عرض كتب د. جواد بشارة الثلاثة عن الكون الصادرة في الأردن عن دار المناهج


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 5719 - 2017 / 12 / 6 - 16:20
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات     

الملف الصحفي لصدور الطبعة الورقية لكتب د. جواد بشارة الثلاثة الأولى في الأردن عن دار المناهج للنشر والتوزيع في عمان
متابعات :
عن دار المناهج للنشر والتوزيع في عمان ــ الأردن، صدرت الطبعة الورقية للمجلدات الثلاثة الأولى من الموسوعة الكونية الميسرة تحت العناوين التالية: " الكون أصله ومصيره" و " الكون الحي بين الفيزياء والميتافيزياء " و " الكون المطلق بين اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر" ، وستليها خلال السابيع القادمة في بداية عام 2018، المجلدات الثلاثة اللاحقة تحت عناوين : " الواقع الظاهر والواقع الخفي في الكون المرئي" و " كون مرئي وأكوان خفية ــ نظرات في نظريات تعدد الأكوان " و " الكون المتسامي" . إلى جانب صدور كتاب " إله الأديان وإله الأكوان" قبل ايام عن دار نشر ميزوبوتاميا في العراق شارع المتنبي .

في كتابه الأول : " الكون اصله ومصيره"، يكاد لم يترك د. جواد بشارة نظرية أو افتراضا علميا أو حتى خرافة إلا وطرقه في هذا الكتاب الغني عن الكون. ولعله واحد من خير ما تم تقديمه باللغة العربية عن موضوع لا يتسم بالتعقيد والسعة فحسب، ولكنه مثير للجدل أيضا في كل مفصل من مفاصله.
والدكتور بشارة كاتب مرموق وذو خبرة طويلة في التأليف، ولكنه اثبت في كتابه هذا انه كاتب علمي من الطراز الرفيع ويستحق عمله أن يحظى بالثناء، حتى ولو اختلفت معه، أو وجدت مبررا لنقده.
فتلك هي طبيعة العلم، على أي حال، في موضوع ما تزال البحوث بشأنه في أولها.
ولقد جعل د. بشارة من عمله هذا مرجعا مبسطا وشاملا، من دون أن يضحي بالقيمة العلمية لمادته. وهو عرضها ليس من اجل أن يقدم "فتوى علمية" محددة، وإنما من اجل أن يضع أمام قارئه معظم النظريات والافتراضات والخرافات التي عالجت موضوع الكون وفهمنا له.
ولن يسع القارئ إلا أن يغرق به، ليس بفضل غناه المعرفي، ولكن بفضل لغته الرشيقة أيضا، والتي كشفت بحد ذاتها عن كاتب عميق الإطلاع.
وهو يفتح بهذا الكتاب أبوابا كثيرة لمعارف يكاد الكثير منا لم يسمع بها. كما انه إذ يثير أسئلة لا حصر لها تقريبا، إلا انه لا يترك قارئه حائرا دون أجوبة ، وردود مضادة لها، إلا إذا كان العلم نفسه عاجزا.
يقول المؤلف في توطئته للكتاب:
إن أغلب الناس يعيشون أيامهم، ويقضون أعمارهم دون أن يفهموا العالم الذي يعيشون فيه. فمن النادر أن يفكر أحد بآلية تكون ضوء الشمس وأسبابه، في حين أن هذا الضوء هو العنصر الأساس للحياة على الأرض. ولا يفكر بالجاذبية التي تجعلنا ملتصقين بالأرض ولا نطير في السماء، ولا بالذرات التي تتألف منها المادة والتي نتكون نحن البشر منها أيضاً والتي يغدو استقرارها سبباً في وجودنا. ولا ينتبه أحد عادة إلى الطبيعة ولا يتساءل دائماً لماذا هي على هذا الحال، وهل يمكن للزمن أن يعود القهقري، وهل يمكن للنتيجة أن تسبق السبب والمعلول يتقدم العلة، وهل هناك حدود للوعي البشري والإدراك الإنساني والمعرفة البشرية؟ ناهيك عن التفكير بالثقوب السوداء وجغرافية الكون وطبيعة مكوناته، وما هو أصغر مكون مكتشف للمادة وهل هناك ما هو أصغر منه، ولماذا نتذكر الماضي وليس المستقبل، وكيف نفسر النظام الكوني القائم والعلم يقول أنه نشأ من الفوضى والعدم، وأخيراً وليس آخراً لماذا يوجد الكون؟ وهنا يقتحم المرء نطاق الماورائيات ومجال الميتافيزيقيا، ويلج المنطقة المحرمة التي تتحدث عن الله أو غيابه، ومحاولة الإجابة على تساؤل آينشتين: هل كان لدى الله الخيار في خلق الكون؟ وحاول العلماء من بعده سبر فكر الله وسر تفكيره.
ويبدأ المؤلف من طرح الأسئلة من أولها: ما المقصود بالكون؟
ويقول ان الكون، بلا شك مفهوم واسع ومعقد ولكن ما نقصده هنا هو المكان والزمان الموجودين في الفضاء الخارجي والقابلين للمراقبة والرصد والمشاهدة والخاضعين للقياس ولقوانين طبيعية وفيزيائية جوهرية، دون أن يكون فيه عناصر مطلقة، أي هو ذلك الجزء المرئي والملموس والمكون من مجموعة من الأكداس والحشود من المجرات الصغيرة والكبيرة، القريبة والبعيدة جداً، والتي تعد بالمليارات، وفي كل مجرة هناك مليارات النجوم والكواكب وغيرها من الأجرام والغازات والأغبرة الكونية. وما شمسنا سوى نجم صغير ومتواضع من بي200 مليار نجمة في مجرتنا درب التبانة وحدها وربما أكثر من ذلك بكثير فهذا مجرد رقم تقديري، وكوكبنا ليس سوى حبة صغيرة ملحقة تدور في فلك الشمس من بين مليارات الكواكب السيارة التي يعج بها الكون، ولا تزيد عن جزء من مليار من قطرة ماء مقارنة بكميات مياه البحار والمحيطات في الأرض برمتها. ينبغي أولاً استعراض التطورات الأخيرة للكون وجذورها التاريخية. فموضوع ولادة الكون أو بدايته كانت موضوع نقاشات عديدة ومعمقة، وكان هذا الموضوع حكراً على الأديان، لاسيما الأديان السماوية المنزلة التي تتفق فيما بينها على صيغة أن الكون ولد في لحظة محددة في ماضي ليس بالبعيد ويترتب على ذلك ضرورة وجود "العلة الأولى أو السبب الأول" الذي يفسر وجود الكون. وقد قدرت الكنيسة الرسمية، استناداً إلى ما ورد في الكتب المقدسة، أن الكون ولد قبل خمسة آلاف سنة من ميلاد السيد المسيح كما جاء في سفر التكوين في العهد القديم، وهو الأمر الذي يختلف جوهرياً وكلياً مع التواريخ التي يقدمها علماء الآثار إلا إذا لجأنا إلى ما يمسى برمزية الأرقام والتواريخ وأن اليوم لا يعني بالضرورة اليوم الأرضي الذي نعرفه. سبق لفلاسفة كبار أن تصدوا لموضوع الكون مثل أرسطو وبطليموس وعمانويل كانط في كتابه "نقد العقل المحض" المنشور سنة 1781. وقد أشار عمانويل كانط إلى أنه قد يكون للكون لحظة بداية إلا أن هناك زمن لا نهائي سبقه وكان موجوداً قبله ومستقلاً عنه سماه بالزمن المطلق، أما زمن الكون منذ لحظة ولادته فهو الزمن النسبي. وقد علق القديس أوغسطين على تساؤل بهذا الصدد وهو: "ماذا كان يفعل الله قبل خلق الكون؟" فرد بسخرية: "ربما كان يحضر الجحيم للذين يطرحون مثل هذا السؤال".
وجاءت نظريات الفيزياء الحديثة لتقدم أجوبة تقريبية ونسبية ونظرية للبت في أصل الكون وعمره ومصيره منذ بدايات القرن العشرين أشهرها نظرية النسبية لآينشتين وما تلاها. وحدثت انعطافة تاريخية سنة 1929 عندما اكتشف العالم إدوين هيوبل Edwin Hubbleظاهرة توسع وتمدد الكون مما يعني أن محتويات الكون كانت قريبة لبعضها البعض في الماضي السحيق الذي يعود إلى 10 أو 20 مليار سنة وكانت كثافة الكون لامحدودة الأمر الذي أعاد موضوع عمر الكون وولادته إلى طاولة البحث العلمي البحت. ومن هنا برز مفهوم أو مصطلح الانفجار العظيم Big Bang، عندما كان الكون لا متناه في صغره ولا متناه في كثافته. وإذا قبلنا وجود "حالة" ما قبل الانفجار العظيم، ثابتة ومستقرة للكون، فهذا يعني بنظر القديس أوغسطين أن هناك كائنا خارج الكون هو الذي فرض عملية التغيير والحركة التي نشأت أياً كان شكلها وتسميتها لأنه لم تكن توجد أية ضرورة فيزيائية للتغير بدون محفز أو حافز عملي نسبه أوغسطين إلى الله. ثم جاءت النظريات العلمية في الفيزياء الفلكية لتقدم البديل العلمي للطرح والتفسير الثيولوجي أو الديني. وستكون هذه الأطروحات والمواضيع هي محتوى الكتاب مطروحة باختصار وتبسيط شديد قدر الإمكان لتكون أقرب للفهم والاستيعاب من قبل الجميع.

كما صدكتاب للكاتب والباحث العراقي المقيم في باريس منذ عقود طويلة الدكتور جواد بشارة كتاب علمي آخر عن دار المناهج للنشر والتوزيع في عمان ــ الأردن تحت عنوان " الكون الحي بين الفيزياء والميتافيزياء" الذي يأتي تتويجاً لبحث طويل ومضني استخدم أسلوب التبسيط العلمي ، كرسه المؤلف لموضوع الكون ودراسته من كافة جوانبه وقد تكلل هذا الجهد في بصدور الكتاب الأول للكاتب تحت عنوان "الكون أصله ومصيره " الذي صدر سنة 2011 وأعقبه بكتابه الثاني الذي نحن بصدد عرضه اليوم ليكمل مشواره المعرفي وتقديمه بلغة سهلة وسلسة ومفهومة من قبل كافة مستويات القراء حتى ممن لم يمتلك خلفية علمية أو دراسات جامعية عليا أو متخصصة. تناول الباحث في كتابه الموسوعي هذا كافة المسائل الجوهرية المتعلقة بهذا الموضوع وكان تركيزه على الكون المرئي المرصود والموجود مادياً والذي نعيش فيه ، و الذي قام بدراسته بالتفصيل في كتابه الأول ، ومن ثم حاول تجاوزه في هذا الكتاب لينطلق إلى آفاق أوسع وأبعد تتعدى اللا نهايات . فبعد أن محص موضوعة الكون المرئي تساءل بجرأة هل هو حقيقة أم وهم وقد كرس الفصل الأول لهذا السؤال ومن ثم عرج على الموضوع الأهم الذي يؤرق البشر ألا وهو الزمان الذي عده المؤلف اللغز الأهم في الكون المرئي، أي أنه ناقش موضوعة الزمان كما هي وكما نعرفها في إطار وحدود الكون المرئي المرصود في فصل كامل . ثم عاد ليبحث في أعماق هذا الكون المرئي واسراره في مقاربة جديدة حملت عنوان الكون المرئي بين البداية المفترضة والنهاية المجهولة . ولم ينس المؤلف التطرق إلى تطور الفيزياء وعلم الكون من نيوتن إلى آينشتين ويعالج موضوعات جديدة على القارئ العربي تمس المادة السوداء والطاقة المعتمة التي قد تكون سبباً في نهاية الكون بينما هي اليوم تقف وراء تفسير توسع وامتداد الكون كما يعتقد الكثير من العلماء الذين تناولهم المؤلف وناقشهم وعرض نظرياتهم. وفي خضم هذا الهم العلمي تقصى الكاتب مشكلة الوجود الانساني ونشأة الحياة وهل هي مقتصرة على الأرض أم يمكن أن تتواجد في أماكن أخرى في الكون المرئي وركز على علاقة البشر بالحضارات الكونية الأخرى المتقدمة علينا من خلال فصلين عن سر الاتصالات بين البشر والكائنات الفضائية الأخرى ومعادلة نحن البشر والآخرون في الفضاء الخارجي. ناقش كتابه الأول نظرية الانفجار الكبير من جميع جوانبها في حين نراه يتناول في كتابه هذا النظريات التي أعقبت نظرية الانفجار الكبير مع مايلزمها من معادلات ولغة رياضياتية قد تكون صعبة على بعض القراء. وتساءل بعد ذلك هل سيكون للكون المرئي نهاية وكيف ستكون تلك النهاية. لذلك أخضع الكون المرئي لرؤيتين تقليدية وتجديدية ليخلص إلى أن الكون المرئي ليس سوى مكون ميكروسكوبي بسيط من مجموعة لا متناهية من الأكوان وفق نظرية تعدد اكوان التي سيثبت العلم صحتها قريباً كما يعتقد الباحث . خاصة بعد كشف بعض ألغاز الكون المرئي التي لا تزال إلى حد الآن مستعصية على فهم وإدراك البشر في الوقت الحاضر. ولم ينس الكاتب مناقشة الأسئلة الجوهرية للكون المرئي ومعرفة ماهو ممكن وماهو مستحيل في فيزياء الغد ومن ثم إلقاء نظرة معمقة للكون المرئي قبل الانتقال إلى فيزياء ما بعد آينشتين اي فيزياء القرن الحادي والعشرين والبحث عن النظرية الموحدة والجامعة والوحيدة للكون المرئي لكشف ما فيه من غرائب وعجائب وتفسير كل ما يجري فيه من أجل الوصول إلى نظرية الكون الحي المطلق الواعي الذي يحتوي كل الموجودات والذي ليس له بداية ولا نهاية ولم يخلقه أحد بل هو خالق لكل شيء فكل شيء موجود في الوجود هو جزء منه ومن مكوناته الجوهرية بما في ذلك الحياة والوعي اللذان ليس سوى مظهر من مظاهر الكون الكلي الحي. كون الله الحي، أم كون الألغاز؟ الكون، ينكشف للمرة الأولى من مختلف أبعاده على يد هذا الباحث المتميز الذي يتسم بسعة المعرفة ولا يوفر جهدا من اجل أن يقدم أوسع خدمة ممكنة للقارئ. ولهذا السبب جاء كتاب الدكتور جواد بشارة ليس غنيا بتغطيته للنظريات العلمية وأحدث المستجدات على صعيد المعارف الكونية فحسب، بل انه كان فسيحا الى درجة انه شمل كل شيء، حتى انتهى الى كتاب يناهز نحو 750 صفحة، وذلك في دلالة على طبيعة وعمق الجهد البحثي الذي قدمه المؤلف. وفي الوقت نفسه، فان الموضوع مثير وشيق لكثرة الألغاز التي حاول الباحث الكشف عن تفاصيلها والمعارف المتصلة بها. بل انه لم يوفر حتى أكثر الألغاز إثارة للاستغراب. مع ذلك، فان المقاربة العامة للكتاب ظلت علمية ومنفتحة على أحدث التطورات، وآخر المعلومات التي قدمتها المختبرات ومراكز الرصد وكبريات مؤسسات الأبحاث الأوروبية والأميركية. وسيجد القارئ ان هذا الكتاب الملفت بحجمه، ملفت أكثر بسعة الإطار المعرفي الذي ينطلق منه. يقول المؤلف: "حينما نتحدث عن الكون فإننا إنما نتحدث عن أنفسنا وعن وجودنا ومصيرنا ومعتقداتنا، وكلما أوغلنا في البحث عن أسراره، تنتصب أمامنا مزيد من الألغاز والتحديات والتساؤلات، خاصة وأن بعض العلماء يعتقد جازماً أن ما نعرفه عن الكون ليس سوى جزء لا يذكر من الحقيقة الخفية التي تغلفه، وأن الجانب المرئي والمادي من هذا الكون، ليس سوى خلية من مليارات المليارات المليارات من الخلايا الأكوان، الدائمة الخلق والتجديد، كمثل الخلية البشرية في جسم الإنسان". وينقل المؤلف القول إن أحد كبار فلاسفة الدين المسيحي سئل: "ماذا كان الله يفعل قبل خلق البشر، أجاب الفيلسوف ورجل الدين المسيحي الشهير: "أنه كان يعد جهنم لمن يطرح مثل هذه الأسئلة". وكل ما فعله كتاب "الكون الحي"، هو انه قدم كل الاجوبة الممكنة على الكثير من تلك الأسئلة التي كان الله يعد جحيمه لمن يسألها. لقد ناقش الكاتب كل المسائل العالقة في علم الكون والفيزياء النظرية وعلى رأسها المسائل الخمسة التالية التي شكلت وتشكل التحديات الرئيسي التي تواجه الفيزياء النظرية اليوم فالتحدي الأول يتمثل بحل معضلة الثقالة الكمومية أوالكوانتية والتوصل إلى صيغة تجمع وتوحد بين نظرية النسبية العامة لآينشتين ونظرية الكم أو الكوانتا لتصبح نظرة واحدة ووحيدة يمكنها أن تقدم نفسها كونها النظرية الكاملة لتفسير الطبيعة . التحدي الثاني يكمن في حل المشاكل الأساسية أو الجوهرية لميكانيك الكم أو الكوانتا وذلك عن طريق إعطاء معنى للنظرية في حالتها الآنية أو كما هي عليها وضعها اليوم أو ابتكار نظرية جديدة يكون لها معنى مقبول ومتفق عليه. التحدي الثالث يتمثل بمحاولة توحيد الجسيمات المادية والقوى الجوهرية للطبيعة وعليه ينبغي تحديد فيما إذا كانت مختلف الجسيمات والقوى الفيزيائية يمكن أن تتوحد في نظرية واحدة تفسر كل شيء وذلك باعتبار الظواهر تجليات لكينونة جوهرية واحدة. التحدي الرابع يتجسد في قضية الضبط وشرح كيف يتم اختيار قيم الثوابت الحرة في النموذج القياسي أو المعياري لفيزياء الجسيمات ويكون الاختيار في الطبيعة. وأخيراً حل مشكلة الألغاز الكونية المتبقية مثل تفسير ومعرفة ماهية المادة السوداء أو المعتمة والطاقة الداكنة أو المعتمة ومعرفة كيف ولماذا تم تعديل الجاذبية أو الثقالة في المستويات الكبرى وبتعبير آخر أكثر عمومية محاولة تفسير سبب امتلاك الثوابت الكونية في النموذج المعياري للكوزمولوجيا ، بما في ذلك الطاقة المعتمة أو الداكنة ، للقيم الرياضياتية المعروفة اليوم . والتي سوف يطورها بالتفصيل في كتابه القادم كما صرح لنا بذلك.
ففي كتاب الكون الحي بين الفيزياء والميتافيزياء ، رحلة يغوص فيها المؤلف معنا في أرجاء الكون الحي.
فالكون، ينكشف للمرة الأولى من مختلف أبعاده على يد باحث متميز يتسم بسعة المعرفة ولا يوفر جهدا من اجل أن يقدم أوسع خدمة ممكنة للقارئ. ولهذا السبب جاء كتاب الدكتور جواد بشارة ليس غنيا بتغطيته للنظريات العلمية وأحدث المستجدات على صعيد المعارف الكونية فحسب، بل انه كان فسيحا الى درجة انه شمل كل شيء، حتى انتهى الى كتاب يناهز نحو 750 صفحة، وذلك في دلالة على طبيعة وعمق الجهد البحثي الذي قدمه المؤلف.
وفي الوقت نفسه، فان الموضوع مثير وشيق لكثرة الألغاز التي حاول الباحث الكشف عن تفاصيلها والمعارف المتصلة بها. بل انه لم يوفر حتى أكثر الألغاز إثارة للاستغراب.
مع ذلك، فان المقاربة العامة للكتاب ظلت علمية ومنفتحة على أحدث التطورات، وآخر المعلومات التي قدمتها المختبرات ومراكز الرصد وكبريات مؤسسات الأبحاث الأوروبية والأميركية.
وسيجد القارئ ان هذا الكتاب الملفت بحجمه، ملفت أكثر بسعة الإطار المعرفي الذي ينطلق منه.
ويقول المؤلف: "حينما نتحدث عن الكون فإننا إنما نتحدث عن أنفسنا وعن وجودنا ومصيرنا ومعتقداتنا، وكلما أوغلنا في البحث عن أسراره، تنتصب أمامنا مزيد من الألغاز والتحديات والتساؤلات، خاصة وأن بعض العلماء يعتقد جازماً أن ما نعرفه عن الكون ليس سوى جزء لا يذكر من الحقيقة الخفية التي تغلفه، وأن الجانب المرئي والمادي من هذا الكون، ليس سوى خلية من مليارات المليارات المليارات من الخلايا الأكوان، الدائمة الخلق والتجديد، كمثل الخلية البشرية في جسم الإنسان".
وينقل المؤلف القول إن أحد كبار فلاسفة الدين المسيحي سئل: "ماذا كان الله يفعل قبل خلق البشر، أجاب الفيلسوف ورجل الدين المسيحي الشهير: "أنه كان يعد جهنم لمن يطرح مثل هذه الأسئلة".
وكل ما فعله كتاب "الكون الحي"، هو انه قدم كل الاجوبة الممكنة على الكثير من تلك الأسئلة التي كان الله يعد جحيمه لمن يسألها.
وبمناسبة صدور كتابه الثالث تحت عنوان " الكون المطلق بين اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر" عن دار المناهج للنشر والتوزيع في عمان ــ الأردن، ألقى الدكتور جواد بشارة محاضرة جريئة تحت عنوان " الله بين العلم والدين من منظور عقلاني . في الندوة التي نظمها المنتدى العراقي في باريس قبل بضعة أشهر بعد صدور كتابه بطبعته الورقية والذي حمل عنوان :" الكون المطلق من اللامتناهي في الصغر إلى اللامتناهي في الكبر" في نهاية ديسمبر 2017، افتتح الباحث الدكتور جواد بشارة محاضرته بمقولة عزيت إلى العالم الفيزيائي العبقري الشهير ألبرت آينشتين في بدايات القرن العشرين تقول: الدين بدون علم أعمى والعلم بدون دين كسيح، وهو ما يبرر اختياره لعنوان هذه المحاضرة الله والكون جدل العلم والدين، ومن ثم أضاف شهادة من تاريخ الصراع الكنسي مع العلم من مشاهد محاكمة العالم الكبير غاليلية غاليله على يد محاكم التفتيش من خلال اعلان غاليلو غاليله الأليم وتراجعه تحت تهديده بالموت عن موقفه أما طغيان وجبروت الكنيسة وهو يقول: أُمرتُ من قبل هذا المجلس المقدس ـ المجلس الكنسي البابوي ـ بالتخلي كلية عن الرأي " الكاذب" الذي يؤكد مركزية الشمس وثباتها، كما أمتنع أيضاً عن التمسك والدفاع عن تعليم ونشر أو بث تلك النظرية الكاذبة أو الزائفة بأي شكل من الأشكال وأنكر وألعن وأبغض كافة الهرطقات والأقوال الخاطئة، إن كانت أقوال أخرى، أو دعوات أو طائفة تخالف قول الكنيسة المقدس". لكنه ردد مع نفسه بحزن شديد وهو يعود لزنزانته :" ومع ذلك إنها تدور" أي الأرض التي رفضت الكنيسة حركتها واعتبرتها ساكنة في مركز الكون.
ولقد تناول المحاضر النظريات العلمية المتعددة ، من فجر القرن العشرين إلى اليوم، لتفسير الكون والخلق والنشوء وأصل الحياة والكون، من خلال محاور مركزة بدأها بمقدمة تاريخية عامة عن خلفية الصراع الفكري بين الدين والعلم بخصوص عملية الخلق. ثم تناول الباحث موضوعاً حساساً وممتعاً لخصه بعنوان:" الكون بين الأطروحة العلمية والأطروحة الدينية، تطرق فيه لرؤية الأديان كما وردت في الكتب المقدسة المساوية والوضعية لمسألة أصل الوجود ونشأة الكون منذ الحضارات القديمة في سومر وبابل مروراً بظهور الأديان المنزلة وأطروحتها عن الخلق الإلهي المباشر كما عرضتها التواراة والأناجيل والقرآن، وما يقابلها من طرح علمي مادي بحت حيث تبلورت الرؤية العلمية بهذا الصدد منذ أواخر القرن السادس عشر إلى أوائل القرن الحادي والعشرين ، منذ نظرية كوبرنيكوس وكبلر وغاليليو الى آينشتين وستيفن هاوكينغ مروراً بنيوتن . وكان محور الندوة الثاني قد حمل عنوان:" الإنسان بين إله العلم وإله الدين وخوفه من المجهول" والذي استعرض فيه الباحث كافة نظرية أصل الحياة وتطورها على الأرض وفي أرجاء الكون المترامية الأطراف منذ فجر الإنسانية إلى يوم الناس هذا. كما ركز الباحث الدكتور بشارة على مفهومي المطلق والنسبي وأشار إلى أن كل شيء في العالم نسبي عدا سرعة الضوء فهي ليست مطلقة بل ثابتة لا تتغير في محيط الأرض ونظامها الشمسي وربما في بعض مجرات الكون المرئي فحسب و لا وجود للمطلق إلا في الفكر الثيولوجي وهو الله، وهي نفس الرؤية تقريباً في الساحة العلمية حيث كل شيء نسبي إلا الكون الكلي فهو المطلق الوحيد. وذلك من خلال سلسلة من المفاهيم والمقولات المتصارعة من قبيل هل الكون أبدي ، سرمدي وأزلي وغير مخلوق أم العكس، وهل هو ثابت وساكن أم متغير ومتحرك، وهل الكون مخلوق من أجل الإنسان أم العكس ومن هو الأسمى بينهما وفي هذا تتعارض الرؤيتان الدينية والعلمية أيضا. فالدين يتناول أسئلة تقع خارج نطاق العلم كما يقول الباحث الدكتور بشارة، ويشير إلى أن الدين يسأل عن السبب ــ أي عن لماذا ــ وذلك بافتراض وجود هدف خفي لايعرفه أحد سوى السماء ومن يسكنون فيها، في حين يسأل العلم عن الكيفية أو الطريقة ــ الكيف ــ ولا يعتمد العلم على فكرة وجود هدف خفي في الطبيعة لذلك ترك هذه المهمة للدين والفلسفة.
لقد ركز المحاضر الباحث الدكتور جواد بشارة على حقيقة وهي أن الأبحاث والتجارب التي تجرى والأسئلة التي تطرح في مجال الفيزياء النظرية وعلم الكونيات، تملك القدرة على تغيير فهمنا ونظرتنا للعالم من حيث بنيته وتطوره والقوى الأساسية أو الجوهرية التي تسيره وتحركه وتقودنا إلى معرفة طبيعة المادة والطاقة المكونة له، سواء أكانت مرئية أم مظلمة أو سوداء، إذ أن التفكير بالعلم وبالطريقة العلمية من شأنه، كما يقول الباحث، أن يقدم تصوراً علمياً وليس خرافياً للكون وما فيه، فالعلم يؤثر هنا، باعتباره انعكاساً موثوقاً به للعالم الخارجي والقواعد التي تحكم العالم المادي، بعبارة أخرى، يأتي العلم هنا كآلية منهجية للبحث وتقصي الحقائق وكشف قوانين الطبيعة عن طريق التجربة والملاحظة أو المشاهدة والرصد والتحليل وإعمال العقل والوعي للتأمل والمقارنة والشك بغية الوصول إلى اليقين. وعلى النقيض من ذلك فإن كافة الأديان تؤمن بوجود قوة غيبية ما ورائية تستدعي الإيمان بها بلا قيد أو شرط وهي القوة الإلهية الخارقة والفائقة للبشر، يلزم طاعتها وعبادتها باعتبارها الخالقة والحاكمة للكون وما فيه . ولذلك فالدين من وجهة النظر الميثولوجية هذه، هو عبارة عن مجموعة من المعتقدات المتعلقة بمسببات الكون وطبيعته والهدف منه والغاية من خلقه، على يد قوة خارقة، سامية متعالية فائقة للبشر ، وبالتالي ينطوي ذلك على الطاعة والإذعان للشرائع والطقوس التعبدية، ووضع قواعد أخلاقية تحكم العلاقات الإنسانية يلزم الخضوع لها وتطبيقها لاعتبارها شرائع منزلة لاخيار للبشر في التعامل معها سوى تقبلها على علاتها وتنفيذها حرفياً من هنا يمكننا القول على حد تعبير المحاضر، أن الأساليب والأهداف والمناهج الخاصة بكل من العلم والدين مختلفة جوهرياً، فالعلم يتناول الحقيقة المادية في حين يتناول الدين الحاجات والرغبات البشرية الاجتماعية والنفسية .
ومنذ بداية المحاضرة تحددت الخطوط العامة للمقاربة من خلال سؤال ما هو الله؟ وما هو الكون؟ ومن الذي سيقودنا باتجاه حقيقة كل منهما، العلم أم الدين؟
وبعد التعاريف العلمية والقاموسية التي قدمها الباحث لكل من العلم والدين ، قال : ومنذ أن بدأ الإنساني البدائي يعي ويفكر ويتساءل، نشأت في عقله الفكرة الميثولوجية الغيبية أو الماورائية التي تبلورت إلى صيغ وعقائد أو معتقدات دينية، ولم يكن العلم قد ولد بعد للتعامل مع التساؤلات الوجودية التي طرحها الإنسان على نفسه وما يزال يطرحها إلى يوم الناس هذا. وأردف قائلاً " تقول الأسطورة الدينية، نقلاً عن أحاديث نبوية، توراتية وإنجيلية وقرآنية، أن الله مجد العقل واعتبره أثمن وأفضل ما خلق من الخلق أجمعين، ولكن ماهو العقل؟ إنه ملكة التفكير الموجودة في الدماغ البشري، وهي القادرة على الإدراك والاستدراك، التفكير والتأمل، الفهم والاستجابة، التحليل واتخاذ القرار. وتقول الدراسات العلمية أن العقل البشري الأولي أو البدائي راقب الطبيعة وظواهرها وتأمل فيها، واهتدى إلى اختلاق الأساطير، وصدقها، وأخضع نفسه لقدرات مكوناتها ومواصفاتها وخصائصها الخارقة.
استعرض الباحث الجذر التاريخي لنشوء التفكير الديني عند البشر حيث كان أجدادنا في حقبة ما قبل التاريخ البشري، في العصر الحجري وما قبله، في فترة ما عرف بالإنسان النياندرتال، أول من صدم بظاهرة الموت، وأول من بادر إلى دفن الأموات بصحبة طقوس ابتكروها، وكانوا مرعوبين من الموت وفقدان الأحبة دون أن يدركوا لماذا يموت الإنسان خارج دائرة الصراع من أجل البقاء حيث يمكن أن يسقط بين أنياب وحش مفترس، أو ضحية لكارثة طبيعية أو حادث ما. ما نعرفه اليوم عن تلك الحقب هو أن البشر كانوا يضعون في قبور ذويهم من الأموات، عدداً من الأدوات والأسلحة البدائية والملابس والأطعمة الضرورية للاستمرار في " رحلة ما بعد الموت" لمساعدتهم على اجتياز مغامراتهم الغامضة والخوض في اللغز الكبير الذي ينتظرهم فيما وراء جدار الحياة. وكان ذلك بمثابة تجسيد لأمل ميتافيزيقي. وقد تم اكتشاف آثار تدل على ذلك في مغارات منتشرة في ربوع أوروبا وآسيا ولكن علماء الانثروبولوجيا لا يعرفون الكثير عن أساطير إنسان النياندرتال. من الواضح أن هؤلاء البشر الأوائل صمموا أو ابتكروا نظاماً معيناً من المعتقدات يوفر لهم نوعاً من الاطمئنان والسكينة، يقنعهم بأنهم يمكن أن يقهروا الموت أو يتغلبوا عليه دون أن يفلتوا منه، وذلك بالذهاب إلى ما وراء الموت. وهذا يعني أنهم توصلوا إلى أن عالمهم ليس عبثي أو فوضوي بل هو عالم محكوم بقوى غيبية غير مرئية، ومنظمة، وحيث يمكن للإنسان، بطريقة ما، وببعض الممارسات، التعرف عليها، وربما تطويعها لخدمته. واعتقد أنه يمكن أن يناشد تلك القوى عن طريق ممارسات تدل على خضوعه وانصياعه لها كتقديم القرابين، حيث تم العثور على آثار لتلك الطقوس في الكهوف والمغارات المكتشفة مؤخراً ويعود تاريخها إلى 250 ألف سنة قبل الميلاد. إن خوف البشر من ظواهر الطبيعة الغامضة جعلهم يبحثون عن حلول لتلك الألغاز في قصص نسجوها وصرنا نسميها اليوم أساطير.
فالأساطير قديمة بقدم الإنسان نفسه كما يقول خبير الأساطير جوزيف كمبل. والأساطير حية في الأذهان والعقول إلى يوم الناس هذا، وتشكل الأسس والدعائم التي تستند إليها جميع الأديان المعاصرة، السماوية منها والأرضية، وتمنحها قوتها وتأثيرها على عقول البشر، منذ آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وبوذا إلى أنبياء العصر الالكتروني اليوم. الأسطورة كما نوردها هنا ليست مرادفاً للفنتازيا أو الحكاية الخرافية، أو هي تلك التي تتضمن أكاذيب وقصص مختلقة، بل على العكس، هي تعني هنا، بتعريفها الكلاسيكي المستمد من جذرها الإغريقي، "الكلام"،légende لكنه كلام يتم التعبير عنه بسلطة وقناعة لا تقبل الجدل أو الدحض. الأسطورة حسب كمبل تكشف لنا كيف نكون بشراً، وتكشف لنا أهم ما في أعماقنا من حقيقة. وإن قوة الأسطورة تكمن في التفسيرات غير المحدودة التي يمكن أن تعطى لها، وفي قوة رموزها وكناياتها ومجازاتها وامتداداتها الشمولية التي تربطنا بجوهرنا وبأهم ما في أعماقنا بطريقة يعجز معها المنطق والعقل وحدهما القيام بذلك. وحسب هذا التعريف، يتعين على الأديان أن تقوم أو تبنى على الأساطير إذا أرادات أن تقول للإنسان شيئاً جوهرياً. وبهذا المعنى يمكننا أن نقول أن قصة المسيح أسطورة حتى لو كانت موجودة كحقيقة تاريخية لكنها اتخذت أبعاد الأسطورة. الموت هو الذي دفع الإنسان للتفكير، والخوف منه هو الذي حثه على البحث عن حماية منه عبر الآلهة والأديان والقوى الخفية.
عندما أعلن الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه سنة 1885 عبارته الشهيرة" لقد مات الله " فهو يعني أن الله لم يكن موجوداً في الواقع، وليس أنه وجد ومات، بل يقصد موت فكرة الله أو الوجود الإلهي في أذهان البشر، في فترة ساد فيها الفكر العقلاني وبزغ فيها عمالقة الفكر العالمي في القرنين التاسع عشر والعشرين كماركس وداروين وفرويد وجيمس فرازير ولودفيغ فيورباخ وبرتراند رسل وسبينوزا وديكارت وروسو وجان بول سارتر وبالطبع نيتشه. فهذا الأخير اعتبر فكرة الله قديمة مستهلكة من قبل الأديان السماوية وليست سوى أثر من الماضي، وهو ماضي ليس علمياً قطعاً، تجاوزته الإنسانية في عصر الثورة الفكرية والصناعية التي بدأت منذ أواخر القرن السابع عشر. وبعد أن دخل العالم مرحلة التحولات الجوهرية والثورات الفكرية والعلمية والتكنولوجية، ارتفع مستوى التعليم والتربية وترسخ مفهوم حرية التعبير والمعتقد وتوفرت شروحات وتفسيرات مادية لألغاز الوجود بالطرق العلمية وفقدت الأديان بريقها وقدرتها على الإقناع، واختفى تألقها، ومعها خفتت صورة الله في رؤوس البشر، وعادت نغمة الصراع بين الدين والعلم
والحال أننا نعيش اليوم في مطلع القرن الواحد والعشرين حالة معاكسة فلم يتقهقر الإله أمام تلك الهجمة المادية ـ العلمية. فبالرغم من الانجازات التكنولوجية والعلمية في الألفية الجديدة التي خلفت عصر الأنوار ما يزال الدين، والنزعة الروحانية، يعيشان حالة من الازدهار والعودة المظفرة التي عرفت إعلامياُ بالصحوة الدينية. ولو كان نيتشه وأترابه يعيشون هذه الظاهرة لقالوا أن عودة الله للحياة هي انتصار للجهل على العقل لأنهم مقتنعون أن الوعي الديني والإيمان الروحي والعقيدة الإلهية مبنية على الشعوذات والأوهام والخرافات والغيبيات والماوراءيات، وإن البشر يتعلقون بفكرة الإله لأنهم يفتقدون الشجاعة والقوة لمواجهة هذا العالم اللامتناهي بدون الله. ولا أحد من العقلانيين يمكن أن يشكك بصدقية هذه البديهية. الحقائق تدفعنا للتفكير بأن الجذور العميقة للأديان تكمن في التجربة الصوفية والصيغة التواصلية الرهبانية مع العالم اللامادي وغير المرئي والذي هو ليس بالضرورة غير علمي. فكل الأديان السماوية والوضعية تشترك بما يسمى باليقظة الروحية لدى مؤسسيها تجاه المطلق الخالد. فالنفس البشرية لم تفتأ تبحث عن المطلق وتسعى للإجابة على تساؤلات وجودية وفلسفية جوهرية عميقة من قبيل" أين ولماذا وكيف ومتى"، وذلك منذ أن ظهر الإنسان على وجه الطبيعة وسيستمر إلى نهاية الدهر. تقول نظرية ذكرها دوغلاس آدمز في كتابه الممتع " مطعم في تخوم الكون":" لو حدث أن اكتشف أحد ما بماذا يفيدنا الكون ولماذا هو موجود وماهو سره الحقيقي فإن هذا الكون سيختفي على الفور وسيحل محله كون آخر أكثر تعقيداً وغموضاً واستحالة في كشف أسراره. وتقول نظرية أخرى أن هذا الأمر سبق أن حصل بالفعل في تاريخ الوجود. والفكر الصوفي يبحث دوماً عن " سر الأسرار" ولو كشف هذا السر فسيختفي موجده". فالكون غامض وعصي على الفهم والكشف، حتى مع كل التقدم العلمي والتقني والتكنولوجي الذي حققه الإنسان على الأرض. ولا يوجد مفهوم أكثر غرابة وعسراً وعدم قابلية للتفسير من تأكيدات المتصوفة على "وجود آخر" أكثر واقعية من واقعنا المادي لكنه موجود على صعيد آخر، وفي بعد آخر،غير مرئي من قبلنا، وهو عالم متسامي، ومصنوع من مادة غير المادة التي نعرفها. فالكشف العلمي البشري المحدود والقاصر سمح لنيتشة بالقول بموت الله على يد العلم وهو يقصد به الله الخالق للعالم والكون الذي جاء ذكره في التوراة والإنجيل والقرآن، ولكن لا يوجد في نصوص العلم أو في منجزات العقل البشري ما يدحض وجود واقع آخر موازي لواقعنا يشبه الواقع الافتراضي كما توحي به نظرية الكوانتا أو " نظرية الكموم" البالغة التعقيد والغرابة. والذي يعرف بلغة العلم والفيزياء الكونية بالكون الموازي. أما عن أصل الحياة فقد تقدمت الأديان بنظرية الخلق الإلهي الجاهز من خلال قصة آدم ورد عليها العلم بنظرية التطور والانتخاب الطبيعي لتشارلز داروين، التي أثارت الكثير من الجدل والسجال والردود والاعتراضات والطعون. وتقول نظرية فنتازية ثالثة أن الحياة بكل أشكالها وألوانها وتنوعها هي من صنع كائنات بشرية لكنها غير أرضية، أو تشبه البشر وأقدم منا بـ 60 مليون سنة، ومتقدمة علينا بملايين السنين، تعيش في كوكب بعيد جداً، الحياة فيه تشبه إلى حد بعيد الحياة في الجنة التي وصفتها الكتب السماوية المقدسة. جاءوا إلى الأرض في بعثات استكشافية عدة مرات، ويمتلكون تكنولوجيا مذهلة تجعلهم بمثابة الإلهة في نظر البشر، ولديهم قدرات لا محدودة، متمكنين إلى حد الكمال من تقنية الاستنساخ البشري الفوري وتقنية الحامض النووي الـ ADN أي الجينات الوراثية والهندسة الوراثية، ويجوبون أرجاء الكون بسفن فضائية متطورة جداً لا يتصورها بشر ولا يمكنهم تخيل قدراتها وإمكانياتها ، تطوي المسافات التي تحتاج لملايين السنين الضوئية، برمشة عين، نجحوا في تغيير الظروف المناخية على الأرض القديمة الجدباء، وأوجدوا النباتات والمياه والأوكسجين ووفروا شروط وظروف نشوء الحياة وتطورها بعد تجارب عديدة استغرقت آلاف السنين، وتسمى تلك الكائنات "الإيلوهيم" ، وقد ورد هذا الإسم في التوراة، ورئيسهم يدعى يهوه، أي الله باللغة العبرية، ومعارضه الرئيسي، ولكن بصورة حضارية جداً، كائن يسمى إبليس لم يكن موافقاً على تلك التجارب التي قادت إلى خلق البشرية على الأرض . وقد اختار الإلوهيم من بين البشر نخبة من العقلاء والمتميزين أي الصفوة التي يمكنها قيادة بني البشر العاديين وفرض القيم الدنيوية والاجتماعية والأخلاقية التي من شأنها خلق تماسك المجتمعات وتوازنها وسميت تلك النخبة بالأنبياء والأولياء والعلماء والأقطاب، الذين أنيط بهم مهمة قيادة وتنظيم مجتمعاتهم وأقوامهم وفق جملة من القيم الاجتماعية والأخلاقية المحددة بدقة. بيد أن هناك حضارات وكائنات كونية أخرى زارت الأرض وأجرت اتصالات مع قلة مختارة من بني البشر، وساعدتهم على تطوير أنفسهم وتعليمهم تدريجياً أسرار التكنولوجيا الحديثة، ونحن مدينون لهم بما أنجزناه نحن البشر من تطور تقني وعلمي منذ أربعينات القرن الماضي. وكان علماء مشهورين على اتصال بشكل مباشر أو غير مباشر بتلك الحضارات الكونية كآينشتين وزاخاروف، وجون بيير بتي، وبفضلهم نجح الإنسان في تطويع الذرة وفلقها والحصول على طاقتها والتمكن من تكنولوجيا الرقائق الالكترونية والكومبيوترات والألياف الضوئية أو البصرية والتقنيات السمعية البصرية كالراديو والتلفزيون والسينما والفيديو والانترنت والهواتف المحمولة ورحلات الفضاء وكشف شيفرة الـ ADN والهندسة الوراثية وعملية الاستنساخ الحيواني والنباتي والبشري وغيرها من التقنيات المعاصرة والمستقبلية التي أحدثت طفرة في التفكير والفهم الإنساني ورؤيته للعالم والكون. وفي نهاية محاضرته أجاب الدكتور جواد بشارة على أسئلة الحضور فكان رده على سؤال حول هل خلق الله أشياء أخرى قبل خلقه للكون، فاستشهد المحاضر بمقولة للقديس أوغسطين عندما وجه إليه سؤال مماثل حو ماذا كان يفعل الله قبل خلقه للخلق فرد القديس أن الله كان يحضر جهنم لأمثالك ممن يطرحون مثل هذه الأسئلة. وشرح لأحد الحضور الفرق بين علم الفلك وعلم الكون، وعلى سؤال أين المسلمين من علم الكون؟ أجاب المحاضر أن المسلمين برعوا في السابق، لا سيما في العصر العباسي في عهد الخليفة المأمون، بعلوم الفلك والطب والرياضيات والكيمياء وذكر أسماء إبن رشد وإبن سينا وإبن الهيثم والرازي والخاورزمي وإبن حيان، وما قدموه من مساهمات علمية جبارة عندما كان الغرب الأوروبي في حالة سبات ولكن انعكست المعادلة اليوم للأسف. كما تطرق المحاضر بناءا على طلب لأحد الحضور لموضوع احتمال وجود كائنات وحضارات كونية أخرى ذكية ومتطورة وربما أكثر تطوراً منا نحن سكان الأرض من الناحية العلمية والتكنولوجية وكان رد المحاضر بالإيجاب واستعرض عدداً منها كما قدمتها كتب وأبحاث ومقالات منتشرة ومعروفة في الغرب.