انحناءة إجلال للبلاشفة في مئوية ثورة اكتوبر / 2-5


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 5690 - 2017 / 11 / 6 - 22:02
المحور: ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا     

سبب الانهيار
مقدمة
بتاريخ 2017 / 7 / 28 ، و في العدد : 5594 للحوار المتمدن الأغر ، نشرتُ – ضمن ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا – كلمة قصيرة جداً بالعنوان أعلاه كان الهدف منها تبيين عظمة تلك الثورة الاشتراكية الكبرى ، و بيان أهم منجزاتها ، و التنويه بفداحة الخسارة التي لحقت بالحركة الشيوعية العالمية و بالإنسانية جمعاء جراء انهيارها ، مع التوكيد بأن الثورة الاشتراكية العالمية الجديدة ضد قوى الظلام العالمية للرأسمالية المتفسخة قادمة لا محال رغم الداء و الأعداء . و أنهيتها بالجملة :

مرة أخرى : انحناءة اجلال للبلاشفة الأبطال الذين حملوا شعلة الماركسية الوهاجة حول العالم .

و قد وردني ضمن تعليقات الفَيسْبُك التعليق الآتي :
تعليقات الفيسبوك (1)
أبو علياء
الأستاذ حسين علوان حسين , احسنت نشر هذا الموضوع المهم ولكن كان الأجدر بك ان تقدم لنا الأسباب التي ادت الى انهيار الأتحاد السوفيتي الذي ادى الى خسارة جسيمة لشعوبه وشعوب العالم الثالث والطبقة العاملة في البلدان الأوربية قاطبة والدروس المستخلصة من هذا الانهيار وآفاق المستقبل للثورة الأشتراكية في العالم دون احلام او اوهام تحياتي
28 يوليو، 2017

و أنا أشكر الأستاذ الفاضل "أبو علياء" على تنبيهي إلى ضرورة الخوض في الموضوع المهم أعلاه .

بعض الآراء المطروحة بصدد انهيار الاتحاد السوفيتي
كثر الكلام عن أسباب تفكك الاتحاد السوفيتي . بعضها يعزوه إلى معادات الغرب الرأسمالي التي قامت ضده و ضد الحركة الشيوعية العالمية في كل مكان بلا هوادة و بكل السبل طوال 74 سنة و ذلك من خلال شن الحروب الحارة و الباردة الاقتصادية و الحصار المستديم عليه . و رغم الأهمية الكبرى لهذا العامل الخارجي ، إلا أنه ليس جديراً بالاعتبار بهذا الصدد لسبب واضح و بسيط ألا و هو : أن الاتحاد السوفيتي لم يسقط جراء العدوان الخارجي من أي نوع كان . العكس هو الصحيح : فقد نجح البلاشفة أيما نجاح - سياسيا و اقتصاديا و عسكرياً – في تحويل الاتحاد السوفيتي إلى أحد أقوى قطبين مؤثرين على العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 بعد أن أثبت الجيش الأحمر السوفيتي باقتحامه معاقل هتلر في برلين بكونه أقوى جيوش العالم ، و لولاه – هو فقط ، و ليس غيره – لكانت النازية و الفاشية تحكم العالم الآن من الأورال إلى جبل طارق و من أعالي بحر البلطيق حتى بلدان حوض البحر المتوسط برمته .
و هناك من يفسر تفكك الاتحاد السوفيتي بأسباب بنيوية اقتصادية – طويلة الأجل منها أو قصيرته – و ذلك بالترويج لفرية فشل المشروع الاقتصادي الاشتراكي القائم على مبدأ تشريك وسائل الإنتاج و الخطط الخمسية و سيطرة الدولة على الإنتاج و التوزيع و التجارة الخارجية . المروجون لهذه الفرية هم المروجون لوحشية الامبريالية ممن يهمهم تسويق الكذبة الكبرى و الفاضحة و المتمثلة بأفضلية النظام الرأسمالي على النظام الاشتراكي . و هم يغلفون كلامهم هذا بالعبارات الطنانة الفارغة عن غياب تفعيل "الدور الحيوي لآليات اقتصاد السوق الحرة في خلق التوازن الاقتصادي بين العرض و الطلب" ، و غياب التحفيز "للمبادرات الخلاقة للمتعهدين (entrepreneurs) من القطاع الخاص" في اجتراح المعجزات الإنتاجية ؛ متغافلين عن الحقيقة الماركسية الإقتصاتاريخية الساطعة و المتمثلة بكون آليات اقتصاد السوق الرأسمالية هي آليات عشوائية غير مستقرة بفعل جوهر اشتغالها البنيوي ، و لذلك فقد وجدناها و سنبقى نجدها تنتقل بشعوب البلدان الرأسمالية و العالم من أزمة اقتصادية كبرى لأخرى ، و لم تستطع كل الدول الرأسمالية تجاوز أي منها منذ عام 1929 و حتى الأزمة الأخيرة لعام 2008-9 إلا بالتعلم من خطوت الاقتصاد الاشتراكي السوفيتي و المتمثلة بتدخل الدولة المبرمج - و لو مرحلياً - لصد ما يمكن صده من سيول الأزمة الرأسمالية بغية إعادة التوازن للسوق الرأسمالي المنفلت الذي لا يطيع سوى أحكام قانون رأسمالي منفلت واحد فقط : السعي الرأسمالي الأبدي و المتواصل للاستحواذ على أكبر حجم من الأرباح بأي ثمن كان على حساب سرقة قوة عمل شغيلة العالم أجمع . كل أزمات و حروب العالم الرأسمالي لا يدفع ثمنها سوى الطبقة العاملة من عرقها و دمائها . و كل الاقتصاد الكينزي الكسيح الذي يتغنى به الرأسماليون مبني على التقليد الرأسمالي الفج للخطط الاشتراكية الخمسية و لتدخل الدولة المباشر في الاقتصاد ، إنما لحساب النهب الرأسمالي و ليس لحساب تحرير عمل الشغيلة من الاستغلال . و إذا ما وضعنا كل هذا الحقائق جانباً ، فإننا نجد أن من يتحدث عن الأزمة الاقتصادية البنيوية للنظام الاشتراكي السوفيتي يتناسى – من بين عشرات الحقائق المهمة جداً الأخرى – أن الاتحاد السوفيتي لم يتفكك بفعل ثورة شعبية عارمة من القاعدة جراء تدهور الأحوال المعاشية للشعب ، و إنما أصطنع تفكيكه من فوق اصطناعاً . وقائع التاريخ و الاجتماع المشهودة تبلغنا بأن التدهور الاقتصادي قد عم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي و ليس قبلة ، لذا نجد أن الانتفاضات و المظاهرات الشعبية قد قامت في روسيا و أوكرايينيا و غيرها من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي و ليس قبلئذٍ أثر اقتراف نمور الطبقة الأوليغارشية الجديدة لأكبر سرقة في التاريخ للملكيات الاشتراكية للدولة و إفقارها المبرمج و الرهيب لعموم شعوب الاتحاد السوفيتي السابق طوال الأعوام 1993- 2017 (هذه هي جرائم القطاع الخاص الخلاق التي لها يغنون !) .
لذا ، نجد أن غالبية الروس يحنون الآن لأيام الاتحاد السوفيتي ، حيث قام مركز "ليفادا" المستقل لاستطلاعات الرأي العام بالقيام بمسح لآراء المواطنين في (134) مدينة و قرية روسية و ذلك خلال الفترة من 18-21 من شهر تشرين الثاني من العام الماضي (2016) عبر فيها (56%) من المٌستَطلَعين عن حزنهم لسقوط الشيوعية (مقابل 28% فقط بالضد من ذلك) ، كما عبر( 53 % ) منهم عن افتقادهم للنظام الاقتصادي السوفيتي الموحد ، حسب التقرير الذي نشرته وكالة إنترفاكس الخبرية بتاريخ 5‏/12‏/2016.
و هناك من يعزي تفكك الاتحاد السوفيتي إلى غياب "التعددية الحزبية" و "الحياة الديمقراطية" (كذا) فيه ، و هذا كلام مجاف للحقائق تماماً لكونه يتجاهل الوقائع التاريخية و الاجتماعية القائمة . من المعلوم أن الأحزاب السياسية هي منظمات تعبر عن مصالح حواضنها الاجتماعية . لذا ، فقد عمدت كل الأحزاب السياسية البرجوازية العاملة في روسيا برفع السلاح ضد ثورة أكتوبر الاشتراكية حال قيامها ، فقد أصبح لزاماً على البلاشفة دحر أعدائهم الطبقيين عسكرياً أولاً . و مع تفتيت الطبقة البرجوازية في الاتحاد السوفيتي ، فلم تبق لغير الشيوعيين قاعدة اجتماعية للوجود و التنظيم . و عندما سمح الحزب الشيوعي السوفيتي بتعدد المنابر الساسية عام 1988، أصبح عدو الشيوعية أندريه زخاروف – الذي كان يحلو له نعت الشيوعيين علناً و في كل مكان عام بنعت "الخنازير" الكريه جداً في روسيا للاستفزاز غير المبرر ، و غيره كثيرون – أحد أعضاء مجلس السوفييت الأعلى عام 1989 . كما يتجاهل هذا الرأي واقعة أن الذي أمر بقصف البرلمان الروسي المنتخب يوم 21 تشرين الثاني من عام 1993 (أي بعد عامين على سقوط الاتحاد السوفيتي ) لم يكن هو الشيوعي ستالين ، بل كان هو عدو الشيوعية و سليل الكولاك المجرم بوريس يلتسن (مهندس قرار تفكيك الاتحاد السوفيتي و الموقع قبلها بسنتين "ديمقراطياً" و "تعددياً" على قرار حظر الحزب الشيوعي الروسي و مصادرة كل أملاكه) . وقتها – عام 1993– أصدر البرلمان الروسي قراره الدستوري بطرد يلتسن من منصب الرئاسة لفساده و عدم كفاءته و ارتباطاته الوثيقة بعصابات المافيا الروسية ، و عيَّن نائبه روتسكوي رئيساً لروسيا بدلاً عنه ، فأثبت هذا اليلتسن الأوخراني مدى كبير احترامه للديمقراطية و للدستور و للتعددية عندما أصدر قراراً كيفياً بحل البرلمان المنتخب ديمقراطياً رغم أن الدستور يمنع عليه أتخاذ مثل هذا القرار منعاً باتاً . ثم استدعى الوحدات الخاصة و المدرعة للجيش الروسي لضرب البرلمان . و لكون الجيش الروسي قد وقف في هذا النزاع على الحياد أولاً ، فقد استعان يلتسن بعصابة من الموساد جاءت إلى موسكو من اسرائيل عبر بولونيا لقنص ثلة بريئة من الجنود الروس المطوقين للبرلمان خلسة بغية توريطهم بضرب برلمان ممثلي الشعب ؛ و هذا ما حصل - حيث تم قصف بناية البرلمان بقذائف الدبابات و إحراقه و قتل أكثر من 2000 متظاهر روسي من مؤيدي ممثلي الشعب . من الذي يحترم الديمقراطية : الشيوعيون ، أم أعداؤهم ؟ هل أجرى غورباتشوف أو يلتسين استفتاءً شعبياً و ديمقراطياً لتخيير شعوب الاتحاد السوفيتي السابق بين الرأسمالية و الاشتراكية ، أم أنهما نصبا نفسيهما دكتاتورياً ليقررا – هما و عصاباتهما – نيابة عن أكثر من 100 قومية روسية وأد الاشتراكية لحساب مصالح حفنة من الأوليغارشية الروسية ؟
و تثبت وقائع التاريخ أن المفردات من قبيل "التعددية الحزبية" و "الديمقراطية" و "حقوق الأنسان" تتفرغ من كل معانيها الحقيقية في ظل حكم سلطة رأس المال . فما هو الفرق الحقيقي الذي تخلقه التعددية الحزبية بين الحزبين الديمقراطي و الجمهوري في حكم الولايات المتحدة الأمريكية ؟ الجواب لا يوجد فرق جوهري . رأس المال يستثمر في قيادات هذين الحزبين المتنفذين و لا يهمه مطلقاً من الذي يفوزه بالانتخابات منهما . نفس الشيء يقال عن التراوح الحزبي القائم في كل البلدان الرأسمالية الأخرى . "ديمقراطية" رأس المال التي عنها يتحدثون ليست في الواقع سوى "دكتاتورية" مصالحه على طول الخط بغض النظر عن مسميات الاحزاب التي تخضع قياداتها كلها له ، بلا استثناء . كل "الديمقراطيات" الغربية هي ديمقراطية قذرة تُغلِّب مصالح 1% من الشعوب على 99% منهم رغم أنف الجميع .
أما حقوق الأنسان فواضح وضعها في الغرب مما نقرأ و نشاهد يومياً عن كيفية التعامل مع المهاجرين و تفشي التمييز العنصري و الديني و تلويث البيئة و تجارة الأسلحة و الرقيق الأبيض و غوانتنامو ووو إلخ .

مرة أخرى : انحناءة اجلال للبلاشفة الأبطال الذين حملوا شعلة الماركسية الوهاجة حول العالم .

يتبع ، لطفاً .