صدور كتاب - إله الأديان وإله الأكوان : بحث في نشأة الإلوهية والأديان-


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 5719 - 2017 / 12 / 6 - 22:21
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات     

صدور كتاب " إله الأديان وإله الأكوان : بحث في نشأة الإلوهية والأديان"
عن دار ميزوبوتاميا في المتنبي في بغداد ــ العراق ، صدر كذلك كتاب " إله الأديان وإله الأكوان : بحث في نشأة الإلوهية والأديان" للدكتور جواد بشارة، وتناول أخطر مسألة يواجهها الإنسان ويبحث عن إجابات عنها منذ فجر الإنسانية إلى يوم الناس هذا، ألا وهي: هل من البديهي ، ونحن في نهاية الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين ، قرن العلم والتكنولوجيا، أن نؤمن بأطروحة غيبية ماورائية أقرب للخرافة منها للواقع والحقيقة، حول أصل الكون والإنسان والحياة ؟ أم نتبنى بلا نقاش أو تردد الأطروحة العلمية التي لم تقدم لنا لحد الآن رؤية موحدة شاملة وناجعة عن هذا السؤال الوجودي الخطير؟ فعندما يسأل سائل : هل تؤمن بنظرية الانفجار العظيم التي اعتبرها العلماء بمثابة الصيغة المتفق عليها لولادة الكون؟ أو هل تؤمن بالله وبأنه الخالق للكون والحياة والبشر وباقي المخلوقات بإرادة ربانية وبطريقة تخرق قوانين الطبيعة ، بطريقة كن فيكون، كما وردت في النصوص الدينية التي أضفيت عليها القدسية لأنها أعتبرت منزلة من السماء وتحتوي كلام الله عن هذا المضمون وبالتالي لايسمح بمناقشتها أو التشكيك فيها؟ لا يصح أن يطرح السؤال بهذه الصيغة لأنه خطأ علمي ومفاهيمي. فالإيمان حالة من الاعتقاد الذاتي غير مرهونة بعوامل ومعطيات خارجية فالمرء يؤمن أو لا يؤمن بغض النظر عما يتوفر لديه من معلومات وحقائق ومعطيات، فأغلب رؤاه موروثة، إلا إذا حرر عقله من قيود المسلمة الإيمانية وفتح عقله للمناقشة والتفكير والتأمل بغية التوصل إلى حقيقة ما، تدعم موقفه بتقبل أو عدم تقبل الحالة الإيمانية. فالمقاربة العلمية لا تفضي إلى موافقة أو عدم موافقة ، بين المعطيات المكتسبة والنماذج أو التنبؤات والتوقعات والتكهنات العلمية وبالتالي لا يوجد شيء إسمه " إيمان" في مثل هذه المقاربة العلمية، بل توجد نظريات وعمليات رصد ومشاهدات وتجارب ومواجهات علمية وفكرية ونقاشات وتساؤلات وشكوك وسجلات ومراجعات وطعون واختبارات ومقارنات بين مختلف المعطيات . من هنا كان يجب أن يصاغ السؤال كالتالي: هل تتقبل فكرة أن نموذج البغ بانغ، الانفجار العظيم، هو الذي يتوافق على نحو أفضل مع مجمل المشاهدات ونتائج الرصد المتوفر والموجدة حالياً ؟ وسوف يرد الوسط العلمي بغالبيته الساحقة، وأنا منهم بالطبع، بنعم على مثل هذا التساؤل ، أو الصيغة التبسيطية المختزلة ، لكن ذلك لا يعني أنها إجابة ثابتة ودائمة لا تتزحزح و لا تتغير في حال توفر معطيات جديدة تدحضها، في حين أن الطرح الثيولوجي الثاني يطرح نفسه ممثلاً لحقيقة أزلية أبدية دائمة وثابتة لا تتغير مهما طال الزمن وفي كافة الأزمان والعصور والأماكن. فالعلاقة بين العلم والدين، قد ولدت الكثير من الكتابات والدراسات والأبحاث، وأسالت الكثير من الدماء وأزهقت الكثير من الأرواح، في حين أن هاتين المقاربتين لا يجب أن يتصادما لأنهما يتحركان في حقلين مختلفين من التفكير . فمن الجانب الديني هناك مسألة تتعلق بقيم ترتبط بالسلوك الحياتي واليومي ولها علاقة بالمعنى الذي نود إعطائه للوجود وللعالم ومسيرته . أما في الجانب العلمي فهناك مسائل عقلانية ترتبط بالرؤية لتعقيد العالم وتركيبته على كافة المستويات الزمانية والمكانية مشفعة بتنبؤات نظرية قابل للدحض بالتجربة والاختبار والانجازات التكنولوجية وتبعاتها. فهناك من بين العلماء من هو في آن واحد عالم ومؤمن متدين و لا يجد غضاضة في ذلك ، وأنا لست من بين هؤلاء بالطبع، لكني أعرف الكثير منهم ولدي معهم نقاشات مستفيضة بيد أن هناك بعض العقول الظلامية التي تريد خلق الغموض والتنافر بين العلم والدين لغايات مبيتة وفرض قراءة دوغمائية للتساؤلات العلمية وتفسيرها بمقتضى قناعاتهم الثيولوجية فهم يحتقرون ويهينون القدرة الخلاقة عند البشر التي تجلت منذ قرون عديدة من التطور والبحث الدؤوب . وسواء تعلق الأمر ببوزونات هيغز أو الجزيئات والجينات الوراثية والحامض النوي ، أو مستقبل النحل أو تكون الصخور والكواكب والنجوم والمجرات والمادة العادية والمادة السوداء أو المظلمة والطاقة المعتمة أو الداكنة، والموجات الثقالية أو المتطلبات الرياضياتية والتنظيرية لنظرية الاحتمالات الخ... ، فماذا يمكن للمقاربة الدينية أن تفعل إزاء كل هذه المواضيع التي لا ناقة لها فيها و لا جمل كما يقول المثل لا توجد مصداقية ما للتأمل والتفكير الديني في هذه المواضيع ؟ ومن جانبه لا يمكن و لا يحق للعلم ، وخاصة علم الطبيعة والفيزياء والكوسمولوجيا ، أن يحشر أنفه بمسائل أخلاقية وروحانية ويريد معرفة طبيعة الخير والشر ومعنى الحياة والنشاط اليومي البشري وممارسة الطقوس والشعائر الخ.. ، فهذه الأمور يمكن أن نجد لها مقاربات وأبحاث ومساهمات عند الدين والفلسفة وعلم الأخلاق والثقافة والحقوق وعلم النفس الخ... بعض وسائل التعبير خلقت حالة من الخلط ، المتعمد أو غير المقصود، بين الأصل الميتافيزيقي للكون وواقعه العلمي ، فلندع كل طرف يتقبل ما لديه من مقاربة بهذا الصدد و لا يؤثر أحدهما على الآخر ففي نهاية المطاف تبقى القضية مسألة شخصية محض. العلم لا يبحث عن لماذا، أي أسباب حدوث الشيء عموماً في حين يبحث في الكيف والطريقة التي تم بها نشوء ذلك الشيء ، أما الدين ففي العموم هو الذي يتعاطى مع الكيف، و يهتم بالجانب السببي والغايات.
وقع الدين في تناقض وخلق مفارقة عجيبة، فهو من ناحية يضفي الصفات الإطلاقية على الله الخالق ، وفي نفس الوقت يقزمه وينزله إلى مستوى المخلوقات كما ورد في الكثير من النصوص الدينية المأثورة، التوراتية والكنسية والإسلامية. وللخروج من مأزق التجسيم لا بد من مفهوم يتعالى على الفكرة التي تهيمن على تفكير البشر ، وكان ذلك المفهوم هو " التسامي" أو " الذات المتعالية". وهي الصفة التي يتحلى بها إله سبينوزا وكذلك التي أطلقتها الأديان السماوية التوحيدية المنزلة، على الله الكلي القدرة، لكنها شوهت صورته من خلال مفاهيم التجسيم والعقاب والثواب والآخرة والحساب والاهتمام بتفاصيل الحياة اليومية للبشر ولكل إنسان على الأرض وفي الفضاء منذ لحظة الولادة إلى مابعد الموت، والتي فرضتها المؤسسات الدينية ورجال الدين، وهذه وظيفة تنقص من تسامي وسمو هذا الإله. لكنها من الناحية العلمية الصرف أو المحضة، صفة أو ماهية كونية تنطبق على الكون الحي المطلق اللامتناهي ، الأبدي والأزلي والسرمدي ، لأنه يجسد الوجود المطلق لكل ما هو موجود ولا وجود غيره، باعتباره كياناً مكوناً من عدد لا متناهي من الأكوان ، التي تشكل بالنسبة له، جسيمات أولية لمكوناته المادية وغير المادية، أو من مواد وماهيات ومكونات نجهلها وليست لدينا أية فكرة عنها، وما كوننا المرئي سوى جسيم أولي، لا متناهي في الصغر، من تلك الجسيمات الأولية الكونية التي تشكل بمجموعها ، إلى جانب مكونات أخرى لانعرفها ، ماهية الكون المتسامي الحي العاقل والخالد والمطلق، والدائم الحركة والتجدد إلى ما لا نهاية. لقد وصلت حدود معرفنا باللامتناهي في الصغر في كوننا المرئي إلى حد الأوتار والبرانات والكواركات وبعض الجسيمات الأولية ما دون الذرية لكننا لا نعرف لحد الآن ما هو أصغر منها، وقد يكون الأصغر هو ذلك الذي يخترق طول بلانك ويقود إلى أكوان أخرى. في حين تحددت معرفتنا باللامتناهي في الكبر بالكون المرئي الذي نعيش فيه ولا نعرف ماذا يوجد وراءه أو خارجه، أي خارج الأفق الكوني المرئي، سوى فرضيات علمية نظرية والحال إنه لايتعدى كونه أحد الجسيمات الأولية اللامتناهية في الصغر بالنسبة للكون الحي المطلق المتسامي، في إطار تعدد كوني لامتناهي. وقد أحتوى الكتاب على توطئة ومقدمة وخمسة عشر فصلاً وخاتمة ، بدأ من صراع المفاهيم وقصة هذا الصراع على مر التاريخ بين العلم والدين، حيث استعرض الكاتب الكون في العقيدة المسيحية الكاثوليكية والعقيدة اليهودي والعقيدة الإسلامية. والتنافس القائم بين الفلسفة والدين والعلم بخصوص فكرة الإله ، والتركيز على ملحمة الخلق الإلهي المباشر وصورة اله والكون في الإسلام والفرق بين الإله الأرضي والإله السماوي، والتمييز بين الرؤية الخرافية والرؤية العلمية للوجود ومعضلة إدراك الواقع وعلاقة البشر بباقي الكائنات الفضائية مما استدعى التطرق إلى مفارقة فيرمي الشهيرة حول الكائنات الفضائية المتطورة الموجودة في الفضاء الخارجي داخل مجرتنا درب التبانة أو خارجها، كما تناول موضوع جدلية العلم والدين من موضوع الإلوهية وتحدث عن الأصل العلمي للكون ونظرية الأوتار الفائقة وأطروحة تعدد الأكوان والفرق بين الزمان النسبي والزمان المطلق ونظرية الكموم أو الكوانتوم التي هي في الحقيقة أغرب من الخيال والاستفاضة في موضوع النماذج الكونية من منظور علمي ، وأخيراً عد سيناريوهات عن نهاية ومصير الكون المرئي ومحاولة لاستعراض الأسئلة الجوهرية .