انحناءة إجلال للبلاشفة في مئوية ثورة اكتوبر / 3-5


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 5729 - 2017 / 12 / 16 - 18:25
المحور: ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا     

و هناك من يعزو سقوط الاتحاد السوفيتي إلى تنامي الصراع القومي بين الشعوب المنضوية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي – خصوصاً في أوكرانيا و جمهوريات البلطيق و جورجيا و أذربيجان ، إلخ .– و بين المركز الروسي . هذا الرأي يتناسى الريادة التاريخية للحل البلشفي العملي لمشكلة القهر القومي عن طريق الاعتراف الفوري بحق شعوب كل القوميات في تقرير مصيرها بما في ذلك حقها في الانفصال عن الاتحاد السوفيتي و ذلك بالنص على ذلك صراحة و بدقة في الدستور واقران ذلك بالتطبيق العملي لهذا المبدأ على ارض الواقع ، مع الاحترام الفعلي المشهود لامشاعر القومية و الحقوق و المميزات الثقافية للقوميات في الداخل عبر التعامل المبدأي معها على قواعد المساواة في الحقوق و الواجبات و وحدة المصالح لتحقيق الأهداف المشتركة في النمو و التطور .. و لا غرو ، فقد كان الاتحاد السوفيتي أول دولة تتحرر كل شعوبها على نحو ناجز من شوفينية تغليب أي قومية على أخرى اقتصاجتماسياً . ، ليس هذا فحسب ، بل و لقد انتهج نفس هذه السياسة خارجياً ، مثلما بينته المساعدات الهائلة التي أتاحها الاتحاد السوفيتي بنكران ذات منقطع النظير لحركات التحرر الوطني و القومي في مختلف أرجاء العالم في صراعها ضد الكولنيالية على مدى ستة عقود . لذا ، فلم تحصل فيه أي ثورة شعبية أو حركة "تحرر قومية" المنحى بتأثير القهر القومي . بل أن العكس هو الصحيح ، فقد ظهرت مثل هذه الانتفاضات القومية في الداخل جراء سقوط الاتحاد السوفيتي ، و ليس قبله . لماذا ؟ لأن كل صراع قومي لا يتأسس إلا على ظاهرتين اجتماعيتين : القهر القومي ، و تضارب المصالح الإقتصاسياسية بين القومية الحاكمة و القوميات المحكومة ، و كلاهما انتفى في الاتحاد السوفيتي .
و من المراقبين من يوعز انهيار الاتحاد السوفيتي إلى الأعباء الاقتصادية الهائلة لسباق التسلح بين حلف الناتو و وارشو و التكاليف العالية جداً لمقتضيات مجاراة التطور المتواصل في انتاج أجيال و أجيال من أرعب أنواع الأسلحة ، و خطة حرب النجوم الذي كان ينادي بيها ريغن . هذا الرأي يتجاهل حقيقة أن شعوب الاتحاد السوفيتي و حلف وارشو لم تكن تعاني أبداً من الفقر و الجوع مثلما هو حاصل في كوريا الشمالية الآن ؛ كما أن سباق التسلح – خصوصاً في مجال الصواريخ المحملة بالقنابل و غزو الفضاء – بات محسوماً لصالح الاتحاد السوفيتي منذ عام 1950 و لغاية 1991 ؛ و ما زالت أمريكا و أوربا تعتمد إلى الآن على روسيا في هذين المجالين ، على الأقل بالنسبة للمحطة الفضائية الدولية . و لم يسقط الاتحاد السوفيتي بسبب و قوع أي هجوم نووي أو صاروخي خارجي عليه ، بل أنهار و هو ما يزال يدير بنجاح أول محطة فضائية في العالم : مير .
إذن ، لم يكن انهيار التحاد السوفيتي أمراً حتمياً ، لا بفعل العدوان الخارجي العسكري أو الاقتصادي أو السياسي المدمر من أي نوع ، و لا بفعل اندلاع ثورة شعبية داخلية ضد نظامه ، البتة ؛ و إنما انهار بفعل التطبيق المتسلسل طوال عقد و نصف من الزمان لخطط الخيانة الطبقية الداخلية لمصالح الدولة البروليتارية - مثلما سأعرض بإيجاز شديد في الحلقتين الباقيتين من هذه السلسلة - و لولاها ، لبقي الاتحاد السوفيتي قروناً و قرون بفضل اكتسابة لكل شروط ديمومة البقاء و التطور رغم مؤامؤات القوى الامبريالية المستهترة و المعادية على طول الخط له .

مرة أخرى : انحناءة اجلال للبلاشفة الأبطال الذين حملوا شعلة الماركسية الوهاجة حول العالم .