قضية النازحين والظلم الطائفي


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 5711 - 2017 / 11 / 27 - 00:11
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

اعلان العبادي بالانتصار على داعش عسكريا، يطوي صفحة دولة الخلافة الاسلامية في العراق، والتي نشئت واعتاشت ونمت وتمددت بوقود الظلم الطائفي في العراق الذي دشن في عهد سيطرة الاسلام السياسي الشيعي على السلطة بعد الاحتلال. وان انهاء سيناريو داعش في العراق لا يعني ابدا بانه لن يولد من رحمه وحش جديد، وسيتفوق ببربريته على داعش، كما تفوق الاخير على القاعدة. ومع هذا ليس هناك ليس لدى العبادي ولا المالكي ولا بقية الاحزاب والقوى الشيعية اي برنامج او سياسة واضحة من شأنها ان تعالج الارضية والبيئة التي خلقت داعش. والعكس من ذلك فأنها تمضي في نفس السياسة السابقة، وتغتنم الانتصارات على داعش بتقليم اظافر القوى السياسية التي صنفت سنية، وفرضت نفسها عنوة على جماهير المناطق الغربية، عن طريق معاقبة تلك الجماهير، اما بعدم السماح بالعودة الى مناطقهم او عدم توفير الخدمات واعمار ما يمكن اعماره مما دمرتها الحرب.
وتكشف محنة النازحين عن أكبر المآسي الانسانية التي يمر بها المجتمع العراقي، ويعكس احدى اوجه الظلم الطائفي. ولا تتعلق تلك المآسي بعددهم المليوني وانتشار الامراض في صفوفهم وعيشهم في ظروف قاسية، سواء جراء الحر الشديد اثناء فصل الصيف او البرد القارص الذي ينتظرونه دون فارق صبر او انعدام الخدمات، بل في غياب افق عودتهم الى مناطقهم ومنازلهم بحيث يعيشون فيها بالحد الادنى للظروف الانسانية من حيث اعمار ما تهدم جراء الحرب على داعش وتوفير الخدمات والتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الاولى. فغياب ذلك الافق يكمن في السياسة الممنهجة للحكومة المركزية في بغداد التي سنشرحها لاحقا، والفساد الذي ينخر مؤسسات الحكومات المحلية والحكومة المركزية، والتخطيط لترحيلهم عنوة الى مناطقهم دون اية اعمار او توفير الخدمات من اجل تسويقهم اعلاميا وسياسيا ومن ثم تحويلهم الى مجرد ورقة انتخابية لتعليب اصواتهم الى صندوق الانتخابات.
وعليه لو لا الانتخابات لما تحدث احد عن النازحين لا اعلاميا ولا دعائيا. انهم مجرد ورقة حتى بالنسبة للذين نصبوا أنفسهم ولاة على "السنة" لتعليب اصواتهم في الانتخابات المقبلة. وهكذا بالنسبة للعبادي ايضا، فيدرك بعودة النازحين، ستقل من حجم امتيازات "التحالف الشيعي" ونفوذه في السلطة المقبلة، اذا ما ادلوا باصواتهم في الانتخابات القادمة التي تكون بعيد عن النزاهة مثل بعد الارض عن السماء. لذلك رفض طلب ما يسمى بالقوى "السنية" بتأجيل الانتخابات حتى عودة النازحين.
ان عودة النازحين الى مناطقهم والتعامل معهم كمعاملة انسانية حتى في مناطق نزوحهم الحالية، ليست مسالة فنية ولا ترتبط بإمكانيات الحكومة، بل ترتبط بنفس السياسة التي هيئت الارضية لتأسيس داعش. انها سياسة الظلم القومي الذي تمارسها حكومات التحالف الشيعي المتعاقبة في المناطق الغربية، لحسم مصير السلطة السياسية في العراق.
ولا يضر اذا ما اعدنا الى الذاكرة ما كررناه سابقا حول ما ذهب اليه المالكي رئيس الوزراء السابق ورئيس اكبر كتلة برلمانية، في مقابلته الاخيرة مع فضائيته "الافاق" بوصف اهالي مدينة الموصل بالدواعش، او تسمية محافظة الانبار بمحافظة الارهاب من قبل وزير خارجية العراق في حكومة العبادي ابراهيم الجعفري امام الاجتماع السنوي الاخير للامم المتحدة. ومن هنا يستطيع المرء دون اي عناء ان يستنتج بأن محنة النازحين في العراق ليس مسالة عابرة او حدث مثل احداث الكوارث الطبيعية. بعبارة اخرى فأن اذلال اهالي المناطق الغربية التي كانت تسيطر عليها داعش، بكل الوسائل سواء بالتغيير الديمغرافي او بوضع العراقيل امام عودة النازحين او بعدم توفير الخدمات، او بعدم الشروع في اعادة اعمار تلك المدن تحت ذرائع سخيفة وواهية، او معاملتهم معاملة مهينة ومن الدرجة الثانية اثناء عودتهم الى مناطقهم في نقاط التفتيش، هي جزء من سياسة ممنهجة ومدروسة ضمن الظلم الطائفي الذي يمارسها التحالف الشيعي الحاكم في العراق.

ان حسم مسالة النازحين مرتبط بأنهاء سياسة الظلم القومي التي تمارسها سلطة التحالف الشيعي بقيادة حيدر العبادي. ان اهازيج انتصارات العبادي على داعش والقوميين الكرد، لن تطول، وان كل ادعاءاته حول دولة المواطنة والمساواة التي اعمانا بها، ستتبدد سريعا، مثلما تبددت ادعاءات المالكي بتأسيس دولة القانون بعيد الحاق الهزيمة بعصابات جيش المهدي. ان الظلم الطائفي الذي تمارسها حكومة العبادي هو جزء من سياسة لحسم مصير السلطة السياسية في العراق وتأسيس دولة بهوية اسلامية - قومية وبرتوش ليبرالية.
واذا ما ذكرنا على سبيل المثال لا الحصر مشروع تعديل قانون الاحوال الشخصية التي سحب من البرلمان تحت الضغط الشعبي والعالمي، فأنه يكشف عن مساعي حكومة العبادي والتحالف الشيعي الذي يقف ورائه في تنفيذ اجندته التي اشرنا اليها.
ان الظلم الطائفي والظلم الديني على بقية المنتمين الى طوائف اخرى ومسودة قانون الاحوال الشخصية وقانون حرية التعبير ومسودة قانون العطل الرسمية التي تصل الى ١٥٢ يوم، اكثر من ثلثيها مناسبات دينية طائفية هي رزمة كاملة توضح هوية الدولة المقبلة المزمع ترسيخها بقيادة العبادي.
ان القوى التي ارغمت على سحب مسودة قانون الاحوال الشخصية المشين، هي نفس القوى التي يمكن ان تنهي الظلم الطائفي عن طريق ازاحة سلطة الاسلام السياسي الحاكم، ولكنها بحاجة الى تنظيم ورص الصفوف نحو تاسيس دولة المواطنة، دولة المساواة، دولة تعرف الانسان بهويته الانسانية، دولة تقصي الدين عن حياتها وعن التربية والتعليم.