تدمير صهيوني لأوطاننا بمواقع التواصل الإجتماعي


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 5712 - 2017 / 11 / 28 - 16:04
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير     



كتبنا في مقالة سابقة بعنوان"مشروع صهيوني في ثوب أيديولوجية العروبة"، أين بيننا توظيف الصهيونية لأيديولوجية العروبة التي لاعلاقة لها بالعربية كلغة وثقافة التي نعتز بها لكونها أهم مقومات هويتنا إلى جانب الإسلام والأمازيغية في بلداننا المغاربية، وقد كانت أيديولوجية العروبة المعروفة بإقصائها لثقافات الشعوب والسعي لطمس هويتها وعدم الإعتراف بمبدأ المواطنة سببا رئيسيا في دفع جنوب السودان إلى الإنفصال، وكذلك الأزمات الخانقة في كل بلد حكمه البعثيون كالعراق وسوريا وغيرها، وما يؤسف له أن أيديولوجية العروبة كررت نفس ممارسات الأيديولوجية الطورانية ضد عرب المشرق بالسعي لتتريكهم عشية الحرب العالمية الأولى، مما ولد لدى هؤلاء العرب رد فعل مقابل أستغله الإستعمارالبريطاني لوضع هذه البلدان والشعوب تحت الإنتداب.
ان كان ما وقع آنذاك كان شديد الوطأة، وتم بأساليب تقليدية، لكن فلنعلم أن العالم اليوم دخل جيل رابع للحروب، لا يعتمد على الأسلحة التقليدية، بل يعتمد على التدمير الذاتي للشعوب من الداخل وبغزو العقول وتوظيف سذاجة البعض الذين يقعون بسهولة في ألاعيب مايخطط له من بعيد، وتستخدم في هذا النوع من حروب الجيل الرابع التكنولوجيات الجديدة للإتصالات كالفايسبوك والتويتر التي أصبحت تلج كل بيت وفي متناول كل فرد، وعادة ما تعتمد على تحريض مثلا ضد مجموعة من السكان، مما يولد رد فعل على ذلك، فتبدأ الكراهية كمخيال، والتي بدورها تتحول إلى حرب أهلية، فبمجرد حدث بسيط تشتعل حرب مدمرة، يكون الكثير مستعدين لها نفسيا بفعل ما روجته وسائط التواصل الإجتماعي من كراهية وتحريض من قبل، فهذه الحروب تسمى ب"حرب المجتمعات".
تعد "حرب المجتمعات" جيل رابع للحروب أخترعه الكيان الصهيوني، ونظر لها الأمريكي- الصهيوني ماكس مايورينغ الذي ألقى العديد من المحاضرات في المدارس العسكرية الصهيونية، ويقصد بها التدمير الذاتي لمجتمعاتنا من الداخل -أي دون عدوان عسكري خارجي- مركزين على شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك بإشعال حروب على أسس ثقافية وطائفية وأوهام عرقية، سيكون وقودها سكان المنطقة، ونرى اليوم بأعيننا هذه الحروب المدمرة التي تعتمد على عصبيات الطائفية وأوهام عرقية وعلى الفعل وردود الفعل، وإلا فكيف نفسر دور الحركات الدينية المتطرفة في بلداننا؟ وما هي علاقاتها بهذه الإستراتيجية؟، وما دور هذه الفضائيات الدينية سواء كانت شيعية أو سنية، والتي أنتشرت بقوة؟، ولماذا تحمل بعض الحركات الدينية نفس فكرة القوميات التي وظفت في سايكس بيكو 1 أثناء الحرب العالمية الأولى، وتحولت إلى قنبلة إنشطارية لتفتيت الكثير من الدول في المنطقة بواسطة التعصب القومي المنتج كرد فعل لتعصب مقابل؟، كي نفهم ذلك كله علينا بالعودة إلى جذور فكرة "حرب المجتمعات" الواردة في وثيقة صهيونية سرية أشارنا إليها في مقالتنا السابقة، والتي ظهرت للعلن في1982، والتي توظف التكنولوجيات الجديدة للإتصالات ومنها مواقع التواصل الإجتماعي كالفايسبوك والتويتر في تنفيذها بأيدي طابور خامس، وأعطت لها فعالية أكبر لتؤتي نتائجها في وقت قصير.
تعود بذور هذه السياسة التفكيكية لأوطاننا إلى هذه الوثيقة التي ظهرت في 1982، ولم تبق سرية، بل سربت لأهداف سنوضحها فيما بعد، ونشرتها مجلة دراسات فلسطينية عام 1982 عنوانها "إستراتيجية من أجل إسرائيل في الثمانيينيات"، فقد وضعها أودينون، وهو صحفي صهيوني، وفي نفس الوقت كان مستشارا في وزارة خارجية الكيان الصهيوني، وقد ترجمها آنذاك إسرائيل شاحاك إلى الأنجليزية، قبل أن تنشرها آنذاك مجلة دراسات فلسطينية بالعربية، ومن أهم ما تحمله هذه الوثيقة قولها أن ما يسمى ب"العالم العربي" ليس هو الخطر الرئيسي على "إسرائيل"، بل الخطر الرئيسي آنذاك على إسرائيل والغرب عموما هو الإتحاد السوفياتي، خاصة سلاحها النووي، وكذلك شح الموارد الطاقوية والأولية بسبب رغبة السوفيات الإستيلاء عليها في الشرق الأوسط، ونحن نعلم أن احد أهداف السوفييت في الثمانينيات هو الوصول إلى الخليج من خلال سيطرتها على أفغانستان في إطار الحرب الباردة.
ويبرر أودينون طرحه بالقول أن أقطار العالم العربي هي دول من ورق بسبب التناقضات الطائفية والإثنية والثقافية التي تعاني منها نتيجة سيطرة مجموعات أيديولوجية وطائفية وإثنية على السلطة في كل دولة مهمشة الآخرين، إضافة إلى التفاوت الإقتصادي والإجتماعي الحاد في هذه الدول، ولهذا يرى أن دول منطقتنا ضعيفة جدا ليس بوسعها تهديد الكيان الصهيوني، وأن تفككها هو حتمية لسياسات أنظمتها التسلطية، لكنه لايتوانى عن الحديث بإمكانية تفكيك دول المنطقة إلى دويلات ضعيفة، ويحدد الخطة بصراحة بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات شيعية وسنية وكردية ولبنان إلى خمس دويلات وسورية إلى أربع دويلات ومنها سنيتين أحدها في دمشق وأخرى في حلب وعلوية ودرزية ومسيحية، لكن أهم ما يشد الإنتباه هو حديثه عن تفكيك مصر إلى دولة قبطية قوية بجوار دويلات ضعيفة، وهو ما من شأنه أن يجر إلى تفكيك دول أخرى كليبيا والسودان، لكن يشير حول مصر إلى مسألة هامة وهي إستعادة سيناء لإسرائيل بعد ما تنازل عنها رابين بفعل "مكر السادات"-حسب تعبير أودينون-، لأنها تمثل موردا هاما وحيويا للإقتصاد الإسرائيلي لما تحتويه من إحتياطات النفط، مما يتطلب خلق ذرائع لإعادة ضمها من جديد، وهو ما يدفعنا اليوم إلى التساؤل عما يحدث في مصر اليوم، وبالضبط في سيناء من عمليات إرهابية هناك؟.
لكن هناك العديد من الأسئلة يجب طرحها ومنها: لماذا نشرت هذه الخطة في وقتها رغم سريتها؟، ولماذا لم تهتم الأنظمة في منطقتنا بها؟، فبشأن السؤال الثاني، فنعتقد أن أنظمة المنطقة، لا تريد أن تعترف بالواقع والحقائق الموجودة على الأرض لمجابهتها وحلها، وهي شبيهة بالنعامة التي تدفن رأسها في التراب، كما أنها لم تهتم بها، لأنها ترفض الإعتراف بمختلف التناقضات الإجتماعية والثقافية والأيديولوجية والسياسية والطبقية وغيرها الموجودة في بلداننا، وموجودة في كل دول العالم، ومنها الدول الغربية، لكن هذه الأخيرة واجهت ذلك بمبدأ المواطنة وبالحل الديمقراطي الذي يعد الحل السلمي لمختلف هذه التناقضات ، وهي الحلول التي رفضتها، وترفضها أنظمة المنطقة خدمة لمصالح خاصة جدا، وفي بعض الأحيان بسبب سيطرة أيديولوجيات وأفكار سياسية شمولية موجودة لدى الأنظمة وبعض التيارت السياسية والأيديولوجية المعارضة –خاصة الدينية والقومية البعثية منها- التي ترفض الإعتراف بالتعدد بكل أشكاله.
ويقول إسرائيل شاحاك أن الهدف من نشر الخطة هو إقناع بعض الضباط في إسرائيل ببعض الحلول والخطط الإستراتيجية، إضافة إلى توفر الحريات والديمقراطية في إسرائيل، لكن نعتقد أن هناك هدفا خفيا، وهو إدراك الكيان الصهيوني أنه بنشر هذه الخطة ستقوم بالإسراع في تفكيك دول المنطقة، لأن عادة ما تستغل أنظمتها التسلطية هذه التسريبات للخطط والمقالات لتوجيه إتهام أكبر لطوائف ومجموعات ثقافية مهمشة، وبأنها هي أداة في يد الكيان الصهيوني والغرب لضرب الوحدة الوطنية متسترة على الحقيقة المتمثلة في أن هذه الأنظمة التسلطية وبعض الأيديولوجيات الإقصائية كالعروبة هي التي تشكل أكبر خطر على هذه الوحدة بتمييزها الطائفي والثقافي والطبقي، مما يولد ردود فعل لدى المهمشين، وبنشر هذه الخطة أعطى الكيان الصهيوني سلاحا آخر لهذه الأنظمة لتدعيم موقفها خدمة في الحقيقة لمصالح ضيقة جدا.
كما أن قراءتنا لهذه الإستراتيجية، تطرح أمامنا اليوم عدة أسئلة فمن وراء نشر التعصب الديني في منطقتنا الذي تحول إلى طائفية مفتتة ومدمرة، ألا يدخل ذلك في إطار هذه الخطة الجهنمية حيث أصبحت هذه الطائفية والممارسات الدينية المتعصبة المرتبطة بعنصرية قومية من خلال ربط غير بريء بين العروبة والإسلام أكبر خطر يهدد وحدة دولنان وقد تطرقنا في مقالتنا السابقة إلى هذا الربط الغريب والغير منطقي بين الإسلام كدين جاء للإنسانية جمعاء والعروبة كأيديولوجية فاشية إقصائية، تحمل بذور العنصرية التي يحاربها الإسلام وكل الأديان السماوية.
أفلم يحن الوقت للجوء إلى الحلول البسيطة لتجنب تفتتناا، وهي إقامة دولة لكل الشعب، ومعناه دولة ديمقراطية تسود فيها حقوق المواطنة للجميع دون أي تمييز ديني أو عرقي أو لغوي أو قبلي وغيره، ويحل مشكلة الصراع حول السلطة نهائيا بالتداول السلمي عليها بواسطة الإنتخابات النزيهة وضمان الحريات الأساسية والمباديء الديمقراطية التي يجب أخذها كلية، لأن هناك بعض التيارات الأيديولوجية تريد حصرها في الإنتخابات فقط دون الإلتزام بالمباديء والقيم الأخرى.
ألم يحن الوقت لتحمل مسؤوليات مأساتنا بدل تحميلها الآخرين، وندرك أن من طبيعة الأعداء التخطيط ضدنا، لكن ماذا فعلنا نحن لإفشال خططهم؟، وهل رسمنا خططا لخدمة المصالح الإستراتيجية لدولنا؟، أفلم يحن الوقت لنقد ذاتنا، ونعيد طرح فكرة مالك بن نبي حول "القابلية للإستعمار" بشكل آخر؟.

فلنعترف ان دولنا قد عانت كثيرا من تأثر الكثير من نخبها بالفكر السياسي الفرنسي اليعقوبي المبني على المركزية والأحادية، خاصة في مجال الهوية والثقافة، مما أدى إلى تهميش جزء كبير من شعوبها، مما أنتج ردود فعل ثقافية زادتها حدة التهميش الإقتصادي والإجتماعي، مما أدى إلى بروز جماعات ثقافية وهويات تحتية كردود فعل على الإقصاء والإحتقار والتهميش، وقد ثبت نفسيا أن أي محاولة لإقصاء ثقافة أو إحتقارها يؤدي إلى تقويتها أكثر، وأزداد بروزهذه الهويات الفرعية مع التوسع الرأسمالي والعولمة الثقافية التي دفعت إلى التعصب الهوياتي، وكل تعصب ينشأ ردود فعل وتعصبات أخرى، مما أصبح يهدد وحدة الدول، ويدفعها إلى صدامات ثقافية، ويظهر ذلك بالخصوص في الدول التي لا تعترف بالتعددية الثقافية أو عجزت عن إيجاد تنظيم سياسي وثقافي يسير هذه التعددية، أو عجزت عن تحقيق بناء وطني مبني على هوية وطنية مركبة تضم كل المكونات الثقافية للأمة دون أي إقصاء أو تهميش، وقد كان للنموذج الفرنسي اليعقوبي الممركز على الصعيد السياسي والثقافي مسؤولية كبرى في إنشاء هذا الوضع الذي يعد بالإنفجار والتفتت للعديد من دولنا اليوم، خاصة المغاربية.
لكن في الوقت الذي بدأت تدرك بعض نخب هذه الدول أخطائها في عملية البناء الوطني، وترى ضرورة إعادة النظر في سياساتها الثقافية وبناء هويات جديدة مركبة تكون أساسا لبناء وطني جديد وسليم، يظهر أمامنا منظر صدام الحضارات هننغتون بنظرية جديدة تقوض هذه الحلول الجديدة في كتاب له عام2004 بعنوان"من نحن؟ّ-الهوية الوطنية وصدام الثقافات-"، أين يريد إقناعنا أن التعدد الثقافي للولايات المتحدة خطر عليها وضرورة الدفاع عن ما يسميها الهوية الأمريكية المبنية على الثقافة الأنكلوساكسونية فقط دون الأخذ بمكوناتها الأخرى، وكأنه مرة أخرى يظهر أمامنا هننغتون في إطار مخطط إستراتيجي مدروس بدقة لإعطاء دفع جديد للبعض من المنغلقين ثقافيا وذوي الأيديولوجيات المشرقية كالعروبيين وبعض الإسلامويين عندنا بسلامة طروحاتهم الإقصائية لمختلف المكونات الثقافية لشعوبنا، ويتحمل هؤلاء المنغلقين مسؤولية كبرى لخطر التفكك التي تعاني منها دولنا خاصة بإقصائهم للبعد الأمازيغي كمكون رئيسي لهوية أممنا في المغرب الكبير، فكأن هننغتون أراد إعطاء شرعية جديدة تحت غطاء أكاديمي مشبوه للمنهج اليعقوبي المركزي الفرنسي الذي أضر بوحدة دولنا، وكأن هناك حرب تدار في العقول والأفكار لخلق الفوضى في دولنا بهدف تحقيق الهدف الإستراتيجي الأمريكي، والمتمثل في الفوضى الخلاقة المبنية على صدامات ثقافية لتقبل الشعوب في الأخير بالتوفير الأمريكي للأمن والإستقرار، ولما لا القبول بالدولة العالمية تحت السيطرة الأمريكية، خاصة وأن منشأ الدول والقبول بأي سلطة كان نتيجة الفوضى وإنعدام الأمن.
وقد بدأ يبرز ذلك جليا بعد مطالبة بعض الليبيين بالتدخل الأجنبي للحفاظ على الأمن بعد ما عاثت الجماعات الإرهابية في البلاد وظهور بوادر حرب أهلية بين قبائلها ومكوناتها الثقافية، وكان تصادمها نتيجة للسياسة الأحادية ومبدأ فرق تسد الذي طبقه نظام القذافي المستند على أيديولوجية العروبة من قبل للبقاء في السلطة، والذي أقصى العديد من الأبعاد الثقافية للهوية الليبية بإستناده على أيديولوجية العروبة لدرجة أنه أقام إبادة جماعية للبعض من المطالبين بفتح إذاعة بالأمازيغية في خضم الحرب الصهيونية على غزة في 2009، وهي لاتختلف عن مذابح عمر البشير في دارفور وصدام حسين الذي ضرب الأكراد بالكيمياوي أمام غبطة الكثير من العروبيين، ونفس الأمر في سوريا مع الأكراد والسريان السكان الأصليين لهذا البلد وغيرها، مما يدفعنا إلى التساؤل: هل سيتعاطف هؤلاء الذين حرموا من حقهم الثقافي مع فلسطين، وهم يتعرضون يوميا للإقصاء من أنظمة عروبية مبنية على إقصاء جزء كبير جدا من الشعب من حقوقه التامة في المواطنة، ومنها الحقوق الثقافية؟، هل يمكن لنا تجريم الكيان الصهيوني وإتهامه بتهويد فلسطين، وعلى رأسها القدس، وهناك أيديولوجيون عروبيون يقومون بنفس الأمر إن لم يكن أبشع في بلدان منطقتنا، بل عملوا من أجل تعريب الشجر والحجر، فغيروا أسماء مدن وقرى، وطمسوا تاريخ أمم وشعوب، ولم يكتفوا بذلك، بل يستخدم الكثير منهم مواقع التواصل الإجتماعي لإفراغ أكاذيبهم وحقدهم وعنصريتهم على مجموعات سكانية، إلا لأنها رفضت الرضوخ لتعريبهم، ويتهمونها بالعنصرية إلا لأنها رفضت التنازل عن حقوقها الثقافية، فبناء على ذلك نتساءل: من يخدم مصالح الصهيونية في بلداننا، ويساعدها على تفتيت أوطاننا؟ فمن يساعد يا ترى الكيان الصهيوني على تنفيذ "حرب المجتمعات" المبنية على التدمير الذاتي التي تحدثنا عنها في بداية المقالة؟.

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-