للعلمانيين حصة في الحسين..مقاربة مع الدينيين


قاسم حسين صالح
الحوار المتمدن - العدد: 5685 - 2017 / 11 / 1 - 14:37
المحور: المجتمع المدني     




للعلمانيين حصة في الحسين
مقاربة مع الدينيين
أ.د.قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
ما تنفرد به ثورة الامام الحسين انها تتجدد مع انه مضى عليها اكثر من الف عام،والسبب هو ان الصراع بين الاستبداد والطغيان والاضطهاد وظلم السلطة والرذيلة من جهة،وبين الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والفضيلة واحترام الانسان من جهة اخرى..مسأله ازليه،لا يحدها زمان ولا مكان،ولا صنف من الحكّام او الشعوب.
وسيكولوجيا..كان مشهد استشهاد الحسين تراجيديا من نوع فريد..ليس فقط في الموقف البطولي لرجل في السابعة والخمسين يقف بشموخ وكبرياء امام آلاف الرجال المدججين بالسيوف والرماح المنتظرين لحظة الايذان بالهجوم عليه وقتله،ورفضه عرض مفاوض السلطة بأن يخضع لأمرها وله ما يريد،وردّه الشجاع بصيحته المدويه:(هيهات منّا الذلّه)،وعلمه أن الطامعين بالمكافأه يتدافعون في أيهم يقتله اولا، وأيهم سيمثّل بجثته..بل ولأن المشهد كان فيه نساء واطفال..فأي مشهد تراجيدي افجع من مشهد قطع رؤوس جاء اصحابها يطالبون باصلاح حال السلطة والناس وتعليقها في الرماح والطواف بها بين البلدان؟! وأي مشهد تراجيدي أفجع من مشهد طفل رضيع ينحر بسهم بين يدي ابيه طالبا له منهم شربة ماء؟! وأي احتجاج أبلغ وأقسى وأوجع من ثائر يرمي بوجه السماء دم ابنه الرضيع المنحور بين يديه..مع أنه ثار من أجل تحقيق عدالتها؟!
تجيير الثورة..بأسم الشيعة
ما نؤاخذ عليه اننا لم نقدم الحسين الى العالم بمضمونه الانساني بوصفه ثائرا مطالبا بتطبيق قيم الحق والعدالة الاجتماعية والوقوف بشجاعة بوجه الظلم والقهر والاستبداد وحيثما كان هنالك نظام يحتكر السلطة والثروة،بل قدمناه بوصفه رجل دين ثار من اجل قيم دينية.وجرى للأسف تضييق هذا البعد وجعله محصورا بطائفة محددة ،مع ان ثورة الحسين ما كانت طائفية ولا محسوبة لجماعة معينة،بل كان فيها الحجازي والشامي والعراقي واليمني..والمسلم والمسيحي.ويبدو أن السبب في ذلك ما كان عراقيا..بل ايرانيا لأسباب يطول شرحها.ولقد حان الوقت لمنح هذه الثورة بعدها الانساني الذي تلتقي فيه اهداف العلمانيين والدينيين بعد ان توافرت لكليهما الظروف السياسية والاجتماعية والاعلامية.لكن هذا لن يتحقق اذا جرى التركيز على الجانب الديني والطائفي،لسبب سيكولوجي هو أن الأديان والطوائف الأخرى لا تتقبل ان تطرح عليها القضايا بصيغة المفاضلة،فيما تتقبله اذا طرحت بصيغته الانسانية،واذا جرى التركيز ايضا على ابعادها الاجتماعية والاخلاقية والاقتصادية.كما أن البعد الانساني لهذه الثورة لن يأخذ مداه اذا ظلت السلطة تبقى وراء الترويج لها كما هو حاصل الآن في عدد من الدول الآوربية حيث تقوم بعض السفارات العراقية باحياء هذه المراسيم،فلا يتقبلها الأوربي لأن عقله تحليلي يبحث عن المصدر الذي يوصله بالنتيجة الى انه طائفة استلمت سلطة..فيما لن يتقصى ذلك لو ان المراسيم كانت عفوية تلقائية.
لقد ازدادت المواكب الحسينية وصارت الأرقام تتحدث عنها بالملايين،واحد اسبابها هو ان الشيعة بوصفها كانت طائفة مضطهدة تريد ان تقول للآخرين عبر هذه الطقوس اننا رغم ما تعرضنا له من اضطهاد وظلم واستبداد،فأننا هاهنا موجودون وأن قوتنا في ازدياد ليس محليا فقط وانما عالميا ايضا حيث الألاف من انحاء العالم يأتون لمشاركة اخوانهم الشيعة في العراق..ليشكلوا قوة عالمية جديدة معترف بها.وأن صوتنا الذي كان محصورا بحدود منابرنا صار الآن مسموعا على مستوى العالم،(56 فضائية تنقل مراسيم عاشوراء،بعضها شيعية خالصة وصفها السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي " 14 ايار 2016" بان اصحابها أسسوها من ثروة الشعب!).
للعلمانيين..حصة في الحسين
القراءة التقليدية لثورة الحسين وطقوسها ومآتمها كانت قد جعلت العلمانيين في حيرة..فهم ان شاركوا فيها صاروا في حالة نشاز بين أفكار تقدمية يؤمنون بها وسلوك يعدونه متخلفا..فنأوا بأنفسهم عن المساهمة العملية فيها مع انهم يتعاطفون معها ويعدّون الحسين بطلا ثوريا.ويبدو أنهم كانوا لو تحدثوا في مناسبات عاشوراء بما تضمنته ثورة الحسين من قيم العدالة والحرية والكرامة الانسانية واقامة سلطة الحق (وهي قيم اشتراكية،او لنقل..ليبرالية)فانهم سينظرون الى أنفسهم كما لو انهم يغردون خارج السرب،وأن الدينيين سيسلقونهم بألسنة غلاظ. وهذا صحيح لو أن ذلك حدث في زمن النظام الدكتاتوري،لكنهم لو تحدثوا بها الآن لالتحقت بهم حصة من سرب الزيارت المليونية تكون،ان اجادوا فن الخطاب..في ازدياد ،لأن هذه الجماهير المليونية نكبت بحكومة وبرلمان وقادة احزاب اشاعوا الفساد، ليصبح عراق الحسين في زمنهم ثاني أفسد دولة عربية ورابعها في العالم،مع ان بين كبار المسؤولين الفاسدين من يدّعي ان الحسين جدّه!
كان على العلمانيين التقاط هذه الأمور التي تمس حياة الناس ويدركون ان لهم في الحسين حصة.فالفساد يعدّ أحد أهم اسباب ثورة الحسين،وهم اول من تظاهر مطالبا بالاصلاح ومحاسبة الفاسدين واقامة دولة مؤسسات مدنية دعت اليها المرجعية.والتشابه يراه الجميع بين ما كان وما هو كائن ،وهذه مفارقة مؤلمة.فالسلطة في زمن يزيد احتكرت الثورة لنفسها ولأقارب السلطان وعاشوا حياة الترف والبذخ وتركت الناس تعيش حياة بائسة.وهذا ما هو حاصل الآن وياللفاجعة!.فوزارت الدولة ومؤسسات الحكومة جرى تقسيمها بين عوائل معتبرين العراق غنيمة لهم.وبسببهم بلغت نسبة من هم دون خط الفقر في زمن ترليونات النفط (13%) وفقا لتقريري لجنة الاقتصاد النيابية ووكالة المساعدات الأمريكية،وارتفعت لتصل( 30% )بعد 2014 وفقا لوزارة التخطيط،ما يعني ان اكثر من سبعة ملايين عراقي يعيشون بأقل من دولارين في اليوم،فيما الذين تولوا السلطة من (14) سنة( وبينهم من يدعون انهم حسينيون) امتلكوا البيوت الفاخرة في عواصم الدنيا ،ويتقاضون رواتب ضخمة وامتيازات خيالية..ومع ذلك يواصلون لبس السواد ولطم الصدور في مواكب عزاء الحسين!.
ان ما تضمنته افكار هذه المقاربة تصلح مشروعا سياسيا وثقافيا للتقريب بين الدينيين والعلمانيين بما يوحدّهم في تبني هدف ثورة الامام الحسين يضعون فيه سويا..خاتمة بؤس العراقيين وفواجعهم.
1 /11/2017
*