عقلنة مفهومي تصدير الثورة وتصدير الأمركة2


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5717 - 2017 / 12 / 4 - 18:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مثلما عملت

على تصدير الثورة الإسلامية إلى مليار مسلم بعد عصرنتها، سأعمل على تصدير الثورة الأمريكية إلى المليار المسلم هذا انطلاقًا من شعوب الشرق الأوسط، فما ينطبق على الخاص ينطبق على العام، بروح البراغماتي التي لي، والتي هي روح الأمركة. لن أشط عن الموضوع على شاكلة كبار اللسانيين في الغرب، عندما يتكلمون سياسة، من أمثال تودوروف وتشومسكي، فيرقعوننا خطابًا –كدت أقول خطبة- في الأخلاق عن الديمقراطية، كيف كانت، وكيف تكون، وكيف ستكون، تحت هيمنة الأمركة، أو الأمريكانية، وكل هذا إنشائية في إنشائية. ولن أترك نفسي نهب الهموم النفسية والإسهالية التي تسببها الأمركة للمفكرين العرب، وكأنها كارثة الكوارث، ونهاية النهايات، بل سأفحصها بعين من كان على بصيرة مما يرى، كنظام قائم، بل وأكثر، كطريقة حياة، وبكل بساطة، يجب التعامل معها، دون أي شطط للسلوك أو للمخيلة.

أولاً

الأمركة، شئنا أم أبينا، ستكون نمط العيش الذي تفرضه سُنَّة الوسط المرافق للتطور. هذا لا يعني الاعتداء على القيم في جوهرها، كالقيم الدينية مثلاً، أو القيم الأخلاقية، أو القيم الإنسانية، أو غيرها، القيم المسيحية في أمريكا خير مثال على ذلك، كالقيم الإسلامية في ماليزيا، البلد الإسلامي الأول الذي ينط إلى أعلى درجات التطور التكنولوجي، والذي سينافس في هذا المجال مع العام 2020 أمريكا نفسها. القيم الأخلاقية تحميها الأسرة بروابطها الوثيقة، في أمريكا، في أوروبا، في اليابان، خاصة في اليابان، الياباني الذي علق كونفوشيوس في الخزانة، وارتدى الجينز، وأكل الهمبرغر، وشرب الكوكا كولا. القيم الإنسانية تبقى متجذرة في سلوك الأمريكان، في رؤى الفرنسيين، في أحلام الإنجليز، على الرغم من نمط العيش الذي يتحكم فيه اقتصاد السوق، قيم إنسانية تضاف إليها القيمة النقدية، والقيمة المادية، والقيمة الجنسية، إلى آخره، إلى آخره، إلى آخره، لكنها لا تلغيها.

ثانيًا

الأمركة، شاءت أم أبت، ترى العالم بعين الثروات العديدة، والأيدي الرخيصة، والأسواق الكثيرة، ولا علاقة هنا البتة بالتفوق الأمريكي على العربي أو الفارسي أو غيرهما، التفوق هو بالصدفة أمريكي، وكفى. الدليل على ذلك، التفوق الصيني، أو التفوق الهندي، أو التفوق الروسي، أو التفوق الفرنسي، إلى آخره، إلى آخره، إلى آخره، تفوق موجود، وهو تفوق يبقى في حدود المنافسة، ومن يقل المنافسة يعنِ تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ. ما أرمي إليه هو العمل من داخل هذه المنافسة، التي غدت جزءًا لا يتجزأ من مجتمعاتنا، وإن كنا نقف خارجها، وندفع لغيرنا الثمن باهظًا. والحال هذه، إذا كان "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان"، أريده أن يكون، أي الإنسان، ذئبًا نافعًا لأخيه الإنسان. هنا أعيد ما قلته مرارًا: الجيواستثمار هو الحل! بالجيواستثمار نضفي إلى الأمركة بعدًا اقتصاديًا جديدًا –لاحظ أنني لا أتكلم كباقي المتشدقين العرب وغير العرب فأقول "بعدًا إنسانيًا جديدًا" ويا هلا بالنشامى!- بالجيواستثمار إذن نضفي إلى الأمركة بعدًا اقتصاديًا جديدًا، وبعدًا ماليًا هائلاً: بتكنلجة الشرق الأوسط ستضاعف الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات أرباحها التي تبلغ 2000 مليار دولار في العام، وذلك في خطط عشرية ربما تدوم نصف قرن، فلا مصانع الأسلحة، ليس في أمريكا فقط بل في العالم أجمع، تأتي بِعُشرها، ولا مناجم الرعب من العربي أو الفارسي أو غيرهما، في أمريكا وفي الغرب، يلزم الحفر فيها للاتقاء بنيران فحمها من وحشيتنا الفطرية وهيمنتنا المتوَهَّمة، لأن خَيْرَ حامٍ للجميع تطورنا. وأنا هنا، لن أسوق ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية مثالاً، ولا اليابان، ولا كوريا الجنوبية. الصين التي نعرف اليوم نهضت على أكتاف الاستثمار الغربي، ولولا الصين التي نعرف اليوم لما كانت مديونية أمريكا بعشرات آلاف المليارات، بفضلها اليوم تعيش، وبفضلنا غدًا ستعيش، بعد أن تمحوها.

ثالثًا

الأمركة، يشاء التطور التكنولوجي لها -لأنها تجني ما زرعت يداها- أن تخضع لمتطلبات العصر في بلدها وفي بلدان نفوذها، وذلك بتأسيس الديمقراطية عندها وأينما تضع قدمها. بدون الديمقراطية، لن تكون هناك تكنولوجيا، وبالتالي لن تكون هناك أمركة، لن تكون هناك حركة كونية لصادراتها ووارداتها. لن تصدر نفسها بالإرهاب الذي جربته وفشلت، بالأنظمة القمعية التي جربتها وفشلت، بالحروب التي جربتها وفشلت. الديمقراطية التي أقصد، ليست "أبصق في لحيتك، واضحك في عبك!" الديمقراطية هي ديمقراطية الاقتصاد قبل ديمقراطية الإنسان، وبما أن الاقتصاد في يومنا هذا عماده التكنولوجيا، فالتكنولوجيا في أيدينا عامل ازدهار في أيديكم. ما أقوله ليس فذلكة في الكلام، إنه حتمية مِنْ صُنْعِ الأمركة. الأمركة كنمط إنتاج تفرض "الأيرنة" كنمط إنتاج، ليس بالضرورة على شاكلتها، لكن من الضروري أن يكونا هنا، أن يرفد أحدهما الآخر، أن يتكاملا.

يتبع الجزء الثالث