الشرق الأوسط الحديث


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5692 - 2017 / 11 / 8 - 13:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تطرقت

في مقال سابق إلى مشاريع قوس قزح الثقافية والاقتصادية والسياسية، وربطت هذه الحقول الثلاثة ببعضها جاعلاً منها ركائز نشاطات المؤسسة في باريس ولندن وواشنطن، لتكون قوة متكافئة مع غيرها من القوى في هذه المجالات، ذات قدرة على العمل من داخل البنى التحتية في الغرب، متأثرة بها ومؤثرة فيها. إضافة إلى ذلك، أسهبت في شرح ناحية "البزنس" بقدر ناحية "البوليتيك" للمؤسسة وفروعها في العالم، كيلا أجعل من إيران بقرةً حلوبًا على دأب زوائدها ونواقصها ممن تدعم. لكني في هذا المقال سأتكلم عن بلدان الشرق الأوسط في علاقاتها بالعصر الحديث، والأدوار التي ستعمل قوس قزح على أن تلعبها هذه البلدان كشريكة لأمريكا (عندما أقول لأمريكا أعني للغرب) وكفاعلة، منها تستمد قوتها وتمدها، فيكون شرط هذه البلدان من شرطها، وبالتالي قدرها قدر التقدم للجميع والرفاهية.

طهران وادي السيليكون

الشرق الأوسط الحديث كمفهوم جيواستثماري يعني ورشات عمل جديدة تضاف إلى ما هو موجود من ورشات عمل في وادي السيليكون جنوب مدينة سان فرانسيسكو، يكفي أن نتخيل التغيير العملاق الذي سيجتاح المنطقة، وما يتطلبه هذا التغيير في المجال التكنولوجي من تقنية عالية المستوى، ستكون طهران المؤهلة لذلك بوصفها امتدادًا صناعيًا لوادي السيليكون، ومجالاً استثماريًا للولايات المتحدة، فأمريكا في بلدها تمثل التكنولوجيا ثلث عائداتها الاستثمارية، ومن المفترض ثلثًا ثانيًا في الشرق الأوسط.

الرياض مكة المال

نحن لا نريد أن نسحب أصول السعودية وباقي بلدان النفط من البنوك الأمريكية أو ما يسمى "المؤسسات المالية النظامية العالمية الهامة"، نحن نريد أن نكون واحدًا منها واحدًا من جواها، بنكًا عالميًا يضاف إليها، وبدءًا من أصول جديدة تشمل كل عائدات النفط في الشرق الأوسط الحديث، بنك الرياض العالمي، فنحول دون تدهور نسبة "الكور تيير 1"، ونقيم التوازن بين الأصول التي لنا والتي لأمريكا، والأهم من هذا وذاك نساهم في تنقيص ديونها بقوتنا المالية المتنامية، في الوقت الذي نحمي فيه شركات نفطنا التي في مقدمتها شركة آرامكو، فلا حاجة بعد ذلك إلى بيع أسهم منها في الوول ستريت. الإبقاء على آرامكو عبر هذا الأفق المالي التبادلي الفعال فيه دعم كموني متواصل للنظامين الماليين الأمريكي والعربي الإيراني الشرق أوسطي.

تل أبيب عاصمة صناعة الصناعة

ستتمحور كل الصناعات الثقيلة والخفيفة في تل أبيب، أي مكننة الشرق الأوسط، من الإبرة حتى الفيل! استعارتي هذه تشمل المشاريع العملاقة كقطار الأورينت ستار رابط الدار البيضاء بطهران والمشاريع العملاقة الأقل كصناعة الإلكتروميناجيه والهوت ديفينيسيون. ورشات الصناعة هذه تستوجب الذوبان في ورشات الصناعة الأمريكية على شاكلة ما يفرضه العصر التكنولوجي بوثباته من ذوبان الشركات العملاقة فيما بينها لتكون على مستوى متطلبات السوق قبل طلباته وعلى قدر المنافسة كمًا ونوعًا.

القاهرة عاصمة صناعة الزراعة

فهي درة وادي النيل، وأجدني لا أبالغ عندما أقول إن أراضي النيل الخصبة ستطعم وحدها المليار شرق أوسطي إذا ما تمت مكننة الزراعة ونقلها من الحمار الذي يجر محراثاً إلى التراكتور والحاصدة الآلية والقاطفة الآلية و و و... إضافة إلى ذلك، ستعمل مصر على إدخال المنطقة في عصر الطاقة المتجددة. هذا هو الشرق الأوسط الحديث كما أرى، لا الشرق الأوسط الجديد كما تراه كوندليزا رايس، سود الله وجهها! وهذه هي الأعمال الخلاقة، لا الفوضى الخلاقة!

الرباط عاصمة صناعة الثقافة

أعيد، صناعة الثقافة، نعم، لمن لم يفهمني، لأنني أقصد صناعة الأفلام، فنجعل من الرباط هوليود ثانية، لأنني أقصد صناعة الكتب، فنجعل من الرباط غاليمار ثانية، لأنني أقصد صناعة المسارح، فنجعل من الرباط برودواي ثانية، لأنني أقصد صناعة الجرائد المجلات كل أنواع المنشورات الدعائية كل أنواع الأبحاث العلمية باختصار كل أنواع أغذية العقل.

قوس قزح

تبقى المنظومة الشرق أوسطية مثلها مثل المنظومة الأوروبية، العين واليد والحضن للعواصم الفذة الخمس، الدولة التي بدون دولة، بينما تكون تركيا الخلفية الهادئة لأنابيب النفط والغاز الذاهبة إلى أوروبا. في الماضي الذي لم يعد قريبًا والذي لم يزل غير بعيد، قال أحدهم: "لا يمكن الحكم إلا بالقوة"، فكانت الضحايا بالملايين. اليوم، أقول: "لا يمكن الحكم إلا بالسلم"، فلا تكون هناك ضحية واحدة.