعودي. كما استقبلت السعودية الطلاب الأجانب من كافة أنحاء العالم في جامعاتها الدينية وحقنهم بالأفكار والمباديء الوهابية السلفية المتطرفة من خلال منحهم البعثات والتكفل بمصاريف دراستهم عندها كما مولت الجامعات الإسلامية المعروفة كالأزهر وجامعة المنامة في البحرين حيث انتشر الطلاب المتخرجين منها لنشر السلفية والفكر الوهابي في كافة أنحاء العالم. لذلك نجد أن هناك العديد من المتطوعين السعوديين في صفوف المنظمات الإرهابية الدولية والعديد من الطلاب السابقين في الجامعات السعودية والإسلامية الممولة من السعودية . أما بخصوص الاختلاف الظاهر حالياً بين داعش والسعودية فهو ليس اختلافاً آيديولوجياً بل هو في الحقيقة تنافس على قيادة العالم الإسلامي السني فالسعودية تريد أن تثبت أنها هي المدافع الحقيقي عن العالم السني وليس دولة الخلافة المزعومة التي أعلنها أبو بكر البغدادي بنفسه ، ويمر ذلك من خلال تصعيد الخطاب العدائي تجاه إيران والشيعة للمزايدة مع الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش. فالشباب السعودي الجهادي الإرهابي نشأ وترعرع مع المناهج التعليمية والتربوية السعودية التي زرقت العقيدة الجهادية المتطرفة في عقولهم منذ الصغر، وسوف يعود هؤلاء المقاتلين الإرهابيين السعوديين إلى بلدهم ويقومون بدحر العائلة المالكة المتهمة بالانحراف عن الدين والتحالف مع الكفار الغربيين لإقامة نظام ديني أكثر راديكالية وتطرفاً من النظام الملكي القائم في المملكة العربية السعودية حالياً. فالغرب لا يعي ولا يدرك خطورة التطورات القادمة إذا لم ينتصر ويبيد هذا التنظيم الإرهابي الخطير . ولا يمكننا أن ننسى خطاب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ، وزعيم العالم الحر كما يقال ، في أيلول 2014 عندما صرح " لا أريد أن أضع العربة قبل الثيران ، فنحن لا نمتلك بعد استراتيجية واضحة تجاه الدولة الإسلامية داعش". وكان ذلك في وقت تمكنت فيه داعش من احتلال مناطق واسعة وشاسعة من الأراضي العراقية والسورية .
فداعش تبدو متينة التكوين والتركيب وموحدة القيادة لكنها في حقيقة الأمر هجينية وغير متجانسة وليست متماسكة كما تبدو لأول وهلة. فيلتف حول البغدادي أغلب السلفيين ومعظمهم من العراقيين وخاصة ضباط صدام حسين السابقين الذين تحولوا للنشاط الجهادي الإرهابي ويأتي بعدهم الحلقة السورية من القياديين، وهؤلاء هم الذين يحددون التوجهات العامة لداعش. ومن الأسماء المتداولة اليوم من العراقيين، أبو محمد الشمالي وإسمه الحقيقي طراد محمد الجربه، وهو المسؤول عن النشاط اللوجستيكي واستقطاب واحتضان المتطوعين الأجانب، وهناك كذلك عدنان إسماعيل نجم البلاوي الدليمي وهو رئيس المجلس العسكري السابق لداعش ، و نبيل صادق أبو صالح الجبوري والمعروف بأبو سياف العراقي المسؤول عن العمليات المالية والتمويلية المرتبطة بشحن وبيع وتصريف البترول الذي استولت عليه داعش. وموفق مصطفى محمد الكرموح والمعروف باسم أبو صالح العفري وهو أحد ممولي المجموعة ، وشاكر وهيب الفهداوي الدليمي وهو قريب من وزير الكهرباء العراقي الحالي، والمعروف باسم أبو وهيب وهو مسؤول داعش في إقليم الأنبار العراقي، وهناك ايضاً عبد الرحمن مصطفى القدولي المعروف باسم أبو علي الأنباري الذي كان لفترة وجيزة والي داعش في سوريا. أما من الجانب السوري هناك حاج بكر الذي حقق اختراق داعش ومجوعة البغدادي للعمق السوري والتمركز هناك وكذلك هناك أبو لقمان الذي يكنى أبو أيوب الأنصاري وعلي الحمود واسمه الحقيقي علي موسى الشواخ حاكم الرقة والسورية أحلام النصر التي تكتب أشعار حماسية تلهب المقاتلين وتحثهم على الجهاد والتضحية بالنفس والسوري أبو محمد العدناني الناطق الرسمي باسم داعش ومسؤول الدعاية والإعلام في هذا التنظيم الإرهابي ويعرف بوزير العمليات الإرهابية والتفجيرات الخارجية كما تصفه وسائل إعلام داعش. جل هؤلاء تشكلت لحمتهم وتعاونهم الإرهابي بعد عام 2003 وسنوات الاعتقال في سجن بوكا الأمريكي حيث تم إطلاق سراحهم فيما بعد بلا قيد أو شرط ومن بينهم أبو بكر البغدادي الذي فرض نفسه كزعيم أعلى للتنظيم والبعض منهم كان منخرطاً في العملي الجهادي الإرهابي الدولي حتى قبل عام 2003 ويصطفون اليوم إلى جانب العراقيين والسوريين في داعش مثل فيصل أحمد بن علي الظاهري وهو سعودي ويلعب دوراً مهماً في تهريب النفط الداعشي وتركي مبارك عبد الله أحمد ال بن علي وهو بحريني وأعلن نفسه مفتياً لداعش والنمساوي الجنسية محمد محمود أبو أسامة الغريب وهو زعيم المجموعة الإرهابية الناطقة بالألمانية والشيشاني الشهير بأبو عمر الشياشاني وغيرهم.
يلاحظ في داخل اللجنة التنفيذية القيادية لداعش هناك كتيبة عسكرية محترفة من ضباط الجيش العراقي السابق من القوات الخاصة المقربة من صدام حسين وأداته القمعية الضاربة ومعهم قيادات محترفة في جهاز المخابرات وكلهم قيادات كبيرة في حزب البعث الصدامي الحاكم في العراق قبل السقوط سنة 2003 وكانوا يعملون ضد النشاط الإسلاموي في السنوات الأولى لحكم صدام قبل إعلان هذا الأخير الحملة الإيمانية، وكانوا ذو توجهات علمانية إلا أن الأمريكيين أهملوهم وحلوا الجيش العراقي واعتبروهم أعداء وصاروا يطاردوهم فوجدوا أنفسهم في الشارع بلا مصدر معيشة ويصل تعدادهم بالآلاف وشعروا بالمهانة والعزل والخطر يحاصرهم فلجأوا إلى التشكيلات الإسلاموية التي كان يقودها تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بقيادة أبو مصعب الزرقاوي. ولقد استغل هؤلاء الشعور بالظلم والعزل والاستبعاد لدى المكون السني العراقي الذي فقد الحظوة والسلطة والامتيازات التي كان يتمتع بها في زمن البعث الصدامي عندما تم استبادلهم على هرم السلطة بالمكون الشيعي الأكثر عددياً والذي كان يعاني بدوره من العزل والاستبعاد والاضطهاد والقمع والمطاردة في زمن صدام حسين. لكن خطأ واشنطن كان تعميق الاستقطاب والتناحر الطائفي بدل المصالحة الوطنية الحقيقية، وفرض نظام المحاصصة الطائفية في العراق، الذي قاد إلى الكارثة الحالية التي نلمس آثارها وما سببته من دمار وخراب وفساد وانهيار للعراق كدولة ونظام بديل لنظام الطاغية السابق، مما أتاح الفرصة لتغلغل إيران وتحكمها بالوضع السياسي الداخلي العراقي والتلاعب بالزعامات والكتل السياسية حسب قربها أو بعده وحسب موالاتها وولائها لإيران وشكلت العديد من الميليشيات الشيعية ومولتها وسلحتها لتشكل بها قوة ميدانية ضاربة ومتحكمة بآلية القرار السياسي العراقي مما زاد من خوف وقلق وإحباط السنة ولجوئهم لقوة مسلحة معادلة هي القاعدة وداعش فيما بعد. فأمريكا لا تريد حقاً نشر الديموقراطية التي لايفهما ولا يريدها أحد في بلدان الشرق الأوسط بل كان هدفها هو إشاعة الفوضى الخلاقة مهما كانت الخسائر المادية والبشرية المترتبة على ذلك فيما يسمى بالشرق الأوسط الجديد. وهذا ما يفسر لجوء الكثير من كوادر صدام لا سيما المجرمة منها والملوثة أيديها بدماء العراقيين، إلى صفوف الإرهابيين المناوئين للعملية السياسة البديلة في العراق. فليس مستغرباً أن تجد أمثال أياد حميد خلف الجميلي أحد قادة المؤسسة الأمنية لداعش وهو أحد ضباط المخابرات الصدامية الكبار من مواليد الفلوجة ، و وليد جاسم العلواني المكنى بأبو أحمد العلواني وهو ضابط كبير في جيش صدام حسين وأصبح حالياً أحد أعضاء اللجنة العسكرية في داعش وعدنان لطيف أحمد السويداني الدليمي وهو ضابط كبير في استخبارات القوة الجوية العراقية وكان معتقلاً في سجن بوكا الأمريكي في العراق والتحق بالتمرد المسلح منذ عام 2003 وأصبح رئيس المجلس العسكري لداعش سنة 2013 لغاية 2014. ومن ضباط صدام حسين الكبار فاضل أحمد عبد الله الحيالي المعروف بأبو مسلم التركماني وهو عقيد سابق في المخابرات العسكرية العراقية وفي القوات الخاصة العراقية وكان معتقلاً في بوكا أيضاً والتحق بالبغدادي فوراً بعد إطلاق سراحه غير المشروط وتكفل بمهمة تأطير حكام الأقاليم والولايات الخاضعة لداعش وشكل حكومة الظل الشبحية لداعش حتى قبل اجتياحها للموصل وإعلان دولة الخلافة فيها. وهناك المواطن الطاجاكستاني غلمورود خاليموف وكان يعمل سابقاً لدى الأجهزة الغربية الأمريكية المحاربة للإرهاب وعلى إطلاع واسع بالطرق والمناهج والتكنيك أو التقنيات والتكتيكات التي تنتهجها المؤسسات الاستخباراتية الغربية وقواتها الخاصة حيال الإرهاب الدولي وكان في الحقيقة عميلاً متسللاً يعمل لصالح داعش مخترقاً أعلى الأجهزة المعدة لمكافحة الإرهاب ولقد اختفى بعد أن شعر بقرب اكتشاف أمره وظهر بين صفوف داعش سنة 2015 في شريط فيديو دعائي لداعش. ولهذا وأمثاله وهم كثيرون دور كبير في نجاح مهمة داعش وترسيخ أقدامها في منطقة الشرق الأوسط وبث خلاياها النشطة والنائمة في جميع أنحاء العالم. ويقف على قمة الهرم الداعش ما يسمى مجلس الشورى الذي يرأسه أبو بكر البغدادي نفسه. فهو الخليفة والقائد الأعلى لدولة داعش الإسلامية ويمتلك القرار النهائي الحاسم يعد مناقشة أي موضوع من قبل مجلس الشورى الذي تستعرض فيه جميع وجهات النظر والآراء. بعض الكوادر الصدامية السابقة اعتنقت الفكر السلفي وبعضها الآخر يتعاون ولكن ليس عن قناعة بل لتطابق المصالح بينهم وبين داعش. وهم يمتلكون الخبرة في التعامل مع كافة فئات المجتمع خاصة لدى المكون السني المحبط فنجحوا في تشكيل الخلايا وكسب المتطوعين واختراق المؤسسات الحكومية لا سيما الجيش والشرطة والمخابرات والأحزاب السياسية الشيعية والسنية على السواء وتعاملوا معهم بطريقة الترهيب والترغيب وشراء الذمم أو التهديد بقتل الأهل والقارب والأبناء في حالة عدم التعاون. كما نظموا قاعدة بيانات محكمة عن كل شخص يختارونه للتعاون معهم طوعاً أو قسراً ووضعوا له الإسم والكنية ومكان وتاريخ الولادة والموت المحتمل ومعلومات عن عائلته وأهله وأمه وأبوه وأخوته وأخواته وزوجته وأولاده وأقاربه وأصدقائه وزمرة دمه ومستوى دراسته وتعليمه ومهنته وخبرته المهنية وهواياته ووضعه المالي والاقتصادي ومدى معرفته بأمور الدين والفقه والشريعة وعلى ضوء ذلك يتم فرز الأعضاء إلى مقاتلين وانتحاريين وإداريين الخ.. عند إعلان داعش لتأسيس الدولة على رقعة جغرافية معينة ومحددة ومعلومة، ومنحها واقع جغرافي، كانوا يعرفون أنهم سيواجهون غضب الغرب وروسيا والأنظمة الموالية لهم في المنطقة وأن هناك تحالف دولي سيتشكل لمحاربتهم وهم مستعدون لذلك ويعرفون أنهم سيخسرون أهم قلاعهم في الموصل والرقة وغيرها إن آجلاً أم عاجلاً والعودة للعمل السري تحت الأرض فهذا السيناريو سيزيدهم عزماً وتجربة وهالة قدسية في نظر الكثير من الأتباع الحاليين ومن الأجيال القادمة حيث قاموا بتخزين الكثير من الأموال والأسلحة استعداداً لمرحلة ما بعد الاكتساح الغربي لمعاقلهم بانتظار العودة من جديد عندما تكون الظروف الدولية مواتية.










الفصل الخامس
حتى لا يدعي العالم بالقول أنه لم يكن يعلم الحقيقة عن داعش


وسط ذهول العالم وحيرة زعمائه والرأي العام فيه، أعلن أبو بكر البغدادي قبل أشهر قليلة من الموصل نشوء دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام المعروفة باسم داعش، وسط ضجيج إعلامي كبير مقرون بمشاهد من العنف والدم والرعب والترهيب في غاية الوحشية.
لا أحد يعرف ما هو مصير هذا الكيان الإرهابي الجديد، هل سيبقى أم سيزول؟ وكيف سيتطور وأين ستتوقف حدوده ؟ بعد فترة وجيزة من الترقب واللامبالاة العالمية، بدأ الغرب فجأة استنفاره بعد أن صدم بمشهد ذبح أحد صحفييه مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي وشكلت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تحالفاً عسكرياً راح يشن غارات جوية على معاقل ومقاتلي داعش ولكن بلا جدوى فلا يبدو أن ذلك يخيفها أو يردعها عن القتل والتنكيل ونشر الرعب والإرهاب في كل مكان، إذ لا بد من التدخل البري الشامل لاستئصال هذا الوباء الذي جثم على أنفاس شعوب الشرق الأوسط وخاصة العراقيين والسوريين إذ هم أول ضحاياه المباشرين . يبدو أن مقاتلي داعش ينتظرون ذلك ويتوقعونه ويستعدون له بكل ما لديهم من وسائل، لأن من شأن ذلك تجذير وجودهم الدائم وتصويرهم بمثابة الممثلين للإسلام الذين يتصدون بشجاعة وعزم وروح انتحارية لهجمات الغرب الكافر الصليبية الجديدة على دار الإسلام، ومن ثم فرضهم لقراءتهم وتفسيرهم المتشدد، بل والمنحرف للقرآن والسنة النبوية ومقاربتهم للشريعة الإسلامية وحدودها.
تقول الرؤية الداعشية المنشورة عبر وسائل الإعلام أن الحدود القائمة بين الدول العربية والإسلامية هي حدود زائفة فرضها المستعمرون الغربيون في اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 والمعدلة بمعاهدة لوزان سنة 1923، ولم تتقبلها شعوب المنطقة الشرق أوسطية وكانت القوة العظمى آنذاك قد خدعت الزعماء العرب وخانت تعهداتها لهم وعلى رأسهم الشريف حسين شريف مكة وملك الحجاز في ذلك الوقت الذي وعدوه بمملكة عربية مستقلة مقابل دعمه لهم ضد الأتراك العثمانيين وما تزال وقائع تلك الفترة راسخة في ذاكرة الأجيال. ففي الوقت الذي لوح فيه البريطانيون من خلال مخابرتهم وعميلهم المدعو لورنس العرب بأوهام المملكة الهاشمية كان العملاء الخاصين في حكومة الهند البريطانية من أمثال سان جون فيلبي يدعمون عسكريا وماليا عبد العزيز بن سعود ملك نجد ومجموعة الإخوان السلفيين. قام الزعيم العلماني التركي كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة وتأسيس جمهورية حديثة في حين أرسل شريف مكة للمنفى وتم الاعتراف بعد العزيز بن سعود كملك لما يعرف اليوم بالمملكة العربية السعودية وحارس للحرمين الشريفين المقدسين في الإسلام. لذلك لا غرابة أن يعلن زعيم داعش في الرابع من تموز 2014 من على منبر جامع النور في الموصل في العراق إعادة إقامة دولة الخلافة مما يعني ضمناً إنهاء التقسيم الاستعماري القسري للمنطقة وإنهاء الحدود القائمة التي خطت في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
واليوم يتحرك أتباع هذا التنظيم الدموي وفق تعليمات كتابهم المقدس ، ليس القرآن، بل "إدارة التوحش" في كل مكان في العالم، من مذبحة صحافيي مجلة شارل إيبدو الفرنسية الساخرة ومذبحة شاطيء سوسة السياحي في تونس، مروراً بأخذ الرهائن واقتحام متجر يهودي في باريس وذبح الرهينة هيرفيه كورنارا ، فكل تفاصيل وطرق وأساليب ومناهج العمليات الإرهابية موجودة في كتاب " إدارة التوحش" أو المراحل التي يجب أن يمر فيها الإسلام لإعادة تأسيس الخلافة، والمنشور سنة 2004 والذي يسميه بعض الجهاديين بمثابة " كفاحي" الذي ألفه هتلر وهو الدليل الكامل لأي إرهابي موجود في العالم سواء كان منتمياً لتنظيم أم لا ، فحتى الذئاب المنفردة تلجأ إليه لتستلهم منه جرائمها، ويضعه زعيم المنظمة الإرهابية بوكو حرام قرب مخدته ليقرأ منه قبل أن ينام، بينما يعممه تنظيم داعش على أتباعه كمرجع ـتكنيكي وآيديولوجي. أما مؤلفه فيعتقد أنه إسم مستعار وهو أبو بكر ناجي والغرض من تأليفه هو تركيع وإخضاع الغرب الكافر للإسلام وتأسيس دولة الخلافة التي ستحكم مليار ونصف المليار من المسلمين شاءوا أم أبوا ومعهم سيتم غزو العالم برمته. ورد فيه بالحرف الواحد:" يجب محاربة الصليبيين وحلفائهم المرتدين . فلا شيء يمنعنا من سفك دمائهم، بل على العكس فذلك هو واجبنا الأول، فلا مجال للطرق السلمية للتعاطي معهم. فالذي ينخرط في الجهاد يعرف أن لا وسيلة غير العنف والقسوة والبطش والوحشية والإرهاب والترهيب والإرعاب والمذابح فهذه هي اللغة التي يفهمها هؤلاء وليس غيرها". وعلى عكس تنظيم القاعدة الإرهابي الذي يهاجم أهداف مهمة رمزية لخلق ردة فعل إعلامية ، يقوم تنظيم داعش الإرهابي بمضاعفة ضرباته وهجماته الإرهابية لجعل العالم في حالة خوف ورعب وخضوع دائم وهي الاستراتيجية التي تتبعها داعش كما وردت في كتاب إدارة التوحش. وينص الكتاب على ضرورة تصفية الرهائن جسدياً بأبشع الطرق وأقساها لترهيب الأعداء وحلفائهم. ويوجه الكتاب الإرهابيين ، لا سيما الذئاب المنفردة، قائلاً: لا يجب الاستسلام ولا ينبغي أن يقع الجهادي في الأسر فعليه أن يقاتل حتى يقتل فالموت ليس سوى الشهادة ، كما ورد نصاً في الكتاب.
كانت هناك جماعات مسلحة متفرقة في العراق وبالذات في مناطق نفوذ النظام الصدامي السابق في الموصل والأنبار وصلاح الدين إلا أن داعش كانت متواجدة أيضاً في تلك المنطقة وتمارس نفوذاً كبيراً هناك بل لقد نجحت في احتلال الفلوجة بالكامل والهيمنة على ساحات الاعتصام في المنطقة الغربية ذات الأغلبية السنية وفرض الأتاوات والتلويح بالتهديدات ضد رؤوساء العشائر الذي لايرغبون في الإنضواء تحت سلطة هذا التنظيم الإرهابي الشرس. وفي ليلة التاسع والعاشر من حزيران 2014 زحف مقاتلو داعش بالتنسيق مع بعض العشائر وبقايا النظام الصدامي البائد واحتلوا الموصل وسط دهشة الجميع إذ أن خطوتهم هذه لم تلق أية مقاومة تذكر من قبل القوات النظامية العراقية المتمركزة في المدينة وأطرافها ولم تتوقع القوى المسلحة المتعاونة مع داعش والمنسقة معها لتنفيذ الخطة، أن يتجاوز هذا التنظيم على كل الخطوط ويعلن دولة الخلافة بهذه السرعة ويقوم بطرد وتهجير وسبي الأقليات الدينية والمذهبية والإثنية الأخرى ويسمح ببيع النساء الإيزيديات كغنائم وسبايا مشروعة في المزاد العلني ونشر أشرطة فيديو في غاية الوحشية عن قتل الجنود والأسرى والشيعة والرهائن الأجانب وارتكاب المذابح الجماعية مثل مذبحة سبايكر وحرق الطيار الأردني الأسير وهو حي وتدمير المدن الأثرية والآثار العراقية في نمرود والحضر ونسف الكنائس المسيحية والمساجد الشيعية والأضرحة والمقابر والمآثر الصوفية ونهب محتويات متحف الموصول، فكيف تمكنت هذه الثلة المجرمة في تحقيق كل ذلك في وقت قياسي في قصره؟
في آذار 2003 قبل السقوط ببضعة أسابيع أباح أحد كبار المسؤولين في المخابرات العراقية لأحد الصحافيين الأجانب بأن النظام بصدد تنظيم مقاومة مسلحة طويلة الأمد وستكون إسلامية الطابع لكسب التعاطف والشرعية في العالم العربي والإسلامي وسوف يقومون برفع الغطاء عن قدر الضغط الشرق أوسطي الذي يهيمن عليه الغربيون منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية. ومن ثم بات معروفاً لكافة مراكز الاستخبارات العالمية أن صدام حسين نظم خطط المواجهة المسلحة السرية واستقدم الكثير من المتطوعين العرب والمسلمين وعدد من مقاتلي تنظيم القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي ووزعهم على عدة مناطق ووفر لهم الأموال والأسلحة والذخيرة المتطورة التي دفنت في أماكن متفرقة ومعلومة للكثير منهم وكانوا مقسمين إلى ثلاث مجموعات رئيسية وهم المجاهدين وأغلبهم من العراقيين من أنصار النظام السابق وجيش القدس والمخابرات وفدائيي صدام، والأنصار وأغلبهم من البعثيين غير العراقيين والمتطوعين العرب وكانوا منظمين قبل السقوط بفترة طويلة ويعيشون في بيوت وأوكار سرية والمهاجرين وعلى رأسهم قادة عسكريون من عتاة البعثيين المخضرمين وذوي الخبرة وكذلك مسؤولين بعثيين معروفين بكفاءتهم وخبرتهم في المجالات العسكرية والتخريبية ومن أصحاب المهارات التقنية والعسكرية الذين من مهامهم قيادة وتوجيه الانتحاريين. وقد أكدت بعض التقارير الاستخباراتية وجود تنسيق ولقاءات سرية بين مسؤولين كبار في النظام الصدامي المقبور وقيادات إرهابية عالمية من القاعدة وغيرها بمعرفة ومباركة بن لادن وأيمن الظواهري وكانت تلك اللقاءات تحدث بين عامي 1992 و 1998 وتكثفت بين 2000 و 2003 ويقال أن أحد منفذي عمليات الحادي عشر من أيلول في نيويورك سنة 2001 وهو محمد عطا التقى سرا في براغ مع ضابط عراقي رفيع المستوى في المخابرات العراقية يدعى أحمد العاني، وتحويل مبالغ طائلة بطرق خفية غير شرعية وغير رسمية لعدد من التنظيمات الإرهابية وبعض التنظيمات الفلسطينية المسلحة الموالية لنظام صدام حسين ولتنظيمات تتمركز في الباكستان لحثها للانضمام الى تنظيم القاعدة وتقوية شوكته وكان من بين هؤلاء معسكر أبو مصعب الزرقاوي الذي كان مستقلا عن بن لادن في ذلك الوقت وانضم إليه فيما بعد في العراق بعد السقوط بأشهر قليلة. ويقال أن صدام حسين أقام معسكرات تدريب سرية للمقاتلين العرب والأجانب المتطوعين لمحاربة الأمريكيين قبل السقوط في مناطق عدة من العراق وحتى بالقرب من بغداد. ولقد استفاد من حجة وجود جيش القدس والميليشيات البعثية وفدائيي صدام لاختيار آلاف المقاتلين المدربين تحت إدارة وتوجيه عسكريين محترفين وضباط كبار في المخابرات العراقية خاصة المخابرات العسكرية الذين تخرجوا من أرقى المدارس السوفيتية والأوروبية الشرقية والفيتنامية وأنشأ شبكة لتوزيع المال النقدي بعيدا عن الرقابة وبدأت تلك العناصر والقوى المسلحة عملها مباشرة بعد السقوط واحتلال الأمريكيين للعراق وكانت مجموعات إرهابية منظمة صارت تعمل باستقلالية نسبية لكسب المزيد من الشهرة مثل التوحيد والجهاد بزعامة الزرقاوي، الذي تحالف مع جماعة النقشبندية وفلول حزب البعث المنحل بقيادة عزت الدوري، وجماعة كتائب ثورة العشرين بزعامة حارث الضاري للقيام بعمليات تخريبية وإشاعة الفوضى وخلق حالة من الذعر بين المواطنين وتأجيج الخلافات والاستقطابات الطائفية والمذهبية بين السنة والشيعة كتفجير قبري الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء، واستهداف المدنيين لخلق حالة من الهلع وعدم الأمان للإشارة إلى ضعف السلطة المركزية، تحت ذريعة مقاومة الاحتلال الأمريكي.
نشر أبو مصعب الزرقاوي عناصره في معسكرات أعدت له في شمال العراق في مناطق كانت تحت سيطرة النظام العراقي السابق بعلم ومباركة صدام حسين سنة 2001 لكنه هرب منها تحت وابل الغارات الأمريكية واختفى في الأنبار بعد أن وجد حاضنة شعبية محدودة مؤيدة له في المنطقة وأعلن انضمامه لتنظيم القاعدة الإرهابي الدولي لكنه كان يتصرف على هواه وبحرية ميدانية مستقلة عن أهداف وتخطيطات القاعدة. وفي 7 حزيران 2006 تمكنت القوات الأمريكية من قتله بعملية قصف جوي لمقره وسرعان ما حل مكانه المصري أبو حمزة المهاجر وبعده اختار تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أبو عمر البغدادي زعيماً للتنظيم وغير هذا الأخير إسم التنظيم إلى الدولة الإسلامية في العراق وعزم على تأسيس دولة إسلامية تطبق الشريعة في العراق لكنه قتل في نيسان 2010 في قصف جوي لمقره برفقة مرافقه ونائبه أبو حمزة. وهكذا انتقلت قيادة التنظيم الإرهابي إلى أبو عمر البغدادي المعروف بقسوته ووحشيته ونشاطه الإرهابي الذي أدى إلى اعتقاله من قبل الأمريكيين وزجه في سجن بوكا لمدة ثلاث سنوات ومن ثم أفرجت عنه القوات الأمريكية قبل انسحابها من العراق.
كل العواصم فوجئت بهذا الانتصار الكاسح والمفاجيء لداعش عدا عمان وبغداد وواشنطن وتل أبيب. أحد زعماء حزب العمال الكردستاني السوري أفضى لأحد الصحافيين الغربيين بسر الاجتماع السري الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان للتحضير لعملية اجتياح واحتلال الموصل والأنبار وصلاح الدين ومن المعلوم أنه لايمكن لأي اجتماع من هذا النوع يعقد في عمان بدون علم ومتابعة ومشاركة ومباركة المخابرات المركزية الأمريكية سي آي أ، كان مشاركاً في ذلك الاجتماع أيضاً عزت الدوري وحارث الضاري وممثل عن تنظيم أنصار الإسلام وممثل عن تنظيم جيش المجاهدين وممثل عن داعش وبعض شيوخ العشائر السنية في المناطق الغربية من العراق وبعض رجال الأعمال الأغنياء أو ممثلين عنهم مثل الخشلوك والخنجر ثم تم التخطيط والتنسيق مع عناصر من الجيش العراقي السابق المقربين من صدام حسين وأعضاء في حزب البعث المنحل المتواجدين في الموصل وصلاح الدين والأنبار وقيادات عسكرية في داعش قدمت من سوريا واختيرت ساعة الصفر بتواطؤ من بعض القيادات العسكرية العراقية الخائنة التي تم شراؤها بالمال لإعطاء أوامر بالانسحاب وعدم المقاومة . لكن داعش تجاوزت الدور المحدد لها في العملية واستولت على كل شيء وهاجمت كردستان وقامت بعمليات التطهير العرقي والديني ضد الأقليات الدينية والعرقية واالإثنية بل وحتى عاقبت عناصر من البعث ممن رفض الانصياع لأوامر وإملاءات داعش.


إستراتيجية الإخطبوط:
يسير تنظيم داعش وفق خطى مرسومة بدقة ومراحل تنفذ وفق جدول زمني محكم وبتدرج فطريقه أخذه وسيطرته على أراضي واسعة شكل ظاهرة ملفتة للنظر على الصعيد العسكري تكتيكياً واستراتيجياً. وفاق بكثير ما حققته المنظمات الإرهابية الدولية التي سبقته كتنظيم القاعدة فلم تحلم هذه الأخيرة إلا بمنطقة نفوذ محدودة جداً في أفغانستان تحت رعاية وحماية دولة طالبان التكفيرية المتشددة ، في حين يسعى داعش للهيمنة على كامل دولتي العراق وسوريا ولاحقاً ليبيا وتونس لخلق نقطة انطلاق لوجيستية استعداداً لأخذ مصر بكاملها بالتنسيق مع ولاية سيناء التي زرعها هناك لشن هجمات استنزافية ضد الدولة المصرية في الوقت الحاضر.
واليوم باتت الدولة الإسلامية في العراق والشام أو داعش حقيقة يعرفها الجميع ويرهبها الرأي العام العالمي وتسيطر على أراضي واسعة أكبر من مساحة بريطانيا تمتد من غرب العراق إلى شمال وشرق سوريا وتمتلك موارد مالية ونفطية ولديها إدارة مدنية وجيش مقاتلين وحرس حدود وجمارك وتتحكم بثمانية ملايين نسمة وتقدم بعض الخدمات الاجتماعية وتتصرف كدولة حيث أصدرت جوازات سفر وعملة محلية وإجازات سوق ولكن هل سيتساهل المجتمع الدولي مع هذا الوباء ويتأقلم معه، أم سيعمل على إنهاء وجوده وإبادته، أم سيكتفي من طرده من العراق وتركه يتصرف بحرية في سوريا لاعتبارات سياسية وإستراتيجية غربية بحتة بالتواطؤ مع أنظمة الخليج التي تريد بأي ثمن الإطاحة بنظام بشار الأسد حتى لو كان البديل دولة داعش الإسلاموية؟.
الدوائر الغربية، الاستخباراتية والعسكرية والسياسية ، تدرس وتحلل هذه الظاهرة لكنها لم تقدم ضدها استراتيجية فاعلة وناجعة لحد الآن. يقول جون بيير فيليو الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس :" دولنا الغربية لاتفهم أساليب عمل الإرهابيين ولا تستوعب سر نجاحهم. ففي قلب داعش نجد عسكريين محترفين ومخضرمين ومتمرسين بحروب نظامية سابقة لسنوات طويلة وبعشر سنوات من التمرد العسكري ضد قوات الاحتلال الأمريكي للعراق اغلبهم من قيادات نظام صدام حسين ومخابراته المدربين جيداً ومعهم بعض العرب من أمثال الفرنسي والتونسي الأصل بوبكر الحكيم وهو كلب حرب محترف ومخيف ولدى هؤلاء التجربة الميدانية التي يفتقد لها منتسبي القوات النظامية العراقية والسورية حالياً.
ذكر تقرير سري فرنسي صادر من الجيش الفرنسي أن داعش انتقل من إستراتيجية الهجوم الخاطف وهو أحد أنماط حرب العصابات إلى شن هجمات كبيرة مبرمجة وذات قدرات قتالية عالية وتنظيم محكم تسمح لها بالسيطرة على أراضي واسعة والتحكم والاحتفاظ بها ".
وهو تمارس النهجين حسب الظروف والمناخ وتوازنات القوى . ولقد أشار الكولونيل الفرنسي جون لوي دوفور البروفيسور في مدرسة سانت سير العسكرية الفرنسية إلى قدرة داعش في خوض عمليات عسكرية ضخمة منسقة على عدة جبهات في آن واحد مهما كانت المسافات متباعدة بينها كما هو الحال في سوريا في الحسكة وعين العرب كوباني اللتان تبعدان عن بعضهما بــ 300 كلم حيث تمت مهاجمتهما في نفس الوقت في 25 حزيران 2015. فلقد تمت السيطرة على الحسكة بقوات وأسلحة ثقيلة في حين تمكن داعش من إحكام سيطرته على كوباني بفضل غارات نفذها مجموعة من الكوماندوس الإرهابيين محدودة العدد وبأسلحة خفيفة ومتوسطة بتنظيم وقيادة كوادر عسكرية صدامية محترفة قام الأمريكيون بطردهم من الجيش بعد احتلال بغداد وتطبيق سياسة استئصال البعث. بينما لاحظ الجدنرال الفرنسي فينسنت ديسبورت ، المدير السابق للمدرسة الحربية الفرنسية، أن زعماء وقادة داعش الإرهابي يعرفون كيف ومتى يتراجعون لو اقتضى الأمر فلقد احتلوا مدينة الرمادي العراقية وتدمر السورية وانسحبوا من تكريت بدون قتال حقيقي أو مواجهات شرسة فخصوم داعش يعتقدون أنهم حققوا نصراً لكنهم يتعرضون للهجمات في مواقع وجبهات أخرى وبكثير من الحذاقة العسكرية .
شدد المحلل العسكري في إحدى المؤسسات الأهلية الباريسية المتخصصة في الشؤون الاستخباراتية والاستراتيجية إيف تروتينيون على أن الغرب لم ير من قبل مثل هذا التنظيم منذ قرون ، منذ ممالك البرابرة . فهؤلاء يمتلكون إرادة مسبقة في كل ما يقومون به من أفعال في حربهم وإرهابهم وهم قادرون على خلق الحد الأقصى من العنف بغية استقطاب وتجنيد المتعطشين للمغامرة . الكل يعرف اليوم ومنذ كلوزوفيتش أن الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى، وداعش تمارس السياسة بتحطيمها للحدود القائمة والموروثة من الحقبة الاستعمارية التي حددتها اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 والتي أتاحت لباريس ولندن تقاسم الإرث العثماني . يواصل إيف تورتينيون وصفه قائلاً :" نحن بالمقابل في التحالف الدولي، ندافع عن خطوطنا فنحن لانتراجع ولكننا أيضاً لا نتقدم ونعتمد على ثبات الوضع على ماهو عليه أما هم ، أي أنصار داعش، فلا يهمهم شيء ويسخرون منا ومن حماقتنا" ويضيف فينسينت ديسبورت قائلاً :" استطيع القول أن استراتيجيتهم هي الرابحة وليس استراتيجية التحالف إذا جاز لنا القول أن هناك استراتيجية بالفعل".
الملفت للانتباه في هذه الحرب ليس فقط جانبها العسكري بل هناك أيضاً الحرب النفسية والحرب الإعلامية التي تواكبها، فداعش يلجأ بذكاء لمواقع التواصل الاجتماعي ولوسائل الإعلام الحديثة السمعية البصرية. ففي تحليل مهم نشره المعهد الفرنسي للأبحاث الدولية " إيفري" تحت عنوان :" مواقع التواصل الاجتماعي والنزعة الجهادية" سجل الباحث مارك هيكر :" أن وظيفة نشر التوجهات الاستراتيجية الكبرى ينطوي على الاستخدام الحذق والفعال للويب أو الانترنيت والإعلان على الملأ عن الأهداف وإعطاء التوجيهات للأعضاء في التنظيم والمناصرين والمتعاطفين معه " فالتعبئة والتحشيد وكسب المجندين والجنود والمقالتين ضرورة أساسية لكل الجيوش بيد أن داعش فاق الجميع بقدرته على تطويع وسائل الدعاية المتاحة من قبل خصومه لاسيما تويتر حيث يمتلك أكثر من 40 ألف حساب ، وفيسبوك . فلو كان هناك شاب يهتم بداعش وبالحرب في العراق وسوريا يقوم برنامج خوارزمي آلغوريتم خاص بفيسبوك باقتراح روابط تتعلق بالموضوع وبمركز اهتمام الشاب " وبالتالي هناك دائما متطوعون كامنون احتياط يرفدون صفوف داعش بفضل هذه الوسيلة الإعلامية المجانية أي يتصرف داعش كأي جيش محترف بمواكبة الجهد العسكري بجهد إعلامي ودعائي. ولمواجهة هذا السيل غير المنقطع من المتطوعين الانتحاريين الجاهزين تحت تصرف داعش هناك رد عسكري يتمثل بحشد قوات برية كبيرة جداً على الأرض وعلى كافة جبهات المواجهة ومحاصرة داعش من كافة الجهات مع تفوق ساحق في سلاح الجو للقضاء على الخطر الداعشي وهذه هي الوسيلة الوحيدة الممكنة لدرء الخطر لكن المشكلة هي أن الجيشين النظاميين في العراق وسوريا غير مهيئين ومجهزين بما فيه الكفاية والتحالف الدولي لايرغب في زج قواته البرية في المعارك عدا بضعة أفراد من القوات الخاصة في هذا البلد الغربي أو ذاك، بل وحتى الدول العربية لاتريد إرسال قواتها العسكرية إلى هناك لمحاربة داعش . ومن هنا يمكن اعتبار هذا التدفق والاحتياطي البشري من المتطوعين إلى صفوف داعش يشكل خطراً وتحدي كبير للعالم، فحافزهم ديني عقائدي للدفاع عن دولة الخلافة خاصة إذا تلبس ذلك لباس الحرب الطائفية فالحرب على الشيعة التي يشنها تنظيم داعش الإرهابي تغري الكثير من الشباب في الدول والأنظمة السلفية المتشددة في العربية السعودية والبحرين واليمن وباقي دول الخليج، ودول المغرب العربي، وكذلك في تركيا والأردن، والشيشان والكوسوفو والباكستان وأفغانستان. فالاكتفاء بإرسال بضعة طائرات مقاتلة لايمكنه أن يوقف هذا المد الجارف حيث تقوم طائرة بتدمير سيارة بيك آب ثمنها عشرة آلاف دولار بصاروخ يكلف ثلاثين ضعفاً وهذا غباء مكشوف فبدون قوات برية وعدد ضخم من الطائرات لايوجد هناك حل ومن الغباء المراهنة على تفكك داخلي لداعش فهذا وهم كبير وخطير فنحن نسير في الوحل دون أن ننتبه، على حد تعبير جون لوي دوفور.









الفصل السادس
خارطة الصراعات في عراق ما بعد داعش

بات واضحاً اليوم أن هناك شيئاً سرياً يحاك في الظل لإخراج العراق من عنق الزجاجة ولكن بعد الانتهاء من دحر داعش عسكرياً فحسب، لأن فكر داعش وآيديولوجيتها مايزالان معششين في عقول وأنفس الكثيرين الذي لايبيحون بذلك بنوع من انفصام الشخصية الشيزوفرينيا لأنهم يتفقون مع أغلب ممارساتها المجتمعية والتربوية والأخلاقية والفقهية أيضاً. ستتبنى الولايات المتحدة الأمريكية ما يعرف بالإسلام المعتدل المتمثل بفكر الإخوان المسلمين والحزب الإسلامي العراقي وبعض التشكيلات الإسلاموية المتشددة والسلفية غير المسلحة المتواجدة على الساحة العراقية، لإدارة الإقليم السني المزمع تأسيسه في المنطقة الغربية والموصل المحررة من قبضة داعش، والبدء بعملية ضخمة لإعادة الإعمار بإشراف أمريكي مباشر ودعم وتمويل خليجي علني خاصة من جانب المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة.، والسماح للأكراد بإجراء استفتاء تقرير المصير وتحقيق مطلب الاستقلال الناجز نظرياً وعلى الورق على الأقل لتثبيته كحق طبيعي وشرعي مع تأجيل إعلان الاستقلال والانفصال عن الكيان العراقي لاحقاً حينما تسمح الظروف الدولية والإقليمية بذلك. إلا أن المعضلة القائمة هي كيفية التصرف مع الوسط والجنوب أو الإقليم الشيعي ذو الأغلبية الشيعية والذي تديره حكومة شرعية منتخبة لكنها ضعيفة مسلوبة الإرادة في الوقت الحاضر وتتحكم به قوى أسلامية سياسية متعددة ومسلحة بتسميات مختلفة ، الحشد الشعبي والميليشيات المسلحة والمرجعية الدينية التي ترنو للعب دور جوهري سياسياً وممارسة السلطة الحقيقية علناً بعد الانتخابات التشريعية القادمة سنة 2018 وبعد الانتهاء من محاربة داعش الإرهابية. ولكن هناك عقبتين لابد من التعامل معهما بحذر شديد الأولى تتمثل بتنامي التيار المدني الديموقراطي العلماني الذي تتسع رقعته وقاعدته الشعبية يوماً بعد يوم وهو ما يشكل خطراً على الجهاز الحكومي الحاكم في العراق بآلته المالية والإعلامية الجبارة وقوته المسلحة، خاصة وإن القانون الانتخابي تم تفصيله لصالح هذه القوى المتحكمة بالعملية السياسية ولن يسمح للتيار المدني الديموقراطي بالفوز واستلام السلطة التشريعية حتى لو فاز بالانتخابات وخرج منتصراً بفعل اختيارات صناديق الاقتراع . أما العقبة الثانية فتتمثل بالتيار الصدري بشقيه المدني السياسي والمسلح الذي حمل أسماءاً وعناوين مختلفة – جيش المهدي ، لواء اليوم الموعود، سرايا السلام ، الخ – وهو قوة لايستهان بها في الشارع العراقي بزعامة رجل الدين الشاب مقتدى الصدر نجل المرجع الديني الذي اغتاله صدام حسين في تسعينات القرن العشرين محمد محمد صادق الصدر، وهو اليوم ينتقد العلمية السياسية التي شارك فيها بوزراء ومدراء عامين ضمن نظام المحاصصة الطائفة التي صار يرفضها اليوم ، ويتعاون وينسق ويقترب أكثر فأكثر من التيار المدني الديموقراطي ليشكلا تحالفاً شعبياً جماهيرياً كبيراً محمياً بتشكيلة مسلحة هي سرايا السلام وعلى نحو خاص بقوة جديدة تم تشكيلها مؤخرا تحت تسمية قوات أو "لواء التدخل السريع الصدري"، وهذا الأخير يتوعد بمواجهة أية قوات مسلحة شيعية يمكنها أن تتدخل في صميم العملية السياسية وتمنع سلامة ونزاهة الانتخابات القادمة، والاستمرار بممارسة الضغوط عبر التظاهرات والحراك الجماهيري والاعتصمات اليومية المستمرة لتغيير مفوضية الانتخابات وقانون الانتخابات الغير عادلين والمتحيزين لصالح حيتان الفساد في قمة هرم السلطة، وفي نفس الوقت لم يخف الزعيم الشاب نيته في خطاب ألقاه في تموز 2016 وتوعد فيه مواجهة القوات الأمريكية التي قد تعود وتتدخل مباشرة في الشأن العراقي ، وهذا الأمر بات جلياً اليوم حيث تخطط إدارة ترامب لشق الصف الشيعي بين موالي للولايات المتحدة الأمريكية وموافق على وجودها رسمياً سواء بقوات أو بمستشارين ، وبين جزء يرفض هذا الدور الأمريكي ويعتبره عدواً غازياً يجب مقاومته. ولقد نظم التيار الصدري بهذا الصدد مسيرة مدهشة لقوات التدخل السريع الصدرية في سامراء ليرسل رسالة واضحة للطرف الشيعي الآخر ويعلن معارضتهلـ إعادة نوري المالكي رئيس الوزراء السابق لسدة الحكم والذي يتهمه بأنه باع ثلث العراق لتنظيم داعش الإرهابي وبذر المليارات من أموال الشعب العراقي وسرق ميزانيات الدولة طيلة تواجده في السلطة". يبدو أن هذه التطورات الأخيرة ستدفع القوى السياسية الشيعية المدنية والمسلحة التي تمسك بالسلطة في العراق للتأهب ومواجهة التطورات القادمة التي قد تتحول إلى حرب أهلية شيعية – شيعية تستنزف هذا المعسكر وتضعفه وبالتالي ترغمه على القبول بالأمر الواقع لاحقاً في ظل التسويات السياسية القادمة التي تعدها وتتحكم بها الولايات المتحدة الأمريكية في عراق ما بعد داعش.












الفصل السابع
دونالد ترامب ومستقبل عراق ما بعد داعش

تتزاحم الأخبار اليومية وتدفع المراقبين للقيام بعملية فرز وقراءة مابين السطور قبل البدء بالتحليل الجيوسياسي والجيوستراتيجي لسياسة الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط في حقبة دونالد ترامب التي أعتقد البعض أنها ستشكل انعطافة خطيرة في مسار السياسة الخارجية الأميركية. فبعد أن هدد ترامب، إبان حملته الانتخابية، بأنه سيقاضي المملكة العربية السعودية ويرغمها على دفع تعويضات ضحايا الحادي عشر من أيلول، والتي قدر أنها قد تصل إلى 300 مليار دولار، واعتبارها مع قطر ومشايخ الخليج الأخرى ، عدا مسقط، المسؤولة عن تمويل الإرهاب العالمي، هاهو يقوم بزيارة تاريخية للمملكة السعودية ويبرم معها صفقات تجارية ويبيض وجهها في حين يناور مع هذه المملكة القروسطية ومن حولها من حلفاء إقليميين لمحاصرة إيران وحليفاتها في المنطقة، أي النظام السوري وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن وبالطبع جزء كبير من الطبقة السياسية العراقية الموالية لإيران بلا قيد أو شرط. كما يشاع أن ترامب طلب من الدكتور حيدر العبادي فك ارتباط العراق الرسمي الذي يمثله العبادي في الوقت الحاضر، مع إيران مقابل التعهد بإعادة الإعمار في المناطق المنكوبة، والتي لا تشمل الوسط والجنوب قطعاً، مع تأمين السيطرة الأميركية المطلقة على مقدرات العراق النفطية ، بحجة تفادي سرقة مبالغ إعادة الإعمار من قبل شبكات الفساد المستفحلة في العراق والمعروفة للقاصي والداني.ومن سخريات القدر أن يبادر السياسي الشهير أسامة النجيفي بتأسيس حزب سياسي جديد تحت إسم الحزب العراقي الموحد والذي هدفه الوحيد والأهم هو تكريس النجيفي باعتباره السيد الرئيس لإقليم الموصل السنّي. ولقد أعلن عن ذلك الحدث السعيد من إقليم كردستان في أربيل لأنه يحلم بإقامة إقليم سنّي على غرار إقليم كردستان ويتمتع بما يتمتع به هذا الأخير من مواصفات ومزايا، ويدعي النجيفي أنه يمتلك دعما وتشجيعا من قبل إقليم كردستان ومن قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي ينوي احتضان المنطقة الغربية والشمال الغربي من العراق ذات الأغلبية السنية برعايته ودعمه المالي والسياسي والعسكري. ومن الطبيعي أن يضفي السيد النجيفي بعض التوابل على مشروعه المستقبلي باعتباره نائباً لرئيس الجمهورية العراقية رسمياً ، بأن يكون إقليمه السنّي ضمن عراق فيدرالي أو كونفدرالي موحد شكلياً على أن تكون محافظة الموصل هي عاصمة الإقليم السنّي القادم لا محالة. ومن المعروف أن كردستان تطالب بضم المناطق المتنازع عليها والتي تقع ضمن الإقليم السنّي المزمع تشكيله بزعامة أسامة النجيفي خاصة بعد الانتهاء من إجراء الاستفتاء الكردستاني بشأن الاستقلال عن العراق وحق تقرير المصير. كما صرح علي الربيعي المتحدث الرسمي بإسم الحزب العراقي الموحد أن المهمة العاجلة لحزب السيد النجيفي هي إعادة إعمار المنطقة المدمرة من جراء الحرب على داعش وإنهاء حالة الفقر المدقع والبطالة المتفشية بين السكان والوضع الاقتصادي المتردي، فهل يوجد من يصدق ذلك والكل يعرف من هو أسامة النجيفي وما هو تأريخه؟ والسؤال المطروح الآن: ماهو مصير الأقليات العراقية الأخرى المتواجدة في المنطقة من أيزيديين وتركمان ومسيحيين وشبك وشيعة وكلدان وآشوريين وغيرهم ؟ وماهو مصير مناطق تقع ضمن هذه الإشكالات العويصة كسنجار وتلعفر وسهل نينوى، وكل هؤلاء يطالبون بإقليم مستقل أو يتمتعون بحكم ذاتي حقيقي ويطالبون بتوفير الحماية الدولية؟ هذه هي المتاهة العراقية السائدة اليوم.الحقيقة الخافية على الكثير هي أن دونالد ترامب يعرف مايريد وقواعد اللعبة واضحة وبسيطة بالنسبة له من خلال التلويح بسياسة الترهيب والترغيب وتطويع الحلفاء كدول الخليج وعلى رأسها السعودية وتركيا وباكستان وأفغانستان والأردن ومصر وترهيب الخصوم والمتمردين على الهيمنة الأميركية ظاهرياً ، كإيران وسوريا ولبنان الشيعية وليس السنّية والمسيحية، والراغبين في قرارة أنفسهم بالتعاون التام مع الشيطان الأكبر كما كانت تسميه إيران الخمينية.
استغلت الولايات المتحدة الأميركية هذه الديناميكية المتصاعدة اليوم ضد الإرهاب الإسلامي المتجسد بالقاعدة وداعش المفبركتين أميركياً وخليجياً كما يعرف الجميع، لإعادة ترتيب أوراق المنطقة الشرق أوسطية ومراجعة توزيع مناطق النفوذ الدولية المتصارع عليها مع روسيا والصين ودول البريكس ، من خلال إعادة رسم حلف الناتو بتطعيمه إسلامياً بدول البحبوحة النفطية، والحد من الطموحات الإيرانية الإقليمية التي تحلم باستعادة دور إيران كشرطي للخليج. فلقد نجحت السعودية في إقناع إدارة ترامب بأن نهجها هو الصحيح من خلال تأسيس الأمة الإسلامية السنّية المحمية من قبل واشنطن، مقابل الأمة الإسلامية الشيعية الزنديقة التي تقودها إيران عبر محور طهران بغداد دمشق بيروت، الشيعي المحمية من قبل روسيا القيصرية ، باعتبار بوتين قيصر روسيا الجديد.










الفصل الثامن
حرب التحالف الدولي على داعش تبدأ بالمخابرات

يبدو أن الغرب استفاق فجأة من صدمة أو يبدو كمن استفاق من سبات فيما يتعلق بالدولة الإسلامية في العراق والشام داعش حسب تصريحات مسؤولين في وزارة الدفاع الفرنسية وجهاز المخابرات الخارجية الفرنسي، حيث بات هذا التنظيم، في نظرهم بمثابة العدو الأساسي الأول الذي يهدد مصالح الغرب الحيوية مثلما يهدد العالم العربي والإسلامي ، وحيث أساء العالم الخارجي تقدير درجة خطورته ولم يدرك قادته أن التهديد القادم من دولة الخلافة الإسلامية يتنامى ويتجه نحوهم لذلك نراهم اليوم منكبين على دراسة وتحليل آلية عمل الدول الإسلامية وطرق تمويلها وتسليحها وأسلوبها في إدارة المناطق التي تسيطر عليها، وتعتقد الدوائر الاستخباراتية العالمية ومنها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السي آي أ، أن عدد مقاتلي هذا التنظيم الإرهابي يتراوح اليوم بين 20000 و 32000 في العراق وسوريا في حين أن عددهم لم يكن يتجاوز العشرة آلاف مقاتل قبل بضعة أشهر قليلة، ويقفون على أهبة الاستعداد للقتال دفاعاً عن دولة الخلافة المزعومة بقيادة أبو بكر البغدادي الذي أعلن نفسه خليفة للمسلمين، ويبدو أن غالبية قيادات داعش في العراق هم من ضباط ورجالات الجيش والمخابرات والحرس الجمهوري وفدائيي صدام السابقين الذي كانوا اليد الضاربة بيد صدام حسين قبل الغزو الأمريكي للعراق. ويسيطر تنظيم داعش الإرهابي على مساحة تزيد على مساحة المملكة المتحدة، وتبدو قادرة على المواجهة العسكرية المباشرة الكلاسيكية بمعدات عسكرية ثقيلة وفي نفس الوقت خوض معارك حرب عصابات المدن وتنظيم عمليات إرهابية مدوية وضخمة في قلب المدن التي لم تخضع بعد لسيطرتها المباشرة، هذا عدا عن غنائم الحرب التي جنتها في احتلالها لأراضي واسعة في كل من سوريا والعراق، وهزيمة القوات النظامية في البلدين، والاستحواز على معدات عسكرية ثقيلة ومتطورة من الجيشين العراقي والسوري، وكذلك من الأسلحة التي تسلمتها المعارضة السورية المسلحة غير الخاضعة لتنظيم داعش والتي منيت بهزائم في مواجهاتها المسلحة مع داعش خاصة في الأراضي السورية.
من المتفق عليه أن أية حرب ، لكي تنجح وتحقق أهدافها، لا بد لها من عمل ميداني على الأرض وليس فقط من خلال القصف الجوي والمدفعي عن بعد. وهذا هو دور الاستخبارات التي تتسلل إلى عمق أراضي العدو وتجمع كل ما يمكنها من معلومات أساسية بغية توجيه الضربات الجوية والمدفعية ضد أهداف محددة إلى جانب بث المعلومات الخاطئة والمضللة وتجنيد العملاء وممارسة سياسة الترهيب والترغيب والقيام بعمليات اغتيال دقيقة لقيادات العدو كلما أمكن ذلك الخ.. والهدف هو إضعاف هذا التنظيم الإرهابي الذي يتصرف كدولة ويمتلك أكثر من ملياري دولار إلى جانب ريع النفط المهرب الى السوق السوداء عبر تركيا والذي يدر عليها ملايين الدولارات، قبل الانقضاض عليها من خلال إعداد وتدريب وتسليح القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية والقوات الخاصة الغربية الأمريكية والأوروبية بالاستعانة أيضاً بالضربات الجوية المكثفة.
لا بد إذن من استراتيجية عسكرية محكمة ومخطط لها بعناية من كافة النواحي بعد أن تأكد خطر دولة الخلافة الإسلامية أو التي أعلنها تنظيم داعش الإرهابي في أجزاء من العراق وسوريا، على الدول العربية النفطية في الخليج، ودول عربية أخرى كالأردن ولبنان ومصر وليبيا ودول المغرب العربي، وعلى الغرب برمته، وكذلك على دول إقليمية مهمة كتركيا وإيران، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها خاصة في أعقاب ذبح صحفيين أمريكيين، هما جيمس فولي و ستيفن سوتلوف، بطريقة همجية بشعة على يد جلاد في داعش، وذبح المواطن البريطاني الذي كان يعمل في إحدى جمعيات الإغاثة الإنسانية، وبث تلك الجرائم البشعة والهمجية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الحدث الذي خلق صدمة لدى الرأي العام الأمريكي والعالمي، لذا تحركت الولايات المتحدة الأمريكية بقوة، وتحقق اقتناع الغرب بأنه لا بد من معاقبة الإرهابيين واستئصال خطرهم من خلال تشكيل تحالف دولي واسع وتدمير هذا المسخ الإرهابي المتوحش المسمى داعش. وبذلك تم تحديد الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش كعدو يجب مهاجمته وتدميره كلياً حسب تصريحات القادة الغربيين أنفسهم. ومن هنا قررت قمة دول حلف شمال الأطلسي الناتو، تشكيل هذا التحالف الدولي ضد الجهاديين الإرهابيين المتمركزين حالياً في بقعة جغرافية محددة خلقوا فيها مسخ دولة أسموها دولة الخلافة الإسلامية، التي باتت تمتلك الموارد المالية الذاتية وعشرات الآلاف من المقاتلين المتطوعين، العرب والمسلمين والأجانب، وتجند المزيد منهم يومياً، مما يعني تفاقم خطرها وتهديدها للأمن والاستقرار العالمي. فكيف يمكن مواجهة مثل هذا التحدي الخطير لا سيما وأن الجهاديين ينشدون الموت ولا يهابونه كما يبدو من إعلامهم ومنشوراتهم وأدبياتهم حيث يعلنون أنهم جاءوا ليستشهدوا؟ يبدو للمراقبين أن أجهزة الاستخبارات الدولية لم تفاجأ بظهور داعش وانتشارها . وكان خيار التنظيم الإرهابي في إعلان الدولة الإسلامية مقصوداً ومدروساً ، ويمثل رهاناً يختلف تكتيكياً عن إستراتيجية تنظيم القاعدة الدولي الذي يخوض صراعاً شاملاً ضد الغرب وحلفائه من الأنظمة التي تحكم العالم الإسلامي، في حين أن داعش تخوض صراعاً محلياً في الوقت الحاضر يقتصر على رقعة جغرافية محددة محصورة بين العراق وسوريا كنقطة انطلاق لمشروع توسعي لاحق حين تتهيأ الظروف الملائمة لغزو المناطق الأخرى المجاورة عن طريق سياسة القضم التدريجي. كانت أجهزة المخابرات الغربية تراقب عن كثب المشهد الإرهابي والحربي في سوريا والمواجهات الدامية بين الجهاديين الإسلامويين من داعش وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية وغيرهم ضد قوات النظام السوري على أمل أن تتمكن تلك العناصر الإرهابية الإسلاموية المسلحة من الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد دون الحاجة لتدخل عسكري خارجي يصطدم بتعقيدات وقيود القانون الدولي والفيتو الروسي والصيني ، بيد أن قوات النظام السوري لم تتمكن هي الأخرى من القضاء كلياً على القوى الإسلاموية المسلحة ولم تتمكن هذه الأخيرة من إسقاط النظام السوري لأنه نظام قوي ويتمتع بدعم إيراني روسي ومن حزب الله اللبناني، ولقد سقط أكثر من 3000 إرهابي من أعضاء تنظيم داعش في تلك المواجهات الدامية . كما أكدت مصادر موثوقة أن أجهزة المخابرات تابعت عن كثب حيثيات تكوين الدولة الإسلامية لكنها لم تدرك طابعها العابر للقارات والحدود ولا لأهمية المجندين القادمين من الخارج من دول غربية متعددة للانضمام إليها مما يعني أن أجهزة المخابرات أغفلت أو قللت من أهمية وتأثير هذه الظاهرة سياسياً وعسكرياً بالرغم من سيطرة داعش منذ شهر يناير كانون الثاني على مدينة الفلوجة العراقية بالكامل وأجزاء واسعة من محافظة الأنبار كالرمادي وغيرها، واستقطابها لمئات من المقاتلين الأجانب و التي يمكن اعتبارها مؤشراً خطيراً على ما سيتبعها من تطورات، تمثلت بمأساة احتلال الموصل، وتهديد إقليم كردستان العراقي على نحو مباشر، وقتل وذبح وتهجير الأقليات الدينية كالمسيحيين والأزيديين والشيعة وغيرهم ، وكلها شواهد كانت كافية لإدراك طبيعة الخطورة التي يمثلها تنظيم داعش. المشكلة التي تواجهها أجهزة الاستخبارات الغربية حالياً هي شبه استحالة اختراق هذه الدولة المسخ والتسلل الى داخل هذا التنظيم الهمجي الشديد العنف والوحشية. ففي مرحلة الجهاد في أفغانستان كان من السهل على الاستخبارات الغربية تشخيص العناصر والامتدادات والفروع المؤيدة والداعمة والمساندة لتنظيم القاعدة الإرهابي في مناطق مثل لندن ستان وطرق الإمداد من لبنان والباكستان للوصول إلى مراكز التدريب في أفغانستان وبيشاور وفي المعسكرات الموجودة في وزيرستان على الحدود الباكستانية الأفغانية حيث يذهب المتطوعون للقتال ضد قوات الغزو السوفيتي. ولقد تطور الأمر اليوم إلى استعداد المتطوعين للموت في عمليات انتحارية مؤكدة فلو أرسلت الاستخبارات عملاء لها للتطوع واختراق التنظيمات الإرهابية فإن مصيرهم هو الموت الحتمي لأنهم سوف يذهبون مرغمين، إن آجلاً أم عاجلاً، للقيام بعمليات إرهابية انتحارية. ولا يجب أن ننسى أن أتباع صدام حسين قد انخرطوا في التنظيمات الإرهابية الإسلاموية وهم الذين يقودون اليوم داعش والنصرة وأمثالهما في العراق وسوريا وأغلبهم عسكريين محترفين ومدربين في الحرس الصدامي الخاص وفدائيي صدام وعناصر المخابرات العراقية الشرسين والدمويين. التجنيد متعدد الجنسيات للعناصر الإرهابية في داعش يمثل صعوبة إضافية لدوائر الاستخبارات الأجنبية على عكس ما كان عليه الأمر حيال خلايا تنظيم القاعدة المنطوية على نفسها، كما إن وجود هؤلاء الجهاديين الأجانب يتيح لتنظيم داعش معرفة كل شيء تقريباً عن جميع الدول التي يأتي منها هؤلاء كفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وهولندا وبلجيكا وأمريكا وغيرها. يضاف إلى ذلك تمكنهم من أدوات الاتصال الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي كالانترنت والفيسبوك وتويتر التي توفر لهم تأثير كرة الثلج المتدحرجة في مجال التشدد الفردي لأعضائها والتأثير على العقول والأذهان. فتنظيم داعش الإرهابي تحول على أرض الواقع إلى ما يشبه الدولة الحقيقية ويتصرف كدولة في الوقت الحاضر حيث تبسط داعش سيطرتها على كافة المجالات السياسية والأمنية والاجتماعية في المناطق التي تسيطر عليها ولم يعد الأمر كما هو الحال مع التنظيمات لإرهابية السرية كالقاعدة المتواجدة في كل مكان ولكن بصورة خفية وسرية لأنها مطاردة من قبل الأنظمة وأجهزة مخابراتها في الدول التي ينشط فيها تنظيم القاعدة، فوضع دعش اليوم يشبه الى حد ما القوى المسلحة الثورية في كولومبيا المسمى فارك FARC التي تحل محل الدولة الرسمية في الأراضي والمدن التي تحتلها وتقوم بإدارتها وهذا يخلق مشكلة وصعوبات إضافية أمام دوائر الاستخبارات بشأن كيفية التصرف داخل أراضي تغيب فيها سلطات الدولة الشرعية والنظامية لأنها خارجة عن سيطرتها وتدار بشدة وعنف من قبل تنظيمات إرهابية متمرسة .
وفرت الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش لنفسها موارد مالية ، لا سيما من مبيعات النفط المهرب ، وأسلحة متطورة غنمتها من القوات السورية والعراقية أو اشترتها من السوق السوداء ولكن لا ينبغي المبالغة في ذلك فالولايات المتحدة الأمريكية تبالغ في إمكانيات هذا الكيان المسلح بعد أن حولته إلى عدو رئيسي لها كما فعلت سابقاً مع صدام حسين ووصفت جيشه بأنه رابع جيش في العالم وهو وصف لا علاقة له بالواقع الحقيقي للجيش العراقي آنذاك، كما ضخمت من إمكانيات وقوة تنظيم القاعدة عندما أعلنت الحرب على الإرهاب الدولي المتمثل بالقاعدة وغزوها لأفغانستان والعراق، فعدد المقاتلين الحقيقيين لدى داعش، حسب تقديرات المخابرات الفرنسية ، وليس العدد المبالغ به الذي أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية المشار إليه أعلاه، يتجاوز بقليل الإثني عشر ألف مقاتل والباقي مجرد أتباع هم بمثابة إكسسوار للقيام بالمهمات الإدارية والمراقبة والردع وتكثيف الحضور الميداني لدوافع نفسية لا أكثر، وهذا العدد غير كافي من الناحية العسكرية لإحكام السيطرة والدفاع عن أراضي شاسعة تمتد من شمال وغرب العراق إلى شمال وشرق ووسط سوريا، ومع ذلك فإن الدولة الإسلامية هي قوة مسلحة غير قابلة للاختراق مخابراتياً.
وعلينا أن نعترف بأن هذا التنظيم الإرهابي نجح في استغلال سبعة حقول نفطية في العراق وسوريا ويبيع نفطها عن طريق التهريب وتدر عليه ملايين الدولارات يومياً واستحوذ على أكثر من 400 مليون يورو من فرع البنك المركزي العراقي في الموصل، بيد أن ذلك لا يشكل وحده اقتصاد دولة حقيقية تحظى بالديمومة، فتهريب بترول غير معالج، ونهب بنوك، لا يمكنه أن يشكل قوة اقتصادية دائمة ومتطورة قابلة للنمو، لكنها تجعل من داعش أقوى وأغنى منظمة إرهابية في العالم ويمكنها من دفع رواتب لمقاتليها ولأراملهم وخلق أجهزة مخابراتية بدائية للتجسس أو لمكافحة التجسس، وخلق دوائر مغلقة لأخذ الأتاوات والفديات مقابل إطلاق سراح المختطفين والرهائن دون الحاجة لتمويل الخلايا النائمة التابعة لها كما تفعل القاعدة، لكن ذلك لا يجعل منها خطراً يهدد العالم إلا إذا عمدت إلى مهاجمة مصادر الطاقة والبترول في الخليج التي يعتمد عليها الغرب ، ونجحت في تأجيج مجابهة طائفية شاملة بين المكونين الرئيسين للإسلام أي السنة والشيعة داخل العالم الإسلامي. إنطلاقا من هذا التشخيص ، أجمعت كل أجهزة المخابرات الغربية أنها لن تتمكن وحدها دحر الدولة الإسلامية ولا بد من التعاون الدولي على كافة المستويات بما فيها الإستخباراتية، رغم تباين المصالح، لأن نوايا تنظيم داعش باتت واضحة وسوف يضرب هذا التنظيم الإرهابي إن آجلاً أم عاجلاً في عمق البلدان الغربية خاصة بعدة عودة عدد من مقاتليها الأجانب من أصل غربي أو أصل عربي وإسلامي من المقيمين في الغرب أو يحملون جنسيات الدول الغربية من أبناء الجيل الثاني والثالث والرابع للمهاجرين الأجانب ، ربما كرد فعل انتقامي من الدول التي ستنضم للتحالف الدولي الذي تحضره الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف شمال الأطلسي، فداعش لن تكتفي بمقاتلة من يعارضها في العراق وسوريا فحسب، بل ستضرب دول المنطقة كلها وسوف تتمدد اعتداءاتها إلى خارج الحدود الإقليمية كما حدث مع تفجير المتحف اليهودي في بروكسيل في حزيران الماضي. فالتعاون القائم حالياً بين أجهزة الاستخبارات يجري على مستوى عالي وهناك تعاون فعال مع أجهزة إستخباراتية خليجية أيضاً لأن عدوها بات على الأبواب فالعراق هو الجوار المباشر للخليج ويحتاج الأمر كذلك إلى نضال مرير مضاد للأيديولوجية الداعشية فدعوتها لتوحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة الإسلامية يشكل مصدر خطر أيديولوجي لأنها تلجأ إلى الهوية الدينية ووضعها فوق الهوية الوطنية لضمان مبايعة المسلمين لدولة الخلافة الإسلامية. بيد أن المعضلة التي تقف أمام مشروع محاربة داعش دوليا هو كيفية التعاطي مع النظام السوري وإقامة خيوط اتصال مع المخابرات السورية بالرغم من القطيعة السياسية والدبلوماسية المعلنة بين الغرب والنظام السوري إذ لا بد من تعاون أو تنسيق على نحو ما بين الجانبين لمواجهة العدو المشترك وهو داعش الموجود على الأراضي العراقي والسورية . فلن يكون ممكنا الاقتصار على الأراضي العراقية في هذه الحرب ولا بد من التنسيق مع إيران وسوريا وروسيا لمحاصرة داعش من الجانب السوري و لا بد من الاستفادة من خبرة المخابرات الأردنية في هذا المجال وهي تتعاون جداً مع المخابرات الأمريكية وعدد من أجهزة المخابرات الأوروبي لا سيما الفرنسية والبريطانية والألمانية، وكذلك التعاون مع المخابرات التركية أيضاً باعتبارها عضواً في حلف الناتو لتسهيل تطويق داعش وكشف قادتها الذي عبروا إلى سوريا والعراق عبر الحدود التركية في مرحلة ما في بدايات التمرد المسلح في سوريا. على الغرب أن يتصرف ببراغماتية أكبر مع النظام السوري مرحلياً رغم الرفض المعلن إعلامياً للتعاون أو التنسيق مع النظام السوري لأنه بخلاف ذلك سيكون ضرب التجمعات والقواعد الداعشية داخل الأراضي السورية بدون موافقة النظام الرسمي السوري بمثابة خرق للسيادة وانتهاك للقانون الدولي وتحدي للرفض الروسي والصيني والإيراني والسوري حيث لا بد من ترخيص دولي من مجلس الأمن وموافقة مبدئية من جانب النظام السوري لاختراق الأجواء السورية في الحرب القادمة على داعش.














الفصل التاسع
داعش الآلة الجهنمية التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين

الإسلام السياسي هو الأرضية التي نبتت فوقها جميع الإفرازات الجهادية التكفيرية من نوع القاعدة التي تأسست في بشاور في الباكستان سنة 1987، والدول الإسلامية في العراق والشام داعش التي تأسست في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين سنة 2003 وكانت إحدى واجهات تنظيم القاعدة الإرهابي الدولي، إلى جانب جبهة النصرة في سوريا، ونشرت الأيديولوجية السلفية والأصولية الإسلاموية بطبعتها السنية منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان ونشوء جماعات الجهاديين وطالبان بدعم وتمويل وتسليح من لدن الفكر الوهابي والمخططات الاستخباراتية الأمريكية والغربية والباكستانية. بيد أن الخلفية الفكرية والأيديولوجية تعود إلى أبعد من هذا التاريخ ، ويمكننا القول أنها انبثقت في بدايات القرن العشرين وعلى وجه التحديد مع تأسيس جماعة الأخوان المسلمين في مصر حيث كبر هذا التنظيم وترعرع في شكل أممية إسلاموية مخيفة تمثلت بالتنظيم الدولي للإخوان والذي أفرز بدوره كل ما نراه ونعرفه اليوم من مسميات وتفرعات تنظيمية إسلاموية مسلحة سنية وشيعية منتشرة في جميع أنحاء العالم.
كان المؤسس الأول لهذا التنظيم هو حسن البنا الذي سرعان ما تضخم وبلغ عدد أعضائه حوالي المليونين بعد عقد من تاريخ تأسيسه. حرص الزعيم المؤسس لتنظيم الأخوان المسلمين على أن تأخذ حركته بعدا دولياً إذ أن الغاية من التنظيم والهدف الأعلى المنشود هو إعادة إقامة الخلافة الإسلامية التي أطاحها الزعيم العسكري العلماني التركي كمال اتاتورك في بدابات القرن العشرين وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى. وفي السنوات المحصورة بين 1938 و 1942 قام التنظيم بإنشاء جهاز سري حديدي سمي بالجهاز السري للإخوان وهو عبارة عن ميليشيا جهادية منضبطة ومطيعة مستعدة للتضحية بكل شيء وعلى رأسها أرواح المنخرطين في هذا الجهاز السري المسلح وقوامه بين 1000 إلى 2000 متطوع الذين تدربوا على السلاح وتكنيك القتال لا سيما حرب العصابات في المدن. وأصبح هذا الجهاز بمثابة الذراع المسلحة للتنظيم السياسي أي الميليشيا المسلحة الضاربة لحماية التنظيم وقيادته السياسية والدينية ممثلة بالمرشد ومجلس الشورى، وبضم النخبة المسلحة والمدربة المعدة للدفاع عن مباديء الإسلام العليا والقادرة على ارتكاب كل أنواع العنف والقسوة والبطش بمجرد تلقيها الأوامر من الزعيم مرشد الإخوان. تلقى تنظيم الإخوان السري في ثلاثينات القرن المنصرم مساعدات مالية وتوجيهات نظرية من الحزب النازي في ألمانيا بواسطة دبلوماسي ألماني مقيم في القاهرة كلف من الحزب النازي بمهمة توفير التمويل وإيصاله لقيادة التنظيم من أجل دعم نشاطاته، ومازال تأثير الفكر النازي ملموساً في سلوكيات وممارسات حركة الإخوان المسلمين إلى الآن. فالظرف الاستعماري ونشوء الفكر السلفي ليسا المصدر الوحيد تاريخياً لنشوء حركة الإخوان، فهي لم تكن منيعة أو غير قابلة للتأثر بأيديولوجيات تلك المرحلة وعلى رأسها النازية والفاشية والشيوعية، على الأقل من ناحية بنية وهيكيلية وطريقة عمل التنظيم السري على غرار الأحزاب الشيوعية الممنوعة في البلدان العربية والإسلامية آنذاك. وكانت بنية التنظيم الهرمية قد استوحيت من رابطات الأحزاب الفاشية الأوروبية المعاصرة لمرحلة التأسيس للحركة، مثل الطاعة العمياء للزعيم وطريقة تنظيم الجهاز السري وشبه العسكري وانضباطه والمبايعة وإلقاء القسم بالطاعة والإخلاص والتضحية بالنفس التي استوحاها حسن البنا وباعترافه من التجربة الفاشية مثل شعار العمل والطاعة والصمت الذي تمسك به أعضاء التنظيم الإخواني كصدى لشعار أؤمن وأذعن وقاتل الذي تبناه الفاشيون الإيطاليون.
سمح للتنظيم بمزاولة نشاطاته علنا في ربيع سنة 1951 مستغلاً شبكته المنظمة في مصر وامتداداتها الإقليمية والدولية التي رفدت التنظيم بالمال والمتطوعين والمنتسبين حتى ان التنظيم تمكن من تشكيل فوج عسكري مسلح أرسل للقتال إلى جانب الجيش المصري النظامي ضد القوات البريطانية المتمركزة حول قناة السويس ومن هناك نشأت علاقات وعمليات تقارب وتنسيق مع بعض العسكريين المصريين المجتمعين تحت يافطة الضباط الأحرار سراً حيث اتفق الطرفان على إطاحة عرش الملك فاروق .
كما تمكن التنظيم من اختراق تشكيلات الجيش المصري وقيادة الأركان فيه وشكلوا الخلايا السرية داخل الجيش والعمل على كسب المزيد من الأتباع داخل القوات المسلحة قبل تنفيذ مشروع الانقلاب العسكري وتقديم السلطة لتنظيم الإخوان السياسي المدني على طبق من ذهب. كانت الخطة بسطة وفعالة حيث كان التنظيم الإخواني بارعاً في إعداد المكائد والمؤامرات السرية لكنهم لم يتوقعوا أن يفلت من بين أيديهم وينقض على سلطتهم تنظيم الضباط الأحرار بقيادة البكباشي جمال عبد الناصر الذي انخرط مبكرا في صفوف الجيش وشارك في حرب فلسطين سنة 1948 وجرح في كتفه حيث كان الإخوان يعتقدون أنه أحد أفضل حفائهم داخل الجيش لكنهم أخطئوا التقدير .
كان عبد الناصر يوهم الإخوان أنه ليس عدوهم أو خصمهم بل حليفهم في تحقيق الهدف المشترك ألا وهو الإطاحة بنظام الملكية وكان عبد الناصر يدير بنفسه المباحثات السرية بين تنظيم الضباط الأحرار وتنظيم الإخوان المسلمين في فترة الكفاح المشترك ضد القوات البريطانية في قناة السويس. وقد تمكن من إقناع التنظيم الإسلاموي بأن يبقوا في الظل وألا يفرضوا أية شروط تعجيزية على السلطات العسكرية التي سوف تطيح بعرش فاروق من قبيل تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها على المجتمع والمطالبة بمواقع سيادية بارزة في الحكومة العسكرية القادمة .
لقد نجح عبد الناصر في كسب أعضاء التنظيم الإخواني في الجيش وسحبهم إلى جانب تنظيم الضباط الأحرار الذين يشاركوه رؤيته ومقارباته وتحليلاته للوضع السياسي والعسكري في البلاد وأولويات الأهداف المزمع تنفيذها بعد الانقلاب. وعلى رأس هذه الأولويات محاربة وطرد المستمر البريطاني . وكان تنظيم الإخوان المسلمين واثقاً من نفسه ومن قدراته وشعبيته وتفوقه في علاقات القوة على تنظيم الضباط الأحرار وإنهم سيتمكنون إن آجلاً أم عاجلاً من أخذ السلطة من بين أيدي الضباط الأحرار متى شاءوا ذلك، بيد أنهم أخطئوا مرة أخرى في تقدير قوتهم الحقيقية وأعلنوا تمردهم على سلطة زعيم الانقلاب الذي تحول إلى ثورة يوليو عام 1952 وحاولا اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية وفشلوا في محاولتهم مما أعطاه ذريعة للتنكيل بهم وإعدام قياداتهم وزجهم في السجون بينما تمكنت بعض القيادات في التنظيم من الهروب إلى العديد من الدول منها عربية كالعربية السعودية وبعض دول الخليج ومنها أجنبية كسويسرا وفرنسا وألمانيا.
في سنوات الخمسينات بادرت جماعة من الجنود الذين كانوا يقاتلون في صفوف الأس أس النازي المعتنقين للإسلام بتقديم مشروع لبناء جامع ميونيخ وكان صاحب الفكرة هو جرهارد فون ميند وهو كادر نازي سابق مقرب من روزنبيرغ المنظر العنصري للأيديولوجية الهتلرية ووزير الراخ للأراضي المحتلة في الشرق، عندما كان الخبير والمتخصص بالأقليات الإثنية في الاتحاد السوفيتي في إدارة الرايخ الثالث. كان جرهارد فون ميند مقتنعاً بأن الإسلام يشكل الطابور الخامس ضد اليهود والشيوعيين . وكان هو عرب التقارب مع المسلمين إبان الحرب العالمية الثانيةوهو الذي عمل على إدراج الكتائب الإسلامية داخل الجيش الألماني. ولذلك فكر في تكريمهم باقتراحه مشروع بناء جامع للمسلمين في ميونخ. وقام كذلك بتقريب الإمام الأوزبكي نور الدين نامنجاني عضو كتيبة الأس أس النازية Osttürkisher Waffenverband التي قامت بقمع مقاومة البولونيين للاحتلال الألماني النازي لوارشو عام 1944. وكان نامنجاني هو ممثل الجماعة الإسلامية في ألمانيا وأغلب مكوناتها جاءت من أقليات مسلمة من أصل سوفيتي وتبنتها فيما بعد اللجنة الأمريكية لتحرير الشعوب السوفيتية من خلال فرعها الموجود في ميونخ وقد التقت وجهات نظر القيادات النازية السابقة والأمريكيين في تحديد العدو الأول آنذاك وهو الشيوعية وضرورة محاربتها بكل السبل ومن بينها استخدام المسلمين لهذه المهمة لذا راهنت الولايات المتحدة الأمريكية على الدين كسلاح لمجابهة الفكر الشيوعي وعلى الأخص الدين الإسلامي لمكافحة الإلحاد السوفيتي، وبالتالي لا بد من تشكيل طابور خامس إسلامي في الشرق الأوسط والأدنى من خلال توجيه تنظيم الإخوان المسلمين. وقد تعاون مدير اللجنة الأمريكية L’Amcomlib في ميونخ وهو روبير دروهر مع شخصية إخوانية مهمة هو سعيد رمضان صهر حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين ووالد الداعية الإخواني المعاصر في أوروبا طارق رمضان. ولقد تباحث الرئيس الأمريكي آيزنهاور مباشرة مع وفد الإخوان المسلمين بقيادة سعيد رمضان في 23 أيلول سبتمبر سنة 1953 ومدهم بمساعدات مالية سخية ودعم سياسي كبير ومساعدة لوجستية لتنظيم مؤتمرات بتمويل سعودي وخبرة أمريكية.
وفي أعقاب اللقاء والتعاون السعودي الإخواني لمحاربة نظام جمال عبد الناصر التقدمي العلماني، ضخت السعودية فكرها السلفي التكفيري المتطرف أي الأيديولوجية الوهابية التي تلتقي مع الأهداف العليا للإخوان أي تطبيق الشريعة حرفياً وإقامة دولة الخلافة.
لذلك يمكننا القول بأن الحركة الداعشية الحالية هي من سنخ الحركة الوهابية فمصدرهما واحد وهو مذهب إبن حنبل السني المتشدد وحامل لوائه إبن تيمية وتلميذه المتحالف مع آل سعود محمد إبن عبد الوهاب سنة 1932، والباكستاني أبو الأعلى المودودي الذي كان أول من اقترح ، والباكستاني أبو الأعلى المودودي الذي كان أول من اقترح قامة الخلافة الإسلامية في العصر الحديث، والمنظر الأشهر لجماعة الإخوان المسلمين سيد قطب الذي أعدمه جمال عبد الناصر سنة 1966 ، فهم جميعاً يكفرون كل من يختلف معهم ويستبيحون عرضه وماله وممتلكاته ويحللون دمه.
إن عبادة الماضي وتمجيده وتقديس السلف الصالح ورفض الحداثة والمظاهر الحضارية المعاصرة تشكل القاعدة الأيديولوجية التي يتركز عليها الإسلام السياسي. فالظاهرة السلفية والتشدد الأصولي موجود في الإسلام منذ سنواته البكر الذي وهو الذي أنتج نصوصاً تشريعية باتت مقدسة ولا يحق نقدها أو مناقشتها أو الاعتراض عليها شكلت مرجعية تشريعية لهؤلاء القتلة والمجرمين الذي أباحوا لأنفسهم كل شيء باسم الدين وباسم الإسلام وحولوا العالم الإسلامي إلى ساحة حرب ودمار وخراب وعذابات وتهجير وسبي وذبح وقطع رؤوس واغتصاب وتهجير وغيرها من الجرائم التي يندى لها جبين البشرية.
الإسلام الأصولي والسلفي الذي نشاهده اليوم هو ظاهرة تراكمية كردة فعل لضعف العالم الإسلامي وخضوعه للقوى الغربية الامبريالية والاستعمارية بعد أن كان قويا ومهيمناً ويحكم نصف الكرة الأرضية تقريباً فخرج بعض المتطرفين في محاولة لاستعادة المجد الإسلامي والحث على ما يسمونه باليقظة الإسلامية وبكل الوسائل والطرق حتى أكثرها وحشية وقسوة.
تسلح أتباع هذا الاتجاه التكفيري بتأويلات تعسفية لبعض النصوص الغامضة والمتناقضة المنتشرة في الأحاديث والسنة النبوية والصحاح والتي تحدثهم عن الشهادة والجنة وحور العين، وإلى كتب السيرة النبوية، وهي في معظمها غير مثبتة أو مؤكدة ومصادرها مثار شك وجدل، أو قراءة النصوص الدينية التأسيسية بحرفية وبلا أية تفسيرات كالنص القرآني رغم إنه حمال أوجه. ومن ثم تخيلوا عصراً ذهبياً صاروا يحنون له هو عصر بدء الرسالة وفترة الخلفاء الراشدين . والمسلمة التي يرددونها هي أن الحل في الإسلام والعودة إلى الجذور وتطبيق الشريعة واستخدام القوة والعنف ضد كل من لا يتفق معهم في الرأي والرؤية. فشكل المجتمع الذي ينشدونه يتعارض كلياً مع المعاصرة والحداثة والتطور الصناعي والعمراني والتكنولوجي والعلمي السائد في العالم اليوم ويعزون سبب تخلف المجتمعات الإسلامية إلى الأنظمة الشمولية والدكتاتورية العلمانية والعسكرية التي حكمت العالم الإسلامي وإلى الاستعمار الذي نهب ثروات الشعوب الإسلامية ولا بد من التمسك بالإسلام ونموذجه المجتمعي كما طبق في أفغانستان من قبل الطالبان بحيث تكون القواعد المجتمعية والتشريعات والقوانين كلها تتوافق مع الشريعة الإسلامية فهذه الأخيرة في نظرهم هي الحل الوحيد لجميع المشاكل التي تواجه البشرية، وكل ما عداه بدع وتحريف وكفر وشرك والديموقراطية ليست سوى أداة للوصول للسلطة إن تعذرت بقية السبل. وهم يفضلون بالطبع أخذ السلطة عن طريق الترهيب والإرهاب والقتل والعنف الوحشي المفرط بحجة تطبيق الحدود كما وردت في نصوص الشريعة فالذبح وقطع الرؤوس والأيدي والجلد والرجم هي أشكال شرعية ومشروعة لتطبيق الحدود والعقاب وهي مطبقة في العربية السعودية وطبقت في أفغانستان وبعض مناطق الباكستان .ومن هنا فإن الإسلام بنظرهم هو نظام ديني ودنيوي وسياسي واجتماعي واقتصادي كامل وشامل وصالح لكل زمان ومكان. استثمر التيار الجهادي التكفيري المتطرف الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم العربي والإسلامي من حروب ومشاكل اقتصادية وأزمات سياسية مثل الحرب في العراق والحرب في سوريا وليبيا واليمن والربيع العربي ونتائجه الكارثية في كل من تونس ومصر، والانسداد السياسي والتوتر المسلح في لبنان، فحاول النفخ في الجمر وتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية والدينية والعرقية والإثنية لتجنيد المزيد من الأتباع والأنصار والمؤيدين بحجة إطاحة الأنظمة العميلة للغرب والمعادية للإسلام واستبدالها بدول وأنظمة إسلامية كخطوة أولى نحو التوحيد وإقامة الخلافة الإسلامية.
لقد نجحت داعش في استغلال الأوضاع السياسية المضطربة في العراق لتبني لها حاضنة اجتماعية بين أوساط الأقلية السنية المتمركز شمال وغرب العراق وفي بعض مناطق بغداد بسبب شعور بعض هؤلاء السنة بإحباط نفسي جراء فقدانهم الحظوة التي كانوا يتمتعون بها في ظل نظام صدام حسين البائد. لكن من الخطأ الوقوع في شرك إدعاءات المظلومية والتهميش التي يصرخ بها هؤلاء المتضررين من العملية السياسية البديلة في العراق. فإدعاء استهداف السنة من قبل الحكومة باطل وخطير لأنه سيجر العالم الإسلامي برمته إلى مواجهة شاملة بين المذهبين الرئيسيين في الإسلام ستدمر مجتمعات بأكملها بسبب هذا الطيش المذهبي والطائفي.
ركزت أدبيات الإسلام السياسي على استهداف اغرب للإسلام كدين ومحاولة تفكيكه كما تبين لهم من قراءة لأبحاث المستشرقين ودراساتهم للإسلام والإشارة إلى خطره على الحضارات غير الإسلامية في إطار الصراعات التاريخية بين الإمبراطوريات والدول والأيديولوجيات .
إن الجذر الذي ابتدع النهج الإرهابي استخدم هذه الأطروحة التي ركزت على النوايا الشريرة المفترضة لدى الغرب تجاه الإسلام ورسخ هذه المقولة في أوساط أوسع شريحة في العالم الإسلامي أي اتباع الطائفة السنية لتحضن هذه الفكرة وتكون المسوغ لأصحاب الإسلام السياسي المتطرف تجنيد القواعد الشعبية لمحاربتها والذود عن الإسلام وتأمين أوسع قاعدة جماهيرية واجتماعية خلف شعارات براقة وتهويلات ومخاوف لا وجود لها في الواقع بهدف زيادة نسبة الاستقطاب والتجنيد .
هذا الفكر الأصولي أو السلفي المتشدد أنتج تداعيت خطيرة على المجتمعات الإسلامية وأثر سلباً على سمعة الإسلام وشوّه صورته لدى الرأي العام العالمي وخلق ما يسمى اليوم بالإسلاموفوبيا أو كره الإسلام في المجتمعات الغربية ، وزجَّ بمصطلح «استهداف السنة» في خطابات وأدبيات بعض القوى السياسية السنية المحترفة إمعاناً منها في سياسة التضليل والتلفيق بهدف زيادة نسبة الاستقطاب والتجنيد.





الفصل العاشر
المليشيات المتشددة في سوريا: الدروس العراقية والليبية

المليشيات المتشددة في سوريا: الدروس العراقية والليبية
فرانسوا بورغا ورومان كاية مقطع من كتاب قيد الطبع تحت عنوان:" حرب عصابات إسلامية؟"
François Burgat et Romain Caillet “Une guérilla islamiste ?”

ترجمة د. جواد بشارة

إن مصير الثورة السورية، التي بدأت في آذار 2011، سوف يتحدد جزئياً، إن لم يكن قد تحدد فعلياً، بناءاً على مصداقية المعارضة السورية، السياسية والعسكرية بشكل خاص، التي قد تنجح في الحصول عليها أم لا، لدى من تعتمد عليهم في تقديم الدعم المالي واللوجستيكي لها. وبعد ترددات مستمر، بات من الواضح اليوم أنه، لا الولايات المتحدة الأمريكية ولا أوروبا، كانوا مستعدين بجدية لتحمل مسؤولية وتبعات اتخاذ الخيار الوحيد الذي من شأنه التأثير بشكل ملموس على نتيجة الصراع الدامي الدائر في سورية الآن، ألا وهو منح المعارضة الإمكانيات العسكرية التي تتيح لها تحقيق انتصارها. وبخلاف ذلك فإن هذا الأمر سيحدث بدون الغربيين وربما ضدهم. وإذا صار هذا هو المخرج، فإن آثاره على علاقات سوريا مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ستكون صماء وستأخذ منعطفاً سيكون على النقيض من الاهتمامات التي من المفترض أنها هي التي تقود أو توجه استراتيجيات هذين الأخيرين. ففيما عدا تصلب وعناد فلاديمير بوتين، نجد أن التردد الغربي في تبني دعم فعال للمعارضة السورية يتغذى من نفور الغرب وامتعاضه من تشدد وتعصب الجهاديين الإسلاميين أو جزء من مقاتليهم. والمفارقة هي أنه لو وفر الغرب دعماً أكثر فعالية ونجاعة للائتلاف الوطني السوري لكان من شأنه أن يقدم فرصاً قوبة لكبح تنامي قوة الجماعات الإسلامية الأكثر راديكالية وتطرفاً. وامتداداً للاندفاع العسكري للائتلاف الوطني السوري المعارض الذي تحقق في الأشهر الأخيرة من عام 2011، فإن مساعدة من هذا النوع، كان يمكن أن تقلل الخلل في التوازن العسكري القائم لصالح معسكر واحد يستخدم الأسلحة الثقيلة والطيران، ولكان من نتائج هذه المساعدة أن تعكس مسار توزنات القوى لصالح المعارضة. المثال الليبي بشأن الخشية المهووسة من تحول المساعدة العسكرية إلى أيدي المتطرفين ليس استدلالاً معقولاً. فاغتيال السفير الأمريكي، الذي قتل بسلاح آر بي جي هو الأكثر انتشاراً في العالم، أو تجاوزات الجهاديين، الذي تسلحوا من مخازن الجيش الليبي وليس من أسلحة حلف الناتو، في ساحات القتال في مالي التي كانت تشهد أزمات حتى قبل سقوط القذافي، هي أمثلة ولكن هل هي كافية لتبرير سقوط عشرات الآلاف من السوريين، ومئات الآلاف من المصابين والجرحى، وحالات الدمار والخراب الواسعة، وملايين المهجرين، والانزلاق المميت الذي غرقت فيه سورية برمتها اليوم؟ مهما كانت صعوبة وبطء ديناميكية البناء المؤسسي الجاري حالياً في ليبيا، فإن مجمل الميليشيات الراديكالية التي ولدت جراء عسكرة المعارضة الليبية، توافقت وقبلت بنتائج الجولة الأولى للانتخابات الليبية التي لم توفر غالبية للقوى التي تستخدم المصطلحات والمفردات الإسلامية. المثال العراقي يظهر هو الآخر أنه مهما كانت القوة التي ستكتسبها الجماعات الطائفية، في أجواء حرب أهلية، حتى لو تمكنت من التجذر اجتماعياً، وهو الأمر الذي لم تتمكن من تحقيقه الجماعات المقاتلة الشيشانية في سوريا، التي، حتى وإن لم تختف من المشهد السوري، إلا أنها لم تصل إلى أبواب السلطة. فإن هذه التشخيصات الواقعية، لو كانت تغلبت على المخاوف العاطفية من أسلمة المعارضة السورية، لأتاحت بلا شك تجنب الاستراتيجية التي راح ضحيتها كل أطراف المعارضة وآلاف المدنيين معها، الذين سحقوا بالأسلحة الثقيلة بدلا من أخذ المخاطرة في رؤيتها تأخذ اتجاهاً سيئاً في نهاية الأزمة. أليس المجتمع السوري قادراً، بعد تحرره من الطوق أو الغل التسلطي للنظام، على إيجاد توازناته الداخلية بنفسه وتهميش متطرفيه؟ يبدو أن المجموعة الدولية رفضت منحه هذه الثقة، سواء للأفضل أو للأسوأ.













الخاتمة
نهاية داعش الوشيكة لن تنهي مشاكل العراق وسوريا

حين فجّر مسلحو داعش المسجد الكبير في الموصل بشهر حزيران الماضي، حيث اعلن زعيم ابو بكر البغدادي منه، كان يُنظر الى هذه الخطوة على إنها عمل يائس من الجماعة الارهابية. وبالواقع أن المسؤولين العراقيين سرعان ما اعلنوا ان معركتهم ضد مسلحي داعش قد انتهت رغم بقاء بعض الأحياء غير محررة. وكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تغريدةً قال فيها “نحن نشهد نهاية داعش المزيفة”. ومع ذلك، فإن مثل التنبؤ المتسرع سابق لأوانه، حيث تواصل القوات العراقية محاربة الجهاديين في مناطق أخرى من العراق كالحويجة وتلعفر وغيرها.
داعش هُزمت تماماً
يرى معظم المحللين، أن تنظيم داعش هُزم نفسياً ودعائياً، وفقاً لأيلي كارمون الباحث البارز في معهد مكافحة الارهاب حين قال “اعتقد أن داعش هزمت نفسياً وبشكل واضح، وهذا يعني انها ليست مهزمة عسكرياً فقط، وانما دعائياً ايضاً”.
وأضاف “نرى موادها الدعائية الآن ضعيفة، قياساً عما كانت عليه سابقاً، كما لم نعد نسمع زعماء داعش وهم يخرجون بتسجيلات صوتية، فيمكن القول انهم في تراجع”.
ولايزال مصير زعيم تنظيم داعش ابو بكر البغدادي مجهولاً، فيما قالت روسيا مرتين، انها متأكدة من ان البغدادي قتل في ضربة جوية روسية في سوريا بشهر آيار الماضي، لكنها لم تنشر دليلاً على إدعائها.



وبدأت الحملة العسكرية لاستعادة الموصل، قبل ما يزيد عن ثمانية أشهر، شارك في الحملة جنود عراقيين من الشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الارهاب والجيش العراقي والوحدات الكردية.
دمار المدينة
من المؤكد أن تحقيق الانتصار سيكون مرهقاً، فلقد دمر الهجوم العسكري المدينة، وهرب مئات الالاف من المدنيين من ديارهم ولايزال العديد منهم يعيشون في ظروف غامضة وبائسة بالعديد من مخيمات النازحين. ويذكر أن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، أكد عودة مليوني شخص الى ديارهم، لكن كثيرين منهم عادوا الى منازلهم ليجدوها خربة، في ظل انعدام الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء. ومع ذلك، يشعر اهالي الموصل بنوع من الارتياح بعد ثلاث سنوات من العيش تحت قواعد متطرفة فرضتها داعش. وفي بعض الأحيان وصلت عقوبات المسلحين الى القتل والتعذيب.
تقلّص إيرادات داعش
وأظهرت مؤسسة "إيه إتش إس ماركيت كونفليكت مونيتور" تقريراً عن ايرادات تنظيم داعش في ذروة قوته في أوائل عام 2015، حيث سيطر المسلحون على 90،800 كيلومتر مربع من الأراضي في سوريا والعراق. أما الآن، فتقدر منظمة الصحة العالمية أن الأراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم الارهابي قد تقلصت بأكثر من 60 في المائة إلى 36 200 كيلومتر مربع. ووجد التقرير ان داعش يواجه مشاكل مالية حادة، حيث بلغت الايرادات الشهرية 16 مليون دولار في الربع الثاني من هذا العام، مقارنة بأكثر من 81 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2015. وأعتمدت داعش على معدلات مرتفعة من الضرائب والغرامات المفروضة على من هم تحت حكمها. وكثير من الاموال تم جنيها من مبيعات النفط عبر تهريبه. وقال كولومب ستراك، محلل بارز في منطقة الشرق الأوسط في إهس ماركيت "لقد اتسم ارتفاع تنظيم داعش وسقوطه بالتضخم السريع، تلاه انخفاض مطرد". مبيناً انه "بعد ثلاث سنوات من إعلان الخلافة، من الواضح أن مشروع إدارة المجموعة قد فشل".
كما تتعرض داعش لضغوط شديدة في سوريا، حيث تستمر القوات الكردية والسورية ـ قوات سوريا الديموقراطية ـ المدعومة من قبل الولايات المتحدة في القتال من أجل السيطرة على الرقة، العاصمة الفعلية للمجموعة الارهابية في شمال البلاد.
وهناك تقارير تفيد بأن المسلحين يكثفون التفجيرات الانتحارية والهجمات الأخرى على المدنيين حيث يتعرض داعش لضغوط. وفقد داعش العديد من مقاتليه نتيجة حملة الضربات الجوية الثقيلة التي شنها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد المسلحين.
كشفت امريكا عن قصورها في الاتصالات التي عرّضت القوات العراقية الى الخطر المتزايد، فضلاً عن اطلاق القذائف غير الدقيق مثل مدافع الهاون وعمليات القصف على تجمعات للقوات العراقية وقوات الحشد الشعبي، وبعضها كان متعمداً ولحسابات لا يعرفها إلا الأمريكان.. يقول العقيد ورك “نحن نساعد القوات العراقية على تحديد المواقع والاهداف للعدو، والتنفيذ يعتمد عليهم وعلى أي مدى استجابتهم”.
على مدار اليوم، عمل العقيد ورك على زيارة القواعد العسكرية ولقاء القادة العراقيين في عمق الموصل، في الوقت الذي تشن فيه ضربات التحالف الدولي اهداف مسلحي داعش، فهذه العملية تعد الاولى التي تشارك فيها الولايات المتحدة بشكل علني وهي على بعد كيلومترات من القتال.
وقال قائد الفرقة القتالية الثانية التابعة للواء الثاني المنقولة جواً التي نُشرت الى العراق في كانون الثاني الماضي إنها “معركة عنيفة للغاية”. وأضاف “حين لا يكون الرصاص كافياً فان القادة العراقيين يحاولون استخدام المتفجرات وهي مدافع الهاون والمدفعية وهذا غالباً ما يسبب اخطاء كبيرة ويعرض الجنود الى الخطر”.
وعانت القوى المختلفة من حيث الصنوف في العراق من ضعف التنسيق، في ظل استمرار القتال بالموصل لتحريرها من تنظيم داعش التي حافظت بعض القوات على نفسها وهي بالميدان وعلى هيكيلية القيادة المستقلة.
معركة استعادة السيطرة على الموصل، هي الأولى التي جمعت ثلاث فصائل عسكرية لتحريرها وخوض تلك الفصائل قتالاً شرساً في المناطق السكنية الحضرية، مما شتت تركيز داعش وعدم فتحه جبهة واحدة.
المعركة بالموصل بإختصار وإدارتها من منزل متواضع في حي سكني غرب الموصل، يتجمع فيه 12 جندياً عراقياً وامريكياً يطالعون اجهزة الكومبيوتر التي تحدد اهداف داعش على بضعة مئات الأمتار من الهدف. وجود القوات الامريكية على شكل دوريات صغيرة في عمق الموصل، هو تواصل الدعم الذي لم يؤذن لهم بالخوض بعمليات قتالية.
وفي ظل إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترمب، نقل وزير الدفاع جيم ماتيس مستشارين قتاليين امريكان الى اقرب نقطة من القتال في الموصل، مشتركين مع القوات العراقية على مستوى كتيبة واحدة. وترى القوات الامريكية الاستشارية أن، التطور في برامج التدريب لتوليد عدد كاف من الجنود لاستعادة الموصل، لم يكن كافياً افتقر الى المهارات التكتيكية لاجراء عملية عسكرية حاسمة وسريعة، لذلك ظلت القوات العراقية بحاجة الى الدعم الوثيق. وتجري اجتماعات ولقاءات فردية في الموصل، نتيجةً للجهود التي حررت المدن. وكان العقيد ورك خلال زيارته الى أحياء الموصل مع عشرات الجنود الامريكيان وهم من الشبان اليافعين، تجولوا في الاسواق والمشي بين اروقتها، مستعيدين ايام وجودهم في العراق.
ومع استعادة غالبية المناطق في الموصل من تنظيم داعش، فإن الجنود الذين تم تدريبهم امريكياً للقتال ينتقلون الان مع العقيد وورك لمساعدته امنياً. وأكد ورك وهو يتحدث الى الضباط العراقيين، أنه حتى بعد انتهاء العمليات القتالية فانه ليس بالضرورة إنهاء الدور الامريكي في الموصل. وأضاف العقيد ورك “الموصل ستكون تحدياً لتنظيم داعش الذي سيحاول العودة اليها، ونحن بدورنا سنواصل مساعدة القادة العراقيين على استعادة المدن وتقدير جهودهم في حربهم ضد الارهاب”.
مصادر تسليح داعش
تقرير صحيفة الأحد الفرنسية بقلم غيوم داسكيه
الأحد 9 تموز 2017
ترجمة د. جواد بشارة

في حي ويدينك للاجئين في برلين، تمكث العديد من العائلات القادمة من الشرق الأوسط. وفي زاوية أحد الشوارع ، في بناية شيدت في سنوات السبعينات، يوجد عدد من المنشقين السوريين عن القوات السورية النظامية ، مجتمعين في يوم الإثنين المصادف 19 حزيران 2017 في أحد الشقق، توجد خارطة لسورية معلقة على أحد الجدران وصور عن مواقع أثرية سورية ملصقة بالسكوتش اللاصق والتلفزيون يبث أخبار من القنوات الفضائية العربية . وحول الطاولة اجتمعنا بهؤلاء العسكريين السابقين الثلاثة الذين تم تهريبهم إلى ألمانيا وهم: منتصر درويش جنرال سابق في القوة الجوية السورية، محمد القاسم أحد قادة الجيش الحر المنشق عن الجيش السوري النظامي عن المنطقة الجنوبية للبلاد ، ومحمود سعودي رئيس سابق لمديرية الأمن لمدينة حماه. ثلاثتهم يعرفون نظام بشار الأسد جيداً من الداخل ويتمنون بقوة رحيل الرئيس السوري وبنفس الوقت هزيمة أو اندحار تنظيم داعش الإرهابي ــ الدولة الإسلامية في العراق والشام ــ وفي الوقت الحاضر تشن قوات سوريا الديموقراطية الكوردية ــ العربية هجوماً كاسحاً لتحرير مدينة الرقة من قبضة داعش. وفي سياق الحديث تناول الثلاثة الأزمة بين العربية السعودية وقطر حيث تتهم الأولى رسمياً خصمها القطري بأنها زودت وجهزت وربما سلحت منظمة الدولة الإسلامية . انطلقت ضحكات من الحاضرين رامين الدولتين و استراتيجيتهما بنفس السخرية . فالأسلحة التي عثر عليها في ساحات المعركة هي كالكتب المفتوحة وتروي حكايات وقصص محفورة أو مكتوبة على الفولاذ يتعذر محوها والتي تناقض وتدحض الرواية الرسمية التبسيطية وتكشف عن صيغة أخرى أكثر تعقيداً ، وهي هنا أكثر إحراجاً للعربية السعودية. فمنذ شهور تخسر جحافل داعش الأراضي وتنسحب من القصبات والقرى . وفي عجالة انسحابها يتخلى المقاتلون عن الكثير من صناديق الذخيرة الثقيلة التي لا يقوون على حملها معهم ويستحيل نقلها وهم في انسحابهم الطاريء والعاجل .
مخابيء مرتجلة:
ففي العراق وسوريا عثرت قوات حماية الشعب الكردي في سوريا وقوات مكافحة الإرهاب التابعة لحكومة بغداد على مخابيء مرتجلة وأقبية وكاراجات ومطابخ مليئة بالعتاد والذخيرة والأسلحة . الجمهور يجهل بأن هناك علامات، فكل بندقية هجوم وجهاز إطلاق صواريخ محمول أو عبوات وقنابل تمتلك رقم تسلسلي محفور في المعدن المصنع منه يدل على مكان التصنيع، أي أن هناك نوع من التوقيع المنسوب لجهة، مليء بالمعلومات والدلالات. ولإنطاق هذا الحامض الأميني ADN لتلك المعدات والأسلحة، أرسل الخبراء إلى أرض المعركة رغم تطور المعارك وتراكم كميات الأسلحة والذخائر والمعدات التي هجرتها الجماعة الجهادية . وتمكن هؤلاء الخبراء في التجهيزات العسكرية والبالستيكية من تشخيص دقيق لتلك الأسلحة والمعدات العسكرية وتقويمها وفرزها لإعادة رسم مسارها واستجواب مصنعيها والحكومات في البلدان التي أنتجت فيها تلك الأسلحة والهدف هو معرفة أفضل بداعش وكشف أسرارها وعمليات تهريب الأسلحة التي تصل إليها والتي بفضلها ازدهرت هذه المنظمة الإرهابية على الصعيد العسكري إلى درجة أتاحت لها المقاومة لأمد طويل وإفشال هجمات قوات التحالف الدولية ضدها.
منذ تموز 2014، تغذي شركة الأبحاث عن أسلحة المعارك Conflict Armmament Research، قاعدة بيانات متخصصة حيث يتم أرشفة ووضع فيشات عن أية أسلحة استخدمت من قبل الدولة الإسلامية داعش وهذه القاعدة تسمى تتبع الأثر i Trace والتي تم تأسيسها بمبادرة وطلب من الاتحاد الأوروبي ويهتم جيمس بيفن James Bevan المؤسس لــ Conflict Armmament Research، على نحو خاص بالظروف التي من خلالها مررت تلك الأسلحة إلى العدو الداعشي ويعمل معه ستة عشر خبير بالستيكي يجوبون أرجاء العراق وسوريا وليبيا وخلال ثلاث سنوات درسوا وأرشفوا حوالي 75000 قطعة سلاح تعود للإرهابيين.
ترسانة حديثة:
كان تشخيصهم في كل مكان متماثل وواحد، وهو إن جزء من الترسانة يعود لسنوات الثمانينات لفترة الحرب العراقية الإيرانية ، والأكثر إثارة للدهشة هو أن جنود هذه المنظمة الإرهابية يتعاملون مع معدات متطورة وذات كفاءة عالية أنتجت بين 2004 و 2015 من قبل صناعيين متخصصين في الدفاع مقيمين في البلقان. وعند تحرير مدينة الموصل بالتدريج أوضح الجنرال يحيى رسول المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع العراقية لصحيفة الأحد الفرنسية أن القوات الخاصة العراقية لم تنته بعد من وضع قوائم للأسلحة التي أستحوذ عليها من تنظيم داعش منذ بدء المعارك. وفي غضون ذلك هناك كميات كبيرة من الأسلحة من مختلف الأصول والمصادر ، كما أكد الجنرال رسول مؤكداً : إن من بين تلك المصادر اتضح أنها أسلحة مصنعة حديثاً في المدينة المحررة نفسها ولقد أشار صحافي من قناة الميادين اللبنانية إلى وجود أسلحة صالحة للإستخدام وبحالة جيدة جاءت من أوروبا الوسطى عثر عليها في البنايات والبيوت المهجورة منذ وقت قصير.
وعلى بعد 3000 كلم من الموصول ، في ليبيا حيث تتراجع فلول داعش وتنسحب لم تختلف المشاهدات والملاحظات المشار إليها أعلاه. مساعدوا الجنرال عبد الرازق ندوري قائد القوات الحكومية في طبرق يؤكدون أنهم عثروا على ذات الشيء ونفس الاكتشافات خاصة إبان المعارك لتحرير بنغازي. ومع الوقت تنكشف أجهزة الموت أمام الخبراء وحسب معطيات قاعدة بيانات i Trace ، بالقرب من مدينة بكر في العراق كان جنود الخلافة الداعشية يستخدمون صواريخ وقاذفات مضادة للدروع والدبابات من طراز PG-7VM، ومن المؤكد أن تلك القذائف والصواربخ الحديثة قادرة على اختراق هيكل العربات المدرعة التابعة لقوات التحالف وهي من إنتاج عام 2010 في بلغاريا على بعد 250كلم من صوفيا العاصمة. ولقد سمحت أرقام التسلسل التصنيعي numéro de série الوصول إلى مصنع الإنتاج لمجموعة التصنيع العسكرية JSCo بالقرب من مدينة كازانلاك kazanlak.
وفي محيط مدينة تكريت العراقية كشفت الأسلحة التي تخلت عنها داعش وتركتها في مكانها عن وجود كميات من الرصاص المصنوع في صربيا. وتشهد على أنها جاءت من الشركة الصربية برفي بارتيزان Prvi Partizan AD المتواجدة في أوزيك Uzice الواقعة على بعد 200 جنوب بلغراد وصنعت في العام 2009 . وإن هذه الذخيرة من طراز 7.62x 54مللمR، تم تصميمها إبان حقبة الاتحاد السوفيتي، استخدمها القناصة بسبب طول مداها ويمكنها تعبئة مخازن الرشاشات بينما صادرت قوات التحالف الدولي كميات كبيرة من رشاشات AK-47 وهو السلاح الأكثر انتشاراً في العالم حيث كانت منذ عقود طويلة شركة مجموعة كلاشنيكوف هي جهة التصنيع منذ العام 1947 وتوقفت عن انتاجها إلا أن هناك العديد من الشركات التي تقوم بتقليدها وتصنيعها من جديد وفق نفس المواصفات باقتراح نماذج معدلة و محسنة عنها . بعض هذه الرشاشات الهجومية التي صودرت من مقاتلي داعش خاصة في شمال العراق تم تجميعها وتصنيعها في ورشات JSCo الشركة البلغارية وذلك سنة 2004 . ولقد التمست جريدة يوم الأحد الفرنسية من المسؤول عن الشركة هريستو إيبوشيف Hristo Ibouchev الحصول على معلومات وتفسيرات ، وهو مقاول وتاجر تأهل في معهد HEC في الضواحي الباريسية ، إلا أنه رفض إعطاء جواب بيد أن أحد كوادره صرح لجريدة يوم الأحد الفرنسية أنه اعتاد على تلبية طلبات كثيرة وكبيرة لصالح الرياض وإنه كان يرسل الشحنات إلى العربية السعودية رسمياً حتى لو لم يكن هناك أحد يشك أو يخدع نفسه بالجهة الحقيقية التي ترسل إليها تلك الأسلحة وهي بالطبع داعش.
صفقات سعودية:
إن وجود هذه المعدات العسكرية الحديثة بين أيدي إرهابيي داعش لم يثر دهشة الخبراء . فالشركة البريطانية "خدمات الأبحاث التسليحية Armament Research Service" تستخدم خبراء في المعدات الحربية وتقوم بمهمات في هذا المجال لصالح الأمم المتحدة أو منظمة العفو الدولية ويشهد مديرها نيس جنزين جونس Nic Jenzen Jonesعلى استخدام داعش لأسلحة حديثة مصنعة في أوروبا الوسطى . وغالباً ما تصل تلك الأسلحة إلى حدود مناطق الحرب تلبية لصفقات موقعة بين الشركات البلقانية وممثلين عن المملكة العربية السعودية في الغالبية الساحقة لتلك الصفقات ولكن على نطاق أضيق يكون الوسطاء قادمين من قطر.
إن حجم الصفقات وهذا النوع من التجارة في بلدان أوروبا الشرقية تأخذ أبعاداً ومستويات مثيرة للقلق. في البوسنة والهرسك اهتم صحافيون في موقع منظمة التحقيقات في مشاريع الجريمة والفساد Site Organized Crime and Corruption Reporting Project وكانوا أول من تعمق في مثل هذه الأنشطة التي تديرها الرياض وتتعلق بتصنيع معدات وأسلحة ذات مواصفات تتطابق مع أسلحة حلف وارشو مثل رشاشات AK-47. لم يسبق للأنظمة الملكية في الخليج ولم تعتد في السابق أن تتمون من هذه البلدان وتختار هذا النوع من الأسلحة فالقطعات العسكرية النظامية في العربية السعودية وقطر تتمرن وتتمون وفق أنظمة تسليحية مختلفة تماماً وعلى نمط غربي ووفق مواصفات حلف الناتو الأطلسي ولقد نشر محققوا سراييفو على موقعهم الرسمي وصل استلام موقع من وزارة الدفاع السعودية بتاريخ 28 آيار مايو 2013 الذي يصادق على استلام عدة أطنان من هذه الأسلحة المصنعة في صربيا حيث نلاحظ نقل أكثر من مليوني خرطوشة رصاص من طراز 7.62x 54مللمR مماثلة لتلك التي استخدمها قناصة داعش بالقرب من تكريت العراقية.
وبالنسبة للمنظمات المكلفة بمراقبة نقل الأسلحة على الصعيد العالمي، فإن مضاعفة صفقات الأسلحة بين أوروبا الشرقية ودول الخليج تشير إلى توجه عميق. وفي 6 آذار مارس في بروكسيل نشر مجلس الإتحاد الأوروبي جداوله الاعتيادية عن صادرات المعدات الحربية بالنسبة لكل عضو في الاتحاد الأوروبي ، وبسبب الفترة الزمنية اللازمة لتأكيد الأرقام الواردة، فإن هذه الوثيقة ذات الــ 505 صفحة، توفر معطيات صالحة لغاية 2015 فقط. مع إمكانية التعميم وعند قراءتها نلاحظ بخصوص الفصل عن بلغاريا ارتفاعاً مشهوداً لمبيعات الأسلحة لدول الخليج وعلى رأسها العربية السعودية فطلبات الرياض من صوفيا في هذا المجال بلغت عام 2013 الــ 1.2 مليون يورو وقفزت إلى 85 مليون يورو عام 2014 و إلى 92 مليون يورو عام 2015. بمعدل ارتفاع بلغ 7.500%خلال ثلاث سنوات فيما يتعلق بالتبادلات بين بلغاريا والعربية السعودية فقط والمشتريات تخص الأسلحة الخفيفة، بنادق هجومية ذات المدى الطويل وأجهزة إطلاق القنابل اليدوية وإطلاق الصواريخ والقذائف الشخصية المحمولة . وعلى العموم ، بين 2014 و 2015 سجلت وزارة الدفاع البلغارية نمواً في طلبات شراء الأسلحة بمعدل 59% ارتباطاً بالمعارك الدائرة في العراق وسوريا وفي نفس الفترة فإن صربيا التي هي ليست عضواً في مجموع الاتحاد الأوروبي ، لم تصرح بما لديها من معطيات وإحصائيات دقيقة بهذا الصدد إلا أن سلطات بلغراد اعترفت بانتعاش وتنامي معدل مشتريات الرياض لهذا النوع من الأسلحة عبر 35 عقد شراء أو صفقات تسليح لعام 2015.
دائرة ثانوية:
إن هذه الصفقات تتوافق مع المنطق السياسي الذي سنته واشنطن. ففي عام 2009، قام عسكري أمريكي كبير سابق وسفير للولايات المتحدة الأمريكية في بلغاريا ، وهو جيمس بارديو James Pardew، بالتنسيق لدى حلف الناتو ، حلف شمال الأطلسي، من أجل برامج مساعدة للعراق. في تلك الفترة اقترح العودة والاستعانة بالشركات البلغارية من أجل تجهيز الميليشيات التي ترعاها قوات التحالف الدولي. وفي برقية دبلوماسية سرية كشفتها ويكيليكس، دعى إلى استغلال ترسانة السلاح في شركة JSCo ونقل لحكومته أرقام تلفونات مكاتب الشركة للاتصال المباشر بها " لأن الشركة معروفة بإنتاج الرشاشات الهجومية من طراز كلاشنيكوف" كما كتب السفير الأمريكي نصاً .
إثر ذلك قامت أنظمة الخليج النفطية بتقديم طلبات شراء هائلة من بلغاريا ودول البلقان منفذة هذه التوصية الأمريكية. إلا أن امتلاك مقاتلي داعش لهذه الأسلحة القادمة من صفقات بين دول الخليج والدول المصنعة يثير تساؤلات عن الجهة التي أشتريت من أجلها وتوزيعها في ساحات المعارك ومتابعتها لغاية وصولها إلى المناطق الحدودية الأقرب إلى تركيا والأردن والسعودية حيث نقلت منها مباشرة إلى أيدي عصابات داعش. ومن خلال المواجهات ونصب المكائد والسرقات على الحدود التركية، والاستيلاء على أسلحة عراقية من ترسانة القوات العراقية المنسحبة أو من الميليشيات الشيعية ، يمكننا أن نستنتج أن هذه المعدات العسكرية وقعت بين الأيادي السيئة أو الشريرة بحكم الفوضى السائدة في المنطقة. ولكن بالنسبة لشحنات أخرى هناك سيناريوهات أخرى . فلقد أكد جيمس بيفان أن خبراؤه المتواجدون في الساحة نجحوا في العثور على عدد كبير من الوثائق المزورة كلما تعلق الأمر بمنتجات صنعت بعد سنوات الـــ 2000 " لقد بدأنا برؤية أشياء غريبة قبل حوالي سنتين مع أسلحة حديثة مصدرها أوروبا الوسطى واشترتها وكالات سعودية " لذلك استبعد الخبير أنها نقلت عن طريق الخطأ أو أنها غنائم حرب أستحوذ عليها ضربة بضربة " فالمدة الزمنية قصيرة جداً والكميات هائلة، ولذلك دلالة أنها محددة الهدف منذ لحظة مغادرتها مخازن أوروبا الوسطى حيث صنعت، ولغاية وصولها إلى من تمكن من تشخيصها على الأرض بعد أن وقعت بين أيدي مقاتلي داعش" . وفي برلين في ضاحية ويلدينغ حيث يقيم العسكريين السوريين المقربين من الجيش السوري الحر لم يستغربوا ذلك. فلقد شهد محمد القاسم شخصياً على عمليات تسليم لتلك الأسلحة على طريق الحدود التي تربط بين الأردن وسوريا وصولاً إلى منطقة الغوطة بالقرب من دمشق، واستبعد احتمال وجود مسؤولية مباشرة للعائلة السعودية المالكة، لكن رفاقه عارضوه وقالوا أنه في قمة الدولة السعودية في الحلقة الأولى للسلطة يوجد أناس يريدون فعلاً سحق داعش وذلك واضح وجلي، ولكن بالمقابل هناك تحتهم يوجد مصادر دعم من جانب بعض العشائر وبعض الأثرياء ورجال الأعمال السعوديين الأغنياء يعتبرون هؤلاء الجهاديين بمثابة أشقاء ويتدخلون لمساعدتهم وإرسال المعونات والأموال لهم. هكذا لخصوا ببضعة كلمات هذه المفارقة فيما يتعلق بالتهم الموجهة للعربية السعودية وقطر بمساعدة الإرهابيين.
هذين البلدين هما الوحيدين اللذين ينتميان للمذهب الوهابي ذو الصيغة القديمة المتخلفة للإسلام الذي يدعون طهوريته ويتبنيان تطبيقاً حرفياً جافاً وجامداً للشريعة انتشر في شبه الجزيرة العربية عن طريق رجل دين متشدد ومتطرف في القرن الثامن عشر هو محمد بن عبد الوهاب . ولكن منذ العام 2013 بزغت منظمة ذات طروحات ومطامح دولتية أعلنت انتمائها للمذهب الوهابي وهي داعش ملوحة بخطر حدوث انشقاق داخل هذا الفرع أو المذهب في الإسلام الراديكالي. وفي مقابلة متلفزة بثت في يناير 2016 اعترف عادل الكلباني، وهو رجل دين سعودي وإمام جامع الملك خالد في الرياض، اعترف بضرورة القيام بمراجعة الوعي قائلاً :" لقد حدد هؤلاء الإرهابيون آيديولوجيتهم انطلاقاً مما هو مكتوب ومدون في كتبنا ومبادئنا " ولقد جاءت تلك التصريحات بعد أيام من صدور العدد 13 مجلة منظمة داعش الإرهابية المعنونة " دابق" وهي أداة الدعاية الإعلامية الداعشية والتي دعت الوهابيين للانقضاض على العائلة المالكة السعودية مما يثير افتتان بعض زعماء العشائر وبعض الشخصيات النافذة في عالم الأعمال المنتقدين للعائلة الحاكمة ، وعلى أرض المعركة ، فإن هذا التمييز والتوضيح هو الذي يفسر كيف قيض لمجموعات جهادية مثل جبهة فتح الشام المكونة من عناصر القاعدة السابقين أن تحصل على كميات من الأسلحة الحديثة قبل أن يلتحق الكثير من عناصرها بتنظيم الدولة الإسلامية داعش حتى بات هذا التنظيم أفضل تجهيزاً وتسليحاً من تشكيلات الجيش السوري الحر أو العناصر المسلحة الكوردية في قوات حماية الشعب الكوردي YPG،المتحالفة مع الغربيين على أرض المعركة.
الخفة الأمريكية:
إبان الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية في خريف 2016، كشفت القرصنة على حساب الرسائل الإلكترونية لهيلاري كلينتون عن إيميلات تمت فيها الإشارة علنا وبلهجة الإدانة لتلك المصادفات. وفي ملاحظة شخصية خاصة مكرسة للوضع في الشرق الأوسط كتب جون بوديستاHohn Podesta ، الرئيس السابق لمكتب أو كابينة بيل كلينتون، ومستشار سابق لباراك أوباما في البيت الأبيض، مخاطباً وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون :" نحن بحاجة لاستخدام دبلوماسيتنا وكذلك الطرق والإمكانيات الأكثر كلاسيكية لأجهزة المخابرات لممارسة ضغوط على العربية السعودية وقطر المستمرتان بتقديم العون والدعم المالي واللوجستيكي للدولة الإسلامية داعش".
وفي واشنطن ، في 16 حزيران، غداة الإعلان عن الصفقات الهائلة بحوالي 400 مليار دولار التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الملك السعودي في الرياض وقبل أيام قلائل من توجيه الرياض للتهم ضد قطر برعايتها ودعمها للإرهاب قدمت مديرية الأبحاث في الكونغرس الأمريكي تقريراً بــ 42 صفحة عن الحليف السعودي . مستشهدةً بمصادر دبلوماسية أمريكية ، أشار كاتب التقرير أنه بالرغم من الجهود الجادة للعائلة المالكة السعودية فإن العربية السعودية ما زالت تحتضن شخصيات وكيانات تقوم بتقديم المعونات المالية للمجموعات المتطرفة السنية" .
لكن المملكة السعودية ليست الوحيدة المعنية بهذه التهم. فمن خلال دورها كقائدة للأوركسترا التي تقود عمليات التحالف الدولي ضد داعش ، أثبت وزارة الدفاع الأمريكية ذاتها أنها مذنبة بتصرفها بخفة . فخلال استجواب برلماني أجري في 25 آيار مايو قد جذب انتباه النواب بشأن عدم جدية و لا معقولية المساعدة العسكرية المقدمة للعراقيين والأكراد خلال السنتين الميزانيتين 2015 و 2016 حيث أنفق البنتاغون، وزارة الدفاع، مبلغ 2.3 مليار دولار بهذا العنوان أو المجال التي وافق عليها مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس والحال أن أغلب المعدات العسكرية المكتسبة أو الممنوحة ما يزال مجهولاً طريقة تسليمها وتوزيعها على الميدان في أرض المعركة في العراق وكوردستان. ولهذا الغرض تم وضع موقع على الويب خلق لهذا الغرض وهو scportal.us حيث الولوج إليه محدود ، لكنه وضع تحت تصرف المنتخبين وممثلي الشعب الأمريكي في مجلسي النواب والشيوخ لكي يتاح لهؤلاء امتلاك رؤية واضحة بشأن عمليات نقل وتسليم الأسلحة، ولكن بدون نتائج مرضية. ولقد اعتذر المسئولون عن العمليات في العراق في البنتاغون متذرعين بتعقيد استخدام قاعدة أو منصة الانترنيت واعترفوا بجدية عالية بما يواجهونه من صعوبة في فهم طريقة عمل هذه الوسيلة.







فهرس الكتاب

المقدمة
داعش فرانكنشتاين إسلامي يهم بالتهام خالقيه
الفصل الأول
الصعود المدوي لداعش:
الفصل الثاني
الإسلام الحركي من السياسة إلى الجهاد الإرهابي: من الإخوان المسلمين إلى داعش
الفصل الثالث
الإسلام السياسي : القاعدة وداعش وجهان لعملة واحدة
الفصل الرابع
الإسلام السياسي متعدد الأشكال وواجهاته هي الأزهر والإخوان والقاعدة وداعش وولاية الفقيه
الفصل الخامس
حتى لا يدعي العالم بالقول أنه لم يكن يعلم الحقيقة عن داعش
الفصل السادس
خارطة الصراعات في عراق ما بعد داعش


الفصل السابع
دونالد ترامب ومستقبل عراق ما بعد داعش
الفصل الثامن
حرب التحالف الدولي على داعش تبدأ بالمخابرات
الفصل التاسع
داعش الآلة الجهنمية التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين
الفصل العاشر
المليشيات المتشددة في سوريا: الدروس العراقية والليبية
الخاتمة
نهاية داعش الوشيكة لن تنهي مشاكل العراق وسوريا