التنوير والحداثة واضطراب الثقافة الإسلاموية 1/2


ياسين المصري
الحوار المتمدن - العدد: 5702 - 2017 / 11 / 18 - 22:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

الذين يعتقدون أنهم يعبدون ويطيعون قوي ميتافيزيقية (آلهة) ظاهرة أو مخفية، هم في الواقع لا يعبدون ولا يطيعون أحدًا سوى أولئك الذين يرسمون في أذهانهم صورة ما عن هذه الآلهة وعن رغباتها ومطالبها، كي يصبحوا عبيدًا لهم وحدهم، فهم يقولون لهم كيف يعيشون حياتهم وماذا ينتظرهم بعد مماتهم، ويبثون دائمًا الإحساس بالخوف والرهبة من الدنيا والآخرة في قلوبهم، حتى يظل هذا الإحساس ماثلًا أمام أعينهم ومتملكًا على قلوبهم مدي الحياة، ومن ثم يتم تعميق عبوديتهم وترسيخ طاعتهم لهم، وإبعادهم كثيرًا عن ذواتهم. هذا هو الأسلوب الممنهج لرجال السياس والدين جميعًا، سواء عُلِّق الدين بالسماء أو وُضِع على الأرض، والذي بُنِيَت عليه ثقافة أو ثقافات مضطربة دائما. بيد أن العقل الأوروبي كما هو معروف، تمكن من التغلب عليها ، خلال ما يعرف بعصر التنوير العام، والحداثة الشاملة التي نجمت عنه بالضرورة.
إن الاضطراب الشديد والممنهج الذي تعاني منه الثقافة الإسلاموية منذ خضعت لتعاليم صحراوية متخلفة قبل ما يزيد على 1400 عام، يقف حجر عـثرة في طريق التنوير والحداثة.

في البداية نحاول التعرف باختصار على ماهية التنوير والحداثة وما هي الصِّلة بينهما، ثم نتطرق إلى الثقافة الإسلاموية الشائعة والطاغية ونستوضح مدى تصديها لمحاولات التنوير والتحديث في المجتمعات المتأسلمة:

أولا : التنوير
في عام 1784 نشرت "مجلة برلين" مقالين للإجابة على ما هية التنوير، فكتب
الفيلسوف موسى مندلسون يقول :" ان كلا من المعرفة والثقافة والتنوير تعديل للحياة الاجتماعية... ويندرج تحت المعرفة كل من الثقافة والتنوير. وتهتم الثقافة بالجانب العلمي... بينما يهتم التنوير أكثر بالجانب النظري. أي يهتم بالمعرفة العقلانية والموضوعية وقدرة الذات على التفكير في الاشياء الموجودة في الحياة الانسانية تبعا لأهميتها وتأثيرها في تحقيق حياة الانسان.."
وبعد شهرين نشر الفيلسوف إمانويل كانْت (1804-1724) في عدد ديسمبر من نفس العام (ص 494 - 481) مقاله الشهير: ما هو التنوير؟ جاء فيه :
« التنوير هو خروج الانسان من قصوره الذي اقترفه في حق نفسه، وهذا القصور هو بسبب عجزه عن استخدام عقله الا بتوجيه من انسان آخر. ويرجع الذنب في هذا القصور الى الانسان نفسه عندما لا يكون السبب فيه هو عيب في العقل، وانما الافتقار الى العزم والشجاعة اللذان يحفزانه على استخدام عقله بغير توجيه من انسان آخر». كما اضاف: « والكسل والجبن هما علة بقاء البعض من الناس عاجزين وقاصرين طوال حياتهم، رغم ان الطبيعة حررتهم منذ زمن طويل من كل سلطة ووصاية خارجية وغريبة عليهم »، وحصر أسباب حالة القصور تلك في سببين أساسيين، هما : الكسـل والجبــن !
فتكاسل الناس عن الاعتماد على أنفسهم في التفكير أدى من جهة إلى تخلفهم، ومن جهة أخرى هيأ الفرصة للآخرين لاستغلالهم، وذلك بسبب عامل الخوف فيهم. وقال: ان مبدأ التنوير هو: " كن شجاعا واستخدم عقلك بنفسك!"

ورأي أن " الحرية " مطلب ضروري لنشأة التنوير واستمراره ولكنه وضع شروطًا لها فميز بين "استخدامين" لمفهوم الحرية، أولهما المطلب الأساسي وهو الاستخدام العلني للعقل في كل الأمور دون عراقيل، والثاني هو الاستخدام الخاص أو الوظيفي، وهنا تنشأ إشكالية الفصل في الإنسان الواحد بين كونه "مواطن" و"موظف" على أساس أن الحرية ليست فوضى ولكنها مسؤولية في كلتا الحالتين.

وقال : « إن إشاعة الأنوار لا يشترط شيء آخر سوى الحرية في إبراز مظاهرها كاستخدام العقل علانية من كل زواياه »، ولكنه أقر صراحة بتعارض الحرية الفردية مع القانون والنظام العام في الدولة، وقال بتقديم النظام على الحرية الخاصة !!! ولكنه بين بوضوح كيف أن إطاعة " القانون " لا تعني إلغاء الحرية الفردية، بل على العكس تدعـمها وتقويها، طالما كانت القوانين صادرة عـن الأفراد بوصفهم أعضاء فاعـلين في المجتمع ومفوَّضين من قبل غالبية أفراده.

ومع أن كانت أيد مبادئ الثورة الفرنسية ((1799 - 1789، إلا أنه لم يؤيد طريق الثورة بوصفه الطريق السليم للإصلاح. وذلك لرؤيته بأن تغيير اتجاه العقول من الاعتماد على الغير إلى الاستقلال الذاتي أمر لا ينفع فيه تحول مفاجئ، كالذي يحدث في الثورات، وإنما يعتمد على التربية العقلية والنقدية.

ونتيجة لافكار التنوير ومبادئه تطورت الفلسفة العقلانية النقدية وفكرة التقدم الاجتماعي وحقوق الانسان. وكان الهدف الرئيسي الذي سعت إلى تحقيقه هو تكوين "فلسفة جماهيرية " تكون بديلا لفلسفة الطبقة الارستقراطية المحافظة وحلفائها من رجال الكنيسة ، وتهيئة الاذهان لتغيير الانظمة الاجتماعية والسياسية والثقافية، التي باتت لا تتلائم مع روح العصر، وكان محورها الاساسي هو فكرة التقدم الانساني الذي ينبثق عن قدرة العقل البشري على السيطرة على الطبيعة وتسخيرها لصالح الانسان والمجتمع البشري. فأهم مقوِّمات التنوير وأساسياته هو احترام العقل ومناهضة التفكير الميتافيزيقي، انطلاقا من ان العقل البشري هو المصدر الوحيد للمعرفة الصحيحة.

خلاصة مقال الفيلسوف الألماني كانْت المنشور على كثير من مواقع الإنترنت باللغة الألمانية:
http://www.alsatia.de/publikationen/Immanuel_Kant_Was_ist_Aufklaerung.pdf
وباللغة الإنجليزية على الرابط التالي:
http://www.allmendeberlin.de/What-is-Enlightenment.pdf

اولا - ان الانسان مسؤول عن قصوره، اذا لم يكن سببه نقصا في عقله، وانما نقصا في شجاعته وجرأته على اتخاذ القرار بمفرده.
ثانيا - ان هناك مصلحة في ابقاء الناس على قصورهم وعجزهم، وهم مسؤولون عن ذلك. ويرتبط تطوع الآخرين في فرض وصاياهم عليهم بمصلحة تحقيق السيطرة على القاصرين منهم، لان الأوصياء يجدون صعوبة في تحقيق سيطرتهم اذا لم يكن هناك افراد يعجزون عن استخدام عقولهم ويتركون للآخرين اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية نيابة عنهم.
ثالثا - ان للانسان عقل يميزه عن باقي الكائنات الحية ويوجهه نحو المعرفة الصحيحة والعمل المفيد والقرار الصائب اذا استطاع استخدامه بشكل صحيح وبدون توجيه من انسان آخر.
رابعا - ليس هناك شيء يتطلبه التنوير بقدر ما يتطلب الحرية، ويعني ذلك حرية الاستخدام العلني للعقل وفي كل الامور.
خامسا - هناك شعوب كبيرة خرجت من مرحلة القصور العقلي واصبحت تفكر بشجاعة وبصورة مستقلة دون وصاية من الاخرين، وعلى هذه الشعوب ان تخوض معركة ضد نفسها وضد الاخرين، وهذا لا يتم الا بنشر الحرية، التي هي حق الانسان في الاستخدام العلني لعقله وفي جميع مجالات الحياة.


ثانيًا؛ الحداثة
التنوير هو مفتاح الحداثة وبابها الى العالم، فلا حداثة بدون تنوير.
والحداثة تعني تحديث أو تجديد ما هو قديم وهو مصطلح يبرز في المجال الثقافي والفكري ليدل على مرحلة التطور في جميع مجالات الحياة التي طبعت أوروبا بشكل خاص في العصر الحديث، حيث أن معظم مجالات الحياة الحديثة تغذت من مصادر متعددة: اكتشافات علمية مذهلة، معلومات عن موقعنا من الفضاء وتصورنا عنه، ميكنة الصناعة التي حولت المعرفة العلمية إلى تكنولوجيا، وغيرها، مما خلق بيئات جديدة للبشر، وعجَّل من حركة الحياة، وعمل على بلورة أفكار واتجاهات اجتماعية وسياسية ودينية حديثة، وكوَّن قوى وسلطات جديدة، وعقّد العلاقات بين الناس وبعضهم البعض ، وبين الناس والمؤسسات المختلفة، وزاد أو غيَّر اتجاهات الصراعات الطبقية ، وفصل الملايين من البشر عن تاريخهم وعاداتهم الموروثة منذ الأزل.

وعلى الرغم من أن الحداثة تربط عادة بالتقدم الصناعي والتكنولوجي إلا أن التغييرات الفكرية التنويرية كانت الأكثر تأثيرا، بل هي التي فتحت أبواب الحداثة على مصراعيه ، لتشمل مجالات السياسة والاقتصاد والدين وعلم الاجتماع.

السياسة والاقتصاد
يعتبر معظم الفلاسفة السياسيين أن ميكافيللي وهوبز، والبعض قد يضيف لوثر أيضًا، كمفكرين نظروا للتغيرات في الواقع السياسي ومهدوا الطريق للدراسات السياسية. وأنهم استوعبوا حقيقة القوى الفاعلة في بلادهم وفسروا السياسة بجدلية فرَّقت بينها وبين القوى السياسية في العصور الوسطى والعصور القديمة. فقد رؤوا، بصورة عامة، أن السياسة هي ميدان القوًَّة والأنانية والسيطرة. ولكنهم اعترفوا بدور السلطة في الحفاظ على النظام والأمن.
نيكولو ميكافيلي (1469 - 1527) بفكره الواقعي في كتابيه الأمير والمطارحات أثر تأثيرا بالغا على الفكر السياسي في الغرب إلى الحد الذي يمكن فيه القول بأنه أساس الفكر السياسي الحديث. فيما بعد قام توماس هوبز.(1588 - 1679) بتطوير وتوسيع أفكار ميكافيللي في فلسفته السياسية التي نبع منها الفكر الليبرالي الغربي الحالي.
في عصر التنوير ظهرت نظريات سياسية جديدة من أهمها فكرة "العقد الاجتماعي" المبنية على فكر جان جاك روسو ( 1712- 1778) والتي نظَّر لها أيضا مونتسكيو (1755 - 1689) وجون لوك (1632 - 1704) والتي تفرق بين الدولة والحكومة وتقول بأن على الشعب أن يتنازل عن بعض الحقوق للحكومة في مقابل الحفاظ على الأمن والنظام، إلا أن هذا التنازل يجب أن يكون بموافقة الشعب فيما أسماه روسو العقد الاجتماعي. هذه النظرية ألهمت الثورة الفرنسية.

ومع انتشار الثورة الصناعية تزايد التطور العمراني وظهرت الرأسمالية بوجه استغلالي اقبيح مما غير المجتمع بشكل ملحوظ. خلال هذه الفترة بدأ يظهر الفكر الاشتراكي وحازت الماركسية على دعم الشعوب المختلفة، خصوصا من قبل الطبقات العاملة. من قياديي هذا الفكر كارل ماركس وفريدرك إنكلز. في نفس الوقت بدأت حركات سياسية أخرى بالتكون، منها اللاسلطوية والنقابية والحركات التي تدعو إلى تعدد الأحزاب وسيطرة الطبقة العاملة على السياسة والاقتصاد.


الدين
في نهاية العصور الوسطى وبداية عصر التنوير كانت التفسيرات حول العالم وما فيه تدور في حيز الدين، الله هو الخالق وهو الذي يسيِّر الكون وهو الذي سوف ينهيه.. وأن للتاريخ نهاية واضحة...الخ. وفي بداية القرن السابع عشر الميلادي أسس نيوتن قوانين الفيزياء الحركية أو الميكانيا، والتي أوحت للناس أن العالم يمكن فهمه دون العودة إلى الدين. ومع أن نيوتن كان يؤمن بأن الله خالق الكون، وأنه هو الذي خلق هذه القوانين. إلا أن فهمها أو دراستها يمكن أن تجري وتتطور دون الرجوع إلى الكتب المقدسة.
فيما بعد، قام آخرون بدراسة مجالات أخرى من الحياة في الاقتصاد والسياسة والأخلاق، وغيرها بعيدًا عن الدين:... مما أعطى إمكانية إخراج الدين من دائرة الحوار وجعل الحوار عقلانياً ومنطقياً، على أساس أن عقل الإنسان يمكنه أن يستوعب كيفية عمل الأشياء، ويمكنه أن يغيرها دون الاعتماد على الخرافات الدينية. وفي النهاية أدت هذه الطريقة في التفكير إلى تحول مجموعة من المفكرين الراديكاليين إلى الربوبية التي ترفض الأديان المنظمة وتدعو إلى التمسك بالعلم والمنطق. مما مهد الطريق لظهور العلمانية والإلحاد. إن تطور العلم وتعارضه مع الدين، أدى بالضرورة إلى ظهور طبقة من العلماء رفضوا كافة الأديان، واعتنقوا الإلحاد، وبدؤوا الدعوة إلى أنظمة حكم علمانية لا تسمح للدين بالتدخل في أمور الحياة العامة. كما أن ظهور نظرية دارون في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عزز هذه الظاهرة وشجع الكثير على الإلحاد معتمدين على تتعارضها مع الفكر الديني الذي يؤكد أن الناس جميعا من نسل آدم.

علم الاجتماع
ألهبت أفكار ديكارت (1596 - 1650) المثالية خيال المفكرين في القرون الثلاثة التالية لعصر التنوير، وأنجبت العديد من رواد العدالة الاجتماعية والمدن المثالية نسجاً على منوال "المدينة الفاضلة" لتوماس مور.
كانت الأفكار جميعها تميل إلى البحث عن العدالة الاجتماعية ورفض نظام الإقطاع والطبقية الذي كان سائدًا في أوروبا في ذلك الوقت وتدعو إلى مجتمع فاضل يحصل فيه الجميع على حقوق متساوية. مِمَّا أدَّى إلى ظهور العديد من المدارس السياسية والاقتصادية القائمة عليها مثل الشيوعية والاشتراكية والماركسية وغيرها، وأدت تلك بدورها إلى تغيير النظم الحاكمة في أوروبا وحدوث الثورات الاجتماعية والسياسية مثل الثورة الفرنسية والثورة البلشفية.
ومن المفكرين الحداثيين الذين أثروا في علم الاجتماع من أمثال فرديناند تونيز وإميل دوركهيم وماكس ڤيبر

مبدأ الذاتية

يعبر عنه أحياناً بمبدأ الفردانية ، فالإنسان الفرد هو القيمة الحقيقية للقيم في الوجود، فهو الوحيد الذي يكْسِب لأشياء من حوله قيمها، لذلك يجب أن تكون ذاته الإنسانية مقدسة بشكل مطلق ولا يجوز إخضاعها لأية قدرة سماوية أو أرضية من خارج إرادتها وقناعتها.

الهدف الأساسي لرجال السياسة ورجال الدين هو إبعاد الناس كثيرًا عن ذواتهم ، كما أشرت في في بداية المقال، مع أن مبدأ الذاتية هو القاعدة الاساسية للتنوير والحداثة في المجال الفلسفي الذي يعني أولوية الذات وانتصارها، حيث اصبح الانسان العصري يرى صورته في مرآة يتمثل العالم من خلالها، واخذ يدرك نفسه كذات مستقلة ومتميزة عن الطبيعة، وهو ما دفع الانسان الى السيطرة على الطبيعة واخضاعها لمشيئته. كما اصبح الانسان المتحضر يستمد يقينه من ذاته، وليس من عقيدة او سلطة، غير سلطة ذاته. وليس كما كان عليه الامر في القرون الوسطى.
وبحسب هيغل، فان الحداثة شكلت ارتدادا الى الذات وكونت بنية علاقة مع الذات دعاها هيغل بـ "الذاتية" او "الآنية"، أي حرية الذات، التي هي بشكل عام مبدأ العالم (الازمنة الحديثة) وشرحها بـ "الحرية" حيث قال:"ان مكون اهمية وعظمة عصرنا هو الاعتراف بالحرية "، ووصفها "بالروح، وحقيقة كونها بذاتها".
 
وكان ديكارت اول من أسس فكرة الحداثة الفلسفية بعد ان وضع مبدأ الذاتية (الكوجيتو): "أنا افكر اذن أنا موجود" كاساس للحقيقة وكقيمة مطلقة - وخط فاصل بين عالم الآلهة القديم وعالم الانسان الحديث - وجعله مركز الكون.

اما لا بتننز (1646- 1716) فهو أول من اسس الحداثة الفلسفية على مبدأ العقلانية، حيث قال "ان لكل شيء سبب معقول" وبهذه المقولة تفتحت ابواب العالم الحديث التي ساعدت الانسان على معرفة اسرار الكون والحياة والموجودات وكونت بديلا علميا وعقلانيا لسلطة الميتافيزيقيا القديمة. ومذاك اصبح العلم هو الموجه الذي يقود الفلسفة الحديثة وظهور مفهوم "الكلية" الذي يعني النظرة الشمولية العامة للاشياء.

إن ما يميز الأزمنة الحديثة، هو الارتداد إلى الذات أو الذاتية، ويتضمن هذا، في نظر الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني المعاصر هابرماس (1929)، أربعة مدلولات، وهي كالتالي:
1 - الفردانية: في العالم المعاصر، يحق للفردانية شديدة الخصوصية ، أن تبرز طموحاتها.
2 - العقلانية : التي لا تعني مثالا نقتنصه من السماء، بل هو موجود في ذواتنا، إن هذه العقلانية تستلزم نسقاً اجتماعياً ديمقراطياً لا يستبعد أحداً.
3 - الحق في الانتقاد: وهو يتطلب أن يبدو ما يتوجب على كل فرد تقبله، في نظره هو، شيئًا له ما يبرره.
4 - استقلالية الفعل: يعود للأزمنة الحديثة الفضل في إرادتنا أن نكون مسؤولين عما نفعل.

وذهب هابرماس إلى أن العلم الموضوعي الذي اخذ يفك سحر الطبيعة، حرر في الوقت نفسه، الذات العارفة، واصبحت الحرية الذاتية للفرد التي قامت على هذه التصورات، تؤكد على حق الفرد في التمييز بين الافعال المتوقعة منه، فاخذ يلاحق الغايات ولكن بشرط انسجامها مع راحة الآخرين. وبذلك اكتسبت الارادة الذاتية استقلالا طبقا للقوانين العامة. وهكذا تجسدت الحداثة والعقيدة والدولة والعلم والفن والاخلاق في مبدأ الذاتية.

لقد فرضت الذاتية في نظر هابرماس، الأحداث التاريخية الكبرى. فقد عملت على إماطة اللثام عن كل الأشكال السحرية والأسطورية التي كانت الطبيعة تتخذها في القرون الوسطى، بحيث بلورت الثقافة في كل أشكالها، وخلصتها من الشوائب القروسطية، واتجهت إلى اختزال الطبيعة في مجموعة قوانين ومعادلات رياضية. أما فيما يخص المفاهيم الأخلاقية، فقد عملت على التركيز على حرية الفرد واستقلاليته ومسؤوليته في اتخاذ قراراته. وجرى ذلك في إطار قانوني ينظم علاقته بالآخرين، أي توافق استقلالية الإرادة الذاتية مع القوانين العامة. وأخيرًا، نجد الفن الحديث، يكشف عن جوهره في الرومانسية على مستوى الشكل والمضمون، اللذين يتحددان بالاستبطان المطلق.
 
إن نظرية الذاتية أو الفردانية تعتبر الإنسان الفرد هو القيمة الوحيدة في الحياة وهو المقياس لكل حقيقة، كما تؤمن بمبدأ حق النقد المطلق ، بمعنى أنه لا يوجد شيء مقدس لا يقبل النقد والنقاش، بما في ذلك الخالق والدين وكل شيء فهو قابل للنقد حتى يثبت عليه البرهان.
 
مبدأ العقلانية:
عند الأخذ بمبدأ الذاتية يأتي مبدأ العقلانية كتطور طبيعي ، بحيث يقال إن الحداثة ماهي إلَّا عقلنة الحياة، أي إن كل شيء يجب أن يخضع للاستدلال العقلي، فالحداثة تقف في مقابل الخرافة، لذلك تطلب الحداثة إخضاع كل المسلمات والمعلومات في مجال العلم والأخلاق والدين للعقل. 
 

في المقال الثاني نتساءل عن مكانة الثقافة الإسلاموية من كل هذا ، وإلى أي مدى وصلت إليه في مجال التنوير والحداثة .

المراجع
1. Berman, Marshall 1981 All That is Solid melts into Air: The Experience of Modernity.
2. Toulmin, Stephen 1992 Cosmopolis: The Hidden Agenda of Modernity, University of Chicago Press : Chicago.
3 . tephen 1992 Cosmopolis: The Hidden Agenda of Modernity, University of Chicago Press : Chicago.
4. Porter, Jene M., (2002), Modernity: Its Nature and The Causes Of Its Growth. http://www.artsci.lsu.edu/voegelin/EVS/Jene%20Porter.htm
5 محسن عطيه2010 : "القيم الجمالية في الفنون التشكيلية " دار الفكر العربى.
6. Janelle, Donald 1969: ‘Spatial reorganization: a model and concept Annals Assoc. Amer. Geog.
7. Giddens, Anthony 1990: The Consequences of Modernity
8 سعد الحاج بن جخدل، 2011، "البعد السوسيونفسي للحداثة" مجلة. اديبات لبنان، مطبعة الفلق، بيروت.
9. Harvey, David 1989: The Condition of Postmodernity
10. Jürgen Habermas: Erkenntnis und Interesse. Mit einem neuen Nachwort. [2. Aufl.] Suhrkamp, Frankfurt am Main 1973, ISBN 3-518-07601-9 (Suhrkamp Taschenbuch Wissenschaft, Band 1).