المادة ومن أوجدها؟ ح6


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 5726 - 2017 / 12 / 13 - 00:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

كلمة لا بد منها
في كل بحث أو محاولة التأمل والنظر العقلي في قضية ما علينا أن نحدد أولا الهدف منه هذا البحث أو المحاولة، ومن ثم بيان قيمة الهدف مقابل الجهد وهل ذلك يؤدي إلى إثراء معرفي قد يقودنا إلى فتح مجاهيل ومغالق مسدودة أو هكذا تبدو لمن يرى ضرورة البحث عما ينفع الناس في حياتهم، ففي كل التجارب البحثية سواء أكانت معرفية عامة أو علمية خاصة هناك غتئية مهمة رسخت من قدرة الإنسان على فتح أفاق متجددة على عوالم كانت فيما مضى جزء من مجهول مبهم، ولو ملكة التفكير والتدبير في العقل الإنساني لما أرتقى في حياته ولم يتواصل مع ميادين العلم والمعرفة ليبني له عالم متطور ومتجدد ومتغير ومتسارع بقدر ما يكتشف وبقدر ما يدرك ويتعلم.
في هذا البحث هناك من لا يرى أهمية حقيقية في أن نعرف أكثر مما نعرف عن قضية الخلق والتخليق ودور المادة وقوانينها خاصة أن الموضوع هذا قد وصل فيه المعرفيون إلى حائط صد لا يمكن أختراقه وأكتفوا بتدوير الفكرة حول أن لا نهائية في البحث فيه لأنه أساسا غير قابل للبحث أكثر مما فيه كمطروح معرفي، في حين أن العلم وأدواته ومناهجه لم تتوقف ولن تتوقف ولن تعترف بجدار صد أو عجز في إدراك ما هو أبعد من حصل ويحصل به العلم اللدني من أنجازات تكاد تكون هي في ذاتها معجز بشري مقارنة بين ما يمكن للعقل البسيط من تحمله ومقدار الغوص الذي بلغه العلم وفلسفة العلم.
فعند بحثنا في المتفق عليه علميا فيما بخص قانون حفظ المادة والطاقة وهو أهم قانون فيزيائي على الأطلاق والأكثر يقينية فيه، نجد أن المنطق العقلي والعلمي يتشاركان في تبني هذا القانون بكل تفاصيله والتي تتلخص بنفي العدمية كونها مصدر للوجود أو لنشأة الوجود تحديدا، فالمادة التي يمكن أن تتحول لشكل أخر من أشكال وجودها المجرد(1) كطاقة والطاقة تتحول إلى مادة في تحول معاكس يبقى موضوع ثبات القيم القياسية فيها واحد سواء أكان النظام معزولا أو غير معزول (2)، فكلا الحالين الكتبة المادوية والطاقة تبقى في الوجود دون أن تفنى على أي حال ولا يمكن أن توجد من العدم أيضا، فهي محدودة ومقدرة وموزونة بقدر.
فكلا القانونين يشكلان وحدة علمية رصينة لا يمكن للعقل البشري أن يثبت عكس ذلك بالرغم من الجهود العلمية المبذولة في هذا الصدد لحد الأن، مما أكسبهما يقينية علمية جازمة مع بقية القوانين الفيزياوية الأخرى التي لها صلة بالموضوع، والتي تنتهي في نتيجة واحدة أن المادة وبشكلها البدائي الأولي الذرة هي الحقيقة المطلقة الوحيدة في الوجود، والتي تثبت نفي العدمية والأحداث اللاحق لها برغم كل التحولات التي لحقت المادة نتيجة فعل خارجي مؤثر ومحرك لقوانينها الذاتية.
طالما أن هذه الحقيقية غير قابلة للنفي ولو مرحليا حتى يقوم الدليل العلمي المساند للنتيجة تبقى المادة هي الأقدم والأثبت والأجدر أن تكون هي أم الوجود الكلي بكافة تصنيفاته التي أعتمدها العلماء(3) أو العرفاء(4) أو التي ذكرها الدين في مفردات شرحه عن الوجود ، برغم التفاوت اللفظي بين مفردات المفهوم الذي نحن بصدده وهو الله والوجود المادي والعلاقة البينية بينهما وأساسها ومصدريتها الأولى، لا تذهب هذه المفردات بعيدا لتقول كما قال الإمام علي في أحدى خطبه في حقيقة الإنشاء والخلق ليثبت أن العمليتين كانتا في حدود ما موجود، وليس في حدود ما هو غير موجود أصلا (أَنْشَأَ الخَلْقَ إنْشَاءً، وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً، بِلاَ رَوِيَّة أَجَالَهَا، وَلاَ تَجْرِبَة اسْتَفَادَهَا، وَلاَ حَرَكَة أَحْدَثَهَا، وَلاَ هَمَامَةِ نَفْس اظْطَرَبَ فِيهَا. أَحَالَ الاْشياءَ لاَوْقَاتِهَا، وَلاَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا، وَغَرَّزَ غَرائِزَهَا، وَأَلزَمَهَا أشْبَاحَهَا، عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا، مُحِيطاً بِحُدُودِها وَانْتِهَائِهَا، عَارفاً بِقَرَائِنِها وَأَحْنَائِهَا).
التدقيق في هذا الكلام لا يخرجنا من ذات النتيجة التي بلغها علماء الفيزياء والكمياء من أن الوجود المادي قديم وثابت ولكنه ليس محددا بصفات ولا متميزا بماهيات متعددة، بل كل ما كان موجود قبل إنشائها الشيئي وتخليقها كان تحريك لما في داخل الوجود المادي من معادلات فيزيائية ورياضية حاكمة مطلقة ثابتة وقديمة، فهو يتحدث عن أشياء جرى ترتيبها لتصبح حالة زمنية وحالة متفاعلة فيما بينها وأعطاها صفة وحدد لها حدود ومعنى، لأنه بالأصل تمكن من حدودها اللا شيئية قبل إنشائها الشيئي مخططا للحركة القادمة وموجها لها وواضعا لها قوانين الحركة في الأشياء المتخلقة من الإنشاء هذا، ومن يتمكن من كل ذلك لا يتركها في طرفها الأخر سائبة أو بلا نهايات محدودة أو يتركها بلا غائيات معروفة ومشخصة تماما.
إذا نحن أمام صور متعددة وفهوم مختلفة لقضية واحدة لا يختلف فيها العقل مع العلم ومع الدين مع الحقيقية، ولكن كل ينظر لها من الزواية التي يفهمها أو يعتقد أنها الزاوية المناسبة لكشف الحقيقية، حتى في أشد حالات القراءة تضيقيا لا يمكن للعقل الإنساني أن يدع خلاف ذلك، فلن يقول أحد يمتلك مقومات عقلية بسيطة أن الله أنشأ وخلق الوجود من عدم، أو أنه أحدثه بلا سابق وجود أو دون مقدمات إمكانية له.
حتى الذي يجادل بأن الله خلق الأشياء من عالم أسمه (لا من شيء) ويحاجج بآيات الخلق فيقول أن الله مثلا خلق الإنسان من تراب، والجان خلقه من مارج من نار، ثم تسأله من أين جاء بالتراب والنار سيقول من السموات والأرض، وعندما تسأله بأن الخلق إذا لا بد له من مصدر كما يقول الله إذن من أين خلق السموات والأرض ، سيقول أبتدعها أبتداعا من عالم أسمه (لا من شيء)، فتجيبه أن الله في كل حالات الخلق بقول أنه خلق الشيء من الشيء فكيف نتيقن أنه خلق السموات والأرض من عالمك الذي تصفه بأنه (لا من شيء) فيسكت ولا يجيب بل يصر على أنها إرادة الله عندما يريد شيء يقول له (كن فيكون)، وكأن العملية مجردة من أسبابها وخارج قواعد الخلق والنشأة التي وضعها الله كما يزعم المتدين في نصوص نسبها الإنسان له.
اذن هدفنا في هذا البحث المضني والمتعب واللذيذ هو ملاحقة الحقيقية أينما كانت في عقل الملحد وفي عقل المؤمن، في عقل العالم الصنعتي وفي عقل العارف المتأمل، الحقيقية لا يمكن أحتكارها بناء على ما عندنا من صورة لها، فهي أكبر من أن تتصور في عقل فرد وأصغر من أن تضيع في عقول تشاركت على هدف واحد وبتجرد أن تبحث عنها في أي زاوية من زوايا الوجود، فالحقيقة واحدة لا تقبل التجزئة ولكنها تملك ألف وجه حسب ما نرى منها كعقول فردية وليست كرؤية كلية موحدة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. من خلال الأبحاث والتجارب العلمية المختلفة والتي انتشرت لقرون كثيرة وجدة العلماء عدد من القوانين الثابتة التي لا تتغيّر في الطبيعة مثل قانون حفظ الشحنة، وحفظ الطاقة، وحفظ الكتلة والمادة، وأيضاً قانون حفظ كمية التحرك، حيث وجدة العلماء من خلال النتائج العلمية بأنّ هنالك كميات فيزيائية تبقى ثابتة لا تتغير مهما تغيرت بعض الظروف، وفي بعض الأحيان إذا توفرت بعض الشروط مثل أن يكون هذا النظام مغلقاً ومعزولاً (مغلق ومعزول أي أنه لا يوجد فقدان للطاقة ولا للكتلة)، وقد استفاد العلماء من ثبات هذه الكميات في تفسير عدد آخر وكبير من الظواهر والنتائج الأخرى، في هذا المقال سوف نتعرف على أحد قوانين الحفظ المشهورة في مجالات كثيرة ألا وهو قانون حفظ المادّة أو حفظ الكتلة ونذكر أهمّ التجارب التي تعتمد على هذا القانون في تفسير بعض النتائج الفيزيائيّة والكيميائيّة الأخرى.

إقرأ المزيد على موضوع.كوم: http://mawdoo3.com/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86_%D8%AD%D9%81%D8%B8_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%AF%D8%A9

2. قانون حفظ الطاقة قانون حفظ الطاقة أو قانون بقاء الطاقة هو أحد أهم قوانين الفيزياء، والذي يخضع له كل شيء يمكن اعتباره نظاماً معزولاً في هذا الكون، والنظام المعزول هو النظام الذي لا يتبادل طاقة أو مادة مع المحيط. ينص هذا القانون على أنه في أي نظام معزول، الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم، ولكنها تتحول من شكل إلى آخر، ومن صورة إلى أخرى. وهناك عدة أنواع للطاقة وهي الطاقة الكيميائية، والميكانيكية، والحرارية، والشمسية، والنووية، والطاقة الكهربائية، والطاقة الضوئية، وخلال العمليات والتحولات التي تحصل في الطبيعة تتحول الطاقة من نوع إلى آخر ولكنها لا تفنى وتختفي، بل تبقى موجودة للأبد.

إقرأ المزيد على موضوع.كوم: http://mawdoo3.com/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86_%D8%AD%D9%81%D8%B8_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%82%D8%A9


3.ما يعرف بقانون حفظ الكتلة و هو صحيح للكون ككل شريطة اعتبار أن الكون نظام مغلق . طبقا لعلاقة اينشتاين للكتلة و الطاقة فإن كل كمية من الطاقة E لها كتلة يمكن حسابها من العلاقة E/c2 حيث c سرعة الضوء ، وعلية لو أن الكتلة محفوظة فإن الطاقة تكون محفوظة أيضا ، أي بقاء الطاقة ثابتة من غير زيادة أو نقصان في أي نظام في الكون و إنما تتحول من شكل لآخر ، وهذا ما يعرف بحفظ الطاقة .
4. فالوجود حقيقة واحدة، وما الأشكال المختلفة للخلق إلا صور لتجلي الحق، وهي في حقيقتها تجليات للحق الواحد وليس هناك تعدد ولا كثرة في نظره، لأن هذا التعدد وهذه الكثرة من حكم العقل القاصر والحواس القاصرة، والعارف وحده هو الذي يدرك بطريق الذوق وحدتهما(عبد القادر محمود: الفلسفة الصوفية في الإسلام، دار الفكر العربيص 503 - 504.).
ولهذا فإن وحدة الوجود كما يصورها ابن عربي "تعطي للإلوهية معنى مجردا غير مشخص، ولا يكاد يوصف، وصفة الإله الوحيدة هي الوجود، وقد تضاف إليها صفة العلم، ولكنه علم مقصور على ذات الله. وهذا معنى لا يتفق مع العقيدة الأشعرية السائدة، ولا يتمشى مع النصوص الدينية التي تثبت لله صفات كالقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام"( إبراهيم مدكور: في الفلسفة الإسلامية، ج 2، ص 73.).
5. قال تعالى ليس كمثله شيء فنزه وشبه، وهو السميع البصير فشبه"(24) وهو يشير إلى قوله تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"