الحرب الباردة بين السنة والشيعة


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5701 - 2017 / 11 / 17 - 15:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كل ما يدور

من حرب باردة بين السعودية وإيران يهدف كل ما يهدف إلى توطيد المكاسب الاستراتيجية الأمريكية والروسية، خاصة المكاسب الأمريكية، في المنطقة، على حساب اقتصاد هذين البلدين. كل ما يفعله العملاقان العالميان، خاصة العملاق الأمريكي، عند التلويح بالحرب بين إيران والسعودية، يرمي إلى خنق إيران والسعودية اقتصاديًا -وَطُرُق الخنق كثيرة ليست أولها شراء الأعتدة الحربية ولا آخرها بيع خمسة بالمائة من أصول شركة الآرامكو أو بناء المفاعل النووي- التلويح بالحرب بين إيران والسعودية يرمي إلى خنق السعودية وإيران اقتصاديًا لتثبيت نفوذ روسيا وأمريكا، وبالتالي نهب ثروات هذين البلدين وباقي بلدان المنطقة. تمرير النهب يتطلب أن تلعب أمريكا وروسيا، خاصة أمريكا، على الحبلين، لتُنهكا "بسيكولوجيا الجماهير" عندنا، وتجعلاها في حالة من الذعر الدائم. في الوقت نفسه، لتمسكا بخناق شعوبهما، وذلك بتهويل ما يجري، فتخترقا "بسيكولوجيا الجماهير" عندهما، وتجعلاها في حالة من التهديد الدائم. عندنا كل مشاكل الوجود تزول أمام الذعر، ولا يبقى إلا مشكل واحد أحد: العداء بين السنة والشيعة! وعند الأمريكان والروس، خاصة عند الأمريكان، ومن يقل الأمريكان يعنِ الغرب برمته، كل الأزمات الاقتصادية تزول أمام التهديد، ولا يبقى إلا مشكل واحد أحد: الصراع مع الإسلاميين!

أمام وهم اندلاع الحرب

فالحرب لن تندلع، أمام وهم انتصار الواحدة على الأخرى، تحاول السعودية كإيران أن تدير قوتها إعلاميًا وعلى الأرض، الحملات الإعلامية يعرفها الكل، وعلى الأرض تم افتعال المشكل القطري البارحة، واليوم المشكل اللبناني. صحيح هناك الاعتقالات المبرَّرة بالفساد في بلد ربه الفساد التي لم تكن مفتعلة، وصحيح هناك استقالة الحريري المبرَّرة بالضغط السعودي على إمَّعة من الإمَّعات التي لم يُرغم عليها، فهي تحصيل حاصل، لكن على هامش الحرب الباردة بين السعودية وإيران تحصل "استثناءات" تُستغل استغلالاً قذرًا من طرف العملاقين العالميين وأذيالهما في المنطقة، فما تصريحات ترامب عن الذين "أدموا البلد" إلى جانب نيرون الرياض ضد الشعب السعودي، وما تصريحات ماكرو عن التغيير على يد الدكتاتور الصغير بانتهازية لا تصدق على مرأى ومسمع السعوديين المهتوكين في مالهم وعرضهم، وخاصة ما تصريحات الطغمة الحاكمة العدوة للشعب اليهودي في إسرائيل إلى جانب سعودية محمد بن عبد الوهاب أقذر إسلامي على وجه الأرض ضد إيران، ما التصريحات كلها تسير إلا في هذا الاتجاه القذر لاستغلال هذه "الاستثناءات"، لأن مجرد أن يتدخل بطل الشعبويين في العالم إلى جانب أقذر نظام في العالم، مجرد أن يتفق بوتين رئيس المافيا الحاكمة في روسيا وترامب حول عدم جدوى الخيار العسكري في سوريا –يا سلام سلم! أقول يا سلام سلم لأن الصراع بين الأمريكان والروس صراع كاذب صراع هو في حقيقته "لاصراع" راح ضحيته الشعب السوري-، مجرد أن تتدخل الطغمة العسكرتارية الحاكمة في إسرائيل إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، يعني كل ذلك التأزيم أكثر للأزمة، وكل هذا مدروس في استراتيجية المكاسب الأمريكية والروسية.

بينما الزمن لم يعد يتكرر

الزمن يتغير، وللزمن اليوم شروطه على الغرب والشرق هي التي ستمشي، على أمريكا وعلى روسيا وعلى السعودية وعلى إيران، فخروج الشرق الأوسط من حربه مع نفسه، الحرب المصطنعة بين سنة وشيعه، والحرب الدامية مع داعش، هو نفسه خروج اليابان من الحرب العالمية الثانية، وخروج ألمانيا من جحيم النازية، وقبل هذا وذاك، في القرن التاسع عشر، خروج أمريكا من حروبها الأهلية، لتدخل أمريكا وألمانيا واليابان من باب التقدم العريض، دون الإخلال باستراتيجية المكاسب، بل على العكس امتدت استراتيجية المكاسب لتغطي العالم، وشعت أنوار عصر الأولوية للشعوب التي شعوب الشرق الأوسط جزء لا يتجزأ منها، لكنها –أي شعوب الشرق الأوسط- لم تزل تعيش تحت سماء الشمس الغاربة للحضارة.

نعم لاقتصاد الرفاه

هدف تسعى إليه قوس قزح اعتمادًا منها على النظريات الاقتصادية التي تدرس الإمكانيات المؤدية إلى توزيع الدخل الوطني على جميع الأفراد، شيء غير مستحيل في استراتيجية المكاسب، السلم شرطه الأول، والجيواستثمار شرطه ليس الأخير. قوس قزح التي اعتدت أن أسميها دولة بدون دولة، لأنها النفي للدولة بالمعنى التقليدي وقد فات أوانها، النفي للكتل وقد حل محلها الأفراد، النفي للأحزاب وقد تجاوزتها منظمات المجتمع المدني، ولأنها البديل الكوني في الإدارة والحكم، وما يجري في لبنان اليوم يدفع لبنان إلى نفي نفسه بنفسه كنظام، بانتظار نفي باقي الأنظمة العربية بدفعة صغيرة من يد قوس قزح.