كلمة بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين


عبد الله الحريف
الحوار المتمدن - العدد: 5735 - 2017 / 12 / 22 - 00:58
المحور: القضية الفلسطينية     

طلبت مني الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ارسال كلمة بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسها، فبعثت بالنص التالي:

كلمة بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

تحية عالية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الذكرى الخمسين لتأسيسها.
تحية عالية لشهداء الجبهة الشعبية، وعلى رأسهم الرفيق القائد أبو علي مصطفى، وكل شهداء الشعب الفلسطيني البطل.
تحية عالية للأسرى الفلسطينيين، وعلى رأسهم الرفيق الصامد أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية، الذين يخوضون ملاحم بطولية.
لقد كان لهزيمة حزيران تأثيرا بالغا على تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 1967 حيث اعتبرت أن سبب هذه الهزيمة يتمثل في الطبيعة الطبقية والأيديولوجية للأنظمة البرجوازية الصغيرة وأن الجماهير المنظمة، وأساسا الطبقة العاملة وعموم الكادحين، هي الأساس في عملية المواجهة مع العدو الصهيوني وأن الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية هي الطريق نحو الانتصار وليس حرب الجيوش النظامية. وانطلاقا من ذلك تبنت الجبهة الشعبية الماركسية اللينينية كأساس ايدولوجي. ومن الضروري الإشارة، هنا، إلى الدور الطليعي للرفيق القائد جورج حبش في بلورة وتطوير الخط الأيدلوجي والسياسي والكفاحي للجبهة وفي قيادتها.
وقد كان لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والعمليات البطولية التي قامت بها داخل فلسطين وفي العالم تأثير كبير على كل القوى الثورية والماركسية-اللينينية في العالم، وخاصة العالم العربي. هذه العمليات التي وجهت الأنظار إلى القضية الفلسطينية على نطاق واسع وسط الرأي العام العالمي.
ولا بد هنا من التذكير بالإشعاع الكبير للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وسط اليسار، وخاصة منه الماركسي، في المغرب والدور الهام الذي لعبته، على المستوى الأيديولوجي والسياسي والنضالي، في تشكل الحركة الماركسية اللينينية المغربية ما بين 1968 و1970 ومساهمتها في استرجاع الروح الثورية للماركسية واللينينية ولثورة أكتوبر العظيمة، كأول ثورة اشتراكية قادها الحزب الشيوعي البلشفي، بقيادة لينين، والتي نخلد، الآن، ذكراها المئوية والثورة الصينية المجيدة، بقيادة ماو تسي تونغ. كما لا يجب أن ننسى دورها في انبعاث وتقوية الروح الوحدوية لشعوب العالم العربي والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة لهذه الشعوب.
لذلك لا غرابة أن تحضى القضية الفلسطينية باحتضان كبير من طرف مكونات الحركة الماركسية-اللينينية المغربية التي اعتبرتها قضية وطنية وأن تحضى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بتقدير خاص من طرف مكونات هذه الحركة، وبالخصوص منظمة إلى الأمام، وأن تكون العلاقات التي تربطهما وطيدة ومتينة وعميقة.
إن الكيان الصهيوني قاعدة أساسية للعدوان ضد شعوب الشرق الأوسط، وخاصة العالم العربي، لضمان هيمنة الإمبريالية الغربية على المنطقة وحرمانها من حقها في تقرير المصير. إنه عدو لتحررها الوطني من السيطرة الإمبريالية الغربية. إنه عدو لشعوب المنطقة كلها وليس عدو الشعب الفلسطيني وحده. ولذلك، فإن نضال الشعب المغربي من أجل التحرر الوطني والبناء الديمقراطي والاشتراكية هو نضال ضد الرجعية والإمبريالية والصهيونية التي تشكل أهم أداة لسيطرة الإمبريالية الغربية على منطقتنا. إن نضالنا ضد الكيان الصهيوني هو أحد أهم الأشكال الذي يتجسد فيه نضالنا ضد الإمبريالية في الواقع الملموس لمنطقتنا. لذلك، فإن موقفنا من القضية الفلسطينية ليس مجرد تضامن مع الشعب الفلسطيني، بل هو نضال ضد عدو مشترك: الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية. لهذه الأسباب، يعتبر النهج الديمقراطي، على غرار الحركة المركسية-اللينينية المغربية، أن القضية الفلسطينية قضية وطنية.
إن ما سبق يعني أن تحرير فلسطين، أي تحريرها من الصهيونية كأهم أداة للإمبريالية في المنطقة، ليس منوطا بالفلسطينيين وحدهم، رغم تواجدهم في الصفوف الأمامية في مواجهة الصهيونية، بل يقع على عاتق شعوب المنطقة كافة. لذلك فإن نضالنا ضد الصهيونية جزء من نضالنا من أجل التحرر الوطني من الإمبريالية. ولا تحرر لأوطاننا بدون دحر الصهيونية.
إن القضية الفلسطينية لها خصوصية، مقارنة بقضايا الشعوب المضطهدة الأخرى. فالشعب الفلسطيني مهدد في وجوده وهويته. فهو يتعرض لاحتلال استئصالي ولأبارتهيد يختلف عن الإحتلالات السابقة، بما في ذلك نظام الميز العنصري البائد في جنوب إفريقيا -ما عدا احتلال أمريكا الشمالية من طرف الأوروبيين الذي أدى إلى إبادة الهنود الحمر. الكيان الصهيوني يستولي، شيئا فشيئا، على كامل الأرض الفلسطينية (إقامة المستعمرات في الضفة الغربية والقدس الشرقية التي لا تمثل سوى جزء بسيط من الأرض الفلسطينية) ويسعى جاهدا إلى تهويد فلسطين. إن المشروع الصهيوني، بطبيعته، مشروع عنصري نقيض للوجود والهوية الفلسطينية. لذلك، فموقف شعوب العالم من القضية الفلسطينية يجب أن يختلف جذريا عن التضامن مع شعوب مضطهدة تعاني من الاستبداد والقهر لكنها لا تتعرض للاستئصال من أرضها وضرب هويتها. إن الموقف التضامني الحقيقي مع القضية الفلسطينية يجب أن يتمثل في النضال من أجل هزم الصهيونية وبناء الدولة الديمقراطية العلمانية التي يتعايش فيها الجميع: اليهود والمسلمون والمسيحيون وغيرهم، مهما كانت معتقداتهم.
وقد كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سباقة لطرح قضية الدولة الديمقراطية المتحررة من الصهيونية والتي يتعايش فيها الجميع، أيا كانت معتقداته.
ورغم المحن والتحديات، تتواجد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الخطوط الأمامية للمقاومة، وناضلت ولا زالت تناضل من أجل وحدة الفصائل في الميدان ومن أجل الديمقراطية في منظمة التحرير الفلسطينية وضد المشاريع التصفوية، بدءا باتفاقيات كامب دايفيد مرورا باتفاقيات أوسلو، وصولا إلى ما تتعرض له المنطقة والقضية الفلسطينية حاليا من مؤامرات. كما أن الجبهة الشعبية محقة في الاصطفاف ضمن القطب الذي يقاوم، الآن في سوريا وغيرها، الثلاثي الجهنمي المشكل من الإمبريالية الغربية، برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، والصهيونية والرجعية، خاصة الخليجية.
إن النهج الديمقراطي، كاستمرار لتجربة الحركة الماركسية-اللينينية المغربية، وخاصة منظمة إلى الأمام، يعتز بالعلاقات الأخوية التي ربطته، منذ تأسيسه إلى الآن، بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي يسعى إلى توسيعها وتعميقها. كما أنه يلعب دورا مهما في مختلف أشكال الدعم للقضية الفلسطينية، منها مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني بكل قوة وحزم والنضال من أجل تجريمه والانخراط بحماس في الحملات من أجل المقاطعة وفرض العقوبات وسحب الاستثمارات من الكيان الصهيوني وتعبئة الجماهير الشعبية للتعبير عن مساندتها للقضية الفلسطينية (الوقفات والمسيرات والمهرجانات وكل أشكال الدعم الممكنة).
تحية عالية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الذكرى الخمسين لتأسيسها.
تحية عالية للشعب الفلسطيني البطل ولشهدائه وأسراه ومناضلاته ومناضليه.
الخزي والعار للإمبريالية الغربية والصهيونية والرجعية العربية، وعلى رأسها النظام السعودي عميل الإمبريالية والصهيونية.