عزف على أوتار سنطور إيراني قديم


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5674 - 2017 / 10 / 20 - 14:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

السنطور

آلة موسيقية تشبه القانون، لها مائة وتر، وكل أربعة أوتار تطلق صوتًا واحدًا، يُنْقَر عليها بِمِضربين خشبيين. أخذ الفرس السنطور عن أهل بابل الذين عزفوا عليه ملحمة كلكامش، وله في المقام العراقي مكان إيقاعي كبير. من الصعب العزف عليه، لكنني سأحاول، فلا شيء مستحيل في القاموس الموسيقي، تحت مترادفات السياسة والاقتصاد والثقافة.

الخوف من الثقافة

السنطور الإيراني قديم قدم الزمان، غنت حضارات المشرق عليه، وتغنت، بابل وفارس وقصور هارون الرشيد وحتى اليوم بغداد. غير أن طهران تنظر إلى السنطور نظرتها إلى القديم من آلات الطرب، فلا تضعه في محور الجديد، وفي ظنها أنه لا يطرب أحدًا سواها، بينما السنطور، ككل الآلات الموسيقية، آلة كونية، العزف عليه يشنف الآذان، ككل عزف متقن، حتى ولو كان العزف صعبًا، والقديم من آلات الطرب، كالجديد، أثره على الروح واحد، وفعله في النفس كبير، يساهم في بناء شخصية منفتحة على الآخر، لتفهمه، ويفهمها. لكن خوف طهران من عدم فهم الآخر لها، لأن آلتها الموسيقية قديمة، جعلها تنغلق على نفسها، ودفعها إلى التعامل مع موسيقاها، وعبر موسيقاها ثقافتها، كل ثقافتها، تعاملها مع الظلال في الزوايا المعتمة. وبالتالي، استسلامها لمقولة تنضح الكأس بما فيها، بينما ماء الحياة في الكأس، والثقافة في مركز شمس العالم، والمشكل، كل المشكل، هو أن إيران، بسنطورها القديم، لا تعرف الطريق إلى هذا المركز.

الخوف من الاقتصاد

دائمًا الخوف من عدم فهم الآخر هو المحرك للاقتصاد في طهران، فتبقى الأمور على ما هي عليه، كما كانت في عهد الشاه، حتى ولو كان عهد الشاه متطورًا في وقته. اقتصاد الريع هو المهيمن، وبالتالي النظام الكمبرادوري. هذا يعني أن حضارة الباطون الخليجية هي حضارتها، بينما إيران قادرة على منافسة الحضارة الغربية تحت، أو، فوق، جبب ملاليها، فالحضارة الحديثة ليست ما نغطي به البدن، الحضارة الحديثة هي ما نغطي به العقل، ونعري للآخر قدرتنا على الإبداع في كل شيء، وأول شيء الاقتصاد الذي عماده الاستثمارات، بدءًا من عندنا، وليس انتهاء بعند غيرنا، لأن العولمة توجب اقتصادًا منفتحًا على باقي اقتصادات العالم، مندمجًا فيها، وليس منغلقًا على نفسه، كما هو حاله في إيران، اقتصاد همه الأول والأخير "التعكيز"، فإلى متى ينقذ الخوف العصا التي يتعكز عليها ملالي طهران من الانكسار، وإلى متى يديرهم الخوف، ويدور بهم، في اقتصاد ينهار، لا يرفده شيء آخر غير اقتصاد السلاح، وهو اقتصاد روسي خسيس، نفعه لموسكو خسارة لطهران.

الخوف من السياسة

الخوف من عدم فهم الآخر في السياسة يؤدي إلى رعب إخوتنا الملالي، والرعب، كصراع نفسي، يؤدي إلى التخبط في كل مكان تحشر طهران أنفها. نظرة واحدة إلى موقع فضائية العالم بلغتها الركيكة (سيقول من يخدع رأس السلطة هذا بسبب اللغة!) تُريك ورطات إيران التي لا نهاية لها في سوريا ولبنان والعراق و... و... و... وكأن السياسة كوابيس متواصلة، بل هي كوابيس متواصلة، تُحَوِّل الخوف من عدم فهم الآخر إلى تخويف الآخر، والبحث، فقط البحث، عن تخويفه، الإبقاء على تخويفه، وبشتى الطرق العسكرتارية، وقد غدا منطق العسكرة المنطق الوحيد للسياسة، بينما المنطق المعاكس، المنطق السلمي، ممكن مع "قوس قزح"، ومن أسهل ما يكون، لتحقيق الغايات نفسها، إن لم يكن أحسن منها، وبأقل التكاليف. نعم، بأقل التكاليف، خاصة وأن أعلى مرجعية شيعية تفكر كما أفكر. السيستاني ينادي بنظام علماني في العراق كحل وحيد للعراق والعراقيين، وهو ضد الطائفية، ضد العرقية، ضد المحاصصية، ضد التقسيمية، ضد العزف على أربعة أوتار من مائة أوتار السنطور السياسي، بمعنى ضد الصوت الواحد، فهل ألوذ بالسيستاني لتحقيق مشروعي الكونفدرالي؟ للخروج من منطق الخوف من السياسة، لا بد من منطق الشجاعة في السياسة، وفي الاقتصاد، وفي الثقافة، والانخراط فيه، تمامًا كالانخراط في المنطق النقيض، المنطق العسكرتاري، المدمر للآخر وللذات، المفقد للصواب. يكفينا البدء معًا، الخطوة الأولى، آه! ما أسهلها وما أصعبها في آن. أعرف أن الاتصالات بأمريكا لم تنقطع منذ قيام الدولة الإسلامية، اتصالات لا تفعل غير الإبقاء على الأمر الواقع، بينما من المفترض تجاوز الأمر الواقع إلى أمور الواقع، أمور واقع جديد فيه فائدة، أعظم فائدة، للجميع، فالعزف على مائة وتر خير، أعظم خير، من العزف على أربعة.